نَيْسَابُور
بفتح أوله، والعامة يسمونه نشاوور: وهي مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء ومنبع العلماء لم أر فيما طوّفت من البلاد مدينة ومنبع العلماء لم أر فيما طوّفت من البلاد مدينة كانت مثلها، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة نيسابور طولها خمس وثمانون درجة، وعرضها تسع وثلاثون درجة، خارجة من الإقليم الرابع في الإقليم الخامس، طالعها الميزان، ولها شركة في كف الجوزاء مع الشعرى العبور تحت ثلاث عشرة درجة من السرطان، ويقابلها مثلها من الجدي، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، بيت حياتها. .. (1)، ومن هناك طالت أعمار أهلها، بيت ملكها ثلاث عشرة درجة من الحمل، وقد ذكرنا في جمل ذكر الأقاليم أنها في الرابع، وفي زيج أبي عون إسحاق بن علي: إن طول نيسابور ثمانون درجة ونصف وربع، وعرضها سبع وثلاثون درجة، وعدّها في الإقليم الرابع، واختلف في تسميتها بهذا الاسم فقال بعضهم: إنما سميت بذلك لأن سابور مرّ بها وفيها قصب كثير فقال: يصلح أن يكون ههنا مدينة، فقيل لها نيسابور، وقيل في تسمية نيسابور وسابور خواست وجنديسابور: إن سابور لما فقدوه حين خرج من مملكته لقول المنجمين، كما ذكرناه في منارة الحوافر، خرج أصحابه يطلبونه فبلغوا نيسابور فلم يجدوه فقالوا نيست سابور أي ليس سابور، فرجعوا حتى وقعوا إلى سابور خواست فقيل لهم ما تريدون؟ فقالوا: سابور خواست، معناه سابور نطلب، ثم وقعوا إلى جنديسابور فقالوا وند سابور أي وجد سابور، ومن أسماء نيسابور أبرشهر وبعضهم يقول إيرانشهر، والصحيح أن إيرانشهر هي ما بين جيحون إلى القادسية، ومن الرّي إلى نيسابور مائة وستون فرسخا، ومنها إلى سرخس أربعون فرسخا، ومن سرخس إلى مرو الشاهجان ثلاثون فرسخا، وأكثر شرب أهل نيسابور من قنيّ تجري تحت الأرض ينزل إليها في سراديب مهيّأة لذلك فيوجد الماء تحت الأرض وليس بصادق الحلاوة، وعهدي بها كثيرة الفواكه والخيرات، وبها ريباس ليس في الدنيا مثله تكون الواحدة منه منّا وأكثر، وقد وزنوا واحدة فكانت خمسة أرطال بالعراقي وهي بيضاء صادقة البياض كأنها الطَّلع، وكان المسلمون فتحوها في أيام عثمان بن عفان،
رضي الله عنه، والأمير عبد الله بن عامر بن كريز في سنة 31 صلحا وبنى بها جامعا، وقيل إنها فتحت في أيام عمر،
رضي الله عنه، على يد الأحنف بن قيس وإنما انتقضت في (1) هكذا في الأصل.أيام عثمان فأرسل إليها عبد الله بن عامر ففتحها ثانية وأصابها الغزّ في سنة 548 بمصيبة عظيمة حيث أسروا الملك سنجر وملكوا أكثر خراسان وقدموا نيسابور وقتلوا كل من وجدوا واستصفوا أموالهم حتى لم يبق فيها من يعرف وخرّبوها وأحرقوها ثم اختلفوا فهلكوا واستولى عليها المؤيد أحد مماليك سنجر فنقل الناس إلى محلة منها يقال لها شاذياخ وعمّرها وسوّرها وتقلّبت بها أحوال حتى عادت أعمر بلاد الله وأحسنها وأكثرها خيرا وأهلا وأموالا لأنها دهليز المشرق ولا بدّ للقفول من ورودها، وبقيت على ذلك إلى سنة 618، خرج من وراء النهر الكفار من الترك المسمون بالتتر واستولوا على بلاد خراسان وهرب منهم محمد ابن تكش بن ألب أرسلان خوارزم شاه وكان سلطان المشرق كله إلى باب همذان وتبعوه حتى أفضى به الأمر إلى أن مات طريدا بطبرستان في قصة طويلة، واجتمع أكثر أهل خراسان والغرباء بنيسابور وحصنوها بجهدهم فنزل عليها قوم من هؤلاء الكفار فامتنعت عليهم ثم خرج مقدّم الكفار يوما ودنا من السور فرشقه رجل من نيسابور بسهم فقتله فجرّى الأتراك خيولهم وانصرفوا إلى ملكهم الأعظم الذي يقال له جنكزخان فجاء بنفسه حتى نزل عليها وكان المقتول زوج ابنته فنازلها وجدّ في قتال من بها فزعم قوم أن علويّا كان متقدّما على أحد أبوابها راسل الكفار يستلزم منهم على تسليم البلد ويشرط عليهم أنهم إذا فتحوه جعلوه متقدّما فيه، فأجابوه إلى ذلك ففتح لهم الباب وأدخلهم فأول من قتلوا العلويّ ومن معه، وقيل: بل نصبوا عليها المناجيق وغيرها حتى أخذوها عنوة ودخلوا إليها دخول حنق يطلب النفس والمال فقتلوا كل من كان فيها من كبير وصغير وامرأة وصبيّ ثم خرّبوها حتى ألحقوها بالأرض وجمعوا عليها جموع الرستاق حتى حفروها لاستخراج الدفائن، فبلغني أنه لم يبق بها حائط قائم، وتركوها ومضوا فجاء قوم من قبل خوارزم شاه فأقاموا بها يسبرون الدفائن فأذهبوها مرّة، فإنا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما دهى الإسلام قط مثلها، وقال أبو يعلى محمد بن الهبّارية: أنشدني القاضي أبو الحسن الاستراباذي لنفسه فقال: لا قدّس الله نيسابور من بلد سوق النفاق بمغناها على ساق يموت فيها الفتى جوعا وبرّهم والفضل ما شئت من خير وأرزاق والحبر في معدن الغرثى، وإن برقت أنواره في المعاني، غير برّاق وقال المرادي يذمّ أهلها: لا تنزلنّ بنيسابور مغتربا إلا وحبلك موصول بسلطان أو لا فلا أدب يجدي ولا حسب يغني ولا حرمة ترعى لإنسان وقال أبو العباس الزّوزني المعروف بالمأموني: ليس في الأرض مثل نيسابور بلد طيب وربّ غفور وقد خرج منها من أئمة العلم من لا يحصى، منهم: الحافظ الإمام أبو علي الحسين بن علي بن زيد ابن داود بن يزيد النيسابوري الصائغ، رحل في طلب العلم والحديث وطاف وجمع فيه وصنف وسمع الكثير من أبي بكر بن خزيمة وعبدان الجواليقي وأبي يعلى الموصلي وأحمد بن نصر الحافظ والحسن بن سفيان وإبراهيم بن يوسف الهسنجاني وأبي خليفة وزكرياء الساجي وغيرهم، وكتب عنه أبو الحسنابن جوصا وأبو العباس بن عقدة وأبو محمد صاعد وإبراهيم بن محمد بن حمزة وأبو محمد الغسّال وأبو طالب أحمد بن نصر الحافظ وهم من شيوخه، روى عنه أبو عبد الله الحاكم وأبو عبد الرحمن السّلمي وأبو عبد الله بن مندة وأبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الصّبغي وهو من أقرانه، قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عنه فقال: مهذب إمام، وقال أبو عبد الله بن مندة: ما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي علي الحسين بن علي النيسابوري، قال أبو عبد الله في تاريخه: الحسين بن علي بن يزيد أبو علي النيسابوري الحافظ وحيد عصره في الحفظ والإتقان والورع والرحلة ذكره بالشرق كذكره بالغرب مقدم في مذاكرة الأئمة وكثرة التصنيف كان مع تقدمه في هذا العلم أحد المعدلين المقبولين في البلد، سمع بنيسابور وهراة ونسا وجرجان ومرو الروذ والرّيّ وبغداد والكوفة وواسط والأهواز وأصبهان ودخل الشام فكتب بها، وسمع بمصر، وكتب بمكة عن الفضل بن محمد الجندي، وقال في موضع آخر: انصرف أبو علي من مصر إلى بيت المقدس ثم حجّ حجة أخرى ثم انصرف إلى بيت المقدس وانصرف في طريق الشام إلى بغداد، وهو باقعة في الذكر والحفظ لا يطيق مذاكرته أحد، ثم انصرف إلى خراسان ووصل إلى وطنه، ولا يفي بمذاكرته أحد من حفّاظنا، ثم أقام بنيسابور يصنّف ويجمع الشيوخ والأتراب، قال: وسمعت أبا بكر محمد بن عمر الجعابي يقول: أنّ أبا علي أستاذي في هذا العلم وعقد له مجلس الإملاء بنيسابور سنة 337 وهو ابن ستين سنة، وإن مولده سنة 277، ولم يزل يحدث بالمصنّفات والشيوخ مدة عمره، وتوفي أبو علي عشية يوم الأربعاء الخامس عشر من جمادى الأولى سنة 349 ودفن في مقبرة باب معمر عن اثنتين وسبعين سنة.
