البحث

عبارات مقترحة:

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...


نَهَاوَنْد

بفتح النون الأولى وتكسر، والواو مفتوحة، ونون ساكنة، ودال مهملة: هي مدينة عظيمة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام، قال أبو المنذر هشام: سميت نهاوند لأنهم وجدوها كما هي، ويقال إنها من بناء نوح، عليه السّلام، أي نوح وضعها وإنما اسمها نوح أوند فخففت وقيل نهاوند، وقال حمزة: أصلها بنوهاوند فاختصروا منها ومعناه الخير المضاعف، قال بطليموس: نهاوند في الإقليم الرابع، طولها اثنتان وسبعون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، وهي أعتق مدينة في الجبل، وكان فتحها سنة 19، ويقال سنة 20، وذكر أبو بكر الهذلي عن محمد بن الحسن: كانت وقعة نهاوند سنة 21 أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأمير المسلمين النعمان بن مقرّن المزني، وقال عمر: إن أصبت فالأمير حذيفة ابن اليمان ثم جرير بن عبد الله ثم المغيرة بن شعبة ثم الأشعث بن قيس، فقتل النعمان وكان صحابيّا فأخذ الراية حذيفة وكان الفتح على يده صلحا، كما ذكرناه في ماه دينار، وقال المبارك بن سعيد عن أبيه قال: نهاوند من فتوح أهل الكوفة والدّينور من فتوح أهل البصرة، فلما كثر الناس بالكوفة احتاجوا إلى أن يرتادوا من النواحي التي صولح على خراجها فصيّرت لهم الدينور وعوّض أهل البصرة نهاوند لأنها قريبة من أصبهان فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة فسميت نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة، وذلك في أيام معاوية بن أبي سفيان، قال ابن الفقيه: وعلى جبل نهاوند طلسمان وهما صورة سمكة وصورة ثور من ثلج لا يذوبان في شتاء ولا صيف، ويقال إنهما للماء لئلا يقلّ بها، فماؤها نصفان: نصف إليها ونصف إلى الدينور، وقال في موضع آخر: وماء ذلك الجبل ينقسم قسمين، قسم يأخذ إلى نهاوند وقسم يأخذ في المغرب حتى يسقي رستاقا يقال له الأشتر، وقال مسعر بن المهلهل أبو دلف: وسرنا من همذان إلى نهاوند وبها سمكة وثور من حجر حسنا الصورة يقال إنهما طلسم لبعض الآفات التي كانت بها، وبها آثار لبعض الفرس حسنة، وفي وسطها حصن عجيب البناء عالي السّمك، وبها قبور قوم من العرب استشهدوا في صدر الإسلام، وماؤها بإجماع العلماء غذيّ مريء، وبها شجر خلاف تعمل منه الصوالجة ليس في شيء من البلدان مثله في صلابته وجودته، قال ابن الفقيه: وبنهاوند قصب يتخذ منه ذريرة وهو هذا الحنوط فما دام بنهاوند أو بشيء من رساتيقها فهو والخشبة بمنزلة واحدة لا رائحة له، فإذا حمل منها وجاوز العقبة التي يقال لها عقبة الركاب فاحت رائحته وزالت الخشبيّة عنه، وقال عبيد الله الفقير إليه