البحث

عبارات مقترحة:

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

ضبط المصحف

إن عناية علماء الأمة بضبط المصحف عناية مشهودة، وجهودهم في ذلك كبيرة جدّاً، وهذا الموضوع من الموضوعات التي تخفى على كثير من المتخصصين في الدراسات القرآنية، وأَولَى من يحسن به الاعتناء بهذا الموضوع الذين تصدوا لتدريس القرآن؛ لأن معرفة الضبط معينة على معرفة الأداء في علم التجويد كما سيظهر من دراسة هذا الموضوع. وإليك تفصيل ما يتعلق بضبط المصحف من جهة النقط. أولاً: نقط أبي الأسود الدؤلي (ت67 أو 69هـ). استقر أمر المصاحف على ما كان من رسم الصحابة في عهد عثمان رضي الله عنه، ولم يكن فيها إلا رسم الكلمة فقط، ثم بدأ الخلل يطرأ على لغة العرب بدخول العجم فيها، وقد ظهرت بداية اللحن في جيل الصحابة، فظهرت الحاجة إلى ضبط اللسان العربي، وأغلب الروايات تشير إلى أن مبتكر ذلك هو أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي (ت67، وقيل: 69هـ)، كما أنه هو أول من نقط المصاحف، ثم صار للضبط مراحل تطور، وكان للعلماء في اصطلاحاته أكثر من طريقة، وقد أخذ العلماء ببعضها وتركوا بعضها الآخر حتى صار إلى ما تراه اليوم. والذي يعنينا من هذا هو طريقة أبي الأسود الدؤلي (ت67، وقيل: 69هـ) في نقط المصحف، وهو الذي اصطلح عليه باسم (النقط المدوَّر) وذكره بعضهم باسم (نقط الإعراب)، ومن هذه الروايات ما قاله محمد بن يزيد المبرد، قال: «لما وضع أبو الأسود الدؤلي النحو قال: ابغوا لي رجلاً، وليكن لَقِناً، فطُلِبَ الرجل فلم يوجد إلا في عبد القيس، فقال أبو الأسود: إذا رأيتني لفظتُ بالحرف فضممت شفتي، فاجعل أمام الحرف نقطة، فإذا ضممتُ شفتي بغنة فاجعل نقطتين. فإذا رأيتني قد كسرتُ شفتي، فاجعل أسفل الحرف نقطة، فإذا كسرتُ شفتي بغنة، فاجعل نقطتين. فإذا رأيتَني قد فتحتُ شفتي، فاجعل على الحرف نقطة، فإذا فتحتُ شفتي بغنة، فاجعل نقطتين. قال أبو العباس: فلذلك النقط بالبصرة في عبد القيس إلى اليوم». ويمكن تدوين الملاحظات الآتية على عمل أبي الأسود: 1 - أن أبا الأسود اعتمد على وضع الشفتين في تمييز نوع الحركة. 2 - أنه اعتمد النقطة ومكانها في الدلالة على الحركة. 3 - أن عمله هذا صار ـ فيما يبدو ـ أصلاً للمصطلحات النحوية الثلاثة: الفتحة والكسرة والضمة. 4 - يظهر أن أبا الأسود ضبط أواخر الكلمات، ولم يضبط غيرها، وهذا يدل على أن المراد حماية كلام العرب من الوقوع في اللحن المتعلق بالحركات. 5 - أنه اعتمد المداد الأحمر للنقط؛ ليتميز عن رسم الحروف الذي كان باللون الأسود. • موقف بعض المعاصرين لأبي الأسود من نقطه: كره بعض معاصري أبي الأسود نقط المصحف؛ وممن ذُكِر عنه ذلك الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (ت73هـ) ومن التابعين إبراهيم النخعي (ت96هـ) وغيره، وكراهية ابن عمر (ت73هـ) لا تدل على وجود النقط قبل أبي الأسود (ت67، أو 69هـ) كما توهم ذلك بعضهم وجعل هذا النقط معروفاً زمن الصحابة؛ لأن تاريخ وفاة أبي الأسود متقدمة على وفاة من نُقِل عنه كراهة النقط مما يشير إلى ظهوره في عصرهم على يد أبي الأسود، فوقعت الكراهة منهم على عمله، والله أعلم. لكن هذه الكراهة قد زالت لمَّا تحققت مصلحة هذا العمل، وصار الأمر إلى قبول هذا النوع من النقط في طبقتهم والطبقة التي جاءت بعدهم. ثانياً: نقط الإعجام: المراد به تمييز الحروف المتشابهة في الرسم؛ كالراء والزاي (ر، ز) بحيث استُخدمت النُقط على الحروف أو تحتها لتمييز متشابهها في الرسم، ويبدو أن هذا النوع من النقط جاء متأخِّراً، فمصاحف الصحابة لم يكن فيها هذا النوع، ولا يبعد أن يكون وُجِد شيء منه في آواخر عصرهم، لكنَّ تميُّزه واستواءه كان متأخِّراً عن جيلهم؛ حيث ظهر تمام ضبطه في تلاميذ أبي الأسود. وقد وُجِد نَقْشٌ ينسب إلى عهد معاوية بن أبي سفيان (ت60هـ) فيه نقط الإعجام، لكنَّ وجوده لا يمثِّل أصلاً يُعتمد عليه إذ أغلب ما نُسِب إلى هذه الفترة من الرسم بغير إعجام، والله أعلم. نقش سد الطائف (58هـ) وقد كان في ضبط بعض الحروف اختلافٌ في كيفية الإعجام؛ كالقاف التي وُضِع عليها نقطتان عند المشارقة، وهي المتبعة عندهم في رسم المصاحف، ووُضِع فوقها نقطة واحدة عند المغاربة، وهي المتبعة عندهم في رسم مصحف ورش. ويُذكر أن هذا النوع من النقط قد ظهر على يد اثنين من طلاب أبي الأسود الدؤلي (ت67 أو 69هـ)، وهما يحيى بن يعمر العدواني (ت قبل 90هـ)، ونصر بن عاصم الليثي (ت90هـ)، وكان ذلك بأمر من الحجاج بن يوسف (ت95هـ) زمن ولاية عبد الملك بن مروان (ت86هـ)، وقد جعلوه بمداد أسود لكي لا يلتبس بنقط أبي الأسود الدؤلي (ت67 أو 69هـ)، ولأن نقط الحرف جزء منه، وليس له صورة فيُتوهم بسببها أن ما ليس بقرآن قراناً. ثالثاً: نقط الخليل بن أحمد (ت170هـ تقريباً): استمر العمل بنقط أبي الأسود (ت67 أو 69هـ) حتى جاء الخليل بن المحرر في علوم القرآن(ص: 242) أحمد (ت170هـ تقريباً) فعمل إلى حلِّ الإشكال القائم في النقط المدور (الذي يعتمد الدائرة واللون الأحمر)، فهي تتخذ شكلاً واحدّاً، ولا تتميز إلا باختلاف المكان فقط. وقد أخذ الخليل بن أحمد شكل الحركاتِ من صورِ الحروف، قال محمد بن يزيد المبرد (ت285هـ): «الشكل الذي في الكتب من عمل الخليل، وهو مأخوذ من صور الحروف، فالضمة واو صغيرة الصورة في أعلى الحرف؛ لئلا تلتبس بالواو المكتوبة، والكسرة ياء تحت الحرف، والفتحة ألف مبطوحة فوق الحرف». وصار يُسمى (نقط الخليل)، أو (الشكل)، أو (شكل الشعر)، أو (الشكل المستطيل)، ولما ظهر نقط الخليل (ت170 تقريباً) وانتشر بدأ الناس يتركون نقط أبي الأسود (ت67 أو 69هـ)، ويستعملون نقط الخليل؛ لأنه أيسر للقارئ في الإدراك من النقط المدوَّر، يقول ابن مجاهد (ت324هـ): «الشَّكل سِمة للكتاب، كما أن الإعراب سمة لكلام اللسان. ولولا الشكل لم تُعرف معاني الكتاب، كما لولا الإعراب لم تعرف معاني الكلام. والشكل لِمَا أشكَلَ، وليس على كل حرف يقع الشكل؛ إنما يقع على ما إذا لم يُشْكَل التبس. ولو شُكِلَ الحرفُ من أوله إلى آخره ـ أعني: الكلمة ـ لأظلم ولم تكن فائدة إذ كان بعضه يؤدي عن بعض. والشكل والنقط شيء واحد، غير أن فَهْمَ القارئ يسرع إلى الشكل أقرب مما يسرع إلى النقط؛ لاختلاف صورة الشكل واتفاق صورة النقط؛ إذ كان النقط كله مدوراً، والشكل فيه الضم والكسر والفتح والهمز والتشديد بعلامات مختلفة. وذلك عامته مجتمع في النقط، غير أنه يحتاج أن يكون الناظر فيه قد عرف أصوله.. . ففي نقط المصاحف المدور: (الرفع والنصب والخفض والتشديد والتنوين والمد والقصر)، ولولا أن ذلك كله فيه ما كان له معنى. قال: وقد كان بعض من يحب أن يزيد في بيان النقط ممن يستعمل المصحف لنفسه ينقط الرفع والخفض والنصب بالحمرة، وينقط الهمز مجرداً بالخضرة، وينقط المشدد بالصفرة؛ كل ذلك بقلم مُدَوَّرٍ، وهذا أسرع إلى فهم القارئ من النقط بلون واحد بقلم مدور. قال: وفي النقط علم كبير، واختلاف بين أهله، ولا يقدر أحد على القراءة في مصحف منقوط إذا لم يكن عنده علم بالنقط، بل لا ينتفع به إن لم يعلمه». وقد كان الضبطان مستعملين في وقت ابن مجاهد (ت324هـ) ـ كما يبدو من كلامه، كما كان الداني (ت444هـ) يأخذ بنقط أبي الأسود الدؤلي (ت67 أو 69هـ)، قال: «وترك استعمال شكل الشعر ـ وهو الشكل الذي في الكتب الذي اخترعه الخليل ـ في المصاحف الجامعة من الأمهات وغيرها = أولى وأحق اقتداء بمن ابتدأ النقط من التابعين واتِّباعاً للأئمة السالفين». وهذا يدلُّ على أنَّ الشكل الذي اخترعه الخليل (ت170هـ) لم ينتشر انتشاراً يجعل نقط أبي الأسود (ت67 أو 69هـ) غير مستعملٍ، بل كان الضبطان مستعملين كما ترى. ثم حصل لشكل الخليل (ت170هـ) شيءٌ من التعديل، فبدل علامة الكسرة (-) صارت توضع كسر بخط ممتد تحت الحرف كما هو مُتَّبع الآن. قراءات مقترحة في موضوع: ضبط المصحف كتاب «الطراز في شرح ضبط الخراز» للتنسي، وهو من أنفس الكتب في باب الضبط وسيأتي ذكره لاحقاً. وقد كتب المعاصرون من علماء الإقراء في مصر كتباً مختصرة في الضبط ليستفيد منها الطلاب في دراستهم، منها: 1 - «سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين»، للشيخ علي بن محمد الضباع. 2 - «السبيل إلى ضبط كلمات التنْزيل»، لأحمد محمد أبو زيت حار. 3 - «إرشاد الطالبين إلى ضبط الكتاب المبين»، للدكتور محمد سالم محيسن. بحوث مقترحة في موضوع: ضبط المصحف 1 - دراسة علامات الضبط عند النحويين وعلماء ضبط المصحف. 2 - دراسة موازنة بين علامات الضبط في المصاحف التي كُتبت على قراءات متعددة، مثل: موازنة ضبط مصحف حفص بمصحف ورش، وهكذا غيرها. 3 - دراسة علل الضبط، مثلاً: سبب اختيار الصفر الصغير إشارة للسكون. 4 - أثر علماء المغرب العربي في علم الضبط. • علاقة هذا النوع بأنواع علوم القرآن الأخرى: يرتبط ضبط المصحف بتحسين الأداء (علم التجويد)، حيث رُمِز لأحكام التجويد برموز في الضبط تعين القارئ على معرفة الحكم التجويدي التطبيقي من خلال الضبط، كضبط (حكم القلب) بوضع ميم صغيره للدلالة على قلب النون الساكنة ميماً عند ملاقاتها للباء. وله علاقة جزئية بعلم (النحو) وبعلم (الإملاء)؛ لأن بعض علل الضبط نحوية أو إملائية، لذا تجد لعلماء النحو مشاركة في ضبط الحركات في غير المصحف، وقد تكون لهم اصطلاحات أخرى ينقلها بعض من كتب في علم الضبط. "المحرر في علوم القرآن " للدكتور مساعد الطيار.