باب الابواب
مدينة عجيبة على ضفة بحر الخزر، مبنية بالصخور، وهي مستطيلة يصيب ماء البحر حائطها. طولها مقدار ثلثي فرسخ وعرضها غلوة سهم، عليها أبواب من الحديد، ولها أبراج كثيرة، على كل برج مسجد للمجاورين والمشتغلين بالعلوم الدينية، وعلى السور حراس تحرس من العدو.بناها أنوشروان كسرى الخير، وهي أحد الثغور العظيمة لأنها كثيرة الأعداء من الذين حفوا بها من أمم شتى، وإلى جانب المدينة جبل أرعن يعرف بالذنب، يجمع على قلته كل سنة حطب كثيرة ليشعلوا فيه النار، إذا احتاجوا إلى إنذار أهل اران وآذربيجان وأرمينية بمجيء العدو. وكانت الأكاسرة شديدة الاهتمام بهذا المكان لعظم خطره وشدة خوفه. وحكى أبو العباس الطوسي أن الخزر كانت تعبر على ملك فارس حتى وصلوا إلى همذان والموصل. فلما ملك أنوشروان بعث إلى ملك الخزر، وخطب إليه ابنته على أني زوجه ابنته ويتفرغا لأعدائهما. فأجابه إلى ذلك، فعمد أنوشروان إلى جارية من جواريه نفيسة فوجه بها إلى ملك الخزر على أنها ابنته، وحمل معها ما يحمل مع بنات الملوك. وأهدى خاقان ملك الخزر إلى أنوشروان ابنته، فلما وصلت إليه كتب إلى خاقان: لو التقينا أوجبنا المودة بيننا! فأجابه إلى ذلك فالتقيا وأقاما أياماً. وأنوشروان أمر قائداً من قواده يختار ثلاثمائة رجل من أشداء أصحابه، فإذا هدأت العيون أغار على عسكر الخزر يحرق ويعقر ويرجع إلى مكانه، ففعل. فلما أصبح بعث خاقان إلى أنوشروان أن أتيت عسكري البارحة. فبعث إليه أنوشروان انه لم يأت من قبلنا فابحث وانظر. ففعل ولم يقف على شيء ثم أمهله أياماً وعاد لمثلها حتى فعل ثلاث مرات، وفي كلها يعتذر، فدعا خاقان قائداً من قواده وأمره بمثل ما أمر به أنوشروان. فلما فعل أرسل أنوشروان: ما هذا؟ استبيح عسكري الليلة! فأرسل إليه خاقان يقول: ما أسرع ما ضجرت! فقد عمل مثل هذا بعسكري ثلاث مرات، وإنما فعل بك مرة واحدة. فبعث إليه أنوشروان يقول: إن هذا عمل قوم يريدون إفساد ما بيننا! وعندي رأي ان قبلته وهو أن تدعني أبني بيني وبينك حائطاً وأجعل عليه أبواباً، فلا يدخل بلادك إلا من تريد، ولا يدخل بلادي إلا من أريد. فأجابه إلى ذلك، وانصرف خاقان إلى مملكته.وأقام أنوشروان وشرع في بناء حائط من الصخر والرصاص، وجعل عرضه ثلاثمائة ذراع وعلاه حتى ألحقه برؤوس الجبال ثم قاده في البحر. فيقال: انه نفخ في الزقاق وبنى عليها حتى استقرت على الأرض، ثم رفع البناء حتى استوى مع الذي على الأرض في عرضه وارتفاعه، فجعل أحد طرفيه في البحر وأحكمه، وقد مده سبعة فراسخ إلى موضع أشب، وهو جبل وعر لا يتهيأ سلوكه، وبنى بالحجارة المهندمة نقل أصغرها خمسون رجلاً وأحكمها بالرصاص والمسامير، وجعل في هذه السبعة فراسخ سبعة مسالك، على كل مسلك مدينة، ورتب فيها قوماً من مقاتلة الفرس على كل مدينة مائة رجل يحرسونها، بعد أن كان محتاجاً إلى مائة ألف رجل. ثم نصب سريره على القيد الذي صنعه على البحر، وسجد شكراً لله على ما تم على يده وكفاه شر الترك وهجومهم، واستلقى على ظهره وقال: الآن استرحت. ومدينة باب الأبواب من تلك المدن. والعجم يسمونه دربند. وبها صور مطلسمة لدفع الترك، وكانت عساكر الترك لا تزال تأتي من تلك الجهة وتنهب بلاد إيران، فلما بنى أنوشروان ذلك السد وطلسمه، لم يذكر أن دخل الترك من تلك الجهة بلاد إيران، منها صورة أسدين على حائط باب الجهاد، فوق أسطوانتين من حجر وأسفل منهما حجران، على كل حجر تمثال لبوءتين، وبقرب الباب صورة رجل بين رجليه صورة ثعلب، في فمه عنقود عنب لعله لدفع الثعلب عن أعنابهم! وإلى جانب المدينة صهريج له درجات، ينزل بها إلى الصهريج إذا قل ماؤه، وعلى جنبي الدرجة صورتا أسدين من حجارة، يقولون: إنهما طلسم اتخذ للسور ما دام باقياً لا يصيب المدينة من الترك آفة. وخارج المدينة تل عليه مسجد، في محرابه سيف يقولون: إنه سيف مسلمة ابن عبد الملك بن مروان. يزوره الناس، لا يزار إلا في ثياب بيض، فمن قصده في ثياب مصبوغة جاءت الأمطار والرياح وكاد يهلك ما حول التل. وعليه حفاظيمنعون من يذهب إليه بالثياب المصبوغة. وبقرب هذا التل عين يخرج الناس إليها كل ليلة جمعة، فيرون في بعض ناشئة الليل في تلك العين ضياء ونوراً، حتى يتبين لهم الحصى والحجر، ويسمون تلك العين الثواب.
[آثار البلاد وأخبار العباد]