مؤلف الكتاب: ومما يصدق هذه الحكاية ما ذكره محمد بن أحمد بن سعيد التميمي في كتاب له ألّفه في الطبّ في مجلّدين وسماه حبيب العروس وريحان النفوس، قال: قصبة الذريرة هي القمحة العراقية وهي ذريرة القصب، وقال فيه يحيى بن ماسويه: إنه قصب يجلب من ناحية نهاوند، قال: وكذلك قال فيه محمد بن العباس الخشكي قال: وأصله قصب ينبت في أجمة في بعض الرساتيق يحيط بها جبال والطريق إليها في عدة عقاب فإذا طال ذلك القصب ترك حتى يجفّ ثم يقطع عقدا وكعابا على مقدار عقد ويعبى فيجوالقات ويحمل فإن أخذته على عقبة من تلك العقاب مسماة معروفة نخر وتهافت وتكلّس جسمه فصار ذريرة وسمي قمحة، وإن أسلك به على غير تلك العقبة لم يزل على حاله قصبا صلبا وأنابيب وكعابا صلبة لا ينتفع به ولا يصلح إلا للوقود، وهذا من العجائب الفردة، وقال ابن الفقيه: يوجد على حافّات نهر نهاوند طين أسود للختم وهو أجود ما يكون من الطين وأشده سوادا وتعلّكا، يزعم أهل الناحية أن السراطين تخرجه من جوف النهر وتلقيه إلى حافاته، ويقولون إنهم لو حفروا في قرار النهر ما حفروا أو في جوانبه ما وجدوا إلا ما تخرجه السراطين، قال: وحدثني رجل من أهل الأدب قال: رأيت بنهاوند فتى من الكتّاب وهو كالساهي فقلت له: ما حالك؟ فقال: يا طول ليلي بنهاوند مفكّرا في البثّ والوجد فمرّة آخذ من منية لا تجلب الخير ولا تجدي ومرّة أشدو بصوت إذا غنّيته صدّع لي كبدي قد جالت الأيام بي جولة فصرت منها ببروجرد كأنني في خانها مصحف مستوحش في يد مرتدّ الحمد لله على كلّ ما قدّر من قبل ومن بعد وبين همذان ونهاوند أربعة عشر فرسخا، من همذان إلى روذراور سبعة فراسخ، وجمع الفرس جموعها بنهاوند قيل مائة وخمسون ألف فارس وقدّم عليهم الفيروزان وبلغ ذلك المسلمين فأنفذ عمر عليهم الجيوش وعليهم النعمان بن مقرّن فواقعهم فقتل أول قتيل فأخذ حذيفة بن اليمان رايته وصار الفتح، وذلك أول سنة 19 لسبع سنين من خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقيل: كانت سنة 20، والأول أثبت، فلم يقم للفرس بعد هذه الوقعة قائم فسماها المسلمون فتح الفتوح، فقال القعقاع بن عمرو المخزومي: رمى الله من ذمّ العشيرة سادرا بداهية تبيضّ منها المقادم فدع عنك لومي لا تلمني فإنني أحوط حريمي والعدوّ الموائم فنحن وردنا في نهاوند موردا صدرنا به، والجمع حرّان واجم وقال أيضا: وسائل نهاوندا بنا كيف وقعنا وقد أثخنتها في الحروب النوائب وقال أيضا: ونحن حبسنا في نهاوند خيلنا لشدّ ليال أنتجت للأعاجم فنحن لهم بينا وعصل سجلّها غداة نهاوند لإحدى العظائم (1) ملأنا شعابا في نهاوند منهم رجالا وخيلا أضرمت بالضرائم وراكضهنّ الفيرزان على الصفا فلم ينجه منا انفساح المخارم

