البحث

عبارات مقترحة:

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

الحافظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

أنواع الشهادة

الحقوق المشهود بها نوعان: حق الله، وحق العباد. ‌‌النوع الأول: حق الله تعالى: وهذا النوع من الحقوق لا يقبل فيه شهادة النساء، بل لا بد فيه من شهادة الرجال، لأن شهادة النساء لا تخلو من شبهة النسيان والخطأ، وهذه حقوق يؤخذ فيها بالاحتياط. وحقوق الله هذه ثلاثة أضرب: الضرب الأول: لا يقبل فيه أقل من أربعة شهود، وهو الزنى. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ (سورة النور: 4) فقد رتب سبحانه وتعالى الجلد على عدم الإتيان بأربعة شهداء، فدل بذلك على أن الزني لا يثبت بأقل منهم. وقال تعالى: ﴿وَاللَاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ﴾ (سورة النساء: 15). وقال عز من قائل، في حادثة الإفك: ﴿َوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ (سورة النور: 13). دل ذلك على أن نصاب الشهادة في الزنى أربعة من الذكور. وبيّن هذا حديث مسلم [1498] في كتاب اللعان، أن سعد بن عبادة رضي الله عنه، قال: يا رسول الله : " نعم "، قال: كلا والذي بعثك بالحق، إن كنت لأعاجلنه بالسيف قبل ذلك، قال رسول الله " اسمعوا إلي ما يقول سيدكم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني ". وقال ذلك عندما نزل: ﴿والذين يرمون المحصنات.. . . ﴾ ثم نزلت آيات اللعان فسحة للأزواج. ‌‌الحكمة من وجود أربعة شهداء في الزنى: الحكمة من طلب أربعة شهداء على ثبوت حد الزنى، أن الزنى لما كان يقوم بين اثنين: الرجل والمرأة، صار كالشهادة على فعلين، فاحتاج إلي أربعة من الشهود. وكذلك فإن الزني من أغلظ الفواحش، فغلظت الشهادة فيه ليكون أستر على الناس. وإنما تقبل شهادة الشهود في الزنى، إذا قالوا: حانت منا التفاته فرأينا ذلك كاملاً، أو قالوا: إنا تعمدنا النظر لأداء الشهادة. الضرب الثاني: وهذا يقبل فيه رجلان اثنان، وهو ما سوى الزني من حقوق الله عز وجل، مثل الردة، وقطع الطريق، وقتل النفس، والسرقة، وشرب الخمر. ودليل ذلك عموم قوله تعالى: ﴿واستشهدوا شهيدين من رجالكم﴾ (سورة البقرة: 282). وقوله عز وجل: ﴿وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾ (سورة الطلاق: 2). وقوله : " شاهداك أو يمينه ". (رواه مسلم: [138]). وقول الزهري: (مضت السنة بأنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود). الضرب الثالث: وهذا يقبل فيه شهادة رجل واحد، وهو هلال رمضان بالنسبة للصوم، وذلك احتياطاً له. إذ الخطأ في فعل العبادة أقل مفسدة من الخطأ في تركها، ولذلك لا يقبل في هلال شوال أقل من شاهدين رجلين. روي أبو داود [2342] في الصوم، باب: شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، عن أبي عمر رضي الله عنهما، قال: تراءي الناس الهلال، فأخبرت رسول الله أني رايته فصامه وأمر الناس بصيامه. ‌‌النوع الثاني: حق العباد: وهذا النوع أيضاً على ثلاثة أضرب: الضرب الأول: لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين، وهو مالا يقصد منه المال، ويكون مما يطلع عليه الرجال: كالطلاق، والرجعة، والإسلام والردة، والجرح، والتعديل، والوقف والوصية، ونحو ذلك. ودليل ذلك أن الشريعة نصت علي شهادة الرجلين في النكاح والطلاق والوصية، وقيس عليها ما لم يذكر فيها نص، مما هو مثلها من كل حق لآدمي لا يقصد به المال. قال تعالى، في الطلاق: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ (سورة الطلاق: 2) وقال عز وجل في الوصية: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ (سورة المائدة: 106). وقال رسول الله في الزواج: " لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل ". (رواه الشافعي في مسنده، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: إنه اصح شيء في الباب ـ انظر: مغني المحتاج 3 /155 ـ ورواه ابن حبان [1247] وقال: لا يصح في ذكر الشاهدين غيره). وقال الزهري رحمه الله: مضت السنّة بأن لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق. الضرب الثاني: يقبل فيه شاهدان رجلان، أو رجل وامرأتان، أو شاهد ويمين المدعى، وهو كل حق كان القصد منه المال، من عين أو دين أو منفعة، كالبيع، والإقالة، والحوالة، والضمان، والإجارة، والرهن، والشفعة، ونحوهما. ودليل ذلك قول الله عز وجل: ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ (سورة البقرة: 282). وروي مسلم [1712] في الأقضية، باب: القضاء باليمين والشاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله قضى بيمين وشاهد. وفي مسند الشافعي: قال عمرو ـ أي ابن دينار راويه عن ابن عباس ـ: في الأموال. [الأم: 6 /156 هامش]. وقيس ما ذكر غيرها من كل حق فيه مال. الضرب الثالث: يقبل فيه شهادة رجلين، أو شهادة رجل وامرأتين، أو أربع نسوة، وذلك في كل حق للآدمي لا يطلع عليه الرجال غالباً، وذلك مثل الولادة، والرضاعة، والبكارة، وعيوب النساء. ودليل ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن الزهري رحمه الله تعالى، قال: مضت السنة بأنه يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن، من ولادة النساء وعيوبهن. [الإقناع: 2 /297]. ومثل هذا القول من التابعي حجة، لأنه في حكم الحديث المرفوع، إذ لا يقال مثله من قبيل الرأي والاجتهاد. وقيس بما ذكر غيره مما يشاركه في معناه وضابطه، واشترط العدد لأن الشارع جعل شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد، وإذا قبلت شهادة النساء منفردات في شؤونهن، فقبولها مع اشتراك رجل، وامرأتين أولي، لأن الأصل في الشهادة الرجال، وكذلك إذا انفرد الرجال بالشهادة. تنبيه: قال العلماء: لا تقبل شهادة على فعل من الأفعال، كالزنى وشرب الخمر ونحوهما، إلا بالإبصار والمعاينة لذلك الفعل مع فاعله، لأنه بذلك يصل به إلي العلم اليقين، فلا يكفي فيه السماع من الغير، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (سورة الإسراء: 36). إلا أنه في الحقوق اكتفي فيها بالنظر المؤكد، لتعذر اليقين فيها، والحاجة تدعو إلي إثباتها، كالعدالة والإعسار، فلا سبيل لمعرفة ذلك يقيناً، فاكتفي فيه بغلبة الظن. "الفقه المنهجي" لمجموعة من المؤلفين.