البحث

عبارات مقترحة:

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

عمر بن عبد العزيز بن مروان، الخليفة الصالح، أبو حفص، خامس الخلفاء الراشدين. قال سفيان الثوري: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز، أخرجه أبو داود في "سننه". ولد عمر بحلوان، قرية بمصر، وأبوه أمير عليها سنة إحدى، وقيل: ثلاث وستين وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وكان بوجه عمر شجة، ضربته دابة في جبهته، وهو غلام، فجعل أبوه يمسح الدم عنه، ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد، أخرجه ابن عساكر. وكان عمر بن الخطاب يقول: من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلًا، أخرجه الترمذي في تاريخه، فصدق ظن أبيه فيه. وأخرج ابن سعد أن عمر بن الخطاب قال: ليت شعري! من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلًا كما ملئت جورًا. وأخرج عن ابن عمر قال: كنا نتحدث أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر، يعمل بمثل عمل عمر، فكان بلال بن عبد الله بن عمر بوجهه شامة، وكانوا يرون أنه هو، حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز. روى عمر بن عبد العزيز عن أبيه، وأنس، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وابن قارظ، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وعامر بن سعد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبي بكر بن عبد الرحمن، والربيع بن سمرة، وطائفة. وروى عنه: الزهري، ومحمد بن المنكدر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومسلمة بن عبد الملك، ورجاء بن حيوة، وخلائق كثيرون. جمع القرآن وهو صغير، وبعثه أبوه إلى المدينة يتأدب بها، فكان يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع منه العلم، فلما توفي أبوه طلبه عبد الملك إلى دمشق وزوجه ابنته فاطمة. وكان قبل الخلافة على قدم الصلاح أيضًا، إلا أنه كان يبالغ في التنعم، فكان الذين يعيبونه من حساده لا يعيبونه إلا بالإفراط في التنعم والاختيال في المشية، فلما ولي الوليد الخلافة أمر عمر على المدينة، فوليها من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين، وعزل، فقدم الشام. ثم إن الوليد عزم على أن يخلع أخاه سليمان من العهد، وأن يعهد إلى ولده، فأطاعه كثير من الأشراف طوعًا وكرهًا، فامتنع عمر بن عبد العزيز، وقال لسليمان، في أعناقنا بيعة، وصمم، فطين عليه الوليد، ثم شفع فيه بعد ثلاث، فأدركوه وقد مالت عنقه، فعرفها له سليمان، فعهد إليه بالخلافة. قال زيد بن أسلم عن أنس رضي الله عنه: ما صليت وراء إمام بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى -يعني: عمر بن عبد العزيز- وهو أمير على المدينة، قال زيد بن أسلم: فكان يتم الركوع والسجود، ويخفف القيام والقعود. له طرق عن أنس، أخرجه البيهقي في سننه وغيره. وسئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز، فقال: هو نجيب بني أمية، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال ميمون بن مهران: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة. وأخرج أبو نعيم بسند صحيح عن رياح بن عبيدة، قال: خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة، وشيخ متوكئ على يده، فقلت في نفسي: إن هذا الشيخ جافٍ، فلما صلى ودخل لحقته، فقلت: أصلح الله الأمير، من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك؟ قال: يا رياح رأيته؟ قلت: نعم، قال: ما أحسبك إلا رجلًا صالِحًا، ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة، وأني سأعدل فيها. وأخرج أيضًا عن أبي هاشم أن رجلًا جاء إلى عمر بن عبد العزيز، فقال: رأيت النبي في النوم، وأبا بكر عن يمينه, وعمر عن شماله، فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه جالس، فقال لك: يا عمر إذا عملت فاعمل بعمل هذين -لأبي بكر وعمر- فاستحلف له عمر بالله لرأيت هذا، فحلف له، فبكى عمر. بويع بالخلافة بعهد من سليمان، في صفر سنة تسع وتسعين كما تقدم، فمكث فيها سنتين وخمسة أشهر، نحو خلافة الصديق رضي الله عنه ملأ الأرض عدلًا، وردّ المظالم، وسن السنن الحسنة، ولما قرئ كتاب العهد باسمه عقر2 وقال: والله إن هذا الأمر ما سألته الله قط؛ وقدم إليه صاحب المراكب مركب الخليفة فأبى وقال: ائتوني ببغلتي: قال الحكم بن عمر: شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب المراكب يسألونه العلوفة ورزق خدمتها، قال: ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها فيمن يريد، واجعل أثمانها في مال الله، تكفيني بغلتي هذه الشهباء. وقال عمر بن ذر: لما رجع عمر من جنازة سليمان قال له مولاه: مالي أراك مغتمًّا؟ قال: لمثل ما أنا فيه فليغتم، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إليّ فيه ولا طالبه مني. وعن عمرو بن مهاجر وغيره: أن عمر لما استخلف قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن، ولا نبي بعد محمد ألا وإني لست بفارض ولكني منفذ، ولست بمبتدع، ولكني متبع، ولست بخير من أحدكم، ولكني أثقلكم حملًا، وإن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعن الزهري قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب في الصدقات، فكتب إليه بالذي سأل، وكتب إليه: إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه ورجاله، في مثل زمانك ورجالك كنت عند الله خيرًا من عمر. وعن حماد: أن عمر لما استخلف بكى فقال: يا أبا فلان، أتخشى علي؟ قال: كيف حبك الدرهم؟ قال: لا أحبه، قال: لا تخف فإن الله سيعينك. وعن مغيرة قال: جمع عمر حين استخلف بني مروان، فقال: إن النبي كانت له فدك ينفق منها ويعول منها على صغير بني هاشم ويزوج منها أيمهم، وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى، فكانت كذلك حياة أبي بكر ثم عمر، ثم أقطعها مروان، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز، فرأيت أمرًا منعه النبي فاطمة ليس لي بحق، وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت على عهد النبي . وعن الليث قال: ولما ولي عمر بدأ بلحمته وأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم، وسَمّى أموالهم مظالم. وقال أسماء بن عبيد: دخل عنبسة بن سعيد بن العاص على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا يعطوننا عطايا فمنعتناها ولي عيال وضيعة، أفتأذن لي أن أخرج إلى ضيعتي لما يصلح عيالي؟ فقال عمر: أحبكم من كفانا مؤنته، ثم قال له: أكثر ذكر الموت، فإن كنت في ضيق من العيش وسعه عليك، وإن كنت في سعة من العيش صيقه عليك. وقال فرات بن السائب: قال عمر بن عبد العزيز لامرأته فاطمة بنت عبد الملك -وكان عندها جوهر أمر لها به أبوها لم ير مثله-: اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت: لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه، فأمر به فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين -فلما مات عمر واستخلف يزيد قال لفاطمة: إن شئت رددته إليك، قالت: لا والله، ما أطيب به نفسًا في حياته وأرجع فيه بعد موته. وقال عبد العزيز: كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه: إن مدينتنا قد خربت فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالًا نرمها به فعل، فكتب إليه عمر: إذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل ونقِ طرقها من الظلم؛ فإنه مرمتها، والسلام. وقال إبراهيم السكوني: قال عمر بن عبد العزيز: ما كذبت منذ علمت أن الكذب شين على أهله. وقال قيس بن جبير: مثل عمر في بني أمية مثل مؤمن آل فرعون. وقال ميمون بن مهران: إن الله كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي، وإن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز. وقال وهب بن منبه: إن كان في هذه الأمة مهدي فهو عمر بن عبد العزيز. وقال محمد بن فضالة: مر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز براهب في الجزيرة؛ فنزل إليه الراهب ولم ينزل لأحد قبله، وقال: أتدري لم نزلت إليك؟ قال: لا، قال: لحق أبيك، إنا نجده في أئمة العدل بموضع رجب من الأشهر الحرم، ففسره أيوب بن سويد بثلاثة متوالية: ذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، أبي بكر وعمر، وعثمان، ورجب منفرد منها عمر بن عبد العزيز. وقال حسن القصاب: رأيت الذئاب ترعى مع الغنم بالبادية في خلافة عمر بن عبد العزيز، فقلت: سبحان الله! ذئب في غنم لا يضرها؟ فقال الراعي: إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس. وقال مالك بن دينار: لما ولي عمر بن عبد العزيز قالت رعاء الشاء: من هذا الصالح الذي قام على الناس خليفة؟ عدله كفّ الذئاب عن شائنا. وقال موسى بن أعين: كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاة والذئب ترعى في مكان واحد، فبينا نحن ذات ليلة إذ عرض الذئب للشاة قلت: ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك، فحسبوه فوجدوه مات تلك الليلة. وقال الوليد بن مسلم: بلغنا أن رجلًا كان بخراسان قال: أتاني آتٍ في المنام فقال: إذا قام أشج بني مروان فانطلق فبايعه فإنه إمام عدل، فجعلت أسأل كلما قام خليفة، حتى قام عمر بن عبد العزيز، فأتاني ثلاث مرات في المنام، فارتحلت إليه فبايعته. وعن حبيب بن هند الأسلمي قال: قال لي سعيد بن المسيب: إنما الخلفاء ثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعمر بن عبد العزيز، قلت له: أبو بكر وعمر قد عرفناهما، فمن عمر؟ قال: إن عشت أدركته، وإن مت كان بعدك، قلت: ومات ابن المسيب قبل خلافة عمر. وقال ابن عون: كان ابن سيرين إذا سئل عن الطلاء قال: نهى عنه إمام الهدى، يعني: عمر بن عبد العزيز. وقال الحسن: إن كان مهدي فعمر بن عبد العزيز، وإلا فلا مهدي إلا عيسى ابن مريم. وقال مالك بن دينار: الناس يقولون: مالك زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها. وقال يونس بن أبي شبيب: شهدت عمر بن عبد العزيز وإن حجزة إزاره1 لغائبة في عكنه2، ثم رأيته بعد ما استخلف ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسك لفعلت. وقال ولده عبد العزيز: سألني أبو جعفر المنصور: كم كانت غلة أبيك حين أفضت الخلافة إليه؟ قلت: أربعين ألف دينار، قال: فكم كانت حين توفي؟ قلت: أربعمائة دينار، ولو بقي لنقصت. وقال مسلمة بن عبد الملك: دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه، فإذا عليه قميص وسخ، فقلت لفاطمة بنت عبد الملك: ألا تغسلون قميصه؟ قالت: والله ما له قميص غيره. قال أبو أمية الخصي غلام عمر: دخلت يومًا على مولاتي فغدتني عدسًا فقلت: كل يوم عدس؟ قالت: يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين. قال: دخل عمر الحمام يومًا فأطلى فولى عانته بيده. قال: ولما احتضر بعثني بدينار إلى أهل الدير، وقال: إن بعتموني موضع قبري وإلا تحولت عنكم، فأتيتهم فقالوا: لولا أنّا نكره أن يتحول عنّا ما قبلناه. وقال عون بن المعمر: دخل عمر على امرأته فقال: يا فاطمة عندك درهم أشتري به عنبًا؟ فقالت: لا، وقالت: وأنت أمير المؤمنين لا تقدر على درهم تشتري به عنبًا؟ قال: هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غدًا في جنهم. وقالت فاطمة امرأته: ما أعلم أنه اغتسل لا من جنابة ولا من احتلام منذ استخلف الله حتى قبضه. وقال سهل بن صدقة: لما استخلف عمر سمع في منزله بكاء، فسألوا عن ذلك، فقالوا: إن عمر خير جواريه فقال: قد نزل بي أمر قد شغلني عنكم، فمن أحب أن أعتقه أعتقته، ومن أحب أن أمسكه أمسكته، وإن لم يكن مني إليها حاجة، فبكين إياسًا منه، قالت فاطمة امرأته: كان إذا دخل البيت ألقى نفسه في مسجده فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع. وقال الوليد بن أبي السائب: ما رأيت أحدًا قط أخوف من عمر. وقال سعيد بن سويد: صلى عمر بالناس الجمعة -وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه- فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعطاك، فلو لبست، فنكس مليًّا ثم رفع رأسه فقال: إن أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند القدرة. وقال ميمون بن مهران: سمعت عمر يقول: لو أقمت فيكم خمسين عامًا ما استكملت فيكم العدل، إني لأريد الأمر وأخاف ألا تحمله قلوبكم فأخرج معه طمعًا من الدنيا، فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا. وقال إبراهيم بن ميسرة: قلت لطاوس: هو المهدي؟ -يعني: عمر بن عبد العزيز- قال: هو مهدي، وليس به، إنه لم يستكمل العدل كله. وقال عمر بن أسيد: والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح بماله كله، قد أغنى عمر الناس. وقال جويرية: دخلنا على فاطمة ابنة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأثنت على عمر بن عبد العزيز، وقالت: لو كان بقي لنا ما احتجنا بعد إلى أحد. وقال عطاء بن أبي رباح: حدثتني فاطمة امرأة عمر أنها دخلت عليه وهو في مصلاه تسيل دموعه على لحيته، فقالت: يا أمير المؤمنين ألشيء حدث؟ قال: يا فاطمة إني تقلدت من أمر أمة محمد أسودها وأحمرها؛ فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد؛ فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة؛ فخشيت ألا تثبت لي حجة؛ فبكيت. وقال الأوزاعي: إن عمر بن عبد العزيز كان جالسًا في بيته وعنده أشراف بني أمية، فقال: أتحبون أن أولي كل رجل منكم جندًا؟ فقال رجل منهم: لم تعرض علينا ما لا تفعله؟ قال: ترون بساطي هذا؟ إني لأعلم أنه يصير إلى بلى وفناء، وإني أكره أن تدنسوه بأرجلكم، فكيف أوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم؟ هيهات لكم هيهات! فقالوا له: لِمَ؟ أما لنا قرابة؟ أما لنا حق؟ ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء، إلا رجلًا من المسلمين حبسه عني طول شقته. وقال حميد: أملى عليّ الحسن رسالة إلى عمر بن عبد العزيز فأبلغ، ثم شكا الحاجة والعيال، فأمر بعطائه. وقال الأوزاعي: كان عمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يعاقب رجلًا حبسه ثلاثة أيام، ثم عاقبه، كراهة أن يجعل في أول غضبه. وقال جويرية بن أسماء: قال عمر بن عبد العزيز: إن نفسي تواقة، لم تعطَ من الدنيا شيئًا إلا تقات إلى ما هو أفضل منه، فلما أعطيت ما لا شيء فوقه من الدنيا تاقت نفسي إلى ما هو أفضل منه -يعني: الجنة. وقال عمرو بن مهاجر: كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين. وقال يوسف بن يعقوب الكاهلي: كان عمر يلبس الفروة الكبل، وكان سراج بيته على ثلاث قصبات فوقهن طين. وقال عطاء الخراساني: أمر عمر غلامه أن يسخن له ماء، فانطلق فسخن قمقمًا في مطبخ العامة، فأمر عمر أن يأخذ بدرهم حطبًا يضعه في المطبخ. وقال عمرو بن مهاجر: كان عمر يسرج عليه الشمعة ما كان في حوائج المسلمين، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها، ثم أسرج عليه سراجه. وقال الحكم بن عمر: كان للخليفة ثلاثمائة حرسي وثلاثمائة شرطي، فقال عمر للحرس، إن لي عندكم بالقدر حاجزًا وبالأجل حارسًا، من أقام منكم فله عشرة دنانير، ومن شاء فليلحق بأهله. وقال عمرو بن مهاجر: اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحًا، فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحًا، فقال: ما أطيب ريحه وأحسنه ارفعه يا غلام للذي أتى به وأقرئ فلانًا السلام وقل له: إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب، فقلت: يا أمير المؤمنين ابن عمك، ورجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النبي كان يأكل الهدية، فقال: ويحك إن الهدية كانت للنبي هدية وهي اليوم لنا رشوة. وقال إبراهيم بن ميسرة: ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب أحدًا في خلافته، غير رجل واحد تناول من معاوية، فضربه ثلاثة أسواط. وقال الأوزاعي: لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته ما كان يجري عليهم من أرزاق الخاصة كلموه في ذلك، فقال: لن يتسع مالي لكم، وأما هذا المال فإنما حقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد. وقال أبو عمر: كتب عمر بن عبد العزيز برد أحكام من أحكام الحجاج مخالفة لأحكام الناس. وقال يحيى الغساني: لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد سرقة ونقبًا، فكتبت إليه أعلمه حال البد وأسأل: آخذ الناس بالظنة وأضربهم على التهمة أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه السنة؟ فكتب إليه أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة: فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحه الله. قال يحيى: ففعلت ذلك فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقلها سرقة ونقبًا. وقال رجاء بن حيوة: سمرت ليلة عند عمر، فغشى السراج -وإلى جانبه وصيف- قلت: ألا أنبهه؟ قال: لا، قلت أفلا أقوم؟ قال: ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه: فقام إلى بطة الزيت وأصلح السراج ثم رجع، وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز. وقال نعيم كاتبه: قال عمر: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة. وقال مكحول: لو حلفت لصدقت ما رأيت أزهد ولا أخوف من عمر بن عبد العزيز. وقال سعيد بن أبي عروبة: كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله. وقال عطاء: كان عمر بن عبد العزيز يجمع في كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة، ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة. وقال عبيد الله بن العيزار، خطبنا عمر بن عبد العزيز بالشام على منبر من طين، فقال: أيها الناس، أصلحوا إسراركم تصلح علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم، واعلموا أن رجلًا ليس بينه وبين آدم أب حي لعرق له في الموت، والسلام عليكم. وقال وهيب بن الورد: اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لابنه عبد الملك: قل لأبيك: إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا موضعنا، وإن أباك قد حرمنا في يديه، فدخل على أبيه فأخبره، فقال لهم: إن أبي يقول لكم: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم﴾ [الزمر: 13]. وقال الأوزاعي: قال عمر بن عبد العزيز: خذوا من الرأي ما يصدق من كان قبلكم، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم؛ فإنهم خير منكم وأعلم. وقال: قدم جرير، فطال مقامه بباب عمر بن عبد العزيز، ولم يلتفت إليه، فكتب إلى عون بن عبد الله وكان خصيصًا بعمر: يا أيها القارئ المرخي عمامته*****هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه*****أني لدى الباب كالمصفود في قرن قال جويرية بن أسماء: لما استخلف عمر بن عبد العزيز جاءه بلال بن أبي بردة فهنأه، وقال: من كانت الخلافة شرفته فقد شرفتها، ومن كانت زانته فقد زنتها، وأنت كما قال مالك بن أسماء: وتزيدين أطيب الطيب طيبًا*****أن تمسيه، أين مثلك أينا؟ وإذا الدر زان حسن وجوه*****كان للدر حسن وجهك زينا قال جعونة: لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز جعل عمر يثني عليه، فقال: يا أمير المؤمنين لو بقي كنت تعهد إليه؟ قال: لا، قال: ولِمَ أنت تثني عليه؟ قال: أخاف أن يكون زين في عيني منه ما زين في عين الولد من ولده. وقال غسان عن رجل من الأزد: قال رجل لعمر بن عبد العزيز: أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله وإيثاره تخف عنك المئونة، وتحسن لك من الله المعونة. وقال أبو عمرو: دخلت ابنة أسامة بن زيد على عمر بن عبد العزيز فقام لها ومشى إليها، ثم أجلسها في مجلسه وجلس بين يديها، وما ترك لها حاجة إلا قضاها. وقال الحجاج بن عنبسة: اجتمع بنو مروان فقالوا: لو دخلنا على أمير المؤمنين فعطفناه علينا بالمزاح، فدخلوا، فتكلم رجل منهم فمزح، فنظر إليه عمر، فوصل له رجل كلامه بالمزاح، فقال: لهذا اجتمعتم؟ لأخس الحديث، ولما يورث الضغائن؟ إذا اجتمعتم فأفيضوا في كتاب الله، فإن تعديتم ذلك ففي السنة عن النبي فإن تعديتم ذلك فعليكم بمعاني الحديث. وقال إياس بن معاوية بن قرة: ما شبهت عمر بن عبد العزيز إلا برجل صناع حسن الصنعة ليس له أداة يعمل بها، يعني لا يجد من يعينه. وقال عمر بن حفص: قال لي عمر بن عبد العزيز: إذا سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملًا من الخير. وقال يحيى الغساني: كان عمر ينهى سليمان بن عبد الملك عن قتل الحرورية ويقول: ضمنهم الحبس حتى يحدثوا توبة: فأتى سليمان بحروري، فقال له سليمان: هيه، فقال الحروري: وماذا أقول؟ يا فاسق ابن الفاسق، فقال سليمان عليّ بعمر بن عبد العزيز، فلما جاء قال: اسمع مقالة هذا، فأعادها الحروري، فقال سليمان لعمر: ماذا ترى عليه؟ فسكت، قال: عزمت عليك لتخبرني بماذا ترى عليه، قال: أرى عليك أن تشتمه كما شتمك: قال، ليس الأمر كذلك، فأمر به سليمان فضربت عنقه، وخرج عمر فأدركه خالد صاحب الحرس، فقال: يا عمر كيف تقول لأمير المؤمنين ما أرى عليه إلا أن تشتمه كما شتمك؟ والله لقد كنت متوقعًا أن يأمرني بضرب عنقك، قال: ولو أمرك لفعلت؟ قال: إي والله، فلما أفضت الخلافة إلى عمر جاء خالد فقام مقام صاحب الحرس، فقال عمر: يا خالد ضع هذا السيف عنك وقال: اللهم إني قد وضعت لك خالدًا فلا ترفعه أبدًا، ثم نظر في وجوه الحرس فدعا عمرو بن مهاجر الأنصاري، وقال: يا عمرو، والله لتعلمن أنه ما بيني وبينك قرابة إلا قرابة الإسلام، ولكن سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في وضع تظن ألا يراك أحد، فرأيتك تحسن الصلاة، وأنت رجل من الأنصار، خذ هذا السيف فقد وليتك حرسي. وقال شعيب: حدثت أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أنت قائل لربك غدًا إذا سألك فقال: رأيت بدعة فلم تمتها، أو سنة فلم تحيها؟ فقال أبوه: رحمك الله وجزاك من ولد خيرًا يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا عليّ فتقًا يكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون عليّ من أن يراق في سببي محجمة من دم، أو ما ترضى ألا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيي فيه سنة؟ وقال معمر: قال عمر بن عبد العزيز: قد أفلح من عصم من المراء، والغضب، والطمع. وقال أرطأة بن المنذر: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو اتخذت حرسًا واحترزت في طعامك وشرابك، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف شيئًا دون القيامة فلا تؤمن خوفي. وقال عدي بن الفضل: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب، فقال: اتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، فإنه إن كان لأحدكم رزق في رأس جبل أو حضيض أرض يأته. وقال أزهر: رأيت عمرو بن عبد العزيز يخطب الناس وعليه قميص مرقوع. وقال عبد الله بن العلاء: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب في الجمع بخطبة واحدة يرددها ويفتتحها بسبع كلامات: الحمد الله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ثم يوصي بتقوى الله، ويتكلم، ثم يختم خطبته الأخيرة بهؤلاء الآيات: ﴿يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ [الزمر: 53] إلى تمامها. وقال حاجب بن خليفة البرجمي: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة، فقال في خطبته: ألا إن ما سن رسول الله وصاحباه فهو دين نأخذ به، وننتهي إليه، وما سن سواهما فإنا نرجئه. أسند جميع ما قدمته أبو نعيم في الحلية. وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: دخلنا على عمر بن عبد العزيز يوم العيد -والناس يسلمون عليه- ويقولون: تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد عليهم ولا ينكر عليهم. قلت: هذا أصل حسن للتهنئة بالعيد، والعام، والشهر. وأخرج عن جعونة قال: ولي عمر بن عبد العزيز عمرو بن قيس السكوني الصائفة، فقال: اقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، ولا تكن في أولهم فتقتل، ولا في آخرهم فتفشل، ولكن كن وسطًا حيث يرى مكانك ويسمع صوتك. وأخرج عن السائب بن محمد قال: كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤنين أن يأذن لي في ذلك، فكتب إليه عمر: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم، والسلام. وأخرج عن أمية بن زيد القرشي قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا أملى على كُتّابه قال: اللهم إني أعوذ بك من شر لساني. وأخرج عن صالح بن جبير قال: ربما كلمت عمر بن عبد العزيز في الشيء فيغضب، فأذكر أن في الكتاب مكتوبًا اتق غضبة الملك الشاب، فأرفق به حتى يذهب غضبه، فيقول لي بعد ذلك: لا يمنعك يا صالح ما ترى منا أن تراجعنا في الأمر إذا رأيته. وأخرج عن عبد الحليم بن محمد المخزومي قال: قدم جرير بن عطية بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز، فذهب ليقول، فنهاه عمر، فقال: إنما أذكر رسول الله قال: أما رسول الله فاذكره، فقال: إن الذي ابتعث النبي محمدًا*****جعل الخلافة للأمير العادل رد المظالم حقها بيقينها*****عن جورها، وأقام ميل المائل والله أنزل في القرآن فريضة*****لابن السبيل، وللفقير العائل إني لأرجو منك خيرًا عاجلًا*****والنفس مغرمة بحب العاجل فقال له عمر: ما أجد لك في كتاب الله حقًّا، قال: بلى يا أمير المؤمنين، إنني ابن سبيل، فأمر له من خاصة ماله بخمسين دينارًا. وفي الطيوريات أن جرير بن عثمان الرحبي دخل مع أبيه على عمر بن عبد العزيز، فسأله عمر عن حال ابنه، ثم قال له: علمه الفقه الأكبر، قال: وما الفقه الأكبر؟ قال: القناعة وكف الأذى. وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي قال: دعاني عمر بن عبد العزيز، فقال: صف لي العدل، فقلت: بخ! سألت عن أمر جسيم، كن لصغير الناس كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وتكرر للمبالغة "بَخْ بَخْ" فإن وصلت خفضت ونونت فقلت: "بَخٍ بَخٍ". مختار. أبًا، وكبيرهم ابنًا، وللمثل منهم أخًا، وللنساء كذلك، وعاقب الناس على قدر ذنوبهم، وعلى قدر أجسادهم، ولا تضربن لغضبك سوطًا واحدًا فتعد من العادين. وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري: أن عمر بن عبد العزيز كان يتوضأ مما مست النار، حتى كان يتوضأ من السكر. وأخرج عن وهيب أن عمر بن عبد العزيز قال: من عد كلامه من عمله قل كلامه. وقال الذهبي: أظهر غيلان القدر في خلافة عمر بن عبد العزيز، فاستتابه، فقال: لقد كنت ضالًا فهديتني، فقال عمر: اللهم إن كان صادقًا وإلا فاصلبه واقطع يديه ورجليه، فنفذت فيه دعوته، فأخذ في خلافة هشام بن عبد الملك وقطعت أربعته، وصلب بدمشق في القدر. وقال غيره: كان بنو أمية يسبون علي بن أبي طالب في الخطبة فلما ولي عمر بن عبد العزيز أبطله، وكتب إلى نوابه بإبطاله، وقرأ مكانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَان﴾ الآية، [النحل: 90] ، فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن. وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن الأنباري حدثنا أحمد بن عبيد قال: قال عمر بن عبد العزيز قبل خلافته: انْهَ الفؤاد عن الصبا*****وعن انقياد للهوى فلعمر ربك إن في*****شيب المفارق والجلا لك واعظًا لو كنت*****تتعظ اتعاظ ذوي النهى حتى متى لا ترعوي*****وإلى متى، وإلى متى؟ ما بعد أن سميت كهلًا*****واستلبت اسم الفتى بلي الشباب وأنت إن ***** عمرت رهن للبلى وكفى بذلك زاجرًا ***** للمرء عن غي، كفى قال الثعالبي في لطائف المعارف: كان عمر بن الخطاب أصلع، وعثمان، وعلي ومروان بن الحكم، وعمر بن عبد العزيز، ثم انقطع الصلع عن الخلفاء. فائدة قال الزبير بن بكار: قال الشاعر في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان زوجة عمر بن عبد العزيز: بنت الخليفة والخليفة جدها*****أخت الخلائف والخليفة زوجها قال: فلم تكن امرأة تستحق هذا النسب إلى يومنا هذا غيرها. قلت: ولا يقال في غيرها هذا إلى يومنا هذا. مرضه ووفاته: قال أيوب: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو أتيت المدينة فإن مت دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله فقال: والله لأن يعذبني الله بكل عذاب إلا النار أحب إليّ من أن يعلم الله من أني أراني لذلك الموضع أهلًا. وقال وليد بن هشام: قيل لعمر في مرضه: ألا تتداوى؟ فقال: لقد علمت الساعة التي سقيت فيها، ولو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني أو أوتى بطيب فأرفعه إلى أنفي ما فعلت. وقال عبيد بن حسان: لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال: اخرجوا عني، فقعد مسلمة وفاطمة على الباب: فسمعوه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَة﴾ الآية، [القصص: 83] ، ثم هدأ الصوت، فدخلوا فوجدوه قد قبض، رضي الله عنه. وقال هشام: لما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن البصري: مات خير الناس. وقال خالد الربعي: إنا نجد في التوراة أن السموات والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحًا. وقال يوسف بن ماهك: بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار. وقال قتادة: كتب عمر بن عبد العزيز إلى ولي العهد من بعده: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر إلى يزيد بن عبد الملك، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني كتبت وأنا دنف من وجعي، وقد علمت أني مسئول عما وليت، يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة، ولست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئًا، فإن رضي عني فقد أفلحت ونجوت من الهوان الطويل، وإن سخط عليّ فيا ويح نفسي إلى ما أصير، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته، وأن يمن علي برضوانه والجنة؛ فعليك بتقوى الله، الرعية الرعية، فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلًا، والسلام. أسند هذا كله أبو نعيم في "الحلية". توفي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بدير سمعان -بكسر السين- من أعمال حمص لعشر بقين -وقيل: لخمس بقين- من رجب سنة إحدى ومائة، وله حينئذ تسع وثلاثون سنة وستة أشهر، وكانت وفاته بالسم، كانت بنو أمية قد تبرموا به؛ لكونه شدد عليهم وانتزع من أيديهم كثيرًا مما غصبوه، وكان قد أهمل التحرز فسقوه السم. قال مجاهد: قال لي عمر بن عبد العزيز: ما يقول الناس في؟ قلت: يقولون: مسحور، قال: ما أنا بمسحور، وإني لأعلم الساعة التي سقيت فيها، ثم دعا غلامًا له، فقال له: ويحك، ما حملك على أن تسقيني السم؟ قال: ألف دينار أعطيتها وعلي أن أعتق، قال: هاتها، قال: فجاء بها فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيث لا يراك أحد. مات في أيامه من الأعلام: أبو أمامة سعد بن سهل بن حنيف، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسالم بن أبي الجعد، وبسر بن سعيد، وأبو عثمان النهدي، وأبو الضحى، وشهر بن حوشب الشامي، وحنش بن عبد الله الصنعاني، ومسلم بن يسار البصري، وعيسى بن طلحة بن عبد الله القرشي التيمي أحد أشراف قريش وعقلائها وعلمائها. " تاريخ الخلفاء" للسيوطي.