[معجم البلدان]

نهاوند

مدينة بقرب همذان قديمة؛ قالوا: إنها من بناء نوح، عليه السلام، واللفظ دل عليه وأصله نوح اوند أي نوح وضع. بها عجائب. بها موضع يقال له وازوان البلاعة، به حجر كبير فيه ثقبة فتحها أكبر من شبر، يفور منها الماء كل يوم مرة، فيخرج وله صوت عظيم يسقي أراضي كثيرة، ثم يتراجع حتى يدخل ذلك الموضع الذي خرج منه. وحكى ابن الكلبي أن هذا الحجر مطلسم، لا يخرج الماء منه إلا وقت الحاجة، ويفور حتى يستغنى عنه؛ قال: وهذا مشهور في تلك الناحية. وبها صخرة عظيمة في جبلهم، من غاب له غائب أو أبق له آبق أو مرض له مريض أو سرق منه شيء، فياتي تلك الصخرة ويبيت عندها، فإنه يرى في نومه حاصل ذلك الأمر من خير وشر؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بقرب نهاوند عين في شعب جبل، من احتاج إلى الماء لسقي الأرض يمشي إليها، ويدخل الشعب ويقول بصوت رفيع: إني محتاج إلى الماء. ثم يمشي نحو زرعه فالماء يمشي نحوه، فإذا انقضت حاجته يرجع إلى الشعب نحو العين ويقول: قد كفاني الماء. ويضرب برجله على الأرض فالماء ينقطع؛ هذا كلام صاحب تحفة الغرائب. ومن عجائبها ما ذكره ابن الفقيه من أمر قصب الذريرة، فما دام بنهاوند أو شيء من رساتيقها فهو بمنزلة الخشب لا رائحة له، فإذا حمل منها وجاوزوا به العقبة التي يقال لها عقبة الركاب فاحت رائحته، فإن سلكوا به غير تلك العقبة يبقى بحاله لا يصلح إلا للوقود. ومن عجائبها طين أسود يوجد على حافات نهر نهاوند. له خواص كثيرة: زعم أهل الناحية أن ذلك الطين تخرجه السراطين من جوف النهر وتلقيه، ولو حفروا جميع جوانب النهر وقراره لم يجدوا شيئاً من ذلك الطين. وحكى مسعر بن مهلهل أن على جبل نهاوند ثوراً وسمكة منحوتة من الحجرفي أحسن صنعة؛ قالوا: إنهما طلسمان لآفات المدينة. ويكثر بنهاوند شجر الخلاف ما في شيء من البلاد بكثرتها، تتخذ منها الصوالج وتحمل إلى سائر البلاد.

[آثار البلاد وأخبار العباد]

نهاوند

مدينة عظيمة، تقع شرقي مدينة همدان، وفيها جرت المعركة الكبرى بين العرب والفرس سنة 21 هـ، وانتهت بنصر العرب، وقد دعيت تلك المعركة (فتح الفتوح (

[تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير]

نهاوند:

