البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

أصول في الراوي المجهول

الأصل الأول: مجاهيل التابعين أرفع ممن بعدهم لندرة الكذب يومئذ. هذا الأصل بالنظر إلى ندرة ما ينكر من أحاديث من أحاديث تلك الطبقة، على أن هذا لا يدل على قبول حديث من كان كذلك منهم، إنما المقصود تفاوت أثر النعت بالجهالة فيما بينهم وبين من بعدهم. قال عروة بن الزبير، وهو معدود في الطبقة الثانية من التابعين: " إني لأسمع الحديث فأستحسنه، فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي به، أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به، وأسمعه من الرجل أثق به حدثه عمن لا أثق به ". قال ابن عبد البر: " في خبر عروة هذا دليل على أن ذلك الزمان كان يحدث فيه الثقة وغير الثقة ". وهكذا جاء عن غير واحد من التابعين أنهم لم يكونوا يقبلون الحديث إلا عمن ثبت عندهم أنه ثقة. قال الشافعي: " وما زال أهل الحديث في القديم والحديث يثبتون، فلا يقبلون الرواية التي يحتجون بها ويحلون بها ويحرمون بها إلا عمن أمنوا ". لكن لو قارنت بين مجاهيل التابعين والمجاهيل بعدهم، وجدت أكثر من بقي له نعت الجهالة فيمن بعدهم قد روي عنه من الحديث ما عدت الآفة فيه منه، كشيوخ بقية بن الوليد وغيره ممن كانوا يروون عن المجهولين الأحاديث المنكرة. سئل أبو حاتم الرازي عن حديث رواه بقية بن الوليد، عن أبي سفيان الأنماري، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب عن عثمان، عن النبي صلى الله وسلم توضأ وخلل لحيته؟ فقال أبو حاتم: " هذا حديث موضوع، وأبو سفيان الأنماري مجهول ". قلت: الأنماري هذا من طبقة أتباع التابعين، أتى بهذا الإسناد النظيف الذي لا يعرف عن غيره، فلظهور نكارة الإسناد والجزم بكونه باطلاً أن يروي به هذا الحديث، حمل هذا المجهول تبعته. الأصل الثاني: المجهولات من النساء. يقل في النساء من روين الحديث ويقل فيمن رواه منهن من عرفن، ومن عرفن فقد عرفن بالثقة، وندر في النساء من جرحت بسبب من أسباب الجرح المتقدمة، لكن أكثرهن مجهولات. وأكثر من ذكرن بالرواية منهن كن من الطبقات المتقدمة، من الصحابيات ومن قرب من عهدهن. ولعل ما ذكرت من غلبة الجهالة على النساء أنهم لم يكونوا يرغبون في الرواية عنهن؛ لأنها رواية عن المجهولات. قال أبو هاشم الرماني: " كانوا يكرهون الرواية عن النساء، إلا عن أزواج النبي ". وقال شعبة بن الحجاج: " كنت إذا أتيت الكوفة يسألني الأعمش عن حديث قتادة، فقلت له يوماً: حدثنا قتادة عن معاذة، قال: عن امرأة؟! اغرب، اغرب! ". وقال أبو الحسن ابن القطان: " أحاديث النساء متقاة محذور منها قديماً من أئمة هذا الشأن، إلا المعلومات منهن الثقات، فأما هؤلاء الخاملات القليلات العلم، اللاتي إنما اتفق لهن أن روين أحاديث آبائهن أو أمهاتهن أو إخوانهن أو أخواتهن أو أقربائهن بالجملة. . فإن الغالب في هؤلاء أنهن من المستورات كمساتير الرجال، فأما مثل عمرة بنت عبد الرحمن وعائشة بنت طلحة وصفية بنت شيبة وأشباههن من ثقاتهن، فلا ريب في وجوب قبل روايتهن ". وعقد الذهبي في أواخر كتابه " ميزان الاعتدال " فصلاً قال فيه: " فصل في النسوة المجهولات، وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها ". قلت: وهذا يدل على خفة تأثير ذلك في حديثهن. الأصل الثالث: قول الراوي: (حدثني الثقة) أو: (حدثني من لا أتهم) ولا يسمي ذلك الشيخ، فهل يعتد بهذا التعديل؟ عدم تسمية الراوي، أو عدم ذكر ما يتميز به شخصه، فيمن دون الصحابة من الرواة، لا يرفع من أمره شيئاً أن يقول الراوي عنه: (حدثني الثقة) أو: (حدثني من لا أتهم)، حتى وإن كان ذلك الراوي معدوداً فيمن يميز النقلة. وذلك أنا نعلم أن النقاد يختلفون في النقلة، فربما لو سمى ذلك الراوي شيخه لكن مجروحاً بقادح عند غيره من أئمة الحديث. قال العلائي: " والذي عليه أكثر المحققين: أنه لا يكتفى بقول الراوي: حدثني الثقة، من غير ذكر اسمه، فإنه إذا صرح باسمه وعرفناه زال ذلك الاحتمال إذا لم يظهر فيه جرح بعد البحث ". بل إن عدوله عن تسمية شبهة في أنه ربما علم أنه لو سماه لرد أهل العلم روايته. ومن أمثلة قول الناقد: قول الشافعي: " أخبرنا الثقة عن فلان " ويسمي شيخ ذلك الثقة عنده. فالشافعي ممن له دراية بالنقلة، لكنا لا نقبل منه قوله في شيخه المبهم: " الثقة " دون أن يسميه، فإنه روى عن بعض الشيوخ المجروحين، ومن أبرزهم إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، وهو متروك عند سائر كبار النقاد، ومعروف أن الشافعي كان يوثقه. أما ما جاء عن بعض أهل العلم في تعيين المراد ببعض من أرادهم الشافعي بذلك، فذلك مما لا يمكن القطع به، بل الظاهر أنه أجري على مجرد الاحتمال. وذلك مثل ما حكى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: " جميع ما حدث به الشافعي في كتابه فقال: حدثني الثقة، أو: أخبرني الثقة، فهو أبي ". فهذا حصر غير دقيق، بل حدث الشافعي عن الثقة عنده عن جماعة من الرواة لم يدركهم أحمد بن حنبل، مثل: عطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وابن شهاب الزهري، وحميد الطويل ويحيى بن أبي كثير ويونس بن عبيد، وأيوب السختياني، وهشام بن عروة، وسفيان الثوري، وغيرهم. نعم، حدث عن الثقة عنده عن جرير بن عبد الحميد، وإسماعيل بن علية، وهذان من شيوخ أحمد. وحاول بعض أهل العلم أن يبسط ذلك، فذكر أن قول الشافعي: " عن الثقة عن الليث بن سعد " هو يحيى بن حسان، و " عن الثقة عن أسامة بن زيد " هو إبراهيم بن أبي يحيى، و " عن الثقة عن حميد الطويل " هو إسماعيل بن علية، و " عن الثقة عن معمر " هو مطرف بن مازن، و " عن الثقة عن الوليد بن كثير " هو أبو أسامة حماد بن أسامة، و " عن الثقة عن الزهري " هو سفيان بن عيينة. وهذا إضافة إلى كونه لم يستغرق كل من قاله فيه الشافعي: " عن الثقة "، فهو مقول بالظن، ويبدو أن مستنده يرجع إلى تفقده من عرف بالرواية عن ذلك الشيخ ممن أدركهم الشافعي وأخذ عنهم، وهذا لا يصح أن يكون مقياساً لتعيين هؤلاء. ثم رأيت أن فيهم من هو ثقة كابن علية وأبي أسامة، وفيهم من هو مجروح كابن أبي يحيى ومطرف بن مازن. فالصواب من القول: أن هذه العبارة من الشافعي لا ترتفع من شأن ذلك الراوي، بل أمره باق على الجهالة، وكأن قوله: " أخبرنا الثقة " بمنزلة قوله: " أخبرنا رجل ". ومالك بن أنس أعرف بالحديث ورجاله من الشافعي، واستعمل هذه الصيغة في مواضع من " الموطأ "، وكذلك اجتهد بعض العلماء لتمييز المراد، وليس في ذلك شيء يقطع به، إلا أن يراد الحديث ذاته من طريق أخرى صحيحة إلى مالك يصرح فيها باسم ذلك المبهم. ومن أمثلة قول الراوي الثقة الذي لا يعد فيمن يعتمد قوله في الرجال: قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي: " حدثني من لا أتهم "، فإنه جاء بأخبار كثيرة في السير يرويها بمثل هذه الصيغة، ومعروف أن ابن إسحاق يروي عن المجهولين والمتروكين، وليس معدوداً فيمن يميز المتقنين من النقلة من غيرهم، وإذا كنا لم نعتد بمثل ذلك القول من الشافعي، فكيف يغني شيئاً من مثل ابن إسحاق؟ ‍‍‍‍! والقول بترك الاعتماد على مثل هذا التعديل المبهم هو الذي رجحه الخطيب من أئمة الحديث وأبو بكر الصيرفي من أئمة الأصول، وذلك خلافاً لإمام الحرمين ومن تبعه. الأصل الرابع: قول الناقد في الراوي: " لا أعرفه ". وقع استعمال هذا اللفظ بمعنى: " مجهول " في كلام كثير من نقاد المحدثين، ومن أكثرهم استعمالاً له في المجاهيل: الإمامان يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي. لكن ينبغي أن تعلم أن تلك الجهالة إنما هي بالنسبة إلى علم ذلك الناقد، لا مطلقاً، فإن خفاء حال الراوي على ناقد وإن كان ذلك الناقد كيحيى بن معين، لا يلزم منه أن يكون مجهولاً عند غيره، فابن معين إنما يخبر عن علمه. مثال ذلك أنه سئل عن (إبراهيم بن محمد الشافعي) فقال: " لا أعرفه، زعموا أنه ليس به بأس ". كذا قال يحيى، والرجل مشهور بالعلم، روى عنه كثيرون، وكان ثقة، وإنما يبلغ يحيى من أمره ما يمكنه من الحكم على شخصه، فقال: " لا أعرفه ". وقد يعرف حديثه ويميزه فيثني عليه فيه، لكنه لا يدري من يكون ذلك الراوي. نقل عبد الخالق بن منصور قال: سألت يحيى بن معين عن (حاجب، يعني ابن الوليد) فقال: " لا أعرفه، وأما أحاديثه فصحيحة "، فقلت: ترى أن أكتب عنه؟ فقال: " ما أعرفه، وهو صحيح الحديث، وأنت أعلم ". ويشبه أن يكون الخطيب بنى على ذلك، فقال في (حاجب): " كان ثقة ". وقال أبو داود السجستاني في (العلاء بن خالد الأسدي): " ما عندي من علمه شيء، أرجو أن يكون ثقة ". والرجل صدوق جيد الحديث. وما فسر به بعض العلماء قول يحيى بن معين في بعض المواضع: " لا أعرفه " بكون ذلك الراوي (مجهولاً)، فهو صحيح بحسب ما وافق من حال ذلك الراوي، حيث اجتمعت فيه أسباب الوصف بالجهالة. وذلك كقول يحيى في (محمد بن عباد بن سعد): " لا أعرفه "، فقال ابن أبي حاتم: " يعني لأنه مجهول ". وكقوله في (أبي يزيد الطحان) الذي يروي عنه أحمد بن يونس: " لا أعرفه"، فقال ابن عدي: " ابن يونس يروي عن غير واحد ممن يكنيهم ولا يعرفون، فلهذا قال ابن معين: لا أعرفه ". أما قول ابن عدي في ترجمة (عبد الرحمن بن آدم) الذي قال فيه ابن معين: " لا أعرفه ": " إذا قال مثل ابن معين: لا أعرفه، فهو مجهول غير معروف، وإذا عرفه لا يعتمد على معرفة غيره؛ لأن الرجال بابن معين تسبر أحوالهم "، فهذا تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: " لا يتمشى في كل الأحوال، فرب رجل لم يعرفه ابن معين بالثقة والعدالة، وعرفه غيره، فضلاً عن معرفة العين، فلا مانع من هذا ". قلت: وهذا الذي قاله الحافظ هو الصواب، وإنما أخبر ابن معبن بحسب علمه، وفيمن لم يعرفهم جماعة من الثقات، وابن عدي نفسه لم يسلم لابن معين قوله ذلك في جماعة، منهم: الجراح بن مليح البهراني، وحاتم بن حريث الطائي، وسفيان بن عقبة، وعلل ابن عدي في غير موضع قول ابن معين في الراوي يسأل عنه: (لا أعرفه) بقلة حديث ذلك الراوي، وهذا صواب فمثل ابن معين لا يخفاه أمر راو معروف برواية الحديث، إنما يقع مثل ذلك في راو يذكر بالحديث والحديثين ونحو ذلك، فلا يخبر أمره. كما قال أبو حاتم الرازي: سألت يحيى بن معين عن (سعيد بن سلمة المديني) فلم يعرفه، قال ابنه عبد الرحمن: " يعني فلم يعرفه حق معرفته". وقال يحيى في (صدقة بن أبي عمران): " لا أعرفه "، فقال ابن أبي حاتم: " يعني لا أعرف حقيقة أمره "، وهو شبه ما نقله عن أبيه أبي حاتم في حق (صدقة) هذا، قال: " صدوق، شيخ صالح، ليس بذاك المشهور ". وقالها يحيى في (قدامة بن كلثوم)، فقال ابن أبي حاتم: " لم يعرفه؛ لأنه كان مجهولاً "، ونحو ذلك في ترجمة (قرة بن أبي الصهباء)، وقالها يحيى في (محمد بن ذكوان أبي صالح السمان أخي سهيل)، فقال ابن أبي حاتم: " يعني لا أخبره ". والمقصود أن هذه العبارة لا تعني الجهالة إلا