البحث

عبارات مقترحة:

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...


الفُسْطَاطُ

وفيه لغات وله تفسير واشتقاق وسبب يذكر عند ذكر عمارته، وأنا أبدأ بحديث فتح مصر ثم أذكر اشتقاقه والسبب في استحداث بنائه، حدث الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبيحبيب وعبيد الله بن أبي جعفر وعيّاش بن عبّاس القتباني وبعضهم يزيد على بعض في الحديث: وهو أن عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، لما قدم الجابية خلا به عمرو بن العاص وذلك في سنة 18 من التاريخ فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي في المسير إلى مصر فإنك إن فتحتها كانت قوّة للمسلمين وعونا لهم وهي أكثر الأرضين أموالا وأعجز عن حرب وقتال، فتخوّف عمر بن الخطّاب على المسلمين وكره ذلك فلم يزل عمرو بن العاص يعظّم أمرها عنده ويخبره بحالها ويهوّن عليه أمرها في فتحها حتى ركن عمر ابن الخطاب لذلك فعقد له على أربعة آلاف رجل كلهم من عكّ، قال أبو عمر الكندي: إنه سار ومعه ثلاثة آلاف وخمسمائة ثلثهم من غافق، فقال له: سر وأنا مستخير الله تعالى في تسييرك وسيأتيك كتابي سريعا إن شاء الله تعالى، فإن لحقك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئا من أرضها فانصرف، وإن دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره، فسار عمرو بن العاص بالمسلمين واستخار عمر بن الخطاب الله تعالى فكأنه تخوّف على المسلمين فكتب إلى عمرو يأمره أن ينصرف فوصل إليه الكتاب وهو برفح فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه حتى نزل العريض فقيل له إنها من مصر فدعا بالكتاب وقرأه على المسلمين وقال لمن معه: تعلمون أن هذه القرية من مصر؟ قالوا: نعم، قال: فإن أمير المؤمنين عهد إليّ إن لحقني كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع، وقد دخلت أرض مصر فسيروا على بركة الله، فكان أول موضع قوتل فيه الفرما قتالا شديدا نحو شهرين ففتح الله له وتقدم لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى أتى بلبيس فقاتلوه بها نحوا من الشهر حتى فتح الله عز وجل له ثم مضى لا يدافع إلّا بأمر خفيف حتى أتى أمّ دنين وهي المقس فقاتلوه قتالا شديدا نحو شهرين وكتب إلى عمر، رضي الله عنه، يستمدّه فأمدّه باثني عشر ألفا فوصلوا إليه أرسالا يتبع بعضهم بعضا وكتب إليه: قد أمددتك باثني عشر ألفا وما يغلب اثنا عشر ألفا من قلّة، وكان فيهم أربعة آلاف عليهم أربعة من الصحابة الكبار: الزّبير بن العوّام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلّد، رضي الله عنهم، وقيل إن الرابع خارجة بن حذافة دون مسلمة، ثم أحاط المسلمون بالحصن وأمير الحصن يومئذ المندفور الذي يقال له الأعيرج من قبل المقوقس بن قرقب اليوناني، وكان المقوقس ينزل الإسكندرية وهو في سلطان هرقل غير أنه حاصر الحصن حين حاصره المسلمون، ونصب عمرو فسطاطه في موضع الدار المعروفة بإسرائيل على باب زقاق الزّهري وأقام المسلمون على باب الحصن محاصري الروم سبعة أشهر ورأى الزّبير بن العوّام خللا مما يلي دار أبي صالح الحرّاني الملاصقة لحمّام أبي نصر السّرّاج عند سوق الحمّام فنصب سلّما وأسنده إلى الحصن وقال: إني أهب نفسي لله عز وجل فمن شاء أن يتبعني فليفعل، فتبعه جماعة حتى أوفى على الحصن فكبّر وكبّروا ونصب شرحبيل بن حجيّة المرادي سلّما آخر مما يلي زقاق الزمامرة، ويقال إن السلّم الذي صعد عليه الزبير كان موجودا في داره التي بسوق وردان إلى أن وقع حريق في هذه الدار فاحترق بعضه ثم أحرق ما بقي منه في ولاية عبد العزيز بن محمد بن النعمان، أخزاه الله، لقضاء الإسماعيلية وذلك بعد سنة 390، فلما رأى المقوقس أن العرب قد ظفروا بالحصن جلس في سفينة هو وأهلالقوة وكانت ملصقة بباب الحصن الغربي ولحقوا بالجزيرة وقطعوا الجسر وتحصنوا هناك والنيل حينئذ في مده، وقيل: إن الأعيرج خرج معهم، وقيل: أقام بالحصن، وسأله المقوقس في الصلح فبعث إليه عمرو عبادة بن الصامت وكان رجلا أسود طوله عشرة أشبار فصالحه المقوقس عن القبط والروم على أن للروم الخيار في الصلح إلى أن يوافي كتاب ملكهم فإن رضي تمّ ذلك وإن سخط انتقض ما بينه وبين الروم وأما القبط فبغير خيار، وكان الذي انعقد عليه الصلح أن فرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران على كل نفس في السنة من البالغين شريفهم ووضيعهم دون الشيوخ والأطفال والنساء وعلى أن للمسلمين عليهم النزول حيث نزلوا ثلاثة أيام وأن لهم أرضهم وأموالهم لا يعترضون في شيء منها، وكان عدد القبط يومئذ أكثر من ستة آلاف ألف نفس والمسلمون خمسة عشر ألفا، فمن قال إن مصر فتحت صلحا تعلّق بهذا الصلح، وقال: إن الأمر لم يتم إلا بما جرى بين عبادة بن الصامت والمقوقس وعلى ذلك أكثر علماء مصر، منهم عقبة بن عامر وابن أبي حبيب والليث بن سعد وغيرهم، وذهب الذين قالوا إنها فتحت عنوة إلى أن الحصن فتح عنوة فكان حكم جميع الأرض كذلك، وبه قال عبد الله بن وهب ومالك بن أنس وغيرهما، وذهب بعضهم إلى أن بعضها فتح عنوة وبعضها فتح