بفتح أوله، من كور الجبل، وهي آخر كور الجبل، من همذان إلى نهاوند مرحلتان، ومنها إلى الكرج مرحلتان. قالوا: ونهاوند ماه البصرة، ومعنى نهاوند صاحب الأساس، وقيل ترجمة نهاوند " وجدت كما هي " سميت بذلك لأنها لم توجد بعد الطوفان قرية فيها بقية سواها. ونهاوند (1) مدينة جليلة على جبل ذات سور طين، ولها بساتين وجنات وفواكه ومتنزهات ومياهها كثيرة وفواكهها تحمل إلى العراق لطيبها وكبرها وبها جامعان أحدهما قديم والآخر محدث، وهي كثيرة الرساتيق والعمارات. وفيها كان اجتماع الفرس لما لقيهم النعمان بن مقرن المزني سنة ثلاث وعشرين. قال الهمداني: لم يوجد مما كان تحت الماء وقت الغرق من القرى قرية فيها بقية سوى نهاوند. وكان عمر رضي الله عنه قال للهرمزان (2) : أما إذ فتني بنفسك فأشر علي، أبفارس أبدأ أو بالجبال: أذربيجان وأصبهان؟ قال: فارس الرأس، والجبال جناحان، فاقطع الجناحين فلا يتحرك الرأس، قال عمر رضي الله عنه: بل أقطع الرأس فلا يقوم جسد ولا جناح ولا رجل. وكتب ابن كسرى إلى أهل الجبال: أصبهان وهمذان وقومس: إن العرب قد ألحوا علي. فاجتمعوا بنهاوند وتعاقدوا على غزو أمير العرب يعنون عمر رضي الله عنه، في بلاده، فكتب أهل الكوفة بذلك إلى عمر رضي الله عنه: فقام على المنبر فقال: أين المسلمون أين المهاجرون والأنصار فاجتمع الناس. فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: إن عظماء أهل الري وأهل أصبهان وأهل همذان وأهل نهاوند وأهل قومس وأهل حلوان، أمم مختلفة ألوانها وألسنتها وأديانها ومللها، وقد تعاقدوا على أن يخرجوا إخوانكم من بلادهم، وأن يغزوكم في بلادكم فأشيروا علي وأوجزوا ولا تطنبوا، فمنهم من صرف الأمر إليه وولاه ما تولى، ليمن نقيبته وخبرته، ومنهم من أشار بأن يتوجه إليهم بأهل الحرمين وأهل اليمن والشام حتى يلتقي الجمع الجمع، ومنهم من أشار بأن يكتب إلى أهل البصرة فليفترقوا ثلاث فرق: فرقة في ديارهم، وفرقة في أهل عهدهم، وتسير فرقة إلى إخوانهم بالكوفة، قال: هذا رأيي وكنت أحب أن أتابع عليه، لعمري لئن سرت بأهل الحرمين ونظر إلي الأعاجم لتنقضن الأرض وليمدنهم من لم يمدهم، وليقولن: أمير العرب إن قطعناه قطعنا أصل العرب. فكتب (3) إلى النعمان بن مقرن وكان بكسكر، وكان قد كتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إنما مثلي ومثل كسكر مثل شاب عند مومسة تلون له كل يوم وتعطر، وأنا أذكرك الله تعالى إلا بعثتني في جيش إلى ثغر غازياً ولا تبعثي جابياً، فندب عمر رضي الله عنه أهل المدينة، فانتدب منهم جمع فوجههم إلى الكوفة وكتب إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه أن يستنفر ثلث أهل الكوفة فيسيروا إلى العجم بنهاوند فقد وليت عليهم النعمان بن مقرن، وكتب إلى أبي موسى رضي الله عنه يستنفر ثلث أهل البصرة إلى نهاوند، وكتب إلى النعمان: إني وجهت جيشاً من أهل المدينة وأهل البصرة وأهل الكوفة إلى نهاوند، وأنت على الناس ومعك في الجيش طليحة بن خويلد وعمرو بن معدي كرب فأحضرهما الناس وشاورهما في الحرب فإن حدث بك حدث فأمير الناس حذيفة، فإن قتل فجرير فإن