الشام
هي من الفرات إلى العريش طولاً، ومن جبلي طيء إلى بحر الروم عرضاً؛ عن رسول الله،
ﷺ: الشام صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي صفوته من عباده. عن عبد الله بن عمرو بن العاص انه قال: قسم الخير عشرة أقسام، جعلت تسعة في الشام وقسم في سائر الأرض، وقسم الشر عشرة أعشار، جزء منها بالشام والباقي في جميع الأرض. والشام هي الأرض المقدسة التي جعلها الله منزل الأنبياء ومهبط الوحي ومحل الأنبياء والأولياء. هواؤها طيب وماؤها عذب وأهلها أحسن الناس خلقاً وخلقاً وزياً ورياً؛ قال البحتري: عنيت بشرق الأرض قدماً وغربها أجوّب في آفاقها وأسيرها فلم أر مثل الشّام دار إقامةٍ لراحٍ أغاديها وكأسٍ أديرها مصحّة أبدانٍ ونزهة أعينٍ. .. ولهو نفوسٍ دائمٌ وسرورهامقدّسةٌ جاد الرّبيع بلادها. .. ففي كلّ أرضٍ روضةٌ وغديرها ومن خواص الشام أن لا تخلو عن الأولياء الأبدال الذين يرحم الله ويعفو بدعائهم، لا يزيدون على السبعين ولا ينقصون عنها، كلما مات واحد منهم قام من الناس بدله، ولا يسكنون إلا جبل اللكام! ومن خواصها الطاءات الثلاث: الطعن والطاعون والطاعة. أما طاعونها فنعوذ بالله منه، وأما طعنها فمشهور أن أجنادها شجعان، وأما طاعتها للسلطان فمما يضرب به المثل حتى قيل: إنما تمشى الأمر لمعاوية لأنه كان في أطوع جند، وعلي كان في أعصى جند وهم أهل العراق! وبالشام من أنواع الفواكه في غاية الحسن والطيب، وتفاحها كان يحمل إلى العراق لأجل الخلفاء. وكذلك الزيت الركابي فإنه في عاية الصفاء، وأهل الشام ينسبون إلى الجلافة وقلة الفطنة! حكى ابن أبي ليلى أنه كان يساير رجلاً من وجوه أهل الشام، فمر بحمال معه سلة رمان فأخذ منها رمانة جعلها في كمه، فتعجبت من ذلك ثم رجعت إلى نفسي وكذبت بصري حتى مر بسائل فقير، فأخرجها من كمه وأعطاه، فعلمت أني رأيتها وسألته عن ذلك، فقال: أما علمت أن الأخذ سيئة واحدة والإعطاء عشر حسنات فكسبت تسعة؟ قال صاحب تحفة الغرائب: في بادية الشام شجرة إذا نظر الناظر إليها رأى أوراقها كالسرج المشعولة، وكلما كان الليل أظلم كان الضوء أشد. وإذا هش الورق لا يرى شيء من الضوء. وحكى عبد الرحمن القشيري أن امرأة شريك بن خباسة قالت: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى الشام، فنزلنا موضعاً يقال له القليب، فذهب شريك ليستقي فوقعت دلوه في البئر، فلم يقدر على أخذها لزحمة الناس فأخر إلى الليل وأبطأ، فأخبر عمر فأقام ثلاثاً، فإذا شريك أقبل ومعه ورقة خضراء فقال: يا أمير المؤمنين، إني وجدت في القليب سرباً، فأتاني آت فأخرجني إلى أرض لا تشبه أرضكم وبساتين لا تشبه بساتينكم، فتناولت منه شيئاً فقال لي: ليس هذا أوان ذلك! فأخذت هذه الورقة فإذا هي يواريها الكف ويشتمل بها الرجل من شجرة التين. فدعا عمر كعب الأحبار وقال: هل وجدت في شيء من الكتب أن رجلاً من أمتنا يدخل الجنة ثم يخرج؟ قال: نعم وإن كان أنبأتك به! فقال: هو في القوم! فتأملهم ثم أشار إليه، فجعل شعار بني نمير أخضر من ذلك اليوم. بها جبل السماق، وهو جبل عظيم من أعمال حلب، يشتمل على مدن وقرى أكثرها للاسماعيلية. وانه منبت السماق وهو مكان طيب نزه. من عجائبه أنه ذو بساتين ومزارع كلها عذي، فينبت جميع الفواكه والحبوب في الحسن والطراوة كالمسقوي حتى المشمش والقطن والسمسم. وحكي أن نور الدين صاحب الشام أنكر ملك الإسماعيلية في وسط بلاده، فجاءه قاصداً أخذه، فلما نزل عليه في ليلته الأولى أصبح فرأى عند رأسه رقعة وسكيناً، وكان في الرقعة: إن لم ترحل الليلة الآتية تكون هذه السكين في بطنك! فارتحل عنه. وبها طور سينا بين الشام ووادي القريتين بقرب مدين، وقال بعضهم: بقرب أيلة. كان عليه الخطاب الثاني لموسى، عليه السلام، عند خروجه من مصر ببني إسرائيل. وكان موسى إذا جاءه ينزل عليه غمام فيدخل في ذلك الغمام ويكلمه ربه، وهو الجبل الذي ذكره الله تعالى حيث قال: فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً. وانه لا يخلو من الصلحاء، وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجر العليق. طور هارون في قبلي بيت المقدس، وإنما سمي طور هارون لأن موسى، عليه السلام، بعد قتل عبدة العجل أراد المضي إلى مناجاة ربه، فقال له هارون، عليه السلام: احملني معك فإني لست آمن أن يحدث ببني إسرائيل بعدك حدث، فتغضب علي مرة أخرى! فحمله معه، فلما كانا ببعض الطريق إذا هما برجلين يحفران قبراً، فوقفا عليهما وقالا: لمن تحفران هذا القبر؟ فقالا: لأشبه الناس بهذا الرجل! وأشارا إلى هارون ثم قالا له: بحق إلهك الا نزلت وأبصرت هل هو واسع؟ فنزع هارون ثيابه ودفعها إلى موسى ونزل ونام فيه، فقبض روحه من ساعته وانضم القبر! فانصرف موسى باكياً حزيناً، فاتهمه بنو إسرائيل بقتله، فدعا الله تعالى موسى حتى أراهم هارون في فضاء على رأس ذلك الجبل، ثم غاب عنهم فسمي طور هارون. وبها جبل لبنان وهو مطل على حمص، به أنواع الفواكه والزروع من غير أن يزرعها أحد، يأوي إليه الابدال لا يخلو عنهم أبداً لما فيه من القوت الحلال، وفي تفاحه أعجوبة وهي انه يحمل إلى الشام وليست له رائحة حتى يتوسط نهر الثلج، فإذا توسط النهر فاحت رائحته. وبها نهر الذهب، يزعم أهل حلب انه وادي بطنان، ومن عجائبه ان أوله يباع بالميزان وآخره بالكيل. ومعنى هذا الكلام أن أوله يزرع عليه القطن وسائر الحبوب، وآخره وهو ما فضل من الزروع ينصب إلى بطيحة طولها فرسخان في عرض مثله، فيجمد هناك ويصير ملحاً يمتار منه أكثر نواحي الشام فيباع كيلاً.
[آثار البلاد وأخبار العباد]
الشام
وفيها ثلاث لغات: المدّ بدون همز، والهمز مع السكون، والهمز مع الفتح. ويطلق في التاريخ على فلسطين وسورية، ولبنان والأردن. والشام له ذكر كثير في كتب السيرة، وفي الأحاديث النبوية، منها قوله عليه السلام: الشام صفوة الله من بلاده، وإليه يجتبي صفوته من عباده. وكان أول دخول المسلمين أرض الشام في غزوة مؤتة. (انظر مؤتة).
[المعالم الأثيرة في السنة والسيرة]
الشام (1) :
مهموز الألف ولا يهمز، في الإقليم الخامس، قيل سمي شاماً لشامات هناك حمر وسود، ولم يدخلها سام بن نوح قط، فانه قال بعض الناس: إنه أول من اختطها فسميت به، واسمه سام بالسين، فعربت فقيل: شام، بالشين المعجمة، وكانت العرب تقول: من خرج إلى الشام نقص عمره وقتله نعيم الشام، وأنشد ثعلب: يقولون إن الشام يقتل أهله. .. فمن لي إن لم آته بخلود تعرق آبائي فهلا صراهم. .. عن الموت أن لم يشئموا وجدودي وقيل: إن الناس لما تفرقت لغاتهم ببابل تيامن بعضهم يمين الشمس وتشاءم بعضهم شمالها، فسميت بهذا الاسم. والشام بلاد كثيرة وكور عظيمة وممالك، وقسمت الأوائل الشام خمسة أقسام: الأول فلسطين وفيها غزة والرملة، والشام الثانية مدينتها العظمى طبرية والغور واليرموك، والثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق، ومن سواحلها طرابلس الشام، والرابعة أرض حمص وقنسرين ومدينتها العظمى حلب وساحلها انطاكية، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر بلادها مفسراً على الأبواب، والشام اسم لجميع ذلك من البلاد والكور، وأول طول الشام من ملطية إلى رفح. (1) قارن بياقوت (الشام).
[الروض المعطار في خبر الأقطار]
الشام
يَتَرَدَّدُ الشَّامُ كَثِيرًا فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي، وَلَهُ ثَلَاثَةُ اصْطِلَاحَاتٍ: الشَّامُ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ كُلُّ مَا هُوَ فِي جِهَةِ الشَّمَالِ، وَالشَّامُ فِي عُرْفِ بَعْضِ الْعَامَّةِ هُوَ دِمَشْقُ فَحَسْبُ، أَمَّا الشَّامُ تَارِيخِيًّا فَيَشْمَلُ: سُورِيَّةَ وَالْأُرْدُنَّ وَلُبْنَان وَفِلَسْطِينَ، وَهَذِهِ الْأَقْطَارُ تُسَمَّى أَيْضًا - سُورِيَّةَ الْكُبْرَى، وَهِيَ تَسْمِيَةٌ مُتَأَخِّرَةٌ. كَانَ أَوَّلُ دُخُولِ الْمُسْلِمِينَ الشَّامَ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ - وَسَتَأْتِي - ثُمَّ افْتَتَحُوا كُلَّ بِلَادِ الشَّامِ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَالشَّامُ الْيَوْمَ مِنْ أَعْمَرِ بِلَادِ الْعَرَبِ، ذَاتُ قُرًى مُتَرَاصَّةٌ يَكَادُ بَعْضُهَا يَمَسُّ بَعْضًا، ذَاتُ أَنْهَارٍ جَارِيَةٍ وَمَزَارِعُ خَضِرَةٌ نَضِرَةٌ، وَأَهَمُّ مُدُنِهَا: الْقُدْسُ الشَّرِيفُ، الْمُحْتَلُّ مِنْ قِبَلِ الصَّهَايِنَةِ الْأَشْرَارِ، وَعَمَّانُ: عَاصِمَةُ الْمَمْلَكَةِ الْأُرْدُنِّيَّةِ الْهَاشِمِيَّةِ، وَدِمَشْقُ: عَاصِمَةُ الْجُمْهُورِيَّةِ السُّورِيَّةِ، وَبَيْرُوتُ عَاصِمَةُ لُبْنَانَ. وَعَشْرَاتُ الْمُدُنِ كَالْعَقَبَةِ وَأَرْبَد َ وَنَابُلُسَ وَحَمَاة َ وَحِمْصَ وَحَلَبَ وَطَرَابُلُسَ وَصُورَ وَصَيْدَا وَيَافَا وَحَيْفَا، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ.
[معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية]