البحث

عبارات مقترحة:

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...


الإسكَنْدَرِيَّة

قال أهل السير: إنّ الإسكندر بن فيلفوس الرومي قتل كثيرا من الملوك وقهرهم، ووطئ البلدان إلى أقصى الصين وبنى السدّ وفعل الأفاعيل، ومات وعمره اثنتان وثلاثون سنة وسبعة أشهر، لم يسترح في شيء منها، قال مؤلف الكتاب: وهذا إن صح، فهو عجيب مفارق للعادات، والذي أظنّه، والله أعلم، أنّ مدّة ملكه أو حدة سعده هذا المقدار، ولم تحسب العلماء غير ذلك من عمره، فإن تطواف الأرض بسير الجنود مع ثقل حركتها لاحتياجها في كل منزل إلى تحصيل الأقوات والعلوفة ومصابرة من يمتنع عليه من أصحاب الحصون يفتقر إلى زمان غير زمان السير ومن المحال أن تكون له همة يقاوم بها الملوك العظماء، وعمره دون عشرين سنة، وإلى أن يتسق ملكه ويجتمع له الجند وتثبت له هيبة في النفوس وتحصل له رياسة وتجربة وعقل يقبل الحكمة التي تحكى عنه يفتقر إلى مدة أخرى مديدة، ففي أيّ زمان كان سيره في البلاد وملكه لها ثم إحداثه ما أحدث من المدن في كل قطر منها واستخلافه الخلفاء عليها؟ على أنه قد جرى في أيامنا هذه وعصرنا الذي نحن فيه في سنة سبع عشرة وثماني عشرة وستمائة من التتر الواردين من أرض الصين ما لو استمرّ لملكوا الدنيا كلها في أعوام يسيرة، فإنهم ساروا من أوائل أرض الصين إلى أن خرجوا من باب الأبواب وقد ملكوا وخرّبوا من البلاد الإسلامية ما يقارب نصفها، لأنهم ملكوا ما وراء النهر وخراسان وخوارزم وبلاد سجستان ونواحي غزنة وقطعة من السند وقومس وأرض الجبل بأسره غير أصبهان وطبرستان وأذربيجان وأرّان وبعض أرمينية وخرجوا من الدربند، كلّ ذلك في أقل من عامين. وقتلوا أهل كل مدينة ملكوها ثم خذلهم الله وردهم من حيث جاءوا، ثم إنّهم بعد خروجهم من الدربند ملكوا بلاد الخزر واللّان وروس وسقسين وقتلوا القبجاق في بواديهم حتى انتهوا إلى بلغار في نحو عام آخر فكأنهذا عضد قصة الإسكندر، على أنّ الإسكندر كان إذا ملك البلاد عمرها واستخلف عليها، وهذا يفتقر إلى زمان غير زمان الخراب فقط، قال أهل السير: بنى الإسكندر ثلاث عشرة مدينة وسمّاها كلها باسمه ثم تغيرت أساميها بعده، وصار لكل واحدة منها اسم جديد، فمنها الإسكندرية التي بناها في باورنقوس ومنها الإسكندرية التي بناها تدعى المحصّنة ومنها الإسكندرية التي بناها ببلاد الهند ومنها الإسكندرية التي في جاليقوس ومنها الإسكندرية التي في بلاد السّقوياسيس ومنها الإسكندرية التي على شاطئ النهر الأعظم ومنها الإسكندرية التي بأرض بابل ومنها الإسكندرية التي هي ببلاد الصّغد وهي سمرقند، ومنها الإسكندرية التي تدعى مرغبلوس وهي مرو، ومنها الإسكندرية التي في مجاري الأنهار بالهند ومنها الإسكندرية التي سميت كوش وهي بلخ، ومنها الإسكندرية العظمى التي ببلاد مصر، فهذه ثلاث عشرة إسكندرية نقلتها من كتاب ابن الفقيه كما كانت فيه مصورة، وقرأت في كتاب الحافظ أبي سعد: أنشدني أبو محمد عبد الله بن الحسن بن محمد الإيادي من لفظه بالإسكندرية قرية بين حلب وحماة، قال الأديب الأبيوردي: فيا ويح نفسي لا أرى الدهر منزلا لعلوة، إلّا ظلّت العين تذرف ولو دام هذا الوجد لم يبق عبرة ولو أنني من لجّة البحر أغرف والإسكندرية أيضا: قرية على دجلة بإزاء الجامدة بينها وبين واسط خمسة عشر فرسخا، ينسب إليها أحمد ابن المختار بن مبشّر بن محمد بن أحمد بن عليّ بن المظفّر أبو بكر الإسكندراني من ولد الهادي بالله أمير المؤمنين، تفقّه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وكان أديبا فاضلا خيّرا قدم بغداد في سنة 510 متظلّما من عامل ظلمه، فسمع منه أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ وغيره أبياتا من شعره، قاله صاحب الفيصل. ومنها الإسكندرية قرية بين مكة والمدينة ذكرها الحافظ أبو عبد الله بن النّجّار في معجمه وأفادنيها من لفظه، وجميع ما ذكرنا من المدن ليس فيها ما يعرف الآن بهذا الاسم إلا الإسكندرية العظمى التي بمصر، قال المنجّمون: طول الإسكندرية تسع وستون درجة ونصف، وعرضها ست وثلاثون درجة وثلث، وفي زيج أبي عون: طول الإسكندرية إحدى وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الثالث، وذكر آخر أنّ الإسكندرية في الإقليم الثاني، وقال: طولها إحدى وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة، واختلفوا في أول من أنشأ الإسكندرية التي بمصر اختلافا كثيرا نأتي منه بمختصر لئلّا نملّ بالإكثار: ذهب قوم إلى أنها إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. وقد روي عن النبي، ، أنّه قال: خير مسالحكم الإسكندرية. ويقال: إنّ الإسكندر والفرما أخوان، بنى كلّ واحد منهما مدينة بأرض مصر وسمّاها باسمه، ولما فرغ الإسكندر من مدينته، قال: قد بنيت مدينة إلى الله فقيرة، وعن الناس غنيّة، فبقيت بهجتها ونضارتها إلى اليوم، وقال الفرما لما فرغ من مدينته: قد بنيت مدينة عن الله غنيّة وإلى الناس فقيرة، فذهب نورها فلا يمرّ يوم إلّا وشيء منها ينهدم، وأرسل الله عليها الرمال فدمّتها إلى أن دثرت وذهب أثرها. وعن الأزهر بن معبد قال: قال لي عمر بن عبدالعزيز: أين تسكن من مصر؟ قلت: أسكن الفسطاط، فقال: أفّ أمّ نتن! أين أنت عن الطيبة؟ قلت أيّتهنّ هي؟ قال: الإسكندرية، وقيل: إنّ الإسكندر لما همّ ببناء الإسكندرية دخل هيكلا عظيما كان لليونانيّين فذبح فيه ذبائح كثيرة وسأل ربّه أن يبيّن له أمر هذه المدينة هل يتمّ بناؤها أم هل يكون أمرها إلى خراب؟ فرأى في منامه كأن رجلا قد ظهر له من الهيكل، وهو يقول له: إنّك تبني مدينة يذهب صيتها في أقطار العالم ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم، وتختلط الرياح الطيبة بهوائها، ويثبت حكم أهلها وتصرف عنها السّموم والحرور وتطوى عنها قوّة الحرّ والبرد والزمهرير ويكتم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل وإن جلبت عليها ملوك الأرض بجنودهم وحاصروها لم يدخل عليها ضرر. فبناها وسمّاها الإسكندرية ثم رحل عنها بعد ما استتمّ بناءها فجال الأرض شرقا وغربا، ومات بشهرزور وقيل ببابل وحمل إلى الإسكندرية فدفن فيها. وذكر آخرون أنّ الذي بناها هو الإسكندر الأوّل ذو القرنين الرومي، واسمه أشك بن سلوكوس، وليس هو الإسكندر بن فيلفوس، وأن الإسكندر الأول هو الذي جال الأرض وبلغ الظّلمات وهو صاحب موسى والخضر، عليهما السلام، وهو الذي بنى السّدّ، وهو الذي لما بلغ إلى موضع لا ينفذه أحد صوّر فرسا من نحاس وعليه فارس من نحاس ممسك يسرى يديه على عنان الفرس وقد مدّ يمناه وفيها مكتوب: ليس ورائي مذهب. وزعموا أنّ بينه وبين الإسكندر الأخير صاحب دارا المستولي على أرض فارس وصاحب أرسطاطاليس الحكيم الذي زعموا أنّه عاش اثنتين وثلاثين سنة دهر طويل وأنّ الأوّل كان مؤمنا كما قص الله عنه في كتابه وعمّر عمرا طويلا وملك الأرض، وأما الأخير فكان يرى رأي الفلاسفة ويذهب إلى قدم العالم كما هو رأي أستاذه أرسطاطاليس، وقتل دارا ولم يتعدّ ملكه الروم وفارس. وذكر محمد بن إسحاق أنّ يعمر بن شدّاد بن عاد بن عوض ابن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، هو الذي أنشأ الإسكندرية وهي كنيسة حنس، وزبر فيها: أنا يعمر بن شداد أنشأت هذه المدينة وبنيت قناطرها ومعابرها قبل أن أضع حجرا على حجر، وأجريت ماءها لأرفق بعمّالها حتى لا يشقّ عليهم نقل الماء، وصنعت معابر لممرّ أهل السّبيل وصيّرتها إلى البحر وفرّقتها عند القبّة يمينا وشمالا. وكان يعمل فيها تسعون ألفا لا يرون لهم ربّا إلا يعمر بن شداد، وكان تاريخ الكتاب ألفا ومائتي سنة. وقال ابن عفير: ان أول من بنى الإسكندرية جبير المؤتفكي وكان قد سخّر بها سبعين ألف بنّاء وسبعين ألف مخندق وسبعين ألف مقنطر فعمّرها في مائتي سنة وكتب على العمودين اللذين عند البقرات بالإسكندرية، وهما أساطين نحاس يعرفان بالمسلّتين: أنا جبير المؤتفكي عمرت هذه المدينة في شدّتي وقوّتي حين لا شيبة ولا هرم أضناني، وكنزت أموالها في مراجل جبيريّة وأطبقته بطبق من نحاس وجعلته داخل البحر، وهذان العمودان بالإسكندرية عند مسجد الرحمة، وروي أيضا أنّه كان مكتوبا عليهما بالحميرية: أنا شداد بن عاد الذي نصب العماد وجنّة الأجناد وسدّ بساعده الواد بنيت هذه الأعمدة في شدّتي وقوّتي إذ لا موت ولا شيب، وكنزت كنزا على البحر في خمسين ذراعا لا تصل إليه إلا أمة هي آخر الأمم، وهي أمّة محمد، .ويقال: إنما دعا جبيرا المؤتفكي إلى بنائها أنّه وجد بالقرب منها في مغارة على شاطئ البحر تابوتا من نحاس ففتحه فوجد فيه تابوتا من فضّة، ففتحه فإذا فيه درج من حجر الماس، ففتحه فإذا فيه مكحلة من ياقوتة حمراء مرودها عرق زبرجد أخضر فدعا بعض غلمانه فكحّل إحدى عينيه بشيء مما كان في تلك المكحلة فعرف مواضع الكنوز ونظر إلى معادن الذهب ومغاص الدّرّ، فاستعان بذلك على بناء الإسكندرية وجعل فيها أساطين الذهب والفضة وأنواع الجواهر حتى إذا ارتفع بناؤها مقدار ذراع أصبح وقد ساخ في الأرض، فأعاده أيضا فأصبح وقد ساخ فمكث على ذلك مائة سنة كلما ارتفع البناء ذراعا أصبح سائخا في الأرض فضاق ذرعا بذلك، وكان من أهل تلك الأرض راع يرعى على شاطئ البحر وكان يفقد في كل ليلة شاة من غنمه إلى أن أضرّ به ذلك فارتصد ليلة، فبينما هو يرصد إذا بجارية قد خرجت من البحر كأجمل ما يكون من النساء فأخذت شاة من غنمه فبادر إليها وأمسكها قبل أن تعود إلى البحر وقبض على شعرها فامتنعت عليه ساعة ثم قهرها وسار بها إلى منزله فأقامت عنده مدّة لا تأكل إلّا اليسير ثم واقعها فأنست به وبأهله وأحبّتهم ثم حملت وولدت فازداد أنسها وأنسهم بها، فشكوا إليها يوما ما يقاسونه من تهدّم بنائهم وسيوخه كلما علّوه وأنهم إذا خرجوا بالليل اختطفوا، فعملت لهم الطلسمات وصوّرت لهم الصّور فاستقرّ البناء وتمّ أمر المدينة وأقام بها جبير المؤتفكي خمسمائة سنة ملكا لا ينازعه أحد، وهو الذي نصب العمودين اللذين بها ويسمّيان المسلّتين. وكان أنفذ في قطعهما وحملهما إلى جبل بريم الأحمر سبعمائة عامل، فقطعوهما وحملوهما، ونصبهما في مكانهما غلام له يقال له قطن بن جارود المؤتفكي وكان أشد من رؤي في الخلق، فلما نصبهما على السّرطانين النّحاس جعل بإزائهما بقرات نحاس كتب عليها خبره وخبر المدينة وكيف بناها ومبلغ النفقة عليها والمدة، ثم غزاه رومان بن تمنع الثّمودي فهزمه وقتل أصحابه قتلا ذريعا وأقام عمودا بالقرب منهما وكتب عليه: أنا رومان الثمودي صنّفت أصناف هذه المدينة وأصناف مدينة هرقل الملك بالدوام على الشهور والأعوام ما اختلف ابنا سمير، وبقيت حصاة في ثبير، وأنا غيّرت كتاب جبير الشديد ونشرته بمناشير الحديد وستجدون قصّتي ونعتي في طرف العمود، فولد رومان بزيعا فملك الإسكندرية بعده خمسين سنة لم يحدث فيها شيئا، ثم ملك بعده ابنه رحيب، وهو الذي بنى الساطرون بالإسكندرية وزبر على حجر منه: أنا رحيب بن بزيع الثمودي بنيت هذه البنية في قوّتي وشدّتي وعمّرتها في أربعين سنة على رأس ست وتسعين سنة من ملكي، وولد رحيب مرّة، وولد مرة موهبا ملك بعد أبيه مائتي سنة وغزا أنيس بن معدي كرب العادي موهبا بالإسكندرية وملكها بعده، ثم ملكها بعده يعمر بن شدّاد بن جنّاد بن صيّاد بن شمران بن ميّاد بن شمر بن يرعش فغزاه ذفافة بن معاوية بن بكر العمليقي فقتل يعمر وملك الإسكندرية، وهو أول من سمّي فرعون بمصر، وهو الذي وهب هاجر أمّ إسماعيل، عليه السلام، إلى ابراهيم، عليه السلام، وهذه أخبار نقلناها كما وجدناها في كتب العلماء، وهي بعيدة المسافة من العقل لا يؤمن بها إلّا من غلب عليه الجهل، والله أعلم. ولأهل مصر بعد إفراط في وصف الإسكندرية وقد أثبتها علماؤهم ودوّنوها في الكتب، فيها وهم، ومنها ما ذكره الحسن بن ابراهيم المصريقال: كانت الإسكندرية لشدّة بياضها لا يكاد يبين دخول الليل فيها إلّا بعد وقت، فكان الناس يمشون فيها وفي أيديهم خرق سود خوفا على أبصارهم، وعليهم مثل لبس الرّهبان السواد، وكان الخيّاط يدخل الخيط في الإبرة بالليل، وأقامت الإسكندرية سبعين سنة ما يسرج فيها ولا يعرف مدينة على عرضها وطولها وهي شطرنجية ثمانية شوارع في ثمانية، قلت: أما صفة بياضها فهو إلى الآن موجود، فإن ظاهر حيطانها شاهدناها مبيّضة جميعها إلّا اليسير النادر لقوم من الصعاليك، وهي مع ذلك مظلمة نحو جميع البلدان. وقد شاهدنا كثيرا من البلاد التي تنزل بها الثلوج في المنازل والصحارى وتساعدها النجوم بإشراقها عليها إذا أظلم الليل أظلمت كما تظلم جميع البلاد لا فرق بينها، فكيف يجوز لعاقل أن يصدّق هذا ويقول به؟ قال: وكان في الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق، قال: وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إني فتحت مدينة فيها اثنا عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر وأصبت فيها أربعين ألف يهودي عليهم الجزية. وروي عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم لما ولي مصر وبلغه ما كانت الإسكندرية عليه استدعى مشايخها، وقال: أحبّ أن أعيد بناء الإسكندرية على ما كانت عليه فأعينوني على ذلك وأنا أمدّكم بالأموال والرجال. قالوا: أنظرنا أيها الأمير حتى ننظر في ذلك. وخرجوا من عنده وأجمعوا على أن حفروا ناووسا قديما وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة إلى المدينة، فأمر بالرأس فكسر وأخذ ضرس من أضراسه فوجد وزنه عشرين رطلا على ما به من النخر والقدم، فقالوا: إذا جئتنا بمثل هؤلاء الرجال نعيد عمارتها على ما كانت، فسكت. ويقال: إن المعاريج التي بالإسكندرية مثل الدّرج كانت مجالس العلماء يجلسون عليها على طبقاتهم فكان أوضعهم علما الذي يعمل الكيمياء من الذهب والفضة، فإن مجلسه كان على الدّرجة السّفلى. وأما خبر المنارة فقد رووا لها أخبارا هائلة وادّعوا لها دعاوى عن الصدق عادلة وعن الحق مائلة، فقالوا: إنّ ذا القرنين لما أراد بناء منارة الإسكندرية أخذ وزنا معروفا من حجارة ووزنا من آجرّ ووزنا من حديد ووزنا من نحاس ووزنا من رصاص ووزنا من قصدير ووزنا من حجارة الصّوّان ووزنا من ذهب ووزنا من فضة وكذلك من جميع الأحجار والمعادن، ونقع جميع ذلك في البحر حولا ثم أخرجه فوجده قد تغير كله وحال عن حاله ونقصت أوزانه إلّا الزجاج فإنه لم يتغير ولم ينقص، فأمر أن يجعل أساس المنارة من الزجاج، وعمل على رأس المنارة مرآة ينظر فيها الناظر فيرى المراكب إذا خرجت من أفرنجة أو من القسطنطينية أو من سائر البلاد لغزو الإسكندرية، فأضرّ ذلك بالروم فلم يقدروا على غزوها. وكانت فيها حمّة تنفع من البرص ومن جميع الأدواء، وكان على الرّوم ملك يقال له سليمان فظهر البرص في جسمه فعزم الرّوم على خلعه والاستبدال منه، فقال: أنظروني أمض إلى حمّة الإسكندرية وأعود فإن برئت وإلّا شأنكم وما قد عزمتم عليه، قال: وكان فعله هذا من إظهار البرص بجسمه حيلة ومكرا، وإنما أراد قلع المرآة من المنارة ليبطل فعلها، فسار إليها في ألف مركب، وكان من شرط هذه الحمة أن لا يمنع منها أحد يريد الاستشفاء بها، فلما سار إليها فتحوا له أبوابها الشارعة إلى البحر فدخلها، وكانت الحمة في وسط المدينة بإزاء المعاريج التي تجلس العلماء عليها، فاستحم في مائها أياما. ثم ذكر أنه قد عوفي من دائه وذهب ما كان به من بلوائه. ولما أشرف على هذه الحمة وما تشفي من الأدواء وكان قد تمكّن من البلد بكثرة رجاله، قال: هذه أضرّ من المرآة. ثم أمر بها فغوّرت وأمر أن تقلع المرآة ففعل وأنفذ مركبا إلى القسطنطينية وآخر إلى أفرنجة وأمر من أشرف على المنارة ونظر إلى المركبين إذا دخلا القسطنطينية وأفرنجة وخرجا منها فأعلم أنهما لما بعدا عن الإسكندرية يسيرا غابا عنه، فعاد إلى بلاده وقد أمن غائلة المرآة. وقيل: إن أول من عمر المنارة امرأة يقال لها دلوكة بنت ريّا، وسيأتي ذكرها في هذا الكتاب في حائط العجوز وغيره. وقيل: بل عمرتها ملكة من ملوك الرّوم، يقال لها قلبطرة، وهي في زعم بعضهم التي ساقت الخليج إلى الإسكندرية حق جاءت به إلى مدينتها، وكان الماء لا يصل إلّا إلى قرية يقال لها كسا، والأخبار والأحاديث عن مصر وعن الإسكندرية ومنارتها من باب حدّث عن البحر ولا حرج، وأكثرها باطل وتهاويل لا يقبلها إلّا جاهل، ولقد دخلت الإسكندرية وطوّفتها فلم أر فيها ما يعجب منه إلّا عمودا واحدا يعرف الآن بعمود السّواري تجاه باب من أبوابها يعرف بباب الشجرة، فإنه عظيم جدا هائل كأنه المنارة العظيمة، وهو قطعة واحدة مدوّر منتصب على حجر عظيم كالبيت المربّع قطعة واحدة أيضا وعلى رأس العمود حجر آخر مثل الذي في أسفله، فهذا يعجز أهل زماننا عن معالجة مثله في قطعه من مقطعه وجلبه من موضعه ثم نصبه على ذلك الحجر ورفع الآخر إلى أعلاه ولو اجتمع عليه أهل الإسكندرية بأجمعهم، فهو يدل على شدة حامليه وحكمة ناصبية وعظمة همة الآمر به. وحدثني الوزير الكبير الصاحب العالم جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، أدام الله أيّامه، ثم وقفت على مثل ما حكاه سواء في بعض الكتب وهو كتاب ابن الفقيه وغيره: أنّه شاهد في جبل بأرض أسوان عمودا قد نقر وهندم في موضعه من الجبل طوله ودوره ولونه مثل هذا العمود المذكور، كأن المنية عاجلت بالملك الذي أمر بعمله فبقي على حاله. قال أحمد بن محمد الهمذاني: وكانوا ينحتون السواري من جبال أسوان وبينها وبين الإسكندرية مسيرة شهر للبريد ويحملونها على خشب الأطواف في النيل، وهو خشب يركّب بعضه على بعض وتحمل الأعمدة وغيرها عليه، وأما منارة الإسكندرية فقد قدمنا إكثارهم في وصفها ومبالغتهم في عظمها وتهويلهم في أمرها وكل ذلك كذب لا يستحيي حاكيه ولا يراقب الله راويه، ولقد شاهدتها في جماعة من العلماء وكلّ عاد منا متعجبا من تخرّص الرّواة، وذلك إنما هي بنيّة مربّعة شبيهة بالحصن والصّومعة مثل سائر الأبنية، ولقد رأيت ركنا من أركانها وقد تهدّم فدعمه الملك الصالح ابن رزيك أو غيره من وزراء المصريين، واستجدّه فكان أحكم وأتقن وأحسن من الذي كان قبله، وهو ظاهر فيه كالشامة لأن حجارة هذا المستجدّ أحكم وأعظم من القديم وأحسن وضعا ورصفا، وأما صفتها التي شاهدتها فإنها حصن عال على سنّ جبل مشرف في البحر في طرف جزيرة بارزة في ميناء الإسكندرية، بينها وبين البرّ نحو شوط فرس وليس إليها طريق إلّا في ماء البحر الملح، وبلغني أنه يخاض من إحدى جهاته الماء إليها، والمنارة مربّعة البناء ولها درجة واسعة يمكن الفارس أن يصعدها بفرسه، وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبةعلى الحائطين المكتنفي الدّرجة فيرتقى إلى طبقة عالية يشرف منها على البحر بشرافات محيطة بموضع آخر، كأنه حصن آخر مربّع يرتقى فيه بدرج أخرى إلى موضع آخر، يشرف منه على السطح الأول بشرفات أخرى، وفي هذا الموضع قبة كأنها قبة الديدبان وليس فيها، كما يقال، غرف كثيرة ومساكن واسعة يضل فيها الجاهل بها، بل الدرجة مستديرة بشيء كالبئر فارغ، زعموا أنه مهلك وأنه إذا ألقي فيها الشيء لا يعرف قراره، ولم أختبره والله اعلم به، ولقد تطلّبت الموضع الذي زعموا أن المرآة كانت فيه فما وجدته ولا أثره، والذي يزعمون انها كانت فيه هو حائط بينه وبين الأرض نحو مائة ذراع أو أكثر، وكيف ينظر في مرآة بينها وبين الناظر فيها مائة ذراع أو أكثر، ومن أعلى المنارة؟ فلا سبيل للناظر في هذا الموضع، فهذا الذي شاهدته وضبطته وكلّ ما يحكى غير هذا فهو كذب لا أصل له. وذكر ابن زولاق أنّ طول منارة الإسكندرية مائتا ذراع وثلاثون ذراعا وأنها كانت في وسط البلد وإنما الماء طفح على ما حولها فأخربه وبقيت هي لكون مكانها كان مشرفا على غيره. وفتحت الإسكندرية سنة عشرين من الهجرة في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على يد عمرو بن العاص بعد قتال وممانعة، فلما قتل عمر وولي عثمان، رضي الله عنه، ولّى مصر جميعها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاع، فطمع أهل الإسكندرية ونقضوا، فقيل لعثمان: ليس لها إلا عمرو بن العاص فإن هيبته في قلوب أهل مصر قوية. فأنفذه عثمان ففتحها ثانية عنوة وسلمها إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وخرج من مصر، فما رجع إليها إلا في أيام معاوية. حدثني القاضي المفضل أبو الحجاج يوسف بن أبي طاهر إسماعيل بن أبي الحجاج المقدسي عارض الجيش لصلاح الدين يوسف بن أيوب، قال: حدثني الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد الأبّي، وأبّة من بلاد افريقية، قال: اذكر ليلة وانا امشي مع الأديب ابي بكر احمد بن محمد العيدي على ساحل بحر عدن، وقد تشاغلت عن الحديث معه فسألني: في أي شيء أنت مفكر؟ فعرّفته أنني قد عملت في تلك الساعة شعرا، وهو هذا: وأنظر البدر مرتاحا لرؤيته، لعلّ طرف الذي أهواه ينظره فقال مرتجلا: يا راقد الليل بالإسكندرية لي من يسهر الّليل، وجدا بي، وأسهره ألاحظ النجم تذكارا لرؤيته، وإن مرى دمع أجفاني تذكّره وأنظر البدر مرتاحا لرؤيته، . .. لعلّ عين الذي أهواه تنظرهقلت: ولو استقصينا في أخبار الإسكندرية جميع ما بلغنا لجاء في غير مجلّد، وهذا كاف بحمد الله.

[معجم البلدان]

الإسكندرية

وهي المدينة المشهورة بمصر، على ساحل البحر. اختلف أهل السير في بانيها: فمنهم من ذهب إلى أن بانيها الإسكندر الأول، وهو ذو القرنين اشك بن سلوكوس الرومي، الذي جال الأرض وبلغ الظلمات ومغرب الشمس ومطلعها، وسد على يأجوج ومأجوج كما أخبر الله تعالى عنه، وكان إذا بلغ موضعاً لا ينفذ اتخذ هناك تمثالاً من النحاس ماداً يمناه مكتوباً عليها: ليس ورائي مذهب. ومنهم من قال بناها الإسكندر بن دارا ابن بنت الفيلسوف الرومي، شبهوه بالإسكندر الأول لأنه ذهب إلى الصين والمغرب ومات وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، والأول كان مؤمناً والثاني كان على مذهب أستاذه أرسطاطاليس، وبين الأول والثاني دهر طويل. قيل: إن الإسكندر لما هم ببناء الإسكندرية، وكانت قديماً من بناء شداد بن عاد كان بها آثار العمارة والأسطوانات الحجرية، ذبح ذبائح كثيرة للقرابين، ودخل هيكلاً كان لليونانيين وسأل ربه أن يبين له أمرهذه المدينة هل يتم أم لا؟ فرأى في منامه قائلاً يقول له: إنك تبني هذه المدينة ويذهب صيتها في الآفاق، ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم، وتختلط الرياح الطيبة بهوائها ويصرف عنها السموم، ويطوى عنها شدة الحر والزمهرير ويكعم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل، وان جلبت الملوك إليها جنودهم لا يدخلها ضرر. فأتى الإسكندر موضعها وشاهد طيب هوائها وآثار العمارة القديمة وعمداً كثيرة من الرخام، فأمر بحث الصناع من البلاد وجمع الآلة واختيار الوقت لبنائها، فاختاروا وقتاً وعلقوا جرساً حتى إذا حرك الجرس الصناع، يضعون البناء من جميع أطرافها في وقت واحد، فإذا هم مترقبون طار طير وقع على الجرس فحركه فوضعوا البناء. قيل ذلك للاسكندر فقال: أردت طول بقائها وأراد الله سرعة خرابها، ولا يكون إلا ما أراد الله فلا تنقضوها. فلما ثبت أساسها وجن الليل خرجت من البحر دابة وخربت ما بنوا، فلم يزل يحكمها كل يوم ويوكل بها من يحفظها، فأصبحوا وقد خربت. فأمر الإسكندر باتخاذ عمد عليها طلسم لدفع الجن، فاندفع عنها أذيتهم. قال المسعودي: الأعمدة التي للطلسم عليها صور وأشكال وكتابة باقية إلى زماننا، كل عمود طوله ثمانون ذراعاً، عليها صور وأشكال وكتابة، فبناها الإسكندر طبقات تحتها قناطر بحيث يسير الفارس تحتها مع الرمح. وكان عليها سبعة أسوار، وهي الآن مدينة كثيرة الخيرات، قال المفسرون: كانت هي المراد من قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً. وكان بها يوم الزينة واحتجاج موسى والسحرة. وكان موسى قبل الإسكندر بأكثر من ألف سنة. بها مجلس سليمان، عليه السلام؛ قال الغرناطي: إنه خارج الإسكندرية، بنته الجن منحوتاً من الصخر بأعمدة الرخام لا مثل لها، كل عمود على قاعدةمن الرخام وعلى رأسه مثل ذلك، والرخام أبيض منقط بحمرة وسواد مثل الجزع اليماني، طول كل عمود ثلاثون ذراعاً ودورته ثمانية أذرع، وله باب من الرخام وعتبته وعضادتاه أيضاً من الرخام الأحمر الذي هو أحسن من الجزع، وفي هذا المجلس أكثر من ثلاثمائة عمود كلها من جنس واحد وقد واحد، وفي وسط هذا المجلس عمود من الرخام على قاعدة رخامية، طوله مائة وإحدى عشرة ذراعاً ودوره خمسة وأربعون شبراً، إني شبرتها بشبري. ومن عجائبها عمود يعرف اليوم بعمود السواري قريب من باب الشجرة من أبواب الإسكندرية، فإنه عظيم جداً كأنه منارة عظيمة، وهو قطعة واحدة منتصب على قاعدة من حجر عظيم مربع، وعلى رأسه حجر آخر مثل القاعدة كأنه بيت، فإن تحت ذلك من مقطعه وانتصابه ورفع الحجر الفوقاني على رأسه يدل على أن فاعليه كانوا في قوة شديدة، وكانوا بخلاف أهل زماننا. ومن عجائبها ما ذكر أبو الريحان في الآثار الباقية ان بالإسكندرية اسطوانة متحركة، والناس يقولون إنها تتحرك بحركة الشمس، وإنما قالوا ذلك لأنها إذا مالت يوضع تحتها شيء، فإذا استوت لا يمكن أخذها، وإن كان خزفاً أو زجاجاً يسمع تقريعه، وكانت الإسكندرية مجمع الحكماء، وبها كان معاريجهم مثل الدرج، يجلس عليها الحكماء على طبقاتهم فكان أوضعهم علماً الذي يعمل الكيمياء، فإن موضعه كان على الدرجة السفلى. ومن عجائبها المنارة أسفلها مربع من الصخر المنحوت، وفوق ذلك منارة مثمنة، وفوق المثمنة منارة لطيفة مدورة، طول الأولى تسعون ذراعاً، والمثمنة مثل ذلك، وطول اللطيفة المدورة ثلاثون ذراعاً، وعلى أعلى المنارة مرآة وعليها موكل ينظر إليها كل لحظة، فإذا خرج العدو من بلاد الروم وركب البحر، يراه الناظر في المرآة ويخبر القوم بالعدو فيستعدون لدفعه. وكانت المرآة باقية إلى زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فأنفذ ملك الروم شخصاً من خواصه ذا دهاء، فجاء إلى بعض الثغور وأظهر أنه هارب من ملك الروم ورغب فيالإسلام، وأسلم على يد الوليد بن عبد الملك واستخرج له دفائن من أرض الشام. فلما صارت تلك الأموال إلى الوليد شرهت نفسه فقال له: يا أمير المؤمنين إن ههنا أموالاً ودفائن للملوك الماضية. فسأله الوليد عن مكانه فقال: تحت منارة الإسكندرية، فإن الإسكندر احتوى على أموال شداد بن عاد وملوك مصر والشام فتركها في آزاج وبنى عليها المنارة. فبعث الوليد معه قوماً لاستخراجها فهم نقضوا نصف المنارة وأزيلت المرآة، فضجت الناس من أهل الإسكندرية. فلما رأى العلج ذلك وعلم أن المرآة أبطلت هرب بالليل في مركب نحو الروم وتمت حيلته. والمنارة في زماننا حصن عال على نيق جبل مشرف على البحر في طرف جزيرة، بينها وبين البر نحو شوط فرس، ولا طريق إليها إلا في البحر المالح، وهي مربعة ولها درج واسعة يصعدها الفارس بفرسه. وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفين للدرجة، فترتقي إلى طبقة عالية مشرفة على البحر بشرفات محيطة، وفي وسطه حصن آخر يرتقى إليه بدرجة أخرى فيصعد إلى طبقة أخرى لها شرفات، وفي وسطها قبة لطيفة كأنها موضع الديدبان. وحكي أن عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر جمع مشايخها وقال: إني أريد أن أعيد بناء الإسكندرية إلى ما كانت. فقالوا: انظرنا حتى نتفكر. فقال: أعينوني بالرجال وأنا أعينكم بالمال. فذهبوا إلى ناووس وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة ووزنوا سناً من أسنانه فوجودها عشرين رطلاً على ما بها منالنخر والقدم، فقالوا: جئنا بمثل هؤلاء الرجال حتى نعيدها إلى ما كانت. فسكت. بها عين مشهورة بعين الإسكندرية، فيها نوع من الصدف يوجد في كل وقت لا يخلو منه في شيء من الأوقات، يطبخ وتشرب مرقته تبريء من الجذام. والله الموفق.

[آثار البلاد وأخبار العباد]

الإسكندرية

جاء في أسد الغابة أن مارية سرية الرسول أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية.

[المعالم الأثيرة في السنة والسيرة]

الإسكندرية

مدينة كبرى من مدن مصر، تقع على البحر المتوسط بناها الإسكندر المكدوني عام 323 ق. م ونسبت إليه وكانت عاصمة ملوك البطالمة حتى الفتح الروماني. ينسب إليها كثير من العلماء والشعراء، وكانت مركز الثقافة الهيلينية. وهناك مدن أخرى تدعى (اسكندرية واسكندرونة).

[تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير]

إسكندرية (1)

مدينة عظيمة من ديار مصر بناها الإسكندر بن فيلبش فنسبت إليه، وهي على ساحل البحر الملح، وذلك أن الإسكندر لما استقام له الملك في بلاده وهي رومة وما والاها من بلاد الروم وكان رومياً فيما يقال خرج يختار أرضاً صحيحة الهواء والتربة والماء ليبني فيها مدينة يسكنها فأتى موضع الإسكندرية فأصاب فيها أثر بنيان وعمد رخام منها عمود عظيم عليه مكتوب بالقلم المسند وهو القلم الأول من أقلام حمير وملوك عاد: أنا شداد بن عاد، شددت بساعدي الواد، وقطعت عظيم العماد، وشوامخ الجبال والأطواد، وبنيت إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وأردت أن أبني هنا مدينة كإرم، وانقل إليها كل ذي قدم، من القبائل والأمم، فأصابني ما أعجلني، وعما ذهبت إليه قطعني، فارتحلت عن هذه الدار، لا لقهر ملك جبار، ولا لخوف جيش جرار، ولكن لتمام المقدار، وانقطاع الآثار، وسلطان العزيز الجبار، فمن رأى أثري، وعرف خبري، وطول عمري، فلا يغتر بالدنيا بعدي. فلما رأى الإسكندر طيب أرض ذلك المكان وصحة هوائه ومائه عزم على بناء مدينة في ذلك الموضع، فبعث إلى البلاد فحشد الصناع واختط الأساس واستجلب العمد الرخام وأنواع المرمر الملون والأحجار في البحر من جزيرة صقلية وبلاد إفريقية واقريطش، فبناها على آزاج وطبقات قد عمل لها مخاريق ومتنفسات للضوء يسير الفارس وبيده رمح فيه فلا يضيق عليه منها طريق من تلك الآزاج حتى يدور جميع بلد الإسكندرية وكانت أسواقها مقنطرة كلها فلا يصيب أهلها المطر، وبنى أسوارها من أنواع الرخام الأبيض والملون وكذلك جميع قصورها ودورها فكانت تضيء بالليل بغير مصباح لشدة بياض الرخام وربما علق على أسوارها وقصورها شقق الحرير الأخضر لاختطاف بياضها أبصار الناس، وبنى عليها سبعة أسوار أمام كل سور خندق وسور فصيل، فيقال إنها كانت أعظم مدينة بنيت في معمور الأرض وأغربها بنياناً. وبنى المنار الذي ليس على قرار الأرض مثله على طرف اللسان الداخل في البحر من البر وجعله على كرسي من زجاج على هيئة السرطان في جوف البحر، وجعل طوله في الهواء ألف ذراع وجعل في أعلاه المرآة، وكانت المرآة قد ركبت من أخلاط عجيبة غريبة فيبصر فيها ما يأتي من مراكب العدو على مسيرة أيام فيتأهب لهم فإن قربت المراكب من البلد عملت أخلاط بأدهان يعرفونها وطليت بها المرآة وعكس شعاعها على تلك المراكب فأحرقها وجعل في المنار تماثيل من نحاس وطلاسم كثيرة تمنع وتدفع ولها خواص، منها تمثال مشير بيده نحو العدو فإذا صار منه على مقدار ليلة فإن دنا وأمكن أن يرى بالبصر سمع لذلك التمثال صوت هائل على ميلين وثلاثة، وتمثال آخر كلما مضى من الليل أو من النهار ساعة سمع له صوت طرب بخلاف الصوت الذي كان منه قبل ذلك، فمن الناس من يرى أن هذه المنارة من بناء الإسكندر ومنهم من يرى أن دلوكة الملكة بنتها ومنهم من يرى أن جيرون الملك بناها، وقيل إن الذي بنى الأهرام بمصر بناها، وقيل الذي بنى رومة بناها وبنى الإسكندرية، قال: وإنما أضيفت إلى الإسكندر لسكناه بها وغلبته على ممالك الأرض، وقيل إن الإسكندر كان لا يخاف أن يطرقه عدو في البحر ولا يهاب ملكاً فيجعل لذلك مرقباً وحراساً، وقيل إن أول من ملك الإسكندرية فرعون واتخذ فيها مصانع ومجالس وهو أول من عمرها ثم تداولتها الملوك من بعده، وأن سليمان عليه السلام اتخذها مسكناً وبنى فيها قصوراً ومصانع عجيبة من بناء الجن له وبنى في المنار مسجداً متقناً هو باق إلى الآن، والأصح أن الإسكندر بناها من أولها واختط أساسها وبنى المنار فيها وعمل المرآة في أعلاها، فيقال إنه ما ظهر العدو في البحر إلا بعد زوال تلك المرآة، وكان ملك الروم أعمل الحيلة في زوال المرآة من المنار: فبعث خادماً من خواص خدمه ذا دهاء ومعرفة، فجاء مستأمناً إلى بعض الثغور فحمل إلى الوليد فأعلمه أنه كان من خواص ملك الروم وأنه أراد قتله لموجدة لم يكن لها حقيقة وأنه هرب منه ورغب في الإسلام، فأسلم بين يدي الوليد وأظهر له النصح في أشياء خدمه فيها ثم إنه استخرج له دفائن في دمشق وغيرها من بلاد الشام بكتب كانت عنده، فلما رأى ذلك الوليد شرهت نفسه وتمكن طمعه وباحثه عما عنده من هذا الفن فقال: إن الإسكندر استولى على ممالك العالم واحتوى على الأموال والذخائر التي كانت لشداد بن عاد وغيره من ملوك العرب والعجم فبنى لها الآزاج والسرادب والأقباء وأودعها تلك الذخائر والأموال والجواهر ثم بنى فوقها تلك المنارة التي بالإسكندرية فلو هدم ذلك المنار لاستخرج من تحته من الأموال والذخائر التي كانت لشداد بن عاد. فصدق ذلك الوليد وطمع فيه وبعث من خواصه من يقف معه على هدم المنار، وأمر صاحب الإسكندرية أن يعينه على جميع ما يريد، فهدم ذلك الرومي قدر نصف المنار فأزال المرآة التي كانت غرضه وأراد هدم الكل فضج أهل الإسكندرية وعلموا أنها مكيدة وحيلة، فلما استفاض ذلك خشي الرومي على نفسه فهرب في الليل في مركب كان قد أعده لذلك الوقت، وبقيت المنارة على ذلك المقدار. وارتفاع هذا المنار ثلثمائة ذراع بالرشاشي (2) وهو ثلاثة أشبار، وأمر الإسكندرية ومنارها أشهر من أن يطال الكتاب بذكره، وبين الإسكندرية والمنارة في البحر ميل وفي البر ثلاثة أميال. والإسكندرية من عمالة مصر قاعدة من قواعدها، وأرض مصر تتصل حدودها من جهة الجنوب ببلاد النوبة ومن جهة الشمال بالبحر الشامي ومن جهة الشام بفحص التيه ومن جهة الشرق ببحر القلزم ومن جهة الغرب ببلاد الواحات. فأما المنار اليوم فهو ثلاثة أحزم، الأول مربع البناء قد عمل أحسن عمل بحجارة مربعة قد أخفي الصاقها حتى صارت كالحجر الواحد لم يغيره الزمان، وارتفاعه ثلثمائة ذراع وعشرون ذراعاً ثم ترك في أعلاه قدر غلظ الحائط وهو ثمانية أشبار ونحو عشرة أذرع سوى الغلط ورفع ما بقي من البناء مثمن الشكل طوله ثمانون ذراعاً ثم ترك غلظ حائطه وهو أقل من غلظ الأسفل وهو ثمانية اذرع سوى ذلك، ثم أقيم عليه بناء مربع الشكل ارتفاعه خمسون ذراعاً أو نحوها، وفي أعلى ذلك مسجد ينسب لسليمان عليه السلام وفي الناحية الشمالية من البناء كتابة بالنحاس لم يقدر أحد على فكها ولا معرفة ما هي، وباب المنار من حديد لا يعلم له عهد ويرقى إلى الباب من أسفل المنار في علوة لا تتبين وكذلك إلى أعلى الحزام الأول في طريق يمشي فيه فارسان متواكبان (3) في أرض سهلة لا يعلم الراقي فيه هل هو راق أو ماش، وفي كل عطف من هذا العقد باب دار في داخلها بيوت مربعة، سعة كل بيت منها من عشرين ذراعاً إلى عشرة أذرع قد فتح لها مضاو ومنافس للهواء لئلا تهدمها الرياح، وعدد ما في المنار من البيوت ثلثمائة وأربعة وستون بيتاً، وعطف مطالعها من أسفلها إلى أعلاها اثنان وسبعون عطفاً في كل عطف اثنتا عشرة درجة، وبيوتها كلها آزاج معقودة، وبناء المنار كله معقود بخشب الساج، وعدد أبوابه الظاهرة اثنان وعشرون باباً فتحت لتخترقه الرياح ولولا ذلك لهدمته وهذا المنار من دخله ولم يعرف مسالكه تاه فيه وضل لأن فيه طرقاً تؤول إلى أسفله وإلى البحر، ويقال إن جيش صاحب المغرب حين وصل الإسكندرية وذلك في خلافة المقتدر دخل جماعة منهم المنار على خيولهم ليروا ما فيه من الغرائب فتاهوا وتهوروا هم ودوابهم وفقد منهم عدد كبير. وكان البحر أثر في أسفل المنارة من غربيها كالكهف العظيم فسد بعض أمراء مصر ذلك الثلم بأساطين الرخام بعضها فوق بعض، فالبحر يضرب اليوم في تلك الأساطين فلا يوثر فيها شيئاً. وفي جهة الشمال من المنار، بناء عظيم عريض قد ارتفع من فم البحر حتى ظهر على وجه الماء يدل على أنه كانت عليه مصانع قد ذهبت، ويسمى ذلك البنيان الفاروس، وتحته مرسى السفن لأنه يكف عنها الريح والموج، وقد زعم قوم أن ذلك الظاهر ليس ببناء وإنما هو هدم من حجارة المنار الذي ذكرناه. ولهذه المنارة بالإسكندرية مجمع في العام يسمونه بخميس العدس، وهو أول خميس من شهر نيسان لا يتخلف في الإسكندرية عن الخروج إلى المنار ذلك اليوم أحد، وقد أعدوا لذلك الأطعمة والأشربة، ولا بد في ذلك الطعام من العدس، فيفتح بابها للناس ويدخلون فيها، فمن ذاكر لله تعالى ومصل ومن لاه متفرغ، فيقيمون إلى نصف النهار ثم ينصرفون، ومن ذلك اليوم بعينه يحترس البحر. وفي المنارة قوم مرتبين يوقدون النار بالليل كله في الحزام الأول، ليؤم أهل السفن سمت تلك النار من جميع البلاد، ويوقد صاحب السفينة النار في سفينته، فإذا رأى المحترسون النار في البحر زادوا في وقود النار وأوقدوها من جهة المدينة، فإذا رأى ذلك محرسو المدينة ضربوا الأبواق والأجراس حذراً من العدو. وكان حول المنار مغايص يستخرج منها أنواع الأحجار، يتخذ منها فصوص الخواتم، وكان حول المنارة من تلك الجواهر كثير، فيقال إن الإسكندر غرق ذلك حول المنار ليوجد هناك إذا طلب فيكون ذلك الموضع أبقى لها ويرى الناس على مر الدهر عظم ملكه وما قدر عليه من وجود ما عز عند غيره، وقيل إنها كانت آلات شراب الإسكندر فلما مات كسرتها أمه ورمتها في تلك المواضع غيرة أن لا تصير لأحد بعده. والقصر الأعظم الذي بالإسكندرية الذي لا نظير له في معمور الأرض اليوم خراب، وهو على ربوة عظيمة بازاء باب الموسم، طوله خمسمائة ذراع وعرضه على النصف من ذلك، ولم يبق منه إلا بعض سواريه، وبابه من أعظم بناء وأتقنه كل عضادة منه حجر واحد وعتبته حجر واحد فيه نحو مائة اسطوانة وفي نحو الشمال منه اسطوانة عظيمة لم يسمع بمثلها، غلظها ستة وثلاثون شبراً وهي في العلو بحيث لا يدرك أعلاها قاذف حجر، وعليها رأس محكم الصناعة يدل على أن بناء كان عليها، وتحتها قاعدة حجر أحمر بديع الشكل محكم عرض كل ضلع من أضلاعه عشرون شبراً في ارتفاع ثمانية أشبار، والاسطوانة منزلة في عمود من حديد قد خرقت به الأرض، فإذا اشتدت الرياح رأيتها تتحرك وربما جعلت تحتها الحجارة فتطحنها لشدة حركتها، وهذه الاسطوانة من عجائب العالم، ويقال إن الجن صنعتها لسليمان عليه السلام، وكانت في وسط قبة وحولها أساطين، وعلى الكل قبة شبه الصحفة من حجر واحد رخام أبيض بأحسن صنعة وأغرب إتقان، فلما مات سليمان رفعت الجن تلك القبة ورمت بها في البحر فإنها كانت من أغرب ما عملت الجن لسليمان عليه الصلاة والسلام. ودخل بعض ملوك مصر الإسكندرية ورأى قصرها فرآه عجيب الشان غريب البنيان فدعا الصناع وسألهم أن يبنوا له مثله فقالوا: لا نقدر على ذلك، فعزم عليهم، فقام إليه شيخ فقال: أنا أبني لك مثله وأحسن منه إن فعلت لي ما أريد، قال: بلى، قال: ايتوني بثورين مطيقين وعجلة فأمر له بذلك، فدخل مقابر الأولين فيها واحتفر قبراً منها واستخرج جمجمة عظيمة فوضعها في العجلة فما جرها الثوران إلا بعد مشقة وجهد فجاءه بها فقال: أصلح الله الملك إن أعطيتني من تكون رؤوسهم مثل هذا الرأس بنيت لك مثل هذا القصر، فعلم أنه لا يقدر على ذلك. ورئي بالإسكندرية قصاب عنده ضرس إنسان يزن به اللحم زنته ثمانية أرطال. وكان بالإسكندرية دار ملعب قد تهدم أكثرها، وكانت قد بنيت بضروب من الحكمة، وكانوا يجلسون فيها لقضاء حوائجهم وأخذ آرائهم، فكان كل جالس فيها إنما جلوسه تلقاء وجه صاحبه لا يخفى على أحد منهم شيء من حال غيره يتساوى قريبهم وبعيدهم في ذلك، وكان لهم يوم مهرجان يجتمعون فيه في هذا الملعب ويحضره رؤساؤهم وأبناء ملوكهم وعامتهم ويلعب فيها الفتيان بالصوالج وبينهم كرة فإن دخلت تلك الكرة كم رجل ممن حضر ذلك اليوم فلا بد له من ولاية مصر، كان هذا عندهم معروفاً لا ينكره أحد. وكان عمرو بن العاصي رضي الله عنه قد سافر إلى الإسكندرية في الجاهلية تاجراً بالقطن والأدم فحضر ذلك الملعب في ذلك اليوم، فلعبوا فيه بالكرة، فدخلت كم عمرو بن العاصي رضي الله عنه، فعجبوا من ذلك وقالوا: ما كذبتنا هذه الكرة قط إلا اليوم، فكان ما قدر الله تعالى من مجيء الإسلام وولاية عمرو بن العاصي رضي الله عنه مصر ثلاث مرات. والإسكندرية تعجب كل من رآها لبهجتها وحسن منظرها وارتفاع مبانيها وإتقانها وسعة شوارعها وطرقاتها، وهي برية بحرية وفيها من النعم والأرزاق والفواكه ما ليس ببلد، مع طيب هوائها وتربتها. ومن المفسرين من قال إنها إرم ذات العماد، وقال عوف بن مالك حين دخل الإسكندرية لأهلها ما أحسن مدينتكم، فقالوا له: إن الإسكندر حين بناها قال: أبني مدينة إلى الله فقيرة وعن الناس غنية، فبقيت بهجتها على الدهور، وكان الفرما أخوه قال: أبني مدينة غنية عن الله فقيرة إلى الناس فذهبت بهجتها ولا يزال ينهدم كل يوم فيها شيء. وأمر ملك الروم مرة باحصاء ملوك الإسكندرية ورؤسائها خاصة، فوجدهم ستمائة ألف ملك، وأخبار هذا الصقع كثيرة مستقصاة في المطولات فلنقتصر على هذا القدر. (1) الاستبصار: 91 وما بعدها والمصادر في الحاشية. (2) الذراع الرشاشي نسبة غلى الرشاش الذي اتخذ ذراعه وحدة للقياس (انظرابن الفرضي 1: 196). (3) الاستبصار: متناكبان.

[الروض المعطار في خبر الأقطار]

الإسكندرية

قالوا: بنى الإسكندر ثلاث عشرة مدينة وسمّاها كلّها باسمه، ثم تغيّرت أساميها بعده: واحدة بأورنقوس. والتى تدعى المحصّنة. وأخرى ببلاد الهند. وأخرى فى جالينقوس. وأخرى فى بلاد السقوباسبيس. وأخرى على شاطىء النهر الأعظم. وأخرى بأرض بابل. وأخرى ببلاد الصغد وهى سمرقند. والتى تدعى مرعيلوس. وهى مرو. والتى فى مجارى الأنهار بالهند. والتى سميّت كوش ، وهى بلخ. والإسكندرية العظمى ببلاد مصر، فهذه ثلاث عشرة مدينة. والإسكندرية: قرية بين حلب وحماة. والإسكندرية: قرية على دجلة بإزاء الجامدة، بينها وبين واسط خمسة عشر فرسخا، والإسكندرية: قرية بين مكة والمدينة. والمشهورة بهذا الاسم الإسكندرية العظمى فى بلاد مصر.

[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]