البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، الأموي، أبو عبد الرحمن، أسلم هو وأبوه يوم فتح مكة، وشهد حُنينًا وكان من المؤلفة قلوبهم، ثم حسن إسلامه، وكان أحد الكتاب لرسول الله . روي له عن النبي مائة حديث وثلاثة وستون حديثًا، روى عنه من الصحابة: ابن عباس، وابن الزبير، وأبو الدرداء، وجرير البجلي، والنعمان بن بشير، وغيرهم، ومن التابعين: ابن المسيب، وحميد بن عبد الرحمن وغيرهم. وكان من الموصوفين بالدهاء، والحلم، وقد ورد في فضله أحاديث قلما ثبتت. أخرج الترمذي وحسنه عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الصحابي عن النبي أنه قال لمعاوية: "اللهم اجعله هاديًا مهديًّا" وأخرج أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية: سمعت رسول الله يقول: "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير عن عبد الملك بن عمير قال: قال معاوية ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال رسول الله : "يا معاوية إذا ملكت فأحسن". وكان معاوية رجلًا طويلًا، أبيض، جميلًا، مهيبًا، وكان عمر ينظر إليه فيقول: هذا كسرى العرب، وعن علي قال: لا تكرهوا إمرة معاوية، فإنكم لو فقدتموه لرأيتم الرءوس تندر عن كواهلها، وقال المقبري: تعجبونه من دهاء هرقل وكسرى وتدعون معاوية؟ وكان يضرب بحلمه المثل، وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفًا في حلم معاوية. وقال ابن عون: كان الرجل يقول لمعاوية: والله لتستقيمن بنا يا معاوية، أو لنقومنك، فيقول: بالخشب، فيقول: إذن نستقيم. وقال قبيصة بن جابر: صحبت معاوية، فما رأيت رجلًا أثقل حلمًا، ولا أبطأ جهلًا، ولا أبعد أناة منه. ولما بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان فلما مات يزيد استخلفه على دمشق، فأقره عمر، ثم أقره عثمان وجمع له الشام كله، فأقام أميرًا عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة. قال كعب الأحبار: لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية، قال الذهبي: توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية، قال: وصدق كعب فيما نقله، فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة لا ينازعه أحد الأمر في الأرض، بخلاف غيره ممن بعده، فإنه كان لهم مخالف، وخرج عن أمرهم بعض الممالك، وخرج معاوية على علي كما تقدم، وتسمى بالخلافة ثم خرج على الحسن، فنزل له الحسن عن الخلافة، فاستقر فيها من ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، فسمى هذا العام عام الجماعة، لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد، وفيه ولى معاوية مروان بن الحكم المدينة. وفي سنة ثلاث وأربعين فتحت الرخج وغيرها من بلاد سجستان، وودان من برقة، وكور من بلاد السودان، وفيها استخلف معاوية زياد بن أبيه، وهي أول قضية غير فيها حكم النبي في الإسلام، ذكره الثعالبي وغيره. وفي سنة خمس وأربعين فتحت القيقان. وفي سنة خمسين فتحت قوهستان عنوة، وفيها دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد، فبايعوه، وهو أول من عهد بالخلافة لابنه، وأول من عهد بها في صحته، ثم إنه كتب إلى مروان بالمدينة أن يأخذ البيعة، فخطب مروان فقال: إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم ولده يزيد سنة أبي بكر وعمر، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقال: بل سنة كسرى وقيصر وإن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما، ولا في أحد من أهل بيتهما. ثم حج معاوية سنة إحدى وخمسين، وأخذ البيعة لابنه فبعث إلى ابن عمر فتشهد وقال: أما بعد يابن عمر، إنك كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك فيها أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين أو أن تسعى في فساد ذات بينهم، فحمد ابن عمر الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، وإنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم، فقال: يرحمك الله، فخرج ابن عمر، ثم أرسل إلى ابن أبي بكر فتشهد ثم أخذ في الكلام، فقطع عليه كلامه، وقال: إنك لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة، ثم وثب ومضى، فقال معاوية: اللهم اكفنيه بما شئت، ثم قال: على رسلك أيها الرجل، لا تشرفن على أهل الشام فإني أخاف أني يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت، ثم كن بعد على ما بدا لك من أمرك، ثم أرسل إلى ابن الزبير، فقال: يابن الزبير، إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل في آخر، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما، وحملتهما على غير رأيهما، فقال ابن الزبير: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها وهلم ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكم نسمع ونطيع؟ لا تجتمع البيعة لكما أبدًا، ثم راح، فصعد معاوية المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار، زعموا أن ابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير لن يبايعوا يزيد، وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له، فقال أهل الشام: والله لا نرضى حتى يبايعوا له على رءوس الأشهاد، وإلا ضربنا أعناقهم، فقال: سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالشر، لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم، ثم نزل، فقال الناس: بايع ابن عمر وابن أبي بكر، وابن الزبير، وهم يقولون: لا والله ما بايعنا، فيقول الناس: بلى، وارتحل معاوية فلحق بالشام. وعن ابن المنكدر قال: قال ابن عمر حين بويع يزيد: إن كان خيرًا رضينا، وإن كان بلاء صبرنا. وأخرج الخرائطي في الهواتف عن حميد بن وهب قال: كانت هند بنت عتبة بن ربيعة عند الفاكه بن المغيرة، وكان من فتيان قريش، وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن، فخلا البيت ذات يوم فقام الفاكه وهند فيه، ثم خرج الفاكه لبعض حاجاته، وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت، فولجه، فلما رأى المرأة ولى هاربًا، فأبصره الفاكه، فانتهى إليها فضربها برجله، وقال: من هذا الذي كان عندك؟ قالت: ما رأيت أحدًا، ولا انتبهت حتى أنبهتني، فقال لها: الحقي بأهلك، وتكلم فيها الناس، فخلا بها أبوها فقال لها: يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئيني بذاك، فإن يكن الرجل صادقًا دسست إليه من يقتله فتنقطع عنا المقلة، وإن يكن كاذبًا حاكمته إلى بعض كهان اليمن، قال: فحلفت له بما كانوا يحلفون به في الجاهلية أنه كاذب عليها، فقال عتبة للفاكه: إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن، فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف ومعهم هند ونسوة معها تأنس بهن، فلما شارفوا البلاد تنكرت حال هند وتغير وجهها، فقال لها أبوها: يا بنية إني أرى ما بك من تغير الحال، وما ذاك إلا لمكروه عندك، قالت: لا والله يا أبتاه، وما ذاك لمكروه، ولكني أعرف أنكم تأتون بشرًا يخطئ ويصيب، فلا آمنه أن يسمني بسيماء تكون عليّ سبة في العرب، فقال لها: إني سوف أختبره لك قبل أن ينظر في أمرك، فصفر بفرسه حتى أدلى، ثم أدخل في إحليله حبة من الحنطة، وأوكأ عليها بسير، وصبحوا الكاهن، فنحر لهم وأكرمهم، فلما تغدوا قال له عتبة: إنا جئناك في أمر، وقد خبأت لك خبيئًا أختبرك به فانظر ما هو؟ قال: برة في كمرة، قال: أريد أبين من هذا، قال: حبة من بر في إحليل مهر، فقال عتبة: صدقت، انظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يدنو من إحداهن ويضرب كتفها ويقول انهضي، حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال: انهضي غير رسحاء ولا زانية، ولتلدين ملكًا يقال له معاوية، فنظر إليها الفاكه فأخذ بيدها فنثرت يدها من يده وقالت: إليك، والله لأحرصن أن يكون ذلك من غيرك، فتزوجها أبو سفيان فجاءت بمعاوية. مات معاوية في شهر رجب سنة ستين، ودفن بين باب الجابية وباب الصغير، وقيل: إنه عاش سبعًا وسبعين سنة، وكان عنده شيء من شعر رسول الله -صلى الله عليه سلم- وقلامة أظفاره فأوصى أن يجعل في فمه وعينيه، وقال: افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين. نبذ من أخباره: أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن جمهان قال: قلت لسفينة: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم، قال: كذب بنو الزرقاء، بل هم ملوك من أشر الملوك، وأول الملوك: معاوية. وأخرج البيهقي وابن عساكر عن إبراهيم بن سويد الأرمني، قال: قلت لأحمد بن حنبل: من الخلفاء؟ قال: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي قلت: فمعاوية؟ قال: لم يكن أحق بالخلافة في زمان علي من علي. وأخرج السلفي في الطيوريات عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن علي ومعاوية، فقال: اعلم أن عليًّا كان كثير الأعداء، ففتش له أعداؤه عيبًا فلم يجدوا فجاءوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيادًا منهم له. وأخرج ابن عساكر عن الملك بن عمير قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية، فقال: من أنت؟ قال: جارية بن قدامة، قال: وما عسيت أن تكون؟ هل أنت إلا نحلة؟ قال: لا تقل فقد شبهتني بها حامية اللسعة، حلوة البصاق، والله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب وما أمية إلا تصغير أمة. وأخرج عن الفضل بن سويد قال: وفد جارية بن قدامة على معاوية، فقال له معاوية: أنت الساعي مع علي بن أبي طالب، والموقد النار في شعلك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم؟ قال جارية: يا معاوية دع عنك عليًّا فما أبغضنا عليًّا منذ أحببناه، ولا غششناه منذ صحبناه، قال: ويحك يا جارية، ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية، قال: أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية، قال: لا أم لك، قال: أما ما ولدتني، وإن قوائم السيوف التي لقينانك بها بصفين في أيدينا، قال: إنك لتهددني، قال: إنك لم تملكنا قسرة، ولم تفتحنا عنوة، ولكن أعطيتنا عهودًا ومواثيق، فإن وفيت لنا وفينا، وإن ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجلًا مدادًا وأذرعًا شدادًا، وأسنة حدادًا فإن بسطت إلينا فترًا من غدر، زلفنا إليك بباع من ختر، قال معاوية: لا أكثر الله في الناس أمثالك. وأخرج عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الصحابي أنه دخل على معاوية فقال له معاوية: ألست من قتلة عثمان؟ قال: لا، ولكني ممن حضره فلم ينصره، قال: وما منعك من نصره؟ قال: لم تنصره المهاجرون والأنصار، فقال معاوية: أما لقد كان حقه واجبًا عليهم أن ينصروه، قال: ما منعك يا أمير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام؟ فقال معاوية: أما طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل ثم قال: أنت وعثمان كما قال الشعر: لا ألفينك بعد الموت تندبني*****وفي حياتي ما زودتني زادا وقال الشعبي: أول من خطب الناس قاعدًا معاوية: وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه. أخرجه ابن أبي شيبة. وقال الزهري: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه. وقال سعيد بن المسيب: أول من أحدث الأذان في العيد معاوية، أخرجه ابن أبي شيبة، وقال: أول من نقص التكبير معاوية، أخرج ابن أبي شيبة. وفي الأوائل للعسكري قال: معاوية أول من وضع البريد في الإسلام، وأول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته وأول من عبثت به رعيته، وأول من قيل له: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله، وأول من اتخذ ديوان الخاتم، وولاه عبيد الله بن أوس الغساني، وسلم إليه الخاتم وعلى فصه مكتوب: لكل عمل ثواب، واستمر ذلك في الخلفاء العباسيين إلى آخر الوقت، وسبب اتخاذه له أنه أمر لرجل بمائة ألف، ففك الكتاب وجعله مائتي ألف، فلما رفع الحساب إلى معاوية أنكر ذلك، واتخذ ديوان الخاتم من يومئذ، وهو أول من اتخذ المقصورة بالجامع، وأول من أذن في تجريد الكعبة، وكانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئًا فوق شيء. وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات: عن ابن أخي الزهري قال: قلت للزهري: من أول من استحلف في البيعة؟ قال: معاوية: استحلفهم بالله، فلما كان عبد الملك بن مروان استحلفهم بالطلاق والعتاق. وأخرج العسكري في كتاب الأوائل عن سليمان بن عبد الله بن معمر قال: قدم معاوية مكة أو المدينة، فأتى المسجد فقعد في حلقة فيها: ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر، فأقبلوا عليه وأعرض عنه ابن عباس فقال: وأنا أحق بهذا الأمر من هذا المعرض وابن عمه، فقال ابن عباس: وَلِمَ؟ ألتقدم في الإسلام أم سابقة مع رسول الله أو قرابة منه؟ قال: لا، ولكني ابن عم المقتول، قال: فهذا أحق به يريد ابن أبي بكر قال: إن أباه مات موتًا، قال: فهذا أحق به، يريد ابن عمر، قال: إن أباه قتله كافر، قال: فذاك أدحض لحجتك، إن كان المسلمون عتبوا على ابن عمك فقتلوه. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل: قدم معاوية المدينة، فلقيه أبو قتادة الأنصاري، فقال معاوية: تلقاني الناس كهلم غيركم يا معشر الأنصار، قال: لم يكن لنا دواب، فقال: فأين النواضح؟ قال: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، ثم قال أبو قتادة: إن النبي قال لنا: "إنكم سترون بعدي أثرة"، فقال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر قال: فاصبروا، فبلغ عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، فقال: ألا أبلغ معاوية بن حرب*****أمير المؤمنين نبأ كلامي فإنا صابرون ومنظروكم*****إلى يوم التغابن والخصام وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن جبلة بن سحيم، قال: دخلت على معاوية بن أبي سفيان، وهو في خلافته, وهو في عنقه حبل، وصبي يقوده، فقلت له: يا أمير المؤمنين، أتفعل هذا؟ قال: يا لكع اسكت، فإني سمعت النبي يقول: "من كان له صبي فليتصاب له"، قال ابن عساكر: غريب جدًّا. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن الشعبي قال: دخل شاب من قريش على معاوية، فأغلظ عليه، فقال له: يابن أخي، أنهاك عن السلطان يغضب غضب الصبي ويأخذ أخذ الأسد. وأخرج عن الشعبي قال: قال زياد: استعملت رجلًا، فكثر خراجه، فخشى أن أعاقبه ففر إلى معاوية، فكتبت إليه: إن هذا أدب سوء لمن قبلي، فكتب إلي: إنه ليس ينبغي لي ولا لك أن نسوس الناس بسياسة واحدة، أن نلين جميعًا فتمرح الناس في المعصية أو نشتد جميعًا فنحمل الناس على المهالك، ولكن تكون للشدة والفظاظة، وأكون للين والرأفة. وأخرج عن الشعبي قال: سمعت معاوية يقول: ما تفرقت أمة قط إلا ظهر أهل الباطل على أهل الحق إلا هذه الأمة. وفي الطيوريات عن سليمان المخزومي قال: أذن معاوية للناس إذنًا عامًّا، فلما احتفل المجلس قال: أنشدوني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه، فسكتوا، ثم طلع عبد الله بن الزبير، فقال: هذا مقوال العرب وعلامتها أبو خبيب قال: مهيم؟ قال: أنشدني ثلاثة أبيات لرجلٍ من العرب كل بيت قائم بمعناه، قال: بثلاثمائة ألف، قال: وتساوي؟ قال: أنت بالخيار وأنت وافٍ كافٍ، قال: هات، فأنشده للأفوه الأودي: بلوت الناس قرنًا بعد قرن*****فلم أر غير ختال وقال قال: صدق، هيه، قال: *****ولم أر في الخطوب أشد وأصعب من معاداة الرجال*****قال: صدق، هيه، قال: وذقت مرارة الأشياء طرًّا*****فما طعم أمر من السؤال قال: صدق، ثم أمر له بثلاثمائة ألف. وأخرج البخاري والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيره، واللفظ له، من طرق: أن مروان خطب بالمدينة وهو على الحجاز من قبل معاوية فقال: إن الله قد أرى أمير المؤمنين في ولده يزيد رأيًا حسنًا وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر، وفي لفظ: سنة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر، وإن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته، ولاجعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده، فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه أف لكما؟ فقال عبد الرحمن: ألست ابن اللعين الذي لعن أباك النبي ؟ قالت عائشة: كذب مروان، ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلان، ولكن النبي لعن أبا مروان، ومروان في صلبه، فمروان بعض من لعنه الله ورسوله . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عروة قال: قال معاوية: لا حلم إلا التجارب. وأخرج ابن عساكر عن الشعبي قال: دهاة العرب أربعة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد، فأما معاوية فللحلم والأناة، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة، وأما زياد فللكبير والصغير. وأخرج أيضًا عنه قال: كان القضاة أربعة والدهاة أربعة، فأما القضاة: فعمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأما الدهاة: فمعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد. وأخرج عن قبيصة بن جابر قال: صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت رجلًا أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله منه، وصحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلًا أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه، وصحبت معاوية فما رأيت رجلًا أثقل حلمًا ولا أبطأ جهلًا ولا أبعد أناة منه، وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلًا أنصع طرفًا ولا أحلم جليسًا منه، وصحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها. وأخرج ابن عساكر عن حميد بن هلال: أن عقيل بن أبي طالب سأل عليًّا فقال: إني محتاج وإني فقير فأعطني، فقال: اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم، فألح عليه فقال الرجل: خذ بيده وانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل: دق هذه الأقفال، وخذ ما في هذه الحوانيت، قال: تريد أن تتخذني سارقًا، قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقًا، أن آخذ أموال المسلمين فأعطيكها دونهم، قال: لآتين معاوية، قال: أنت وذاك فأتى معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف ثم قال: اصعد المنبر فاذكر ما أولاك به علي وما أوليتك، فصعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني أخبركم أني أردت عليًّا على دينه فاختار دينه، وأني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن عقيلًا دخل على معاوية، فقال: معاوية: هذا عقيل وعمه أبو لهب فقال عقيل: هذا معاوية عمته حمالة الحطب. وأخرج ابن عساكر عن الأوزاعي قال: دخل خريم بن فاتك على معاوية ومئزره مشمر، وكان حسن الساقين، فقال معاوية: لو كانت هاتان الساقان لامرأة فقال خريم: في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين. مات أيام معاوية من الأعلام: صفوان بن أمية، وحفصة، وأم حبيبة، وصفية، وميمونة، وسودة، وجويرية، وعائشة أمهات المؤمنين رضي الله عنهم ولبيد الشاعر، وعثمان بن طلحة الحجبي، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن سلام الحبر، ومحمد بن مسلمة، وأبو موسى الأشعري، وزيد بن ثابت، وأبو بكرة، وكعب بن مالك، والمغيرة بن شعبة، وجرير البجلي، وأبو أيوب الأنصاري، وعمران بن حصين، وسعيد بن زيد، وأبو قتادة الأنصاري، وفضالة بن عبيد، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وجبير بن مطعم، وأسامة بن زيد، وثوبان، وعمرو حزم، وحسان بن ثابت، وحكيم بن حزام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو اليسر، وقثم بن العباس، وأخوه عبيد الله، وعقبة بن عامر، وأبو هريرة سنة تسع وخمسين وكان يدعو: اللهم إني أعوذ بك من رأس الستين، وإمارة الصبيان، فاستجيب له وخلائق آخرون، رضي الله عنهم جميعًا. "تاريخ الخلفاء" للسيوطي.