قتل فالمغيرة بن شعبة. وبعث عمر (4) رضي الله عنه بالكتاب مع السائب بن الأقرع بن عوف وقال له: إن سلم الله تعالى ذلك الجند فقد وليتك مغانمهم ومقاسمهم، فلا ترفعوا لي باطلاً ولا تمنعن أحداً حقه وإن هلك ذلك الجند فاذهب في الأرض فلا أرينك أبداً. فسار جميعهم إلى نهاوند وسار النعمان فتوافوا بنهاوند وبها من الأعاجم ستون ألفاً عليهم ذو الفروة، وهو ذو الحاجب، وقد خندقوا وهالوا في الخندق تراباً قد نخلوه وبعث النعمان طليحة بن خويلد ليعلم علم القوم، فأبطأ حتى ساء ظن الناس به، فعلم علمهم ثم رجع، فلم يمر بجماعة إلا كبروا، فأنكر ذلك منهم، وقال: ما لكم تكبرون إذا رأيتموني؟ قالوا: ظننا أنك فعلت كفعلتك قال: لو لم يكن دين لحميت أن أجزر العرب هذه الأعاجم الطماطم وأخبر الناس بعدة القوم وكثرتهم فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وأقام النعمان أياماً حتى يستجم الناس أنفسهم وظهرهم، ثم دنا من معسكر الأعاجم فاقتتلوا ثم تحاجزوا عن قتلى وجرحى، وتقاتلوا من الغد حتى صبغت الدماء متن الخيل، وتحاجزوا عند المساء، فبات المسلمون يوقدون النيران ويعصبون بالخرق، لهم أنين بالجراح ودوي بالقرآن، وبات المشركون في المعازف والخمور وبهم من الجراح مثل ما بالمسلمين، وأصبحوا يوم الجمعة، فأقبل النعمان معلماً ببياض على برذون قصير، عليه قباء أبيض مصقول وقلنسوة بيضاء مصقولة فوقف على الرايات فحضهم وقال: يا معشر المسلمين، إن هؤلاء قد أخطروا لكم أخطاراً وأخطرتم لهم أخطاراً، أخطروا لنا دنياً (5) وأخطرتم لهم الإسلام، فالله الله في الإسلام أن تخذلوه، فإنكم أصبحتم باباً بين المسلمين والمشركين فإن كسر الباب دخل على الإسلام، ليشغل كل امرئ منكم قرنه ولا يجعله على صاحبه فإنه لؤم وخذلان ووهل وفشل، وإني هاز الراية، فإذا هززتها فلتأخذ الرجال أهبتها، وليتعهد أصحاب الخيل أعنتها وحزمها، فإذا هززتها الثانية فليعرف كل امرئ منكم مصوب رمحه وموضع سلاحه ووجه مقاتله، فإذا هززتها الثالثة وكبرت فكبروا واستنصروا الله تعالى واذكروه، وإذا حملت فاحملوا، فقال رجل من أهل العراق: قد سمعنا مقالتك أيها الأمير، ونحن واقفون عند قولك، منتهون إلى رأيك، فأول النهار أحب إليك أو آخره؟ قال: آخره، حين تهب الرياح وتحل الصلاة وينزل النصر لمواقيت الصلاة، فأمهل الناس حتى إذا زالت الشمس هز الراية، فقضى الناس حوائجهم وشدت الرجال مناطقها ونزع أصحاب الخيل المخالي عن خيلهم وقرطوها أعنتها وشدوا حزمها وتأهبوا للحرب، ثم أمهل حتى إذا كان في آخر الوقت هزها وصلى الناس ركعتين، وجال أصحاب الخيل في متونها وصوبوا رماحهم فوضعوها بين آذان خيولهم، وأقبلت الأعاجم على براذينهم عليهم الرايات المدبجة والمناطق المذهبة، ووقف ذو الحاجب على بغلته، فإنه زي الأعاجم وهم في حربهم، وإن لأقدامهم في ركبهم لزلزلة، وإن الأسوار ليأخذ النشابة فما يسدد الفوق للوتر وما يتمالك أن يضعها على قوسه، فقال النعمان: يا معشر المسلمين، إني هاز الراية الثالثة، وحاملاً فاحملوا ولا يلو أحد على أحد، وإن قيل قتل النعمان فلا يلوين أحد على أحد، وإني داع بدعوة، فعزمت على كل رجل منكم إلا قال: اللهم أعط النعمان اليوم الشهادة في نصر المسلمين وافتح عليهم. ثم نثل درعه وهز الراية وكبر فكبر الأدنى فالأدنى ممن حوله حتى عشيهم التكبير من السماء، وصوب رايته كأنها جناح طائر وحمل وحمل الناس، فكان أول صريع، ومر به معقل بن يسار فذكر دعوته ألا يلوي أحد على أحد، فجعل علماً عنده، ومر أخوه سويد بن مقرن أو نعيم فألقى عليه ثوباً كيلا يعرف ونصب الراية وهي تقطر دماً قد قتل بها قبل أن يصرع وسقط ذو الحاجب عن بغلته فانشق بطنه، وانهزم المشركون فاتبعوهم يقتلونهم كيف شاءوا. قال بعض من حضر ذلك اليوم: إني لفي الثقل فثارت بيننا وبين القوم عجاجة قسطلانية، فجعلت أسمع وقع السيوف على الهام، ثم كشطت فإذا المسلمون كالذئاب تتبع الغنم. واتبعتهم طائفة من المسلمين حتى دخلوا مدينتهم، ثم رجعوا وحوى المسلمون عسكرهم، ورجع معقل بن يسار فسار إلى النعمان بعد انهزام المشركين، ومعه إداوة فيها ماء، فغسل التراب عن وجهه، فقال: من أنت؟ قال: معقل بن يسار، قال: ما فعل الناس؟ قال: فتح الله عليهم قال: الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر رضي الله عنه، وفاضت نفسه، فاجتمع الناس وفيهم ابن الزبير وابن عمر رضي الله عنهم، فأرسلوا إلى أم ولده فقالوا: عهد إليك عهداً؟ فقالت: هاهنا سفط فيه كتاب، فأخذوه فإذا كتاب عمر رضي الله عنه إلى النعمان: إن حدث بك حدث فالأمير حذيفة، فإن قتل ففلان، فإن قتل ففلان، فتولى أمر الناس حذيفة رضي الله عنه، فأمر بالغنائم فجمعت ثم سار إلى مدينة نهاوند، وحملت تلك الغنائم إلى عسكرهم، وحضر أهل المدينة فقاتلوهم، فبينا هم يطاردونهم إذ لحق سماك بن عبيد عظيماً من عظمائهم يقال له دينار، فسأله الأمان فأمنه فأدخله على حذيفة رضي الله عنه، فصالحه عن البلد على ثمانمائة ألف وشيء من العسل والسمن، وقال: إن لكم الوفاء بالعهد، وأخاف عليكم خمسة أشياء: الخب والبخل والغدر والخيلاء والفجور من قبل القبط والروم وفارس ومن قبل أهل الأهواز. وأتى (6) السائب بن الأقرع دهقان وقد جمعت الغنائم فقال: أتؤمنني على دمي ودماء قرابتي وأدلك على كنز النخيرجان، لم تجلبوا عليه في الحرب فيقسم وتجري عليه السهام، ولم تحرزوه بجزية أقاموا عليها، وإنما هو دفين دفنوه وفروا عنه فتأخذه لصاحبكم، يعني عمر رضي الله عنه، تخصه به؟ فقال: أنت آمن إن كنت صادقاً، قال: فانهض معي، فنهض معه فانتهى إلى قلعة، فرفع صخرة ودخل غاراً فاستخرج سفطين، فإذا قلائد منظومة بالدر والياقوت وقرطة وخواتيم وتيجان مكللة بالجوهر، فأمنه ثم أتى به حذيفة رضي الله عنه فأخبره، فقال: اكتمه فكتمه حتى قسم الغنائم بين الناس، وعزل الخمس. ثم خرج السائب مسرعاً فقدم على عمر رضي الله عنه، فقال له ما وراءك؟ فوالله ما نمت هذه الليلة إلا تغريراً، إذ ما أتت علي ليلة بعد الليلة التي أصبح رسول الله فيها ميتاً أعظم من هذه الليلة قال: أبشر بفتح الله ونصره وحسن قضائه لك في جنودك، ثم اقتص الخبر حتى انتهى إلى قتل النعمان فقال: إنا لله، يرحم الله النعمان، ثم مه؟ قال: ثم والله ما أصيب بعده رجل يعرف وجهه، فقال: لا أم لك ولا أب، قتل الضعفاء الذين لا يعرفهم عمر ابن أم عمر، وأكب طويلاً يبكي ثم قال: أصيبوا لضيعة؟ قال: لا ولكن أكرمهم الله بالشهادة وساقها إليهم، قال: ويحك، أغلبتم على أجساد إخوانكم أم دفنتموهم. قال: دفناهم، قال: فأعطيت الناس حقوقهم؟ قال: نعم، فنهض عمر رضي الله عنه، فأخذ السائب بثوبه وقال: حاجة، قال: ما حاجتك إذا أعطيت الناس حقوقهم؟ قال: حاجة لك وإليك، فجلس، وأخذ السائب الغرارة فأخرج السفطين ففتحهما فنظر إلى ما فيهما كأنه النيران يشب بعضه بعضاً، فقال عمر رضي الله عنه: ما هذا؟ فأخبره، فدعا علياً وعبد الله بن أرقم وغيرهما فختموا على السفطين وقال له: اختم معهم، فختمه، وقال لعبد الله بن أرقم: ارفعه، ورجع السائب. فرأى عمر رضي الله عنه ليالي كالحيات يردن نهشه، فسرح رجلاً وكتب إلى السائب: إن صادفك رسولي في الطريق فلا تصلن إلى أهلك حتى تأتيني، وإن وصلت إلى أهلك فعزمة مني إليك، إذا قرأت كتابي هذا أن تشد على راحلتك وتقبل إلي. وكتب إلى عمار رضي الله عنهما: لا تضعن كتابي هذا حتى يرحل السائب إلي، وأمر الرسول أن يعجله، فقدم الرسول فقال له السائب: أبلغه عني شيء أم به علي سخطة؟ قال: ما رأيت ذلك، ولا أعلمه بلغه عنك خير ولا شر، وركب فقدم على عمر رضي الله عنه فقال له: يا ابن أبي مليكة، يا ابن الحميرية، ما لي ولك، أم ما لك ولي، ثكلتك أمك، ما الذي جئتني به؟ فلقد بت مما جئتني به مروعاً أظن الحيات تنهشني، أخبرني عن السفطين، قال: والله لئن أعدت عليك الحديث، فزدت حرفاً أو نقصت، لأكذبن، قال: إنك لما انصرفت فأخذت مضجعي لمنامي أتتني ملائكة فأوقدوا علي سفطيك جمراً ودفعوهما في نحري، وأنا أنكص وأعاهدهم أن أردهما فأقسمهما على من أفاءهما الله عليه، فكاد ابن الخطاب يحترق، ثم لم أزل مروعاً أظن الحيات ينهشنني، فاردد هذين السفطين فبعهما بعطاء الذرية والمقاتلة أو نصف ذلك، واقسم منهما على من أفاءهما الله عز وجل عليه، وقيل، قال له: بعهما واجعل ثمنهما في أعطية المسلمين بالبصرة والكوفة، فإن خرج كفافاً فذلك، فإن فضل فاجعله في بيت مال المسلمين (7)، فقدم السائب بهما فاشتراهما عمرو بن حريث بعطاء الذرية والمقاتلة، وقيل اشتراهما بأعطية أهل المصرين، فباع أحدهما من أهل الحيرة بما أخذهما به واستفضل الآخر. وقال بعضهم: استفضل مائة ألف دينار، فكان أول مال اعتقده. ولما انهزم أهل نهاوند جعلوا يسقطون في ذلك الخندق الذي هالوا فيه التراب المنخول فيغرقون في ذلك، وكان يقال لفتح نهاوند فتح الفتوح، قال موسى بن عقبة عن أخيه: قدمت البصرة فرأيت بها شيخاً أصم، فقلت: ما أصابك. قال: أنا من أهل نهاوند، لما نزل المسلمون عندما نزلوا عليها كبروا تكبيرة ذهب سمعي منها. وفي الروايات عن فتح نهاوند اختلاف كثير، فلنقتصر منه على هذا. (1) نزهة المشتاق: 204، وانظر ياقوت (نهاوند)، وابن رسته: 166، والمقدسي: 393. (2) الطبري 1: 2600 - 2634 مع إيجاز واختيار. (3) انظر الطبري 1: 2596. (4) انظر الطبري 1: 2598. (5) لعلها وينة؛ إذ جاء في الطبري: 2623 الرئة. (6) الطبري: 2599، 2627. (7) سقط من ع.