صلحا، منهم: ابن شهاب وابن لهيعة، وكان فتحها يوم الجمعة مستهل المحرم سنة 20 للهجرة، وذكر يزيد بن أبي حبيب أن عدد الجيش الذين شهدوا فتح الحصن خمسة عشر ألفا وخمسمائة، وقال عبد الرحمن بن سعيد بن مقلاص: إن الذين جرت سهامهم في الحصن من المسلمين اثنا عشر ألفا وثلاثمائة بعد من أصيب منهم في الحصار بالقتل والموت وكان قد أصابهم طاعون، ويقال إن الذين قتلوا من المسلمين دفنوا في أصل الحصن، فلما حاز عمرو ومن معه ما كان في الحصن أجمع على المسير إلى الإسكندرية فسار إليها في ربيع الأول سنة 20 وأمر عمرو بفسطاطه أن يقوّض فإذا بيمامة قد باضت في أعلاه فقال: لقد تحرّمت بجوارنا، أقرّوا الفسطاط حتى تنقف وتطير فراخها، فأقرّ فسطاطه ووكّل به من يحفظه أن لا تهاج ومضى إلى الإسكندرية وأقام عليها ستة أشهر حتى فتحها الله عليه فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في سكناها فكتب إليه: لا تنزل بالمسلمين منزلا يحول بيني وبينهم فيه نهر ولا بحر، فقال عمرو لأصحابه: أين ننزل؟ فقالوا: نرجع أيها الأمير إلى فسطاطك فنكون على ماء وصحراء، فقال للناس: نرجع إلى موضع الفسطاط، فرجعوا وجعلوا يقولون: نزلت عن يمين الفسطاط وعن شماله، فسميت البقعة بالفسطاط لذلك، وتنافس الناس في المواضع فولى عمرو بن العاص على الخطط معاوية بن حديج وشريك بن سميّ وعمرو ابن قحزم وجبريل بن ناشرة المعافري فكانوا هم الذين نزّلوا القبائل وفصلوا بينهم، وللعرب ست لغات في الفسطاط، يقال: فسطاط بضم أوله وفسطاط بكسره وفسّاط بضم أوله وإسقاط الطاء الأولى وفسّاط بإسقاطها وكسر أوله وفستاط وفستاط بدل الطاء تاء ويضمون ويفتحون، ويجمع فساطيط، وقال الفراء في نوادره: ينبغي أن يجمع فساتيط ولم أسمعها فساسيط، وأما معناه فإنّ الفسطاط الذي كان لعمرو ابن العاص هو بيت من أدم أو شعر، وقال صاحب العين: الفسطاط ضرب من الأبنية، قال: والفسطاط أيضا مجتمع أهل الكورة حوالي مسجد جماعتهم، يقال: هؤلاء أهل الفسطاط، وفي الحديث: عليكمبالجماعة فإن يد الله على الفسطاط، يريد المدينة التي يجتمع فيها الناس، وكل مدينة فسطاط، قال: ومنه قيل لمدينة مصر التي بناها عمرو بن العاص الفسطاط، روي عن الشعبي أنه قال: في العبد الآبق إذا أخذ في الفسطاط ففيه عشرة دراهم وإذا أخذ خارج الفسطاط ففيه أربعون، وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم: فلما فتحت مصر التمس أكثر المسلمين الذين شهدوا الفتح أن تقسم بينهم فقال عمرو: لا أقدر على قسمتها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها ويعلمه أن المسلمين طلبوا قسمتها، فكتب إليه عمر: لا تقسمها وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين وقوة لهم على جهاد عدوهم، فأقرها عمرو وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج، ففتحت مصر كلها صلحا بفريضة دينارين دينارين على كل رجل لا يزاد على أحد منهم في جزية رأسه أكثر من دينارين إلا أنه يلزم بقدر ما يتوسع فيه من الأرض والزرع إلا أهل الإسكندرية فإنهم كانوا يؤدون الجزية والخراج على قدر ما يرى من وليهم لأن الإسكندرية فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد ولم يكن لهم صلح ولا ذمة، وحدث الليث بن سعد عن عبد الله بن جعفر قال: سألت شيخا من القدماء عن فتح مصر فقال: هاجرنا إلى المدينة أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأنا محتلم وشهدت فتح مصر، وقلت: إن ناسا يذكرون أنه لم يكن لهم عهد، فقال: لا يبالي أن لا يصلي من قال إنه ليس لهم عهد، فقلت: هل كان لهم كتاب؟ قال: نعم كتب ثلاثة: كتاب عند طلما صاحب إخنى وكتاب عند قرمان صاحب رشيد وكتاب عند يحنّس صاحب البرلّس، قلت: فكيف كان صلحهم؟ قال: ديناران على كل إنسان جزية وأرزاق المسلمين، قلت: أفتعلم ما كان من الشروط؟ قال: نعم ستة شروط: لا يخرجون من ديارهم ولا تنتزع نساؤهم ولا كنوزهم ولا أراضيهم ولا يزاد عليهم، وقال عقبة بن عامر: كانت شروطهم ستة: أن لا يؤخذ من أرضهم شيء ولا يزاد عليهم ولا يكلفوا غير طاقتهم ولا تؤخذ ذراريهم وأن يقاتل عنهم عدوهم من ورائهم، وعن يحيى بن ميمون الحضرمي قال: لما فتح عمرو بن العاص مصر صولح جميع من فيها من الرجال من القبط ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك ليس فيهم صبيّ ولا امرأة ولا شيخ على دينارين دينارين فأحصوا لذلك فبلغت عدتهم ثلاثمائة ألف ألف، وذكر آخرون أن مصر فتحت عنوة، روى ابن وهب عن داود بن عبد الله الحضرمي أن أبا قنّان حدثه عن أبيه أنه سمع عمرو بن العاص يقول: قعدت في مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليّ عهد ولا عقد إلا لأهل انطابلس فإن لهم عهدا نوفي لهم به إن شئت قتلت وإن شئت خمست وإن شئت بعت، وروى ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفهري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عمرو بن العاص فتح مصر بغير عقد ولا عهد وأن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حبس درّها وصرّها أن يخرج منها شيء نظرا للإمام وأهله، والله الموفق.

