البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

النفقة الواجبة بالنكاح

تجب نفقة الزوجة على الزوج بالإجماع، بشرط معينة سنذكرها، فيما بعد. دليل وجوب هذه النفقة على الزوج: ويستدل لوجوب نفقة الزوجة على الزوج: بالكتاب، والسنّة. أما دليل الكتاب: فقول الله عز وجل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34]. فقد دلّت هذه الآية على أن الزوج هو المسئول عن النفقة. وقوله الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]. والمولود له في الآية هو الزوج، والضميري في ﴿رِزْقُهُنَّ﴾ عائد إلى الوالدات، وهن الزوجات. والمعنى إذاً: وعلى الأزواج تَجِب نفقة الزوجات. وأما دليل السنة: فما رواه مسلم (الحج، باب: حجة النبي ، رقم: 1218) عن جابر رضي الله عنه في حديث حجة الوداع الطويل: قال رسول الله : " فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله ". الحكمة من إيجاب نفقة الزوجة على الزوج: إن الحياة الزوجية لابُدّ أن تنهض على أحد أُسس ثلاثة: الأساس الأول: أن يتولى الزوج الإشراف على بيت الزوجية، وأن يكون هو المسئول عن النفقة على الزوجة والأولاد. الأساس الثاني: أن تتولى الزوجة ذلك كله بدلاً من الزوج. الأساس الثالث: أن يتعاون الزوجان في النهوض بالمسئوليات المادية، وتقديم النفقة. فما الذي يحدث لو استبعدنا الأساس الأول: الذي هو حكم الشريعة الإسلامية، واستعضنا عنه بأحد الأساسين الثاني، أو الثالث؟. تحدث عندئذ مجموعة النتائج التالية: الأول: لابد أن ينعكس ذلك على المهر أيضاً. فأما أن تتقدم المرأة بالمهر كله إلى الرجل، أو أن يلزما بالاشتراك في تقديمه. ومن النتائج الحتمية لهذا الواقع أن تتحول المرأة، فتصبح طالبة للزوج بعد أن شرّفها الله عز وجل، فجعلها مطلوبة. ذلك لأن الذي يتقدم بالمال يكون هو الطالب لمن يأخذ المال. وإذا أصبحت الزوجة هي الساعية بحثاً عن زوجها، فإنها لن تعثر على الزوج الذي تستطيع أن تركن إليه، حتى تسقط السقطات المتتالية، بخِداع الرجال، وأكاذيبهم عليها. ثانياً: لابدّ أن تتجه المرأة هي الأخرى إلى سبل الكدح، والعمل من أجل الرزق، وأن تناكب الرجال سعياً وراء الأعمال المختلفة. وإذا فعلت المرأة ذلك، أصبحت ـ لا محالة ـ عرضة للسوء والانحراف. والواقع المشاهد أكبر دليل على ذلك. كما أن البيت يعوزه عندئذ مَن يدبر شأنه، ويرعى حاله، ويربي صغاره، إذ يصبح عندئذ فارغاً موحشاً، ومصدراً للفوضى، والقلق والاضطراب بدلاً من أن يكون موئلا للسعادة، ومنبعاً للأنس وملجأ للراحة والاستجمام. والواقع المشاهد أيضاً أكبر دليل على ذلك. ثالثاً: إذا قامت الحياة الزوجية على أحد من الأساسين المذكورين، فلا بد أن يكون حق الطلاق بيدها، على سبيل المشاركة، أو الاستقلال. ذلك لأن القانون الاقتصادي والاجتماعي يقول: (مَن ينفق يشرف). وقد علمت في باب الطلاق الحكمة الباهرة من كون الطلاق ـ في أعم الأحوال ـ حقا للزوج. فمن أجل أن يكون كل من الزوجين عنصر إسعاد للآخر، ومن أجل أن يكون بيت الزوجية عامراً بالرعاية والتهذيب والأنس، ومن أجل أن تظل المرأة عزيزة يطلبها الرجال، ولا تصبح مهينة تلحق الرجال، وهو عنها مُعرض، أو لها مُخادع. من أجل ذلك كله كان الإنفاق على بيت الزوجية واجباً على الزوج دون الزوجة. شروط وجوب نفقة الزوجة على الزوج: إنما تجب نفقة الزوجة على الزوج بالشروط التالية: أولاً: تمكين الزوجة نفسها من الزوج، بأن لا تمنعه من وجوه الاستمتاع المشروع بها. فلو منعته، ولو عن بعض ذلك فقط، لم تجب نفقتها على الزوج. أما إن أرادها على وجه مُحرّم من الاستمتاع، كأن أراد أن يأتيها وهي في المحيض، فإن امتناعها لا يسقط حقّها في النفقة عليها. ثانياً: أن تتبعه في المكان والبيت الذي يختاره، ويستقر فيه، ما لم يكن المكان أو البيت غير صالح للسكن، أو البقاء فيه شرعاً. فلو كان يقيم في بلدة لا يلحقها ضرر شرعي صحيح بالإقامة معه فيها، أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة، ولم تقبل بالإقامة معه فيها، أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة، ولم تقبل بالإقامة معه في تلك البلدة، أو ذلك المنزل، لم يكلّف بالإنفاق عليها، لأنها تُعدّ ناشزة حينئذ. إذا توفرت هذه الشروط وجب على الزوج أن يقدّم للزوجة جميع النفقات التي تحتاجها، مما سيأتي تفصيله. وبذلك تعلم أن النفقة لا تجب على الزوج لمجرد العقد وحده. النفقة على الزوجة تقدّر حسب حال الزوج: اعلم أن النفقة على الزوجة مقدّرة، ولكنها تتفاوت كّماِّ ونوعاً، حسب تفاوت حال الزوج، في العسر والُيسر. أما اختلاف حال الزوجة في ذلك فلا أثر له في هذا التفاوت. ذلك لأن التفاوت إنما يخضع لنسبة الاستطاعة، وهي عائدة إلى حال المنفق، لا إلى حال المنفق عليه. والدليل على هذا: قول الله عزّ وجلّ: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ [الطلاق: 7] فقد جعل ميزان الإنفاق تابعاً إلى حالة الزوج سعة وضيقاً، لا إلى مستوى الزوجة ومكانتها. إذا عرفت هذا، فاعلم أن حالة الزوج تصنّف شرعاً ضمن ثلاث درجات: 1ـ درجة اليُسْر: (الغنى). 2ـ درجة التوسط. 3ـ درجة الفقر. والعُرف العام هو المحكم في تحديد ما يكون الإنسان به موسراً، أو متوسط الحال، أو فقيراً. أـ فأما الزوج الموسر، فيكلف من النفقة ما يلي: أولاً: ما يساوي مد (حفنتين كبيرتين) كل يوم غالب قوت البلد التي هي فيها، مع تكلفة طحنه وخبزه، وما يتبع ذلك، أو يقدم ذلك خبزاً جاهزاً. ثانياً: يقدم من الأدم ما اعتاده أهل تلك البلدة، وما يقدّمه عادة أمثاله من أهل اليُسْر والغنى. وقد أطال الفقهاء في تفصيل ذلك، ولكن المدار فيه على كل حال إنما هو عرف أهل البلدة. ثالثاً: الكسوة اللائقة بزوجات الموسرين في تلك البلدة، ويظهر أثر العُرف في الكسوة، في نوعها جودة ورداءة، أما العدد والكمية، فإنما يتبع ذلك الحاجة لا العُرْف. ويدخل في حكم الكسوة ما يتبعها من أثاث وفراش، وأدوات مطبخ ونحو ذلك. واعلم أن دليل العُرْف في ذلك كله، هو قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]. ب ـ أما الزوج المتوسط فيكلف من النفقة بما يلي: أولاً: ما يساوي مدّاً ونصف مدّ من غالب قوت البلد التي هي فيه كل يوم. مع مراعاة ما ذكرنا بالنسبة لحال الموسر. ثانياً: الأدم الذي جرت به عادة أهل تلك البلدة بالنسبة لأوساط الناس، نوعاً وكماً. ثالثاً: الكسوة اللائقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان، وما يتبعها من بقية حاجات المنزل المختلفة. ج ـ أما الزوج الفقير فيكلّف من النفقة بما يلي: أولاً: ما يساوي مدّاً واحداً من غالب قوت البلد كل يوم. ثانياً: الأدم الذي جرت به عادة الفقراء على اختلافه في تلك البلدة. ثالثاً: الكسوة اللائقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان. ويستدل لمراعاة حال الزوج في كل ما سبق بما رواه أبو داود (النكاح، باب: في حق المرأة على زوجها، رقم 2144) عن معاوية القشيري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله فقلت: ما تقول في نسائنا. قال: : " أطعموهنّ مما تأكلون، واكسوهنّ مما تكتسون، ولا تضربوهنّ، ولا تقبِّحوهنّ. مما يدخل في نفقة الزوجة إضافة لما سبق: ويدخل في نفقة الزوجة على اختلاف حال الزوج إضافة لما سبق ما يلي: أولاً: منزل مناسب لحال الزوج يسكن في زوجته، على أن تتوفر فيه الضرورات التي لابدّ منها. ثانياً: كلّ ما لابدّ منه للنظافة والتنزه من الأدران والأوساخ، وأدوات الزينة، إذا كان الزوج طالباً منها أو تتزين له. ثالثاً: الخادم إذا كانت الزوجة ممّن يخدم مثلها في بيت أبيها، سواء كان الزوج موسراً، أو متوسط الحال، أ, كان فقيراً، فيجب عليه أن يقدم لها مَن يخدمها بالقدر الذي تندفع به الحاجة. وينبغي أن يكون هذا الخادم أُنثى، أو طفلاً مميزاً غير بالغ، أو محرماً لها. وأُجره هذا الخادم إنما هي على الزوج. هل نفقة الزوجة تمليك أم تمكين؟ لقد عرفت الفرق بين التمليك والتمكين، عند حديثنا عن نفقة الأصول على الفروع، ونفقة الفروع على الأصول. ونقول الآن: إذا كانت الزوجة تأكل مع زوجها ـ كما هي الغالبة في أيامنا ـ وتسكن معه دون أن يتفقا على قدر معين من القوت والأدم، يلتزم به. الزوج، فهذه النفقة، تُعد من قبيل التمكين، لا التمليك، وتسقط بمضي الزمن. ـ أما إذا كانت الزوجة قد اتفقت مع زوجها على قدر معين من النفقة يُجريه عليها، أو كان القاضي قد ألزمه بقدر معين من النفقة لها، فهي عندئذ مقدّرة، تطالب بها، حتى بعد مرور وقتها، لأنها تُعدّ ـ والحالة هذه ـ من قبيل التمليك، لا التمكين، ولها أن تعتاض عنها بما تحب. أثر العُرْف في تقدير النفقة: مما سبق تعلم أن القوت الأساسي الذي لابدّ منه في الطعام، لا أثر للعْرف في تقدير كميته. وإنما هو محدّد ـ كما علمت ـ في سائر الظروف والأحوال: بمدّين، للموسر. ومدّ ونصف المدّ، للمتوسط. ومدّ واحد، للفقير. يقدّمه كل منهم لزوجته خبزاً، أو حبّاً مع تقديم كلفة طحنه وخبزه. وذلك لأن قوت ضروري لا يتأثر باختلاف العُرْف. أما ما زاد عليه من الأدم والكساء ونحوهما، فإنما يحدده العرف، أي العُرف السائد في تلك البلدة، في ذلك العصر، بشرط أن لا يكون العُرف مخالفاً لشيء من الأحكام الشرعية. فلا أثر لعُرف يقضي بالبذخ والتبذير بالنسبة لبعض النفقات، أو بالنظر لبعض المناسبات، كما هو واقع، وكثير، ومرهق في هذه الأزمان. ما يترتب على إعسار الزوج بالنفقة: إذا أعسر الزوج، فإن كان إعبساره نزولاً عن درجة اليُسْر إلى الدرجة. الوسطى، أو إلى الدرجة الدنيا، وهي درجة الفقر، فلا يترتب على هذا الإعسار شيء، وتلزم بمتابعته، والرضا بحالته التي آل إليها أمره. أما إذا أعسر الزوج حتى عن نفقة الدرجة الثالثة بكاملها، فللزوجة عندئذ أن تُطالب بفسخ النكاح. وإذا طلبت ذلك وجب على القاضي أن يلبّي طلبها ويفرّق بينهما، ولكن يجب أن يكون ذلك، بعد عجز الزوج عن النفقة بثلاثة أيام على أقل تقدير، لكي يتحقق عجزه، إذ قد يكون العجز لعارض، ثم يزول. روى الدارقطني (في النكاح، باب: المهر: 3 /297) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته: " يفرّق بينهما ". وإذا رضيت بالبقاء مع زوجها على عجزه، فلها أن تطلب فسخ النكاح بعد ذلك، لأن الضرر بعجز الزوج عن النفقة بتجدّد كل يوم، ولكل يوم حكم مستقل. ولكن لا يجوز لها الفسخ إذا أعسر ببعض نفقة الدرجة الثالثة، كأن أعسر عن تقديم الأدم، لأنه تابع، وبالإمكان أن تقوم النفس بدونه، أو كأن عجز عن نفقة الخادم، لأن الخدمة من المكمِّلات التي يمكن للبدن أن يقوم بدونها. أما إذا أعسر بمجموع نفقة هذه الدرجة، فعندئذ يحقّ لها أن تطلب الفسخ. "الفقه المنهجي" لمجموعة من المؤلفين.