البحث

عبارات مقترحة:

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

محبة رب السماء لأهل البلاء

العربية

المؤلف علاء الخليدي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. دعاء ذهاب الهم والغم .
  2. أهمية قيام الليل وفضائله .
  3. قيام الرسول -صلى الله عليه وسلم- لليل .
  4. ثمرات وفوائد قيام الليل .
  5. أفضل وقت لقيام الليل .
  6. نماذج رائعة في قيام الليل .

اقتباس

من هم أهل الليل؟ وبماذا يتصفون؟ أهل الليل هم أهل القيام، هم أهل الإخلاص. هي صلاة المخلصين، هي صلاة الصادقين، هي صلاة المنيبين، هي صلاة التائبين، هي صلاة الصادقين، هي صلاة الخائفين، هي صلاة المشتاقين لربهم -سبحانه- رب العالمين، يكلمون الله في ليلهم، يشكون إلى الله أحزانهم وغمومهم وهمومهم، يبثون إلى الله الشكوى. نبي الله يعقوب -عليه السلام- لما...

الخطبة الأولى:

الحمد لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه، لا مانع لما أعطاه، ولا مضل لمن هداه، ولا ساتر لما أبداه، سبحانه خلق آدم بيده وسواه، وأمره ونهاه، ثم تاب عليه ورحمه واجتباه، حاله ينذر من سعى فيما اشتهاه، ردى إبليس فأصمه وأعماه، وأبعده وأشقاه، في قصَّته نذير لمن خالف الله وعصاه.

وأشهد أن لا إله إلا الله أخذ موسى من أمه طفلا ورعاه، ثم ساقه إلى حجر عدوه فرباه، خرج يطلب نارا فشرفه ربه وناداه: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ)[طه: 14].

والصلاة والسلام على ابن عبد الله، صلى الله على هذا الوجه ما أحلاه، وبارك الله على قائدنا وقدوتنا ما أكمله وأنداه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

اعلموا ما قل وكفى خير مما كثر وألهى: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)[الأنعام: 134].

أما بعد:

فلنتق الله جميعا حق التقوى، ولنعلم -يا عباد الله-: أن أجسادنا النحيلة الضعيفة على نار ربنا -جل جلاله- لا تقوى، لا تقوى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5].

أما بعد:

رسالة إلى كل مهموم ومغموم، رسالة إلى كل محزون، رسالة إلى كل من تكالبت عليه الهموم والديون، بل تكالبت عليه الدنيا بما فيها، بهمها وحزنها، والله إنها لبشارة من الله –سبحانه وتعالى- لمن اهتم واغتم، وما يزال الهم يلازمه ويطارده، في ليله ونهاره، سره وجهاره، في بيته وفي شارعه وفي مكتبه، والله إن لمن فضل الله -عز وجل- على العباد، ولكن أكثر العباد لا يعقلون، ولا يفهمون.

يا عباد الله: إن الله -عز وجل- جعل لكل شيء سبحانه دواءً.

دواء الهم والغم: دعاء وذكر الرب -سبحانه وتعالى-، فبذكره تجلى الهموم، وتهرب الغموم، ويبدل ذاك المحزون إلى سعادة، مع الباري سبحانه، ذو الجود والمعالي.

ولكن -يا عباد الله-: أقرب قريب -يا عباد الله- لدفع الهموم والغموم، ولشفاء المحزون -بإذن الرب الكريم ذو الجود سبحانه: إنه "قيام الليل".

يا عباد الله: عبادة جد قليلة، ولا يغفل عن مثل هذه العبادات إلا غافل جاهل.

يا الله أما قرأت أوائل سورة المزمل في محكم التنزيل، يأمر الصادق الأمين البر الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن يقوم الليل؟! قال جل ذكره: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) المتغطي بثيابه: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا)[المزمل: 1-3].

ماذا يحصل في الليل؟

(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) ما بها؟ (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)[المزمل: 6-4].

