أَذْرِعاتُ
بالفتح، ثم السكون، وكسر الراء، وعين مهملة، وألف وتاء. كأنه جمع أذرعة، جمع ذراع جمع قلة: وهو بلد في أطراف الشام، يجاور أرض البلقاء وعمّان، ينسب اليه الخمر، وقال الحافظ أبو القاسم: أذرعات مدينة بالبلقاء. وقال النحويون بالتثنية والجمع تزول الخصوصية عن الأعلام، فتنكّر وتجري مجرى النّكرة من أسماء الأجناس، فإذا أردت تعريفه، عرّفته بما تعرّف به الأجناس، وأما نحو أبانين وأذرعات وعرفات فتسميته ابتداء تثنية وجمع، كما لو سمّيت رجلا بخليلان، أو مساجد، وإنما عرّف مثل ذلك بغير حرف تعريف، وجعلت أعلاما لأنها لا تفترق، فنزّلت منزلة شيء واحد، فلم يقع إلباس، واللغة الفصيحة في عرفات الصرف، ومنع الصرف لغة، تقول: هذه عرفات وأذرعات، ورأيت عرفات وأذرعات، ومررت بعرفات وأذرعات، لأن فيه سببا واحدا، وهذه التاء التي فيه للجمع لا للتأنيث لأنه اسم لمواضع مجتمعة، فجعلت تلك المواضع اسما واحدا، وكان اسم كل موضع منها عرفة وأذرعة، وقيل: بل الاسم جمع والمسمّى مفرد، فلذلك لم يتنكّر، وقيل: إن التاء فيه لم تتمحّض للتأنيث ولا للجمع، فأشبهت التاء في نبات وثبات، وأما من منعها الصرف فإنه يقول: إن التنوين فيها للمقابلة التي تقابل النون التي في جمع المذكر السالم، فعلى هذا غير منصرفة. وقد ذكرتها العرب في أشعارها، لأنها لم تزل من بلادها في الإسلام وقبله، قال بعض الأعراب: ألا أيها البرق، الذي بات يرنقي ويجلو دجى الظّلماء، ذكّرتني نجدا وهيّجتني من أذرعات وما أرى، بنجد على ذي حاجة، طربا بعدا ألم تر أن الليل يقصر طوله بنجد، وتزداد الرياح به بردا؟ وقال امرؤ القيس: ومثلك بيضاء العوارض طفلة لعوب تنسّيني، إذا قمت، سربالي تنوّرتها من أذرعات، وأهلها بيثرب، أدنى دارها نظر عال وينسب إلى أذرعات أذرعيّ، وخرج منها طائفة من أهل العلم، منهم إسحاق بن ابراهيم الأذرعي بن هشام ابن يعقوب بن ابراهيم بن عمرو بن هاشم بن أحمد، ويقال: ابن ابراهيم بن زامل أبو يعقوب النّهدي، أحد الثقات من عباد الله الصالحين، رحل وحدث عن محمد بن الخضر بن علي الرافعي، ويحيى بن أيوب بن ناوي العلّاف، وأبي زيد يوسف بن يزيد القراطيسي، وأحمد بن حماد بن عيينة، وأبي زرعة، وأبي عبد الرحمن النسائي، وخلق كثير غير هؤلاء. وحدث عنه أبو علي محمد بن هرون بن شعيب، وتمّام بن محمد الرازي، وأبو الحسين بن جميع، وعبد الوهاب الكلابي، وأبو عبد الله بن مندة، وأبو الحسن الرازي وغيرهم، وقال أبو الحسن الرازي: كان الأذرعيّ من أجلّة أهل دمشق وعبّادها وعلمائها، ومات يوم عيد الأضحى سنة 344 عن نيف وتسعين سنة، ومحمد بن الزّعيزعة الأذرعي وغيرهما، ومحمد ابن عثمان بن خراش أبو بكر الأذرعي. حدث عن محمد بن عقبة العسقلاني، ويعلى بن الوليد الطبراني، وأبي عبيد محمد بن حسان البسري، ومحمد بن عبد الله بن موسى القراطيسي، والعباس بن الوليد بن يوسف بن يونس الجرجاني، ومسلمة بن عبد الحميد. روى عنه أبو يعقوب الأذرعي، وأبو الخير أحمد ابن محمد بن أبي الخير، وأبو بكر محمد بن ابراهيم بن أسد القنوي، وأبو الحسن عليّ بن جعفر بن محمد الرازي وغيرهم. وعبد الوهاب بن عبد الله بن عمر بن أيوب بن المعمّر بن قعنب بن يزيد بن كثير بن مرة ابن مالك أبو نصر المرّي الإمام الحافظ الشروطي يعرف بابن الأذرعي وبابن الجبّان. روى عن أبي القاسم الحسن بن عليّ البجلي، وأبي عليّ بن أبي الزمام، والمظفر بن حاجب بن أركين، وأبي الحسن الدارقطني وخلق كثير لا يحصون. روى عنه أبو الحسن بن السمسار، وأبو عليّ الأهوازي، وعبد العزيز الكنّاني وجماعة كثيرة، وكان ثقة، وقال عبد العزيز الكناني: مات شيخنا وأستاذنا عبد الوهاب المرّي في شوّال سنة 425، وصنف كتبا كثيرة، وكان يحفظ شيئا من علم الحديث.
[معجم البلدان]
أذرعات
بالفتح ثم السكون وكسر الراء: اتفق الأقدمون على أنها بالشام، واختلفوا في تحديد موقعها.. وإذا كانت أذرعات هي «أذرع» فهي اليوم قرية من عمل حوران داخل الحدود السورية قرب مدينة درعا، شمالا، يسار الطريق وأنت تؤم دمشق.. ورد ذكرها أيام الفتوح، لما قدم عمر بن الخطاب الشام لقيه المقلّسون من أهل أذرعات بالسيوف والريحان. .. قال أبو الفتح: وأذرعات: تصرف ولا تصرف والصرف أمثل، والتاء في الحالين مكسورة، وأما فتحها فمحذور عندنا، لأنها إن فتحت زالت دلالتها على الجمع.
[المعالم الأثيرة في السنة والسيرة]
أذرعات (1)
من بلاد دمشق بالشام يصرف ولا يصرف، والتاء في الحالين مكسورة ويقال لها يذرعات بالياء، وقال الخليل: من كسر الألف لم يصرف. ولما قدم عمر
رضي الله عنه الشام تلقاه أبو عبيدة
رضي الله عنه، فبينما هو يسير تلقاه المقلسون من أهل أذرعات بالسيوف والريحان، فقال عمر
رضي الله عنه: مه ردوهم، فقال أبو عبيدة
رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين هذه سنة العجم، إنك إن منعتهم منها يرون أن في نفسك نقضاً لعهدهم، فقال عمر
رضي الله عنه: دعوهم، عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة، وتنسب إليها الخمر الجيدة، ومر سحيم بن المخرم وهو شاعر بدوي نجدي بأذرعات فتذكر وطنه وحن إليه فقال: ألا أيها البرق الذي بات يرتقي. .. ويجلو دجى الظلماء ذكرتني نجدا وهيجتني في أذرعات ولا أرى. .. بنجد على ذي حاجة طرب بعدا ألم تر أن الليل يقصر طوله. .. بنجد وتزداد الرياح به بردا ومن أهل أذرعات أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الأذرعي من أهل أذرعات (2) مدينة بالبلقاء، وهو أحد الثقات وعباد الله الصالحين قال: خلوت في بعض الأوقات ففكرت وقلت: ليت شعري إلى ما نصير؟ فسمعت قائلاً يقول: إلى رب كريم. وكان به إدرار البول فكانت القارورة لا تفارقه (3) فأعطاها مرة إلى من يغسلها أو يريق ما فيها واحتاج إليها ولم يحضره من يناوله إياها، فقال: أسأل من حضر من إخواننا المسلمين والجيران (4) يناولونيها، فنوولها. وقال: سألت الله تعالى أن يقبض بصري فعميت فاستضررت في الطهارة، فسألته إعادته فأعاده بفضله. قال ابن عساكر: ولي دمشق في أيام المعتمد على الله في سنة ست وخمسين ومائتين وال يقال له ماحوز وكان صارماً شجاعاً لا يقطع في عمله الطريق فوجه مرة فارساً إلى أذرعات فمر باليرموك فصادفه أعرابي، فنتف من سبال الجندي خصلتين من شعره، فلما رجع الفارس واتصل بماحوز وأخبره ما فعل الأعرابي، حبس الفارس وقال لكاتبه: اطلب لي معلماً يعلم الصبيان، فجاءه معلم، فقال له: ها أنا أعطيك نفقة واسعة واخرج إلى اليرموك فقل إني معلم صبيانكم، فإذا تمكنت فارصد الأعرابي وارتقب بها مدة طويلة، فإذا وافى الأعرابي القرية فخذ هذا الكتاب الذي أعطيك وادفعه لأهل القرية حتى يقرأوه، وأعطاه طيوراً وقال له: أرسل إلي بهذه الطيور بالخبر، ففعل المعلم ذلك، وأقام باليرموك ستة أشهر حتى وافى الأعرابي القرية، فلما رآه المعلم أخرج الكتاب إلى أهل القرية وفيه: " الله الله في أنفسكم اشغلوا الأعرابي حتى أوافيكم، فإن جئت ولم أوافه خربت القرية وقتلت الرجال "، وأطلق المعلم الطيور إلى دمشق بالخبر، فلما وصل الخبر إلى ماحوز ضرب البوق وخرج من وقته حتى وافى اليرموك في أسرع وقت، فأخذ الأعرابي وأردفه خلف بعض غلمانه ووافى به دمشق، فلما أصبح دعا به فقال: ما حملك على ما فعلت برجل من أولياء السلطان لم يؤذك ولم يعارضك؟ قال: كنت سكران أيها الأمير لم أعقل ما فعلت، فدعا بحجام وقال له: لا تدع في وجه هذا الأعرابي ولا في رأسه ولا في سائر بدنه شعرة إلا نتفتها، فبدأ بأشفار عينيه ثم بحاجبيه ثم بلحيته ثم بشاربه ثم برأسه ثم بذقنه فما ترك عليه شعرة إلا نتفها، ثم قال: هاتوا الجلادين، فضربه أربعمائة سوط ثم حبسه، فلما كان من الغد ضربه ثم قطع يديه، وفي اليوم الثالث قطع رجليه، وضرب رقبته في اليوم الرابع وصلبه، ثم أخرج الجندي من الحبس فضربه مائة عصا وأسقط اسمه وقال له: أنت ليس فيك خير حيث رأيت أعرابياً واحداً فخضعت له حتى فعل بك ما فعل، كيف يكون لي فيك خير إذا احتجت إليك؟ ثم طرده. ورؤي ماحوز هذا بعد موته في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، قيل له: بماذا؟ قال: بضبطي أطراف المسلمين وطريق الحاج. (1) أوله عن معجم ما استعجم 1: 131 حتى قوله: ((وفي طاعة أبي عبيدة)) ؛ وصبح الأعشى 4: 105. (2) تهذيب ابن عساكر 2: 427، وكانت وفاة الأذرعي سنة 344 وهو ابن نيف وتسعين سنة. (3) زيادة من ص. (4) التهذيب: من الجن.
[الروض المعطار في خبر الأقطار]