يورا
بلاد بقرب بحر الظلمات. قال أبو حامد الأندلسي: قال بعض التجار: النهار عندهم في الصيف طويل جداً، حتى ان الشمس لا تغيب عنهم مقدار أربعين يوماً. في الشتاء ليلهم طويل جداً حتى تغيب الشمس عنهم مقدار أربعين يوماً، والظلمات قريبة منهم. وحكي أن أهل يورا يدخلون تلك الظلمة بالضوء فيجدون شجرة عظيمة مثل قرية كبيرة، وعليها حيوان يقولون انه طير، وأهل يورا ليس لهم زرع ولا ضرع بل عندهم غياض كثيرة، وأكلهم منها ومن السمك، والطريق إليهم في أرض لا يفارقها الثلج أبداً. وحكي أن أهل بلغار يحملون السيوف من بلاد الإسلام إلى ويسو، وهي سيوف لم يتخذ لها نصاب ولا حلي، بل تصل كما تخرج من النار وتسقى، فإنعلق السيف بخيط ونقر بإصبع سمع له طنين، فذلك السيف يصلح أن يحمل إلى بلاد يورا ويشتريه أهل يورا بثمن بالغ، ويرمونه في البحر المظلم. فإذا فعلوا ذلك أخرج الله لهم من البحر سمكة مثل الجمل العظيم، تطردها سمكة أخرى أكبر منها تريد أكلها، فتهرب منها حتى تقرب من الساحل فتصير في موضع لا يمكنها الحركة فيه، فتتشبث بالرمل فيعرف أهل يورا فيذهبون إليها في المراكب فكل من ألقى السيف يجتمع عليها ويقطع من لحمها. وربما يكثر ماء البحر بالمد، فترجع السمكة إلى البحر بعدما قطع منها من اللحم ما يملأ ألف بيت، وربما تبقى عندهم زماناً طويلاً مؤونتهم فيقطعون منها، وإذا لم يبق في البحر من تلك السيوف لم تخرج لهم السمكة، فيكون عندهم الجدب والقحط. وحكي أن في بعض السنين خرجت عليهم هذه السمكة، فاجتمع القوم عليها ونقبوا أذنها وجعلوا فيها حبلاً ومدوها إلى الساحل، فانفتحت أذن السمكة وخرجت من داخلها جارية تشبه الآدميين، بيضاء حمراء سوداء الشعر عجزاء من أحسن النساء وجهاً، فأخذها أهل يورا وأخرجوها إلى البر، وهي تضرب وجهها وتنتف شعرها وتصيح، وقد خلق الله تعالى في وسطها جلداً ضعيفاً كالثوب من سرتها إلى ركبتها لستر عورتها، فبقيت عندهم مدة. وأهل يورا إن لم يلقوا السيف في البحر لا تخرج السمكة فيجوعون لأن قوتهم من هذا. إلى ههنا انتهى علم أهل بلادنا، والله أعلم بما وراء ذلك من البلاد والبحار. وليكن هذا آخر الكلام.
[آثار البلاد وأخبار العباد]