[معجم البلدان]

الفسطاط

هي المدينة المشهورة بمصر، بناها عمرو بن العاص؛ قيل: انه لما فتح مصر عزم الإسكندرية في سنة عشرين، وأمر بفسطاطه أن يقوض فإذا يمامة قد باضت في أعلاه فقال: تحرمت بجوارنا، اقروا الفسطاط حتى ينقف وتطير فراخها، ووكل به من يحفظه ومضى نحو الإسكندرية وفتحها، فلما فرغ من القتال قال لأصحابه: أين تريدون تنزلون؟ قالوا: يا أيها الأمير نرجع إلى فسطاطك لنكون على ماء وصحراء! فرجعوا إليها وخط كل قوم بها خطأ بنوا فيها وسمي بالفسطاط. وبنى عمرو بن العاص الجامع في سنة إحدى وعشرين، يقال: قام على اقامة قبلته ثمانون صحابياً، منهم: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة ابن الصامت، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري. وهذا الجامع باق في زماننا. كتب القرآن جميعه على ألواح من الرخام الأبيض بخط كوفي بين في حيطانهمن أعلاها إلى أسفلها، وجعل أعشار القرآن وآياته وأعداد السور بالذهب واللازورد، فيقرأ الإنسان جميع القرآن منها وهو قاعد، ثم استولى الفرنج عليها وخربوها. فلما كانت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة قدم صلاح الدين وأمر ببناء سور على الفسطاط والقاهرة، فذرع دورتها فكانت فرسخين ونصفاً، وكان بها طلسم للتماسيح؛ قال أبو الريحان الخوارزمي: كان بجبال الفسطاط طلسم للتماسيح، وكانت لا تستطيع الإضرار حولها، وكان إذا بلغ حولها استلقى وانقلب على ظهره، وكان يلعب به الصبيان فكسر ذلك الطلسم وبطل حكمه. وبالفسطاط محلة تسمى الجزيرة، لأن النيل إذا زاد أحاط الماء بها وحال بينها وبين معظم الفسطاط فاستقلت هي بنفسها. وبها أسواق وجامع وبساتين وهي من متنزهات مصر؛ قال الساعاتي الدمشقي: ما أنس لا أنس الجزيرة ملعباً للأنس تألفها الحسان الخرّد يجري النّسيم بغصنها وغديرها فيهزّ رمحٌ أو يسلّ مهنّد ويريك دمع الطّلّ كلّ سفيقةٍ كالخدّ دبّ به عذارٌ أسود

[آثار البلاد وأخبار العباد]

الفسطاط

مدينة بناها عمرو بن العاص، وجعلها معسكرا للعرب الذين فتحوا مصر، وبني فيها جامعه الذى ما زال قائما إلى اليوم وقد اتسعت حتى أصبحت حاضرة مصر الإسلامية حتى أواسط القرن الثالث للهجرة، وقامت إلى جانبها مدينة القطائع الطولونية، ثم مدينة القاهرة التي طغت عليها، فالفسطاط اليوم هو مدينة مصر القديمة التي تعتبر بعض أحياء القاهرة.

[تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير]

الفسطاط (1) :

اسم لمصر التي بناها مصرام بن حام بن نوح عليه السلام، سميت بفسطاط عمرو بن العاصي رضي الله عنه، وكان تركه هناك حين توجه للإسكندرية. قال اليعقوبي: لما فتح عمرو بن العاصي رضي الله عنه مصر اختط منازل العرب حول الفسطاط، فسمي الفسطاط لهذا، فمدينة مصر اليوم هي الفسطاط. قالوا (2) : وسميت بذلك لأن عمرو بن العاصي رضي الله عنه حين دخل بلاد مصر ضرب فسطاطه بذلك الموضع، فلما أراد التوجه للإسكندرية لقتال من بها من الروم، أمر بنزع الفسطاط، فإذا فيه حمام قد أفرخ، فقال عمرو رضي الله عنه: لقد تحرم منا بحرم، فأمر بالفسطاط فأقر مكانه وأوصى عليه، فلما قفل المسلمون من الاسكندرية بعد فتحها قال الناس: أين ننزل؟ فقيل: الفسطاط، لفسطاط عمرو الذي تركه في المنزل بمصر. ثم بدأ عمرو بن العاصي رضي الله عنه فبنى المسجد، وبنى الناس مكان مصر الآن. وهي مدينة (3) كبيرة في غاية من العمارة والخصب والطيب والحسن، فسيحة الطرقات قائمة الأسواق نافقة التجارات متصلة العمارات، لأهلها همم سامية، وطولها ثلاثة فراسخ، والنيل يأتيها من أعلى أرضها فيجتاز بها من ناحية جنوبها وينعطف مع غربيها، وبناء دُورها كلها وقصورها طبقات بعضها فوق بعض خَمْساً وستّاً وسبعاً، وربما سكن في الدار المائة من الناس، ومعظم بنائها بالطوب، وأكثر سفل ديارهم غير مسكون، ولها مسجدان جامعان للخطبة، أحدهما بناه عمرو بن العاصي رضي الله عنه في وسط السوق يحيط به من كل جهة، وكان في أوله كنيسة للروم فصيره عمرو جامعاً، والجامع الآخر بناه أحمد بن طولون وبنى أيضاً جامعاً آخر يسكنه العباد وناس من أهل الخير. وعلى الجملة فمصر عامرة بالناس، وفي أهلها رفاهية وظرف شامل وحلاوة، وفي جوانبها بساتين وجنات ونخل وقصب سكر، كل ذلك يسقى بماء النيل. وأرض مصر لا تمطر إنما هو ماء النيل، وليس في أرض مصر مما يلي النيل قفر، إنما هو كله معمور بالبساتين والأشجار والقرى والمدن والناس والأسواق والبيع والشراء، وبين طرفي النيل خمسة آلاف وستمائة وأربعة وثلاثون ميلاً، وقيل غير ذلك وعرضه في بلاد النوبة والحبشة ثلاثة أميال، وعرضه بمصر ثلثا ميل، وليس يشبه نهراً من الأنهار. ويقابل مصر (4) جزيرة في النيل، فيها المباني والمتنزهات ودار المقياس، وهي دار كبيرة في وسطها فسقية كبيرة، وينزل إليها بدرج رخام، وفي وسط الفسقية عمود رخام قائم، فيه رسوم أعداد أذرع وأصابع بينها، والماء يصل إلى هذه الفسقية، ولا يدخلها الماء إلا عند زيادة النيل، ويكون في شهر أغشت، والوفاء من مائه ستة عشر ذراعاً، وهو الذي يروي أرض السلطان باعتدال، فإذا بلغ النيل ثمانية عشر ذراعاً أروى جميع الأرضين التي هناك، فإذا بلغ عشرين ذراعاً (5) فهو ضرر، وأقل زيادته اثنا عشر ذراعاً وهي أربع وعشرون اصبعاً والزائد على الثمانية عشر ذراعاً ضرر يقلع الشجر ويهدم، وما نقص عن اثني عشر ذراعاً فيه القحط والجدب وقلة الزراعة (1) انظر ياقوت (الفسطاط)، وخطط المقريزي 1: 288 والمقدسي: 197، وابن الفقيه: 59، والمغرب (القسم الخاص بمصر) 1: 1 - 12، وابن عبد الحكم (صفحات مختلفة) وابن الوردي: 21. (2) الاستبصار: 81. (3) الإدريسي (د) : 142. (4) النقل مستمر عن الإدريسي (د) : 144. (5) زيادة من الإدريسي.

[الروض المعطار في خبر الأقطار]

الفسطاط

وأصله أن عمرو بن العاص حين نزل على مصر ضرب فى منزله لقتالهم بيتا من أدم أو شعر، فلما فتحت مصر، وحاز عمرو من معه، ما كان فى حصنها أجمع على المسير إلى الإسكندرية، وأمر بفسطاطه أن يقوّض، فإذا بيمامة قد باضت فى أعلاه، فقال: لقد تحرّمت بجوارنا؛ أقروا الفسطاط حتى تنقف ويطير فراخها؛ فأقر فسطاطه، ووكل به من يحفظه ألّا يباح ، ومضى إلى الإسكندرية، فأقام عليها ستة أشهر حتى فتحها الله عليه، فكتب إلى عمر يستأذنه فى سكنها فكتب إليه: لا تنزل بالمسلمين منزلا يحول بينى وبينهم بحر ولا نهر؛ فقال عمرو لأصحابه: أين ننزل؟ قالوا: نرجع إلى فسطاطك فيكون على ماء وصحراء فرجعوا؛ ونزل عمرو فيه، ونزل الناس حوله، وجعلوا يقولون: نزلت عن يمين الفسطاط وشماله. فسميت البقعة بالفسطاط لذلك، وتنافس للناس فى الخطط فوّلى عمرو على الخطط معاوية بن خديج، وشريك بن سمى، وعمرو ابن مخرّم ، وجبريل بن باسرة المعافرى؛ فكانوا هم الذين تولّوا إنزالهم، وقد كان رجل يسمّى قيسبة حاز الموضع الذي بناه عمرو بن العاص، وكان جبانة، فلما رجعوا إلى الفسطاط سأل عمرو قيسبة فى منزله هذا أن يجعله مسجدا فتصدّق به قيسبة على المسلمين؛ فبناه عمرو مسجدا، وجعل طوله خمسين ذراعا فى ثلاثين، ثم زيد فيه بعد ذلك بهذا هو الجامع المعروف بجامع عمرو ابن العاص. ثم بعد ذلك شكا أهل مصر إلى ابن طولون ضيق جامعهم- يعنى جامع عمرو بن العاص- فأمر ببناء جامع، بجبل يشكر جزيلة ، وهو الآن بين مصر والقاهرة، فبنى جامعه المعروف بجامع ابن طولون، وخرب الفسطاط بعد ذلك حتى خلا أكثره فلم يبق إلا نفر يسير، وبنيت القاهرة المعزية إلى جانبه، ونزل الفرنج على القاهرة. فأضرم أهل مصر النار فى البلد لئلا يملكه العدوّ حتى لم يكن لهم طاقة على دفعه. فلما قدم صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى مصر أمر ببناء سور على القاهرة والفسطاط والقلعة التى على جبل المقطم فذرع دوره، فكان تسعة وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالذراع الهاشمى، ولم يزل العمل فيه إلى أن مات، فدوره على هذا سبعة أميال ونصف، وهى فرسخان ونصف.

[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]