[معجم البلدان]
نيسابور
مدينة من مدن خراسان، ذات فضائل حسنة وعمارة، كثيرة الخيرات والفواكه والثمرات، جامعة لأنواع المسرات، وعتبة الشرق، ولم يزل القفل ينزل بها. وانها كانت مجمع العلماء ومعدن الفضلاء. وكان عمرو بن الليث الصفار يقول: أقاتل على بلدة حشيشها الريباس، وترابها البقل، وحجرها الفيروزج. وإنما قال ذلك لأن بها ريباساً ليس في جميع الأرض مثله، قد يكون واحدها خمسة أرطال وأكثرها رطلان أو ثلاثة. وهي صادقة البياض كأنها الطلع، وإنما عنى بالبقل الطين المأكول الذي لا يوجد مثله في جميع الأرض. يحمل إلى أداني الأرض وأقاصيها لتحفة الملوك، وربما بيع رطل منه بمصر بدينار واحد، وبالغ محمد بن زكرياء في خواص هذا الطين ومنافعه. وقال أبو طالب المأموني: خذ لي من البقل فذاك الذي منها خلقنا وإليها نصير كأنّه للعين لمّا بدا أحجار كافورٍ عليها عبير وبها معادن الفيروزج. ذكروا أن تلك المعادن آبار ظهر فيها العقارب فامتنع الناس عنها، ولما دخلها إسماعيل بن أحمد الساماني. وكان ملكاً عادلاً، قال: يا لها من مدينة لو لم يكن بها عيبان! قيل: ما هما؟ قال: كان ينبغي أن تكون مياهها التي في باطن الأرض على ظاهرها، ومشايخها الذين على ظاهرها في باطنها. وكانت نيسابور من أحسن بلاد الله وأطيبها. خرج الغز على السلطان سنجر ابن ملكشاه السلجوقي، وكسروه وأسروه وبعثوا جمعاً إلى مدينة نيسابور، وذلك في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، فقاتلهم أهل نيسابور أشد القتال لأنهم كانوا كفاراً نصارى، فجاءهم ملك الغز وحاصرهم حتى استخلصها عنوة، وقتلوا كل من وجدوه وخربوها وأحرقوها، فانتقل الناس إلى الشاذياخ وعمروهاوسوروها حتى بقيت مدينة طيبة أحسن من المدينة الأولى، وصارت المدينة الأولى متروكة، وصارت مجامع أهلها مكان الوحوش ومراتع البهائم، فسبحان من لا يعتريه الزوال وكل ما سواه يتغير من حال إلى حال! ينسب إليها الإمام العلامة رضى الدين النيسابوري، قدوة العلماء وأستاذ البشر. كان أصله من نيسابور ومسكنه بخارة، وكان على مذهب الإمام أبي حنيفة، وكان في حلقة درسه أربعمائة فقيه فضلاء، وانه سلك طريقاً لم يسلكه من كان قبله. وكان علم المناظرة قبله غير مضبوط فأحدث له ضبطاً وترتيباً، وبذلك فاقت تلامذته جميع علماء زمانهم. وله على كل من يسمى باسم الفقيه منة، لأن الفقهاء بعده على طريقه وترتيبه. وينسب إليها الأستاذ قدوة المشايخ أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة القشيرية، كان وحيد دهره علماً وورعاً. حكي انه إذا دخل على نظام الملك الحسن بن علي بن إسحق، قام من مكانه وقعد بين يديه، وإذا دخل عليه إمام الحرمين يقوم له ويقعده بجنبه، فسئل نظام الملك عن ذلك فقال: لأن أبا القاسم القشيري إذا دخل علي يذمني فيما أعمله، وأما إمام الحرمين فإنه يمدحني فيما أعمله. فيا لله من شيخ إذا دخل على وزير المشرق والمغرب يذم أفعاله ولا يبالي بسلطنته! ويا لله من وزير من ذمه في أفعاله أكرم عليه ممن مدحه! وحكي أن الملك لما صار لطغرلبك السلجوقي واستوزر أبا نصر الكندري، كان السلطان معتزلياً والوزير شيعياً، أمرا بلعن جميع المذاهب يوم الجمعة على رؤوس المنابر. فعند ذلك فارق الأستاذ أبو القاسم مملكة طغرلبك وقال: لا أقيم في أرض يلعن بها المسلمون! وإمام الحرمين أيضاً ذهب إلى أرض الحجاز. وتوفي أبو القاسم سنة خمس وستين وأربعمائة. ينسب إليها من الحكماء عمر الخيام. كان حكيماً عارفاً بجميع أنواع الحكمة سيما نوع الرياضيات. وكان في عهد السلطان ملكشاه السلجوقي سلم إليه مالاً كثيراً ليشتري به آلات الرصد ويتخذ رصد الكواكب، فمات السلطانوما تم ذلك. وحكي انه نزل ببعض الربط، فوجد أهلها شاكين من كثرة الطير ووقوع ذرقها وتنجس ثيابهم بها، فاتخذ تمثال الطير من الطين ونصبه على شرفة من شرفات الموضع فانقطع الطير عنها. وحكي أن بعض الفقهاء كان يمشي إليه كل يوم قبل طلوع الشمس، ويقرأ عليه درساً من الحكمة، فإذا حضر عند الناس ذكره بالسوء، فأمر عمر بإحضار جمع من الطبالين والبوقيين وجباهم في داره، فلما جاء الفقيه على عادته لقراءة الدرس، أمرهم بدق الطبول والنفخ في البوقات، فجاءه الناس من كل صوب، فقال عمر: يا أهل نيسابور هذا عالمكم يأتيني كل يوم في هذا الوقت، ويأخذ مني العلم، ويذكرني عندكم بما تعلموني، فإن كنت أنا كما يقول فلأي شيء يأخذ علمي، وإلا فلأي شيء يذكر الأستاذ بالسوء؟ وينسب إليها أبو حمزة الخراساني. كان من أقران الجنيد وأبي تراب النخشبي وأبي سعيد الخراز. قال: حججت في بعض السنين، فبينما أنا أمشي في الطريق إذ وقعت في بئر، فنازعتني نفسي أن أستغيث حتى يأتيني أحد، فخالفت النفس وقلت: والله لا أستغيث؛ فما استتمت هذه الخطرة حتى أتى برأس البئر رجلان أحدهما يقول للآخر: تعال تى نسد رأس هذه البئر كيلا يقع إنسان فيها. فأتيا بقصب وبارية وسدا رأس البئر، فهممت أن أصيح ثم قلت في نفسي: أصيح إلى من هو أقرب منهما. فسكت. فبينما أنا بعد ساعة إذ جاء شيء وكشف رأس البئر وأدلى رجليه فكأنه يقول في همهمته: تعلق بي! فتعلقت به فأخرجني، فإذا هو سبع، فهتف بي هاتف: أليس هذا أحسن؟ نجيناك بالمتلف من التلف! وينسب إليها أبو القاسم المنادي. وينسب إليها أبو الطيب سهل الصعلوكي. تصدر للقضاء والتدريس بنيسابور واجتمع عليه فقهاء خراسان، ووضع في مجلسه خمسمائة محبرة عند إملائه.قيل: جاء في الحديث عن رسول الله،
ﷺ، أن الله تعالى على رأس كل مائة يبعث من يجدد دينه. فذكر الأصحاب انه على رأس المائة عمر ابن عبد العزيز، وعلى المائتين محمد بن ادريس الشافعي، وعلى الثلاثمائة أبو العباس أحمد بن سريج، ونظم هذا المعنى بعض أهل العلم فقال: إثنان قد مضيا وبورك فيهما: عمر الخليفة ثمّ خلف السّؤدد الشّافعيّ الألمعيّ محمّدٌ إرث النّبوّة وابن عمّ محمّد وابشر أبا العبّاس إنّك ثالثٌ من بعدهم، سقياً لتربة أحمد فقام رجل في مجلس أبي الطيب سهل الصعلوكي، وأنشد تلك الأبيات وألحق بها: والرّابع المشهور سهلٌ بعدهم أضحى إماماً عند كلّ موحّد لا زال فيما بيننا علم الهدى للمذهب المختار خير مؤيّد فسكت الشيخ وغمه ذلك وتوفي في تلك السنة. حكى أبو سعيد الشحامي قال: رأيت أبا الطيب الصعلوكي في النوم بعد وفاته فقلت: أيها الشيخ! فقال: دع الشيخ! قلت: وتلك الأحوال التي شاهدتها؟ قال: لم تغن عنا شيئاً! قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بمسائل كانت تسألها العجائز! وينسب إليها أبو سعيد بن أبي عثمان الخركوشي. كان من مشاهير علماء خراسان بالعلم والزهد والورع وحسن الطريقة. صنف كتباً كثيرة في العلوم الشرعية، وبنى مدرسة ودار مرضى، ووقف عليهما أملاكاً كثيرة. وفي آخر عمره اختار الفقر، وكان يأكل من كسب يده: يعمل القلانس ويبيعها خفية حتى لا يدرى أنها عمله. حكى أبو الفضل محمد بن عبد الله الصرام قال: رأيت الأستاذ أبا سعيدخرج مع القوم للاستسقاء وهو ينشد: إليك جئنا حسبنا ربّنا وليس ربٌّ سواك يغنينا بابك رحبٌ فناؤه كرمٌ إرحم على بابك المساكينا ثم قال: اللهم اسقنا! فما أتم ثلاثاً حتى سقينا كأفواه القرب. وينسب إليها أبو محمد عبد الله بن محمد المرتعش. كان عظيم الشأن. صحب الجنيد، قيل له: إن فلاناً يمشي على الماء! فقال: عندي من مكنة الله تعالى من مخالفة الهواء ما هو أعظم من المشي على الماء. توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
[آثار البلاد وأخبار العباد]
نيسابور
وتسمى (أبرشهر) ويقول بعضهم (إيران شهر). من مدن خراسان، وإحدى عواصمها. كانت في العصر العباسي من أشهر مراكز الثقافة والتجارة والعمران، وذلك قيل أن يدمرها زلزال أصابها سنة 540 هـ، ثم أكمل خرابها غزو المغول لها سنة 618 هـ (1221م). نسب إليها كثير من العلماء منهم الشيخ أبو منصور عبد الملك الثعالبي صاحب كتاب (يتيمة الدهر)، وأبو الفضل الميكالي، وأبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، وغياث الدين أبو الفتح عمر الخيام، وأبو الفضل أحمد بن محمد الميداني (نسبة إلى ميدان زياد وهو محلة بنيسابور)، صاحب كتاب مجمع الأمثال، ومسلم بن الحجاج صاحب (المسند الصحيح)، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأبو عبد الله بن أحمد بن نصر النيسابوري، وأبو بكر البيهقي النيسابوري صاحب كتاب (السنن)، وكتاب (المبسوط) في الفقه الشافعي. وأبو سعيد محمد بن يحيى بن منصور النيسابوري، صاحب كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف، وأسد بن الفرات الفقيه الكبير والقائد العظيم الذي فتح جزيرة صقلية والذي استشهد سنة 212 هـ، في حصار مدينة (سرقوسة (.
[تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير]
نيسابور (1) :
سميت بذلك لأن سابور مر بها فلما نظر إليها قال: هذه تصلح لأن تكون مدينة فأمر بها فقطع قصبها ثم كبس ثم بنيت فقيل لها نيسابور وهي من بلاد خراسان، وهو بلد واسع افتتحه عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان
رضي الله عنه سنة ثلاثين وهي أرض سهلة ليس بها ماء جار إلا نهر يخرج إليهم فضله في السنة ولا يدوم ماؤه وهو فضل ماء هراة، وهي مدينة يكون قدرها قدر نصف مرو. ومن نيسابور جماعة من أكابر الفضلاء، ولو لم يكن إلا الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري صاحب " المسند الصحيح " ويقال أيضاً: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى النيسابوري (2). ونيسابور (3) مدينة جميلة في مستو من الأرض وأبنيتها من طين، وهي قديمة البناء، وقدر مساحتها ثلاثة أميال في مثلها ولها ربض كبير آهل دائر بها، ومسجد جامعها في ربضها، ولها قصبة منيعة، ولها أربعة أبواب: باب القنطرة، وباب سكة معقل، وباب القصبة، وباب قنطرة دومكين، ولها نهر يشربون منه ويسقون رساتيقهم، وبينها وبين سرخس ست مراحل، ورساتيقها عامرة وفيها مدن كثيرة، ونيسابور قلب لما حولها من البلاد والأقطار. وهي في أرض (4) سهلة مقدارها فرسخ في مثله، وقهندزها متصل بمدينتها خارج عنها ويحف بهما جميعاً ربض، وجامعها بموضع يعرف بالعسكر، ودار الإمارة بمكان يعرف بميدان الحسين، وبين المسجد الجامع ودار الإمارة ربع فرسخ، ودار الإمارة من بناء عمرو بن الليث، وأسواقها خارجة عن المدينة في الربض، ومعظمها سوقان: المربعة الكبيرة والمربعة الصغيرة، فإذا أخذت من المربعة نحو المغرب فالسوق ممتدة إلى مقابر الحسن، وفي خلال هذه الأسواق خانات يسكنها التجار للبيع فيها، يضاهي كل فندق منها سوقاً من أسواق بعض البلدان. وليس بخراسان مدينة أصح هواء ولا أرحب فناء ولا أشد عمارة ولا أمكن تجارة ولا أكثر سابلة ولا أغزر فائدة من نيسابور، ويرتفع منها من أصناف البز وفاخر الثياب القطن والقز ما يعم البلاد وتؤثره الملوك ويتنافس فيه الرؤساء، ولها حدود واسعة ورساتيق عامرة ومدن معروفة. وكانت دار الإمارة في القديم بخراسان مرو وبلخ إلى أيام الطاهرية فإنهم نقلوها إلى نيسابور فعمرت وعظمت أحوالها وشهر بالعلم رجالها. وفي سنة (5) ثمان عشرة وستمائة نزل الططر على نيسابور وهي حينئذ عروس خراسان، ومحط التجار من سائر البلدان، وبها الطراز الأعظم، وفيها من الأئمة والعلماء والسادة والكبراء خلق لم يجتمع في سواها وقد طابت غلاتها فراموا فيها مكراً بتأمين أو خديعة، فقال أهلها: الكلب خير من صاحب أمرهم فإنه يحفظ العهد وهو ما له عهد ولا يفي بقول قد غدر بأهل بخارى وأهل سمرقند وغيرهما، فكيف ننخدع بعدما سمعنا، وفينا من يرغب في الشهادة وما برحوا يقاتلون حتى دخل الططر عليهما محلة فمحلة، ولم يبقوا على أحد حتى انهم قتلوا الأطفال وكثيراً من النساء، إذ كان فيهن من يرمي عليهم الحجارة من السطوح، وخربوا المدينة وتركوها موحشة وساروا إلى أختها مرو. (1) قارن بياقوت (نيسابور). (2) انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ: 415، وكانت وفاته سنة 226. (3) عن نزهة المشتاق: 208. (4) انظر ابن حوقل: 362، والكرخي: 145، والمقدسي: 314، وآثار البلاد: 473. (5) قارن بياقوت (نيسابور).
[الروض المعطار في خبر الأقطار]
نيسابور
ومن قومس على جادة الطريق الأعظم إلى مدينة نيسابور تسع مراحل، ونيسابور بلد واسع كثير الكور، فمن كور نيسابور: الطبسين ، وقوهستان ، ونسا، وأبيورد ، وأبرشهر ، وجام، وباخرز ، وطوس، ومدينة طوس العظمى يقال لها: نوقان، وزوزن ، وأسفرايين على جادة طريق جرجان. افتتح البلد عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان سنة ثلاثين، وأهلها أخلاط من العرب والعجم وشربها من العيون والأودية، وخراجها يبلغ أربعة آلاف ألف درهم. وهو داخل في خراج خراسان وبها يعمل في جميع. نزل عبد الله بن طاهر مدينة نيسابور ولم يتعدّها إلى مرو على حسب ما كانت الولاة تفعل وبنى بها بناء عجيبا (الشاذياخ) ثم بنى المنار. أعلمني بعض أهل طاهر أن من نيسابور إلى مرو عشر مراحل، ومن نيسابور إلى هراة عشر مراحل، ومن نيسابور إلى جرجان عشر مراحل، ومن نيسابور إلى الدامغان عشر مراحل، ومن نيسابور على جادة الطريق والخط الأعظم إلى سرخس ست مراحل. أول المراحل قصر الرّيح يقال له بالفارسية: دزباد، ثم خاكسار، ثم مزدوران، ولها عقبة طين. وسرخس بلد جليل ومدينتها عظيمة وهي في برية في رمال، فيها أخلاط من الناس. افتتحها عبد الله بن خازم السلمي ، وهو يومئذ من قبل عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان وشرب أهلها من الآبار، ليس لها نهر ولا عين وبها قوم من [. .. ] ومبلغ خراجها ألف ألف درهم وهو داخل في خراج خراسان.
[البلدان لليعقوبي]
نيسابور
بفتح أوله. والعجم يسمّونها نشاوور: مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة، خرج منها جماعة من العلماء، وبينها وبين مرو الشاهجان ثلاثون فرسخا، فتحها المسلمون فى أيام عثمان بن عفّان، على يد عبد الله بن عامر، وبنى بها جامعا. وقيل: فتحها الأحنف بن قيس فى أيام عمر، وانتقضت ففتحها عبد الله بن عامر ثانيا صلحا، أصابها الغزّ فى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، حيث أسروا السلطان سنجر، وملكوا أكثر خراسان، وقدموا نيسابور فقتلوا كلّ من وجدوه واستصفوا أموالهم، حتى لم يبق فيها من يعرف، وأخربوها وأحرقوها ثم اختلفوا فهلكوا. واستولى بعد ذلك المؤيد أحد مماليك سنجر، فنقل أهله إلى محلّة منها، يقال لها شاذياخ وعمّرها وسوّرها، وعادت من أحسن البلاد وأنزهها وأكثرها خيرا وأهلا وأموالا، حتى خرج التتر مما وراء النهر فى سنة ثمانى عشرة وستمائة، واستولوا على مملكة خوارزمشاه، وكان ملك المشرق إلى همذان، فهرب منه، وتبعوه فمات طريدا بطبرستان، ولجأ إليها كثير من أهل خراسان وغيرها فتحصّنوا بها فقصدهم طائفة من التتر وحصروهم وقاتلوهم، وقتلوا متقدمهم، فرجعوا إلى ملكهم الأعظم ، فجاء إليهم ونصب عليهم المجانيق وغيرها. فيقال إن علويا كان على أحد الأبواب استأمنهم على أن يفتح لهم البلد بشرط أن يكون متقدما به من قبلهم، وفتح لهم الباب فدخلوا؛ فأول من قتلوا العلوىّ، وقتلوا كلّ من وجد فيها من رجل وامرأة وصبىّ، واستولوا على الأموال والدفائن، ولم يتركوا بها حائطا قائما ورجعوا. فبعث خوارزمشاه من جهته من يحفر منازلها على الدفائن فلم يبق لها أثر. قلت: وبلغنى أنّ من كان من أهلها نابيا عنها رجعو إليها بعد ذلك، فسكنوا بها مدة، ثم خسفت فهلك فى الخسف خلق كثير.
[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]