واسط
مدينة بين الكوفة والبصرة من الجانب الغربي، كثيرة الخيرات وافرة الغلات. تشقها دجلة. وإنها في فضاء من الأرض صحيحة الهواء عذبة الماء وكثيراً ما يفسد هواؤها باختلاف هواء البطائح بها فيفسده. وأما نفس المدينة فلا يرى أحسن منها صورة، فإن كلها قصور وبساتين ومياه، وعيبها أن حاصلها يحمل إلى غيرها، فلو كان حاصلها يبقى في يد أهلها لفاقت جميع البلاد. بناها الحجاج سنة أربع وثمانين، وفرغ منها سنة ست وثمانين، وسكنها إلى سنة خمس وتسعين وتوفي في هذه السنة. وحكي عن سماك بن حرب انه قال: استعملني الحجاج على ناحية نادوربا، فبينا أنا يوماً على شاطيء دجلة إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر، فصاح باسمي واسم أبي، فأجبت فقال: الويل لأهل مدينة تبنى ههنا! ليقتلن فيها ظلماً سبعون ألفاً! كرر ذلك ثلاث مرات ثم أقحم فرسه في دجلة وغاب في الماء. فلما كان العام القابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع، فإذا أنا برجل صاح بي كما صاح وقال كما قال وزاد: سيقتل ما حولها ما يستقل الحصى لعددهم! ثم أقحم فرسه في الماء وغاب. فلما بنى الحجاج واسطاً أحصي في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان، لم يحبسوا في دم ولا دين ولا تبعة، وأحصي من قتله صبراً فبلغوا مائة وعشرين ألف إنسان! وحكي انه كان يقرأ القرآن، فانتهى إلى قوله تعالى: انه عمل غير صالح. فاشتبه عليه انه قرأ اسماً أو فعلاً، فبعث إلى بعض المقرئين وأمر بإحضاره ليسأل عنه، فلما حضر المقريء قام الحجاج من مجلسه فقال الأعوان: كيف نعمل به وقد طلبه الحجاج؟ فأوقفوه حتى يتبين أمره، فبقي في الحبس ستة أشهر إلى أن فرغ الحجاج في النظر إلى المحبوسين، فلما انتهى إلى اسمه سأل عن ذنبهفقالوا: لا نعرف! فأمر بإحضاره وقال له: على أي شيء حبست؟ قال: على ذنب ابن نوح! فضحك الحجاج وخلى سبيله. ينسب إليها جماعات من القراء، يعرفون علم القراءة السبعة والعشرة والشواذ، منهم أبو العز القلانسي، حكي انه جاءه رجل وقال له: أنت القلانسي المقريء؟ قال: نعم. قال: إني أريد أن أقرأ عليك قراءة القرآن. قلت له: كيف اخترت هذه القراءة؟ قال: إني سمعتها في بعض أسفاري عن رجل فأعجبتني. فقلت له: على من قرأتها؟ قال: على القلانسي. فكان يأتيني كل يوم آخر النهار. قلت: ائتني أول النهار. فقال: أرضي شاسعة. فكنت أدخل داري وأغلق الباب وأصعد السطح، فأراه داخل الدار فأقول له: كيف دخلت والباب مغلق؟ فيقول: ما كان مغلقاً. فلما ختم قال لي: اكتب خطك اني قرأت عليك. فقلت: ما لي عادة أكتب خطي إلا بخمسة عشر ديناراً. فجاءني بجدع من العود وقال: خذ هذا واكتب لي خطك. فأخذت وكتبت والجدع كان يسوى حمله. وكان زمن الناصر لدين الله، فأشهر هذا الحديث واشترى الجدع مني. وينسب إليها أبو الحسين بنان بن محمد بن حمدان الحمال. ذهب إلى مصر فأمر ابن طولون صاحب مصر بالمعروف، فغضب عليه وأمر بإلقائه بين يدي السبع، فكان السبع يشمه ولا يضره. فلما أخرج من بين يدي السبع قالوا له: ما الذي كان في قلبك وقت يشمك السبع؟ قال: كنت أتفكر في سؤر السبع ولعابه أطاهر أم لا؟ وحكى عمر بن محمد بن عراك انه كان لرجل على رجل مائة دينار بوثيقة، فكان يطلب الوثيقة ولم يجدها، فجاء إلى بنان الحمال أن يدعو له فقال له بنان: إني رجل شيخ أحب الحلاوى، فاشتر لي رطل حلواء حتى أدعو لك! فذهب الرجل واشترى الحلواء وجعله في وسط القرطاس فجاء به، فقال له بنان: افتح القرطاس. ففتحه فإذا القرطاس في وسطه الوثيقة. فقال: هذه وثيقتي! فقال لهبنان: خذ وثيقتك واطعم الحلاوى صبيانك. توفي بمصر سنة ست عشرة وثلاثمائة. وحكي انه احتاج إلى جارية تخدمه، فانبسط مع إخوانه فجعلوا له ثمن جارية وقالوا: إذا جاء السفر تكون معه جوار نشتري لك منهم جارية. فلما جاء السفر ومعه جوار اجتمعوا على واحدة وقالوا: انها صالحة له. فقالوا لصاحبها: بكم تبيعها؟ فقال: انها ليست للبيع. فألحوا عليه فقال: إنها لبنان الحمال، بعثتها له امرأة من سمرقند، فحملت إلى بنان وذكرت له القصة. وينسب إليها يزيد بن هارون. كان عالماً عابداً مقرئاً محدثاً. قال: سافرت عن أهلي في طلب الحديث سنين كثيرة، فلما عدت إلى بغداد سمعت أن بعسكر أحد التابعين، فمشيت إليه فقال: حدثني أنس بن مالك،
رضي الله عنه، عن رسول الله،
ﷺ: من ابتلاه الله ببلاء فليصبر ثم ليصبر ثم ليصبر! وقال: ما أحدثك غير هذا. قال: فعدت إلى واسط ووصلت ليلاً، ووقفت على بابي، كرهت دق الباب كراهة انزعاج القوم، فعالجت فتح الباب ودخلتها. وكان أهلي على السطح فصعدت السطح فوجدت زوجتي نائمة وبجنبها شاب، فأخذت حجراً وقصدت أضرب به فتذكرت الحديث الذي سمعت من العسكري، ثم قصدت
ثانياً و
ثالثاً فتذكرت الحديث
ثانياً وثالثاً، فانتبهت زوجتي فلما رأتني أيقظت الشاب وقالت: قم إلى أبيك! إني تركتها املاً فعلمت أن ذلك من بركة حديث العسكري. وحكي أنه رئي في النوم بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قيل: بأي شيء؟ قال: بالقرآن والحديث ودعاء السحر. فقيل له: هل أخذ عليك شيئاً؟ قال: نعم، قال لي تروي الحديث عن حريز بن عثمان وهو يبغض علي بن أبي طالب. وأتاني الملكان وقالا: من ربك؟ قلت: أنا يزيد بن هارون، أما تريان هذه اللحية البيضاء؟ تسألاني عن الذي كنت أدعو الناس إليه سبعين سنة! فقالا: نم نومة العروس لا يوقظها إلا من هو أحب إليها.
[آثار البلاد وأخبار العباد]
واسط
مدينة تقوم في وسط السواد بالعراق، بناها الحجاج بن يوسف الثقفي، أمير العراق، لتكون وسطا بين الكوفة والبصرة والأهواز، فهي على خمسين فرسخا من كل منها. وكانت تقوم على جانبي نهر دجلة ثم ابتعد مجرى دجلة عنها بعد ذلك، وتحول إلى مجراه الشرقي المنحدر إلى القرنة، وأصبحت في وسط البرية.
[تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير]
واسط (1) :
مدينتان على جانبي دجلة، والمدينة القديمة في الجانب الشرقي، وابتنى الحجاج مدينة في الجانب الغربي، وجعل بينهما جسراً بالسفين. قيل (2) : سميت بواسط لتوسطها بين المصرين: البصرة والكوفة، والمدائن، بينها وبين كل واحدة منها أربعون فرسخاً، وكان بناء الحجاج واسط في سنة ثلاث وثمانين، وبها مات سنة خمس وتسعين. وفي كل (3) واحدة من المدينتين جامع يخطب فيه، وفي التي بناها الحجاج نخل ومزارع وبساتين وعمارات متصلة، والمدينة الأخرى التي في الضفة الشرقية تسمى واسط العراق، وهي مثل أختها، حسنة فسيحة الأرجاء مبانيها سامية وبساتينها وأسواقها كبيرة وناسها حسان الزي ملابسهم البياض والعمائم الكبار، وأهلها أخلاط من أهل العراق وغيرها؟ وهواؤها صحيح أصح من هواء البصرة، وهي من أعمر بلاد العراق، وعليها معول ولاة بغداد، ونواحي واسط عمل مفرد من أعمال العراق، وأموالها كانت ترتفع إلى مدينة السلام، وبينهما ثمان مراحل. وقال البكري: إنما سميت واسط بموضع يقرب منها كان يقال له واسط القصب، وقيل إن الحجاج رأى راهباً قد أقبل على أتان له وعبر دجلة، فلما كان بموضع واسط تفاجت الأتان فبالت، فنزل الراهب فاحتفر موضع ذلك البول وحمله حتى رماه في دجلة، وذلك بعين الحجاج، فقال: علي بالراهب، فلما أتاه قال: ما حملك على ما صنعت. قال: إنا نجد في كتبنا أنه يبنى في هذا الموضع مسجد يعبد فيه الله تعالى، ما دام في الأرض أحد، فاختط الحجاج مدينة واسط، وبنى المسجد في ذلك الموضع، وهو على جانبي الدجلة. وفي الجانبين مسجدان جامعان يعرف أحدهما بمسجد الحجاج، وخراج واسط ثلاثة وثلاثون ألف درهم. وكتب الحجاج لما فرغ من بناء واسط إلى عبد الملك إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسميتها واسط. وكان الحجاج قد عمل على الخضراء، وهي قبته، طلسماً من نحاس كهيئة الفرس، عليه رجل راكب، للبق والجرجيس، فلم يكن بمدينة واسط بق ولا جرجيس أصلاً، فلما ولي واسط أحد عمال المتوكل قلع ذلك الطلسم وحمله إلى بلده بخراسان ونصبه هناك، فلم ينتفع به، وعمل بالأبلة طلسم نحاس مثل ذلك الفرس والراكب عليه، وحمل إلى واسط، ونصب على القبة الخضراء، فهو عليه إلى هذا الوقت، فلم ينتفع به، وكثر بها البق والذباب والجرجيس والهوام. وواسط أيضاً بحمى ضرية. (1) اليعقوبي: 322. (2) معجم ما استعجم 4: 1363. (3) نزهة المشتاق: 120، وانظر الكرخي: 58، وابن حوقل: 214، وعند ياقوت تفصيلات كثيرة.
[الروض المعطار في خبر الأقطار]
واسط
فى عدّة مواضع منها واسط الحجّاج، سمّيت بذلك لأنها متوسّطة بين البصرة والكوفة، لأنّ منها إلى كل واحدة خمسين فرسخا. وقيل: لأنّه كان هناك قبل عمارتها موضع يسمّى واسط القصب ، فلما عمّر الحجّاج مدينته سمّاها باسمه. قيل للعرب سبعة مواضع يقال لكل واحد منها واسط؛ منها واسط نجد فى شعر خداش ابن زهير. وواسط الحجاز فى شعر كثير. وواسط الجزيرة فى شعر الأخطل. وواسط اليمامة فى شعر الأعشى. وواسط العراق. ولم يذكر الآخرين. ولهم مواضع غير هذه منها واسط أيضا: قرية بين بطن مرّ ووادى نخلة ذات نخل. وواسط أيضا: قرية مشهورة ببلخ. وواسط: قرية بحلب قرب بزاعة مشهورة بالقرب منها قرية يقال لها الكوفة. وواسط: قرية بالخابور قرب قرقيسيا، وكأنها التى فى شعر الأخطل. وواسط: بالرّقّة مقابلها من غربىّ الفرات. قال: وواسط بدجيل، على ثلاثة فراسخ من بغداد، وهى الآن لا تعرف. وواسط: قرية بنهر الملك، من وقف المارستان العضدىّ، بينها وبين بغداد قريب من أربعة فراسخ، ولعلها التى قال بدجيل أو أخرى. وقيل: واسط بين العذيبة والصّفراء. وواسط: من منازل بنى قشير. وواسط أيضا: بمكة. قيل قرن كان أسفل من جمّرة العقبة، بين المأزمين فضرب حتى ذهب. وقيل: تلك الناحية بركة القسرى إلى العقبة وتسمّى واسط المقيم. وقيل: إنه الجبل الذي يجلس عنده المساكين إذا ذهبت إلى منى. وواسط أيضا: بالأندلس، بليدة من أعمال قبرة. وواسط أيضا: قرية كانت قبل واسط الحجاج فى موضعها. وواسط: قرية فى دجلة الموصل، بينهما ميلان. قلت: هذه تعرف بالواسطة. وواسط: قرية بالفرج، من نواحى الموصل بين مرق وعين الرّصد، أو بين مرق والمجاهديّة. واسط: باليمن، بسواحل زبيد قرب العنبرة.
[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]