وقال الرب عن هذا الليل، تظنون أن الليل -يا عباد الله- سهل على القائمين؟!

والله يتمنون ويترقبون -يا عباد الله- غروب الشمس من أجل أن يختلي كل حبيب بحبيبه، وكل أنيس بأنيسه، كانوا ينتظرون الليل من أجل أن ينصبون الأقدام، ويرفعون الأيدي للواحد العلام، ينادون ذا الجلال والإكرام، ليلا ونهارا، سرا وجهارا، من أجل أن يستجيب دعاءهم، ويكشف بلواهم، ويستر عيوبهم، ويتجاوز عن ذنوبهم وسيئاتهم.

أما نحن -يا عباد الله-: ما حالنا مع الليل؟

الليل إذا جن الظلام تدرون ماذا يحصل في الليل؟

ينزل العلام ذي الجلال ولإكرام؛ نزولا يليق بجلالته وعظمته، إذا جن الظلام، ونام الأنام، وقام القائمون بين يدي الله، الذين يخافون عقابه، ويرجون رحمته –سبحانه تبارك وتعالى-.

أما غيرهم قاموا الليل، ولكن على -ماذا يا إخوان-؟

على أفلام ومسلسلات، على ما يغضب رب الأرض والسماوات!.

هم تقلبوا نعم في القنوات، ولكنهم ما تقلبوا مع الآيات، وما صعدوا ونزلوا مع قرآن رب الأرض والسماوات.

يا رجال الليل جدوا

رب داع لا يرد

ما يقوم الليل إلا

من له عزم وجد

نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- إمام المتقين، وسيد القائمين، وهو الذي كان يقوم الليل -عليه الصلاة والسلام-، حتى تتورم قدماه، صلى الله على الوفي الأمين، تدخل عليه الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنها-، فلما ترى حاله، يرق حالها له رضي الله عنها، لما ترى حبيبها -صلى الله عليه وسلم- قام الليل، حتى تورمت الأقدام، وقرأ القرآن، وصام لله، حتى تنشفت الحناجر من كثرة القرآن، ويبست الأرض من شدة القيام.

بكى عليه الصلاة والسلام حتى أجرى الدمع من العينين، حتى يرضي الرحمن -جل وعلا-.

الليل وأهل الليل؛ لهم مع ربهم أخبارا وأسرارا، يفرشون سجادة الاعتذار، ويعرضون لله الافتقار، وينكسرون بين يدي الحي المنان –سبحانه وتعالى-.

الليل، قال الله -عز وجل- عنه: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا)[الإنسان: 26-27].

أتدرون قيام الليل مطردة للسقم والمرض؟

ماذا تقول -يا خطيب-: دعم كلامك بحديث من كلام المصطفى؟

قال صلى الله عليه وسلم، وأقول لكم: من زعم أنه من الصالحين، ووصف نفسه من المتقين العابدين الزاهدين، وهو لا يقوم الليل، وليس له حظ من الليل مع ربه -جل وعلا-، فهذا -كما يقول بعض أهل العلم- عبادة الكذابين؛ لأن الليل لا يقومه إلا الصالحون.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بقيام الليل".

لماذا يا ابن عبد الله؟

"فإنه دأب الصالحين قبلكم".

يا الله! إذاً الذين كانوا قبلنا كانوا يقومون الليل؟

نعم: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)[الذاريات: 17].

فقط؟ لا: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات: 18].

قال الله عنهم في سورة أخرى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ.. )[السجدة: 16].

يتركون المضاجع والفرش الوثيرة والوسادة الناعمة؛ لأن وقت القيام بين يدي الله العلام -سبحانه-.

قال الله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) [السجدة: 16].

ماذا يفعلون؟ شاشات! قنوات! غيبة ونميمة! وما يغضب رب الأرض والسماوات؟!

لا، قال الله عنهم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)[السجدة: 16].

خوفا من ناره، وطمعا في جنانه، قال الله: (خَوْفًا وَطَمَعًا) فقط؟

قال أيضا: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).

وما جزاءهم؟

(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة: 17].

عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد.

أين الذين أصيبوا بأمراض فتاكة، ليس لها علاج، وتأخر علاجها -يا عباد الله-:؟!

العلاج في قيام الليل، ونصب الأقدام، للحي القيوم ذو الجلال والإكرام.

لماذا -يا عباد الله-: لا نأخذ بالأسباب؟ ولماذا -يا عباد الله- لا نرتقي إلى السحاب؟

ولماذا لا نميز القشر عن اللباب؟

ولماذا لا ننصب الأقدام بين يدي الله الحي القيوم؟

أين الذي يشتكون الأمراض الخطيرة المزمنة التي إلى الآن ما أراد الله شفائها ولا دفعها، ولا إزالتها من الأجساد والأبدان.

يا عباد الله: علاجها عند الله الذي لا إله إلا هو، ركعتان في آخر الليل، حين ينزل العلام، وينام الأنام: انصب الأقدام، وتواضع لذي الجلال والإكرام، والله يستحي أن يرد يدك صفرا، إذا رفعت إليه -سبحانه-.

أصيب رجل بمرض السرطان، فذهب إلى الشرق والغرب، والشمال والجنوب، يبحث عن العلاج، لكن الله -عز وجل- ألهمه أن يقوم الليل، فأخذ يقوم الليل أعواما عدة، ثم لما أصبح لا يشعر بآلام في نفس المكان الذي أصابه الله -عز وجل- فيه، ذهب للكشف، فتبين أن جسمه صحيح، ما فيه بلاء، ولا فيه داء!.

لا إله إلا أنت! ما أرحمك! وما أكرمك!.

من هم أهل الليل؟ وبماذا يتصفون؟

أهل الليل هم أهل القيام، هم أهل الإخلاص.

هي صلاة المخلصين، هي صلاة الصادقين، هي صلاة المنيبين، هي صلاة التائبين، هي صلاة الصادقين، هي صلاة الخائفين، هي صلاة المشتاقين لربهم -سبحانه- رب العالمين، يكلمون الله في ليلهم، يشكون إلى الله أحزانهم وغمومهم وهمومهم، يبثون إلى الله الشكوى.

نبي الله يعقوب -عليه السلام- لما تكالب عليه أولاده، أو ظنوا فيه أنهم قتلوه، وأتوا بدم كذب يريدون أن يصدقهم على فعلتهم الشنيعة، كاذبون، ولكنه سلى قلبه بدعاء، قال بعدما رفع الاعتذار لرب الأرض والسماء، قال الله على لسانه: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ)[يوسف: 86].

ومتى رفع أكف الضراعة من الليل يوم أن يختلي الأنيس بأنيسه، ويلتقي الحبيب بمحبوبه –سبحانه وتعالى-؟.

 (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[يوسف: 86].

أفضل الأوقات لقيام الليل، لا شك ولا ريب هو الثلث الأخير من الليل، ينزل الرب -جل وعلا-، أقول: الرب الذي تصلي من أجله وتدعو، يكون قريب منك -سبحانه وتعالى-، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

فأكثروا من السجود -عباد الله-: ينزل فيها الرب -جل جلاله-، ماذا يقول؟

"أنا الملك، من الذي يدعوني فأستجيب له؟! من الذي يسألني فأعطيه؟ من الذي يستغفرني فأغفر له؟".

فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر.

كان أبو بكر الصديق يقوم أول الليل، وكان عمر يؤخر القيام إلى آخر الليل، فقال صلى الله عليه وسلم للصديق الذي يقوم أول الليل، قبل أن تغفل عيناه، فيقوم يصلي، يقول له: "أخذت بالحيطة".

وقال للفاروق: "أخذت بالعزم" أو قال: "بالعزيمة".

النبي -صلى الله عليه وسلم- يزف لنا غنيمة طيبة -يا عباد الله- يعرضها صلى الله عليه وسلم  بالمجان، قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ، وأقولها لكم -يا عباد الله-: وقبل ذلك لنفسي: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، كما تطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل": (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)[السجدة: 16].

دعوني أناجي مولى جليلا

إذا الليل أرخى عليَّ السدولا

نظرت إليك بقلب ذليل

لأرجو به يا إلهي القبولا

اللهم اقبلني والحاضرين، اكتبنا في ديوان القائمين الراكعين الساجدين، الذين يريدون الرضا لا السخط، يريدون السعادة لا الشقاء، يريد الخير لا يريدون غيره يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، طوبى للمستغفرين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا

وقمت أشكو إلى مولاي ما أجدُ

وقلت يا أملي في كل نائبة  

ومن عليه بكشف الضر أعتمدُ

أشكو إليك ذنوباً أنت تعلمها  

مالي على حملها صبر ولا جَلَدُ

وقد مددت يدي بالذل معترفاً  

إليك يا خير من مدَّت إليه يد

فلا تردَّنها يا رب خائبة  

فبحر جودك يروي كل مَن يرِدُ

عطاء بن رباح ما قصة هذا الرجل الصالح؟

عطاء بن رباح، كان هو وزوجته وأمه في بيت واحد، كانت أمه تقوم ثلث الليل وتوقظ زوجته، فتقوم ثلث الليل، والزوجة توقظ عطاءً ليقوم ثلث الليل، فلما ماتت أمه، قال لزوجته: نقسم الليل نصفين، فلما ماتت زوجته بقي عطاء يقوم الليل كله.

تدرون لمدة كم؟

عشرون عاما، وما انطفأ السراج في بيت رباح، يا ليتني كنت عطاء بن رباح.

الحسن البصري، كان أسمر قريب إلى السواد، ولكن عليه بهاء النور، وإجلال من ربه وضعه في وجه الحسن البصري، فقال له الناس: عهدناك أسمر البشرة، ما هذا النور الذي يتلألأ من وجهك يا ابن البصري؟ قال: "نحن قوم خلونا بالله في ظلمات الليل، فكسانا من جماله وجلاله".

ما حالهم مع الليل؟

سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر، قال له: "ماذا تحب يا أبا بكر؟" قال: "أحب من هذه الدنيا ثلاثة: إنفاق المال عليك، والجلوس بين يديك، وإدامة النظر إليك".

وكذلك سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- الفاروق، قال: "ماذا تحب؟" قال: "أحب ثلاثة: أحب الحق وقول الحق والنهي عن المنكر".

سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا، قال له عليه الصلاة والسلام: "وأنت ماذا تحب؟" قال: "أحب إكرام الضيف، والصوم بالصيف، وقتل العدو بالسيف".

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لزوج الابنتين، وصاحب الهجرتين -رضي الله عنه- عثمان بن عفان -طيب الله وجهه- قال صلى الله عليه وسلم: "وأنت ماذا تحب يا ابن عفان؟" قال: "أحب ثلاثة: أحب إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وصلاة بالليل والناس نيام".

تدرون أن الذي يقوم الليل لا يأتيه الرياء، ولا يلتبس عليه السمعة ولا الشهرة؟!.

تدرون لماذا لا يكتب من المنافقين؟!.

لأنه يقوم في جنح الظلام، ولا يراه إلا الملك العلام –سبحانه وتعالى-.

بالله! ألا يكون هذا من الصادقين؟! ألا يكون هذا من الخاشعين؟! ألا يكون هذا -بإذن الله- عنده من المقربين؟!.

قام في شدة الليل المقمرة الباردة، فتح ذلك الماء من أجل أن يتوضأ لخالق الأرض والسماء، ثم قرب يده فشعر ببرودة الماء، ولكنه لم يتردد ويده تحت الماء مدت، ثم أخذ يتوضأ، ولعل التشققات في يده، ولكن ما ينتظره بين يدي ربه هو أعظم من كل شيء، "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة".

ثم لما فرغ فرش سجادة الاعتذار، ووقف بين يدي الملك العلام، وأخذ يبث الأحزان، ويشكو لله ما قد كان.

نعم -يا عباد الله-: إنها صلاة القائمين، وصلاة الأوابين، وصلاة الخاشعين، وما فيها رياء، وما فيها نفاق، وما فيها إلا العبادة والطاعة لله –سبحانه تبارك وتعالى-.

نعم -يا عباد الله-: فأكثروا من الصلاة، وقفوا بين يدي الله -سبحانه-.

"لا إله إلا الله" يا مريض، يا مهموم، يا مديون، يا من لا تقابل الناس، ولا تضع وجهك في وجوهم، الدين هم بالليل، وذل بالنهار، وكلنا أصحاب ديون، ولكن: اركع دون الفريضة، وصل لله في الليل ما شاء لك أن تصلي، فالله يستحي أن يرد يدي يدك صفرا خائبة، إذا كان هو الذي يستحي منا فحري بنا أن نستحي منه -جل جلاله-.

فلنستح من الله، ولنقم إلى الله قبل أن نقوم إلى الشاشات والقنوات، نشاهد ما يغضب رب الأرض والسماوات، وغيرنا أشغل ليله بالقيام، وأناره بطاعة العلام، فلا يمنعهم عن القيام إلا أذان الفجر.

عمر بن عبد العزيز، تقول فاطمة بنت عبد الملك عنه: "قام ليلة يقرأ قول الله -عز وجل-: (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ)[القارعة: 1-3].

تقول: ثم يبكي وهو قائم، قالت: ثم يعيد: (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ) القارعة: 1-3].

فلا يزال على هذا، حتى سقط، فظننت أن ابن عبد العزيز فارق الحياة، فإذا قام عاد إلى الصلاة، ثم -يا عباد الله- يؤذن الفجر، ويحبو إلى المسجد حبوا، لا يستطيع أن يمشي من شدة تورم أقدامه.

عباد ليل إذا جن الظلام بهم

كم عابدٍ دمعُه في الخد أجراه

وأختم هذا المقام بامرأة رجل من التابعين، امرأة جارية سوداء، ولكن بيض الله قلبها بنور الإيمان والقيام، اشتراها، فلما اشتراها جن الليل، هو افترش فراشه لينام، وهي افترشت سجادة الاعتذار بين يدي الواحد المنان، فقالت: سبحان الله! أتنام وربك -جل وعلا- لا ينام؟! أتنام في هذا الوقت ينزل من أجلك يسمع كلامك، ودعاءك، ولا يخفى عليه شيء من أمرك؟!

ثم أخذته، فنام، ثم أخذت تصلي لله، ركعت وسجدت، طال سجودها، فأفاق وهي ساجدة، تقول: "اللهم إني أسألك بحبك لي ألا تعذبني".

لما فرغت من صلاتها، قال لها: "أمجنونة أنتِ كيف علمتِ أن الله يحبك؟!".

اسمعوا ماذا قالت؟

قالت: "أما أقامني بين يديه وأنامك؟!".

لله قوم أخلصوا في حبه

فأحبهم واختارهم خداما

(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)[آل عمران: 17].

في ذلك الوقت وقت عظيم، والليل مفضل عند الله، كما يقول أهل العلم، من أي وقت من الأوقات، وقت يقوم فيه القوام بين يدي الرحمان، يسألونه الجنة، ويستعيذون به من النار.

اللهم يا من لا تراه في الدنيا العيون، ولا تخالطه الظنون، يا من سجد له الساجدون، وركع له الراكعون، وقام بين يديه القائمون، ولبى له الملبون، وحج إليه الحاجون، واعتمر له المعتمرون، وقام إليه القائمون، وعاد إليه العائدون، يا من إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون؛ اللهم أقمنا بين يديك، نصلي لك يا رب العالمين.