عند قائلها، فإذا فقدنا معها التعديل أو الجرح المعتبرين صرنا إلى وصف ذلك الراوي بالجهالة. الأصل الخامس: توضيح طريقة أبي حاتم الرازي في الحكم بجهالة الراوي. الإمام أبو حاتم تعرض للكلام في النقلة على سبيل التصنيف المستوعب، وذلك فيما كان يعرضه عليه ولده عبد الرحمن من أسمائهم يسأله عنهم، إذ كتابه الفذ " الجرح والتعديل " يكاد يكون من تصنيف أبي حاتم نفسه. فنجد كثيراً من الرواة يحكم عليهم أبو حاتم بالجهالة، فيقول تارة وهو الأكثر: (مجهول)، وتارة: (لا أعرفه)، وربما قال: (لا يعرف)، كما يقول في الراوي: (غير مشهور)، وربما أضاف إلى ذلك كلمة (شيخ) وهي في هذا السياق مضمومة إلى غيرها لا تدل على شيء في جرح الراوي أو تعديله. وقد تأملت طريقة أبي حاتم في أولئكم الرواة، فوجدت الأصل في نظره يقوم على اعتبار مقدار ما روى ذلك الراوي، ونوع مرويه مسنداً أو مرسلاً، مرفوعاً أو غير مرفوع، مع ملاحظة طريق العلم به وبروايته، وذلك بالنظر إلى من روى عنه. فعامة من وصفهم بالجهالة ممن لم يبلغه من حديثهم إلا الحديث الواحد، أو اليسير جداً، أو الأثر عن صحابي قولا أو فعلاً، فذلك المروي إن كان معروفاً من طريق محفوظ وجدته أثنى على حديث ذلك الراوي دون شخصه، وهذا كثير منثور في الكتاب، وربما وصفه بالجهالة مع تقوية حديثه، كقوله مثلاً في (أحمد بن إبراهيم أبي صالح الخراساني): " شيخ مجهول، والحديث الذي رواه صحيح "، وقال في (سعيد بن محمد الزهري): " ليس بمشهور، وحديثه مستقيم، إنما روى حديثاً واحداً ". بينما في آخرين تفردوا بالحديث والحديثين، ولا يعرف لهم غير ذلك، يزيد إلى وصف الجهالة جرح ذلك الراوي في حديثه، كقوله في (زياد بن عبيد الكوفي): " مجهول، والحديث الذي رواه باطل "، وفي (زرعة بن عبد الله بن زياد الزبيدي) شيخ لبقية بن الوليد: " شيخ مجهول، ضعيف الحديث ". والراوي لا يعرف إلا من طريق رجل مجروح يقول فيه: (مجهول)، مثل قوله في (عبد العزيز بن أبي معاذ): " شيخ مجهول، لا يدري من هو " وذلك أنه لم يعرف إلا من رواية مسلمة بن الصلت عنه، ومسلمة هذا متروك الحديث. وقد تكون علة الراوي من جهة أنه لم يعرف حديثه إلا من روايته عمن هو معروف بالجرح، كقول أبي حاتم في (وافد بن سلامة) يروي عن يزيد الرقاشي، روى عنه محمد بن عجلان وعبد الله بن وهب: " هو يروي عن الرقاشي، فما يقال فيه؟ "، قال ابنه عبد الرحمن: " يعني أن الرقاشي ليس بقوي، فما وجد في حديثه من الإنكار يحتمل أن يكون من يزيد الرقاشي ". ورأي أبي حاتم بحسب ما بلغه من العلم في شأن الراوي، وقد يخالف في ذلك، فالراوي عنده مقل من الحديث، ولم يبلغه من الرواة عنه إلا الراوي الواحد، فيحكم بجهالته، ويكون غيره قد اطلع على أكثر من ذلك فيعدله أو يجرحه. كما قال في (شعيب بن يحيى التجيبي المصري): " شيخ، ليس بالمعروف ". وذلك أنه ذكر أنه روى عن عبد الجبار بن عمر، وعنه عبد الرحمن بن عبد الحكم. والصواب أنه مشهور كثير الحديث، حديثه معروف في أهل بلده، روى عن الليث بن سعد وابن لهيعة ويحيى بن أيوب، وروى عنه بكر بن سهل الدمياطي، وخرج له الطبراني في " معجميه " حديثاً كثيراً عنه، وكذلك روى عنه الربيع بن سليمان، وزيد بن بشر ن وغيرهم، فأبو حاتم قال ذلك القول بحسب ما بلغه عن هذا الرجل. وقال أبو حاتم في (يحيى بن أبي زكريا أبي مروان الغساني): " شيخ ليس بمشهور "، وله في البخاري في أربعة مواضع متابعات، وله غيرها، بل وقفت له على ثلاثة عشر حديثاً، نعم، بعضها لا يثبت، لكنها تدل على أن الرجل معروف، وروى عنه جماعة من الثقات. وقال في (عبد الرحمن بن الحارث السلامي): " شيخ مجهