البحث

عبارات مقترحة:

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

وقف المصاحف ورموزها

إن علم الوقف والابتداء من العلوم المهمة للمقرئ والقارئ، إذ به تتبين المعاني، وهذا هو الهدف من هذا العلم، قال النحاس (ت338هـ): «.. . فقد صار في معرفة القطع والائتناف التفريق بين المعاني، فينبغي لقارئ القرآن أن يتفهم ما يقرؤه، ويشغل قلبه به، ويتفقد القطع والائتناف، ويحرص على أن يُفهِم المستمعين في الصلاة وغيرها، وأن يكون وقفه عند كلام مستغنٍ أو شبهه، وأن يكون ابتداؤه حسناً، ولا يقف على الموتى في قوله: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى﴾ [الأنعام: 36]، ولا أمثاله؛ لأن الوقف ههنا قد أشرك بين السامعين والموتى، والموتى لا يسمعون ولا يستجيبون، وإنما أخبر عنهم أنهم يُبعثون.. .». وهذا يعني أنَّ علم الوقف والابتداء أثر من آثار المعنى، فمعرفة المعنى هي التي ترشد إلى مكان الوقف من عدمه، وليس كغيره من العلوم التي يدرسها في التجويد مما يحتاج إلى رياضة لسان. العلوم المهمة لمن أراد معرفة الوقف والابتداء: إنَّ من العلوم المهمَّة لمن أراد أن يعرف الوقف والابتداء علم التفسير وعلم النحو، وعلم القراءات؛ لأنَّ المعنى يُعرف بها، قال ابن مجاهد (ت324هـ): «لا يقوم بالتمام إلا نحوي عالم بالقراءة، عالم بالتفسير، عالم بالقصص وتلخيص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن». وإذا تأمَّلت هذه العلوم وجدتها ترجع إلى معرفة المعنى الذي هو أساس علم الوقف والابتداء، فمعرفة التفسير واختلافات المفسرين يُعرف بها المعنى، فيعرف الواقف أين يقف بناءً على هذا التفسير أو ذاك. ومن أشهر الأمثلة التي يُمثَّل بها في هذا المقام تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران: 7]، فمن فسَّر التأويل بما تؤول إليه حقائق القرآن فإنه يقف على لفظ الجلالة؛ لأن علم الحقائق مما يختصُّ به الله، ومن ادعى علمه فقد كذب على الله. ومن فسر التأويل بالتفسير جاز له أن يصل لفظ الجلالة بما بعده ويقف على لفظ (العلم)؛ لأن الراسخين في العلم يعلمون تفسيره. وأنت تلحظ في هذا المقام كيف اختلف الوقف باختلاف التفسير، وأصل ذلك راجع إلى المعنى المراد بالتأويل، فالمعنى أولاً، ثمَّ يجيء الوقف تبعاً للمعنى. ومن أمثلة احتياج علم الوقف والابتداء إلى معرفة النحو ما ذكره النحاس (ت338هـ) في استشهاده على ذلك بأن الاختلاف في إعراب لفظ (مِلَّة) من قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ﴾ [الحج: 78] يورث اختلافاً في صحة الوقف على لفظ (حرج) من عدمه، قال: «ويحتاج إلى معرفة النحو وتقديراته؛ ألا ترى أن من قال: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: 78] منصوبة بمعنى كَمِلَّةِ، وأعمل فيها ما قبلها = لم يقف على ما قبلها. ومن نصبها على الإغراء وقف على ما قبلها». ومن أمثلة اختلاف الوقف باختلاف القراءات ما ذكره طاهر بن غلبون (ت399هـ) في الاختلاف في قراءة ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ﴾ من قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَاذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: 58]، قال: «وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (ثلاثَ عوراتٍ) بنصب الثاء، ورفعها الباقون. فمن نصب لم يبتدئ به؛ لأنه بدل من قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَاذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ التقدير: ليستأذنكم هؤلاء لأوقات ثلاث عورات فلذلك لا يجوز أن يقطع منه ومن رفع جاز له الابتداء به لأنه مستأنف وذلك أنه يوقعه على إضمار مبتدأ؛ تقديره: هذه ثلاث عورات أو يرفعه بالابتداء والخبر في قوله ﴿لَكُمْ﴾» • مصطلحات العلماء في الوقف: يمكن تقسيم مصطلحات العلماء في الوقف إلى قسمين رئيسين: الأول: من عمد إلى بيان أماكن الوقوف الجائزة دون النظر إلى مراتبها أو إلى ما لا يصح الوقف عليه: وعلى ذلك كتاب «التمام» لنافع (ت169هـ) ويعقوب الحضرمي (ت205هـ) وعلى هذا سار المغاربة حتى اليوم فهم لا يدوِّنون في مصاحفهم إلا المكان الصالح للوقف دون تقسيمٍ له إلى مراتب وقد عملُوا بوقوف محمد بن جمعة المعروف بالهبطي (ت930هـ) والكتابة على هذا النحو قليلة بالنسبة للقسم الذي سيجيء بعدها الثاني: من قسَّم الوقوف إلى مراتب: ويمكن حصر المدونات في هذا إلى ثلاثة أنواع: الأول: التقسيم المبني على اللفظ والمعنى: وهذه التقسيمات مبنية على المعنى من حيث تمامه أو نقصه وبين التمام والنقص مراتب اختلف العلماء في تقديرها اختلافاً كثيراً وأشهر هذه التقسيمات القسمة الرباعية وهي: الوقف التام والوقف الكافي والوقف الحسن والوقف القبيح ومن قسم إلى أربعة أقسام قد يزيد مراتب إلى هذه الوقوف؛ كالصالح والجائز والمفهوم وغيرها كما قد يجعل بعضهم كل قسم من الأقسام الأربعة على قسمين: التام والأتم والكافي والأكفى والحسن والأحسن والقبيح والأقبح وهذا التقسيم الرباعي للوقوف المبني على اللفظ والمعنى يُنظرُ فيه إلى تمام الانقطاع من عدمه فالتَّام: ما انقطع عنه ما بعده لفظاً (إعراباً) ومعنى كالوقف على (المفلحون) من قوله تعالى ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 5]؛ لأنَّ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 6]، لا علاقة لها بما قبلها لا من جهة المعنى ولا من جهة اللفظ، فلو ابتدأت بالقراءة بها لأفهمت معنى تامّاً، ولا حاجة لك بأن تبدأ بما قبلها. والكافي: ما تعلق به ما بعده من جهة المعنى دون اللفظ (الإعراب). ومن أمثلته الوقف على رأس الآية من قوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 6]، ثمَّ البدء بقوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ [البقرة: 7]، فالجملة الأولى من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 6] مستقلة بمعناها بحيث لو قطع السامع قراءته عليها لأفهم معنى واضحاً مستقلاً، فلو قرأ بقوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ ابتداءً لظهر للسامع أن هذه الجملة مرتبطة بما قبلها من جهة اللفظ دون الإعراب فهي مستقلة إعراباً ومرتبطة لفظاً بدلالة الضمير في قوله ﴿قُلُوبِهِمْ﴾ حيث يعود على ظاهر سابق وهو قوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ والحسن: ما تعلق به ما بعده من جهة اللفظ (الإعراب) مع كون الجملة الموقوف عليها تامَّة في ذاتها ومن أمثلته: الوقف على قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ثم البدء بقوله تعالى: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فجملة الحمد لله مستقلة بنفسها معنى وإعراباً بحيث لو لم يكن بعدها كلام لكان الوقف تامّاً لكن جملة ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ مرتبطة إعراباً بالجملة قبلها فربِّ صفة للفظ الجلالة ولا يوقف على الموصوف دون الصفة؛ لأنَّ البدء بها يدل على انقطاعها عما قبلها مع أنها تامة الاتصال والقبيح: ما اشتد تعلقه بما بعده الذي لا يفهم إلا به أو ما أدخل في جملة تامة فصار في حكمها وهو ليس منها ومن أمثلة ما اشتد تعلقه بما قبله بحيث لا يُفهم منه معنى: الوقف على قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا﴾ [البقرة: 25]؛ فإن الكلام ناقصٌ؛ لأن قوله تعالى: ﴿قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ هو تمام الكلام. ومن أمثلة ما أدخل في جملة تامة فصار في حكمها وهو ليس منها الوقف على قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى﴾ [الأنعام: 36]؛ لأن الموتى لا يسمعون، بل لهم حكم آخر، وهو ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: 36]. وهذا القسم هو الذي سارت عليه أغلب كتب الوقف والابتداء، فالكثرة الكاثرة اعتمدت هذه القسمة الرباعية على تفاوت بينها في الزيادة عليها، ومن أشهر الكتب في هذا: 1 - كتاب «إيضاح الوقف والابتداء»، لأبي بكر محمد بن القاسم، المعروف بابن الأنباري (ت328هـ). 2 - كتاب «القطع والائتناف»، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المعروف بالنحاس (ت338هـ). 3 - «المكتفى في الوقف والابتداء»، لأبي عمرو عثمان بن سعيد المعروف بالداني (ت444هـ). 4 - «منار الهدى في الوقف والابتداء»، لأحمد بن عبد الكريم المعروف بالأشموني (من أعيان القرن الحادي عشر). الثاني: وقوف محمد بن طيفور المعروف بالسجاوندي (ت560هـ)، وقد جعل أقسامه على ستِّ مراتب وهي: اللازم، والمطلق، والجائز، والمجوز لوجه، والمرخص لضرورة، والممنوع. وقد عرَّف وقوفه هذه، وإليك ما قاله: 1 - الوقف اللازم، ورمزه (م)، قال: «فاللازم من الوقوف: ما لو وصل طرفاه غَيَّرَ المَرام، وشَنَّع معنى الكلام» (2). ثم ذكر أمثلة لهذا النوع من الوقف، وهو من الوقوف المشهورة والمتداولة في مصاحف المشرق العربي ومصر. 2 - الوقف المطلق، ورمزه (ط)، قال: «ما يحسن الابتداء بما بعده» (3). وقد ذكر السجاوندي أمثلة الوقف المطلق، وأطال فيها؛ كالاسم المبتدأ، والفعل المستأنف، ومفعول المحذوف.. . إلخ. 3 - الوقف الجائز، ورمزه (ج)، قال: «وأما الجائز: فما يجوز فيه الوصل والفصل لتجاذب الموجبين من الطرفين». ثم ذكر بعد هذا التعريف أمثلة للجائز، فقال: «كقوله تعالى: ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [البقرة: 4]؛ لأن واو العطف يقتضي الوصل، وتقديم المفعول على الفعل يقطع النظم، فإن التقدير: ويوقنون بالآخرة». 4 - الوقف المجوز لوجه، ورمزه (ز)، قال: «والمجوز لوجه؛ كقوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ﴾ [البقرة: 86]؛ لأن الفاء في قوله: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ﴾ لتعقيب يتضمن معنى الجواب والجزاء لا حقيقة الجواب والجزاء وذلك يوجب الوصل إلا أن نظم الفعل على الاستئناف يُري للفصل وجهاً وقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: 89]؛ لأن فاء الجواب والجزاء آكد في الوصل، ونظم الابتداء في قوله: ﴿فَلَعْنَةُ اللَّهِ﴾ في وجه الفصل أضعف» 5 - الوقف المرخص لضرورة ورمزه (ص) قال: «والمرخص ضرورة: ما لا يستغني ما بعده عما قبله لكن يرخص الوقف ضرورة انقطاع النفس لطول الكلام ولا يلزمه الوصل بالعود لأن ما بعده جملة مفهومة؛ كقوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ [البقرة: 22]؛ لأن قوله: ﴿وَأَنْزَلَ﴾ [البقرة: 22] لا يستغني عن سياق الكلام، فإن فاعله ضمير يعود إلى صريح المذكور قبله غير أنها جملة مفهومة لكون الضمير مستكناً، وإن كان لا يبرز إلى النطق». 6 - الوقف الممنوع، ورمزه (لا)، وهذا القسم هو المعروف في المصاحف اليوم بالوقف الممنوع، ولم يعرِّفه السجاوندي، بل قال: «وأما ما لا يجوز الوقف عليه ففي مواجبه ونظائره كثرة». ثم ذكر بعد ذلك أمثلة لما لا يجوز الوقف عليه؛ كأن يوقف بين الشرط وجزائه، وبين المبدل وبدله، وبين المبتدأ وخبره، وبين المنعوت ونعته.. . إلخ. الثالث: وقوف المصحف المصري ومن تبعه: جاء في التعريف بهذا المصحف ما يأتي: «وأُخِذ بيان وقوفه وعلاماتها مما قرره الأستاذ محمد بن علي الحسيني شيخ المقارئ المصرية سابقاً، على حسب ما اقتضته المعاني التي ترشد إليها أقوال أئمة التفسير». ولم يشر التقرير إلى أكثر من هذا، ويظهر أن الحسيني قد استفاد من وقوف السجاوندي (ت560هـ)؛ لأنه تبعه في بعض رموزه (اللازم، والجائز، والممنوع)، وكذا في أماكنها. كما يظهر أنه اطلع على كتاب