جابرسا
مدينة بأقصى بلاد المشرق، عن ابن عباس،
رضي الله عنه، قال: إن بأقصى المشرق مدينة اسمها جابرس، أهلها من ولد ثمود، وبأقصى المغرب مدينة اسمها جابلق أهلها من ولد عاد، ففي كل واحد بقايا من الأمتين. يقول اليهود: إن أولاد موسى، عليه السلام، هربوا في حرب بخت نصر، فسيرهم الله تعالى وأنزلهم بجابرس، وهم سكان ذلك الموضع لا يصل إليهم أحد ولا يحصى عددهم. وعن ابن عباس،
رضي الله عنه، أن النبي،
ﷺ، في ليلة أسري به قال لجبريل، عليه السلام: إني أحب أن أرى القوم الذين قال الله تعالى فيهم: ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون، فقال جبريل، عليه السلام: بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذاهباً وست سنين راجعاً، وبينك وبينهم نهر من رمل يجري كجري السهم، لا يقف إلا يوم السبت، لكن سل ربك، فدعا النبي،
ﷺ، وأمن جبريل، عليه السلام، فأوحى الله إلى جبريل أن أجب إلى ما سأل، فركب البراق وخطا خطوات، فإذا هو بين أظهر القوم، فسلم عليهم فسألوه: من أنت؟ فقال: أنا النبي الامي! فقالوا: نعم، أنت الذي بشر بك موسى، عليه السلام، وإن أمتك لولا ذنوبها لصافحتها الملائكة، قال رسول الله،
ﷺ: رأيت قبورهم على باب دورهم فقلت لهم: لم ذاك؟ قالوا: لنذكر الموت صباحاً ومساء، وإن لم نفعل ذلك ما نذكر إلا وقتاً بعد وقت! فقال،
ﷺ: ما لي أرى بنيانكم مستوياً؟ قالوا: لئلا يشرف بعضنا على بعض، ولئلا يسد بعضنا الهواء عن بعض. فقال،
ﷺ: ما لي لا أرى فيكم سلطاناً ولا قاضياً؟ فقالوا: أنصف بعضنا بعضاً، وأعطينا الحق من أنفسنا. فلم نحتج إلى أحد ينصف بيننا، فقال،
ﷺ: ما لأسواقكم خالية؟ فقالوا: نزرع جميعاً ونحصد جميعاً، فيأخذ كل رجل منا ما يكفيه ويدع الباقي لأخيه. فقال،
ﷺ: ما لي أرى هؤلاء القوم يضحكون؟ قالوا: مات لهم ميت! قال: ولم يضحكون؟ قالوا: سروراً بأنه قبض على التوحيد! قال،
ﷺ: وما لهؤلاء يبكون؟ قالوا: ورد لهم مولود وهم لا يدرون على أي دين يقبض. قال،
ﷺ: إذا ولد لكم مولود ذكر ماذا تصنعون؟ قالوا: نصوم لله شهراً شكراً. قال: وإن ولدت لكم انثى؟ قالوا: نصوم لله شهرين شكراً، لأن موسى، عليه السلام، أخبرنا أن الصبر على الأنثى أعظم أجراً من الصبر على الذكر. قال،
ﷺ: أفتزنون؟ قالوا: وهل يفعل ذلك أحد إلا حصبته السماء من فوقه، وخسفت به الأرض من تحته؟ قال: افتربون؟ قالوا: إنما يربي من لا يؤمن رزق الله! قال: أفتمرضون؟ قالوا: لا نذنب ولا نمرض وإنما تمرض أمتك ليكون كفارة لذنوبهم. قال،
ﷺ: أفلكم سباع وهوام؟ قالوا: نعم تمر بنا ونمر بها فلا تؤذينا. فعرض عليهم النبي،
ﷺ، شريعته، فقالوا: كيف لنا بالحج وبيننا وبينه مسافة بعيدة؟ فدعا النبي،
ﷺ، قال ابن عباس: تطوى لهم الأرض حتى يحج من يحج منهم مع الناس. قال: فلما أصبح النبي،
ﷺ، أخبر من حضر من قومه، وكان فيهم أبو بكر،
رضي الله عنه، قال: إن قوم موسى بخير، فعلم الله تعالى ما في قلوبهم فأنزل: وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. فصام أبو بكر شهراً واعتق عبداً، إذ لم يفضل الله أمة موسى على أمة محمد،
ﷺ.
[آثار البلاد وأخبار العباد]