[الروض المعطار في خبر الأقطار]

نهاوند

ومن همذان إلى نهاوند مرحلتان، ونهاوند مدينة جليلة كان فيها اجتماع الفرس لما لقيهم النعمان بن مقرن المزني سنة إحدى وعشرين. ولها عدة أقاليم، يسكنها أخلاط من العرب والعجم. وخراجها سوى مال الضياع ألفا ألف درهم. الكرج ومن نهاوند إلى مدينة الكرج مرحلتان، والكرج منازل عيسى بن إدريس بن معقل بن شيخ بن عمير العجلي أبي دلف. ولم تكن في أيام الأعاجم مدينة مشهورة وإنما كانت في عدد القرى العظام من رستاق يسمى (قائقا) من كورة أصبهان، منها إلى مدينة أصبهان ستون فرسخا فنزلها العجليون» فبنوا الحصون والقصور، فقصورها تنسب إلى أبي دلف وأخوته وأهل بيته، وأضيف إليها أربعة رساتيق، فأحدها يقال له: الفائقين، وجابلق، وبرقروذ. والكرج بين أربعة جبال عامرة بالضياع والمزارع والقرى وأنهار مطردة وعيون جارية. وأهلها قوم من العجم إلا من كان من آل عيسى بن إدريس العجلي ومن انضوى إليهم من سائر العرب. وكان خراج الكرج ثلاثة آلاف ألف وأربعمائة ألف مقاطعة، فيها من الرساتيق ألف ألف درهم، ومن الأشربة أربعمائة ألف ثم انتقص ذلك في أيام الواثق فبلغ ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف درهم.

[البلدان لليعقوبي]

نهاوند

بالكسر وتفتح، والواو مفتوحة، والنون ساكنة، ودال مهملة: مدينة عظيمة فى قبلة همذان، بينهما ثلاثة أيام. قيل: أصلها نوّح أوند، فعرّبت كذلك؛ وهى أقدم مدينة فى الجبل، وهى ماه البصرة، أى لأنها فى حسابهم. والدينور ماه الكوفة لأنها فى حسابهم. وجبلها ينقسم ماؤه قسمين: فقسم يأخذ إلى نهاوند، وقسم يأخذ فى الغرب، فيسقى رستاقا ، يقال له الأشتر. وبها آثار للفرس حسنة، وفى وسطها حصن عجيب البناء عالى السّمك، وبها قبور جماعة من شهداء المسلمين. وبها قصب الذريرة، وهو ما دام بنهاوند أو شىء من رساتيقها فهو والخشب بمنزلة واحدة لا رائحة له، فإذا حمل منها وجاوز العقبة [التى يقال لها عقبة الركاب] فاحت رائحته [وزالت الخشبية عنه]. وأصله قصب ينبت فى أجمة فى بعض الرساتيق، والطريق إليها فى عدة عقاب، فإذا طال ذلك القصب ترك حتى يجفّ، ثم يقطع عقدا وكعابا على مقدار عقد عقد، ويعبّى فى جوالقات، ويحمل، فإن أخذته على عقبة من تلك العقبات مسماة معروفة نخر وتهافت وتكلس جسمه، فصار ذريرة، وسمى قمحة. وإن سلك به على غيرها لم يزل بحاله قصبا صلبا وأنابيب وكعابا صلبة، ولا ينتفع به ولا يصلح إلا للوقود. ويوجد على حافات نهرها طين أسود للختم، وهو أحود ما يكون من الطين، وأشدّه سوادا وتعلّكا، فزعم أهل الناحية أنّ السراطين تخرجه من جوف النهر، ومهما حفروا لم يجدوا منه شيئا إلا ما يخرجه السراطين. وبين نهاوند وهمذان أربعة عشر فرسخا وروذراور فى الوسط منهما.

[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]