محمد بن قلاوون بن عبد الله الصالحي أبو الفتح
المَلِك النَّاصِر
[الأعلام للزركلي]
محمد بن قلاوون بن عبد الله الصالحي أبو الفتح: من كبار ملوك الدولة القلاوونية. له آثار عمرانية ضخمة وتاريخ حافل بجلائل الأعمال. كانت إقامته في طفولته بدمشق، وولي سلطنة مصر والشام سنة 693 هـ وهو صبي، وخلع منها لحداثته سنة 694 فأرسل إلى الكرك. وأعيد للسلطنة بمصر سنة 698 فأقام في القلعة كالمحجور عليه، والأعمال في يد الأستادار الأمير بيبرس الجاشنكير ونائب السلطنة الأمير سلّار. واستمر نحو عشرين سنة ضاق بها صدره في تحكمهما، فأظهر العزم على الحج، وتوجه بعائلته وحاشيته ومماليكه وخيله، فودعه بيبرس وسلار وبقية الأمراء وهم على خيولهم لم يترجلوا له، وبلغ الكرك فنزل بقلعتها واستولى على ما فيها من أموال، وأعلن أنه قد انثنى عزمه عن الحج واختار الإقامة بالكرك وترك السلطنة.. وكتب إلى الأمراء في مصر بذلك فاجتمع هؤلاء ونادوا ب الأمير بيبرس الجاشنكير سلطانا على مصر والشام (سنة 708) ولقبوه بالملك المظفر. وأمضى الناصر في الكرك قريبا من عام ثم وثب، فدخل دمشق، وزحف إلى مصر فقاتل المظفر بيبرس، وعاد إلى عرشه (سنة 709) وقتل بيبرس بيده خنقا، وشرّد أنصاره، وامتلك قياد الدولة فخطب له بمصر وطرابلس الغرب والشام والحجاز والعراق وديار بكر والروم وغيرها، وأتته هدايا ملوك المغرب والهند والصين والحبشة والتكرور والنوبة والترك والفرنج، وأبطل مكوسا كثيرة، واستمر 32 سنة وشهرين و 25 يوما كانت له فيها سير وأنباء أوردها المقريزي في مجلد ضخم. وأحدث من العمران ما ملأ ذكره صفحتين من كتاب المقريزي. ومما بقي من آثاره بمصر: الترعة المعروفة اليوم بالمحمودية، وتجديد القلعة، والخليج الناصري من خارج القاهرة إلى سرياقوس. واقتدى به أمراء دولته، فاستمرت حركة العمران طول حياته. وجئ بكبار المهندسين والبنائين من سورية وغيرها. وكان غاية في الكرم، قيل: وهب في يوم واحد ما يزيد على مئة ألف دينار ذهبا. وأولع بكرائم الخيل فكان في اسطبلاته بعد وفاته 4800 فرس. وكان وقورا مهيبا، لم يضبط عليه أحد أنه أطلق لسانه بكلام فاحش في شدة غضبه ولا انبساطه، يدعو رجاله بأجلّ ألقابهم، ويكره الاقتداء بمن تقدمه من الملوك، ولا يحتمل أن يُذكر عنده ملك. ومع مبالغته في الحرص على ألّا ينسب إليه ظلم أو جور، ففي المؤرخين من يأخذ عليه كثيرا من الشدة (*) في سياسته. توفي بالقاهرة 1. مورد اللطافة لابن تغري بردي 44 والسلوك للمقريزي: القسمان الأول والثاني من الجزء الثاني، وفيهما استيفاء سيرته وتاريخ الدولة في أيامه. وابن الوردي 2: 330 وفوات الوفيات 2: 263 وابن إياس 1: 129 والدرر الكامنة 4: 144 ووليم مولر 65 - 95 والنجوم الزاهرة 8: 41 و 115 ثم 9: 3 وانظر ديوان صفي الدين الحلي 55 - 62 و 242.