طُبِع في مصر عام 1290هـ لمؤلف يُدعى محمد الصادق الهندي، وعنوان كتابه «كنوز ألطاف البرهان في رموز أوقاف القرآن»، وقد ذكر في هذا الكتاب الوقف الأولى والوصل الأولى ووقف التعانق. وقد تبِعت لجنة مصحف المدينة النبوية لجنة المصحفَ المصري في هذه الرموز، وإن خالفوها في بعض مواطن الوقف، أما النسخة الثانية من مصحف المدينة النبوية فقد حذفت لجنته الوقف الممنوع. وبما أنه قد سبق بيان الوقف اللازم والجائز والممنوع، فإنه لم يبق إلا التعريف بالوقوف الثلاثة الأخرى، وهي (الوصل أولى، والوقف أولى، ووقف التعانق). 1 - الوصل أولى، وعلامته (صلى)، وهو عين الوقف المجوز لوجه عند السجاوندي (ت560هـ). 2 - الوقف أولى، وعلامته (قلى)، وهو يقابل الوصل أولى، إذ فيه موجبان، موجب الوقف وموجب الوصل، وموجب الوقف هو المترجِّح، فيقدَّمُ هذا الموجب، ويكون الوقف أولى لهذا السبب. وإذا تأمَّلت هذين الوقفين ووازنتهما بالوقف الجائز ظهر لك أن جواز الوقف على ثلاث مراتب: الأولى: أن يستوي موجب الوقف وموجب الوصل، فيكون الوقف جائزاً والوصل جائزاً لاستواء الطرفين. الثانية: أن يكون جائزاً لكن موجب الوصل أقوى، فيكون الوصل أولى. الثالثة: أن يكون جائزاً لكن موجب الوقف أقوى، فيكون الوقف أولى. وهذه المراتب الثلاث لا يمكن التمييز بينها بسهولة، والغاية منها لا تساوي التفريق بينها؛ لأنها في النهاية تدور على الجواز بين الوقف والوصل، والقارئ لا يستفيد من هذا التفريق، فلو كانت كلها على سبيل الجواز لكان أولى من هذا التشقيق الذي لا يخلو من تكلُّف في بعض المواطن، وإن كان ظاهراً في بعضها. 3 - وقف التعانق، وهو الذي يكون فيه وقفان متغايران في المعنى، بحيث إذا وُقِف على الموضع الأول أعطى معنى غير المعنى الذي يكون على الوقف في الموضع الثاني، وعلامته (.. .) فالكلمة التي تكون بين هذه النقاط هي التي يقع عليها التعانق، مثل كلمة (فيه) من قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]. والذي ظهر لي من استقراء وقوف التعانق في المصاحف أنها لا تخرج عن ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن يكون بين المعنى على الوقف الاول والمعنى على الوقف الثاني تداخل بحيث يدخل أحدهما في معنى الآخر، فيُكتفى بالأعم منهما في هذه الحالة، ويسقط التعانق. النوع الثاني: أن يكون بين المعنى على الوقف الاول والمعنى على الوقف الثاني اختلاف تضادُّ، فيسقط أحدهما لأجل التضاد. النوع الثالث: أن يكون بين المعنى على الوقف الاول والمعنى على الوقف الثاني اختلاف تنوع، وذلك هو الذي يصلح لأن يكون وقف التعانق، وسأذكر مثالاً يوضح كل نوع. مثال النوع الأول الذي يقع فيه تداخل في المعنى: قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، التعانق على لفظ ﴿فِيهِ﴾ ووجه الوقفين كالآتي: الوقف الأول: أن تقف على جملة ﴿لَا رَيْبَ﴾ ثم تبتدئ ﴿فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ ويكون في هذا الوقف المعاني الآتية: 1 - حذف خبر ﴿لَا﴾ ويُقدَّر من مثل ما بعدها وهو شبه الجملة ﴿فِيهِ﴾ ويكون المعنى: ذلك الكتاب لا ريب فيه فيه هدى للمتقين 2 - أن قوله: ﴿فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ يدل على أنه يوجد فيه الهدى للمتقين الوقف الثاني: أن تقف على ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ ثم تبتدئ ﴿هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ وهذا الوقف هو الأرجح لأمور: الأول: أن الوقف على ﴿فِيهِ﴾ يجعل جملة ﴿هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ مستقلة بمعنى جديد أبلغ مما لو كانت ﴿فِيهِ﴾ بعضاً من الجملة وهذا المعنى هو كون القرآن كله هدى الثاني: أن كون القرآن هدى للمتقين يشهد له القرآن وهو متكرر فيه في أكثر من موطن مثل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 52]، وقوله تعالى: ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ *هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل: 1، 2]، وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ *هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ﴾ [لقمان: 2، 3]. الثالث: أن لفظ ﴿لَا رَيْبَ﴾ لم تجئ في القرآن بلا خبر بل كل ورودها في القرآن يكون بخبر وهو: فيه ولذا يترجح هنا كون ﴿فِيهِ﴾ خبراً للا ريب كما أن الجملة إذا دارت بين التقدير وعدمه حُمِلَت على عدم التقدير لأنه أكمل فالوقف الأول يحتاج إلى تقدير ﴿فِيهِ﴾ والوقف الثاني يجعل ﴿فِيهِ﴾ الظاهر هي الخبر ولا يحتاج إلى تقدير الرابع: أن تفسير السلف جاء على أنَّ ﴿فِيهِ﴾ متعلقة بـ ﴿لَا رَيْبَ﴾ حيث اتفقت كلمتهم على تفسير ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ : لا شكَّ فيه الخامس: أن المعنى على الوقف الأول جزء من المعنى على الوقف الثاني فالقرآن ـ على الوقف الأول ـ فيه هدى ولا يلزم أن يكون كله هدى وعلى الوقف الثاني يكون كله هدى وهذا أبلغ وإذا كان ذلك كذلك فلا حاجة للوقف على ﴿لَا رَيْبَ﴾ ؛ لأنها لا تكون جملة صالحة للوقف على ما ذكرت لك والله أعلم مثال للنوع الثاني الذي يقع فيه تضادٌّ في المعاني: قوله تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلَا تَاسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 26]. التعانق يقع على لفظ ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾، ويكون معنى الوقف على ما يأتي: الوقف الأول: الوقف على قوله: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾، ثم تبتدئ ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾. ويلزم من هذا الوقف المعاني الآتية: 1 - أن التحريم أبديٌّ، ويلزم من هذا أن يكون كل من عاشوا في التيه ماتوا ـ ولم يدخل أحد منهم الأرض المقدسة. 2 - أن يكون الظرف: ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ منصوباً بقوله: ﴿يَتِيهُونَ﴾. الوقف الثاني: الوقف على: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾، ثم يجوز له الوصل أو الاستئناف بجملة ﴿يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾. ويلزم من هذا الوقف الأمور الآتية: 1 - أن التحريم إنما هو لمدة أربعين سنة. 2 - أنهم في هذه الأربعين يكونون في تيه. 3 - أن يكون قوله: ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ متعلق بلفظ: ﴿مُحَرَّمَةٌ﴾. وهذا الوقف هو الصحيح لأمور منها: 1 - أنه قد ثبت أنَّ بعض من في التيه قد دخل الأرض المقدسة، ومنهم يوشع (فتى موسى عليهما السلام) الذي قاد جموع بني إسرائيل ـ بعد موت موسى عليه السلام في التيه ـ فدخل بهم الأرض المقدسة، ولو كانت محرمة عليهم جميعاً للزم منه موت كل من حضر التيه، وهذا لا يُعقل. 2 - أن قوله: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ عامٌّ، وقد حُرِّمت عليهم كلهم مدة الأربعين، فلم يدخلها أحد، ولا يصلح أن تكون لفظة: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ عموماً للتحريم دون التيه، والجملة مرتبطةٌ ألفاظها، وضمائرها متناسقة في نظم واحد. مثال للنوع الثالث الذي يقع فيه تنوع في المعاني: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 7]. جملة التعانق هي قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ ويكون وقف التعانق كالآتي: الوقف الأول: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ﴾ ثم تبتدئ ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ وهذا الوقف مبني على أنَّ المراد بالتأويل: ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره المغيَّبة وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى فلا يعلم متى وقوعها ولا كيفية وقوعها إلا هو سبحانه ومن ادَّعى علمها فقد كذب على الله الوقف الثاني: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ ثم يجوز لك أن تصل أو تبتدئ بجملة ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ وهذا الوقف مبني على أن المراد بالتأويل: التفسير والتفسير يعلمه الراسخون في العلم بخلاف ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره التي لا يعلمها إلا الله فهم يشتركون في معرفة المعنى حيث إنه ليس من العلم الذي يختصُّ بالله تعالى لذا لا يجوز أن يقال: إن في القرآن آيات لا يُعرف معناها بل جميع القرآن معلوم المعنى للعلماء وهم يتفاوتون في معرفة تلك المعاني وهذان المعنيان متغايران وليسا متضادين وهما اللذان يصلح أن ينطبق عليهما وقف التعانق بخلاف النوعين الأولين فالتداخل في المعاني يجعلك تختار الأعم منها لدخول الآخر فيه والتضاد يلزم منه الترجيح فيسقط أحد المعنيين وبهذا لا يكون الوقف متعانقاً تنبيه: اعلم أن الوقوف لما كان مبناها الاجتهاد فإن هذا يعني أنَّ ما وُضِع من وقوف في المصاحف إنما كان باجتهادٍ ـ يشكر أصحابه ـ يمكن أن يأتي من يخالفه بشرط أن يكون الأمر بعلم لا بذوق وتحكُّمٍ كما يقع عند بعض الناس فتراه يقف وقوفات غريبة ويبتدئ ابتداءً غريباً كذلك وما دعاه إلى ذلك إلا تذوقٌ غير سليم ومن أمثلة ذلك: • قرأ بعضهم قوله تعالى: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج: 15]، ثم استأنف قائلاً: ﴿الْمَجِيدُ﴾ ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: 15، 16]. ووقفه صحيح بلا ريب، لكن ابتداءه غلط واضحٌ، إذ فيه إخلال بنظم القرآن من جهات: الأولى: أنَّ قوله: ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ انقطع عما بعده فهل يُجيز هذا القارئ الوقف على ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ ولَمَّا يتمَّ الكلام؟! الثانية: لَمَّا كان قوله: ﴿الْمَجِيدُ﴾ خبراً بعد خبر ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ (على قراءة الرفع) فكيف يمكن أن يكون خبراً ومبتدءاً في الوقت نفسه؛ لأنه بقراءته ﴿الْمَجِيدُ﴾ ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ صار ﴿الْمَجِيدُ﴾ مبتدءاً وقوله ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ خبر المبتدأ وفي هذا تقطيع للكلام كما تلاحظ وهو مما يعاب في الكلام المعتاد فكيف بمن زعمه في كلام الله تعالى الثالثة: عدم الاعتبار برأس الآية وفي ذلك عيب ظاهر إذ ما قيمة رأس الآية إن لم تكن وُضِعَتْ للتنبيه على الوقوف عليها كما أنه لم يرد في السنة ولا في عمل الصحابة ما يشير إلى ترك الوقوف على رؤوس الآي فبقي الأمر على الأصل وهو أن تكون رؤوس الآي مقصودات للوقف عليهن وأنهنَّ يدخلن في بلاغة القرآن وتأثيراته الصوتية والأدائية وقد أشار إلى الاعتبار بالوقوف على رؤوس الآي الطاهر بن عاشور (ت1393هـ) والاعتداد بها من جهة نظم القرآن فقال: «فأما التحدي بعجز بلغائهم عن معارضته فأمر يرتبط بما فيه من الخصوصيات البلاغية التي لا يستوي في القدرة عليها جميعهم بل خاصة بلغائهم من خطباء وشعراء وكان من جملة طرق الإعجاز ما يرجع إلى محسنات الكلام من فن البديع ومن ذلك فواصل الآيات التي هي شبه قوافي الشعر وأسجاع النثر وهي مراده في نظم القرآن لا محالة؛ كما قدَّمناه عند الكلام على آيات القرآن فكان عدم الوقف عليها تفريطاً في الغرض المقصود منها فكان الاعتبار بفواصله التي هي مقاطع آياته عندهم أهم لأن عجز قادتهم وأولي البلاغة والرأي منهم تقوم به الحجة عليهم وعلى دهمائهم فلما كثر الداخلون في الإسلام من دهماء العرب ومن عموم بقية الأمم = توجه اعتناء أهل القرآن إلى ضبط وقوفه تيسيراً لفهمه على قارئيه فظهر الاعتناء بالوقوف ورُوعِيَ فيها ما يراعى في تفسير الآيات فكان ضبط الوقوف مقدمة لما يُفَادُ من المعاني عند واضع الوقف» فإن قلت: أيعني هذا عدم تتبع المواقف الحسنة في أواسط الآي؟ فالجواب: لا بل ذلك مطلب في أواسط الآي وعلى هذا يقوم علم الوقف والابتداء حيث يتتبع العلماء المواقف الصالحة في أواسط الآي وينبهون على المواقف غير الصالحة أمَّا الوقف على رؤوس الآي فلم يقع اختلاف بين العلماء في الوقف على رؤوس الآي إذا لم يتعلق بها ما بعدها وقد كان بعض العلماء يسمي الوقف على رأس الآية وقف السنة وذلك اعتماداً على حديث أم سلمة رضي الله عنها لكن وقع خلافهم فيما إذا كان رأس الآية يتبعه ما بعده من جهة اللفظ والمعنى فما الأولى في ذلك: الوقف على رؤوس الآي أو الوصل من أجل تمام المعنى؟ والأمر في ذلك واسع ـ ولله الحمد ـ فإن وقفت فلك في ذلك سلفٌ من العلماء قالوا بذلك القول ولهم حججهم العلمية وإن وصلت فلك كذلك مثل ذلك لكن حديث أم سلمة رضي الله عنها يشير ـ كما فهم بعض العلماء ـ إلى أن الوقوف على رؤوس الآي سنة فعنها رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقطع قراءته يقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ثم يقف ﴿الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ﴾ ثم يقف» الحديث ومما يُستأنس به في تقوية هذا المذهب: أن ابن مسعود رضي الله عنه لما قرأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة النساء ووصل إلى قوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 41]، أمره صلّى الله عليه وسلّم أن يقطع القراءة على هذا الموضع، فقال: «حسبك». ولو كان تتبع المعاني مما يحرص عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لما أمر ابن مسعود أن يقطع قبل تمام المعنى؛ لأن قوله تعالى بعدها: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء: 42] متعلق بها. وبهذه الآية ينتهي المقطع، ويكون الوقف تامّاً؛ لأن قوله تعالى بعدها: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾[النساء: 43] نداءٌ للمؤمنين، والنداء يدل على انقطاع الجملة عما قبلها، والابتداء بأمر جديد، واللهُ أعلمُ. بحوث مقترحة في موضوع: الوقف والابتداء موضوع وقوف القرآن من الموضوعات النفيسة التي يحتاج إليها قارئ القرآن، فضلاً عن معلميه، وفيه موضوعات كثيرة جدّاً تحتاج إلى بحث وتجلية، ويمكن افتراع بحوث كثيرة في هذا الموضوع، منها: 1 - قواعد في الوقف والابتداء. مثل كل جملة مبدوءة بالنداء (يا أيها)، فإنها تصلح للابتداء. 2 - جمع مصطلحات علماء الوقف والابتداء والموازنة بينها. 3 - إجراء تطبيقات عملية على أنواع الوقف والابتداء على سور من القرآن، أو على مواضع منه. 4 - دراسة علل وقوف المصاحف المعاصرة. 5 - دراسة رؤوس الآيات التي يتعلق ما بعدها بها من جهة اللفظ. 6 - دراسة منهج كتاب من كتب الوقف والابتداء. وغيرها من البحوث الكثيرة التي يمكن أن يقوم بها الطلاب لتثبيت هذا العلم والاستفادة من موضوعاته المتنوعة. ولا يخفى على الباحث ما كتبه علماء الوقف والابتداء في هذا العلم من كتب كثيرة، وقد طُبع منها مجموعة قليلة، كما كان للمعاصرين مشاركة في الكتابة في هذا العلم. • علاقة هذا النوع بأنواع علوم القرآن الأخرى: يرتبط موضوع الوقف والابتداء بالمعنى، لذا فهو منبثق من علم (التفسير)، وهو أثر من آثاره. وله ارتباط بعلم (النحو) من جهة معرفة ما يصح الوقف عليه وما لا يصح من المفردات أو الجمل المرتبطة ببعضها من جهة النحو؛ كالمعطوفات والجملة الحالية وغيرها. وله ارتباط بعلم (القراءات)، وذلك ظاهر باختلاف الوقف والابتداء بسبب اختلاف القراءة. وستأتي أمثلة لعلاقة هذه العلوم بعلم (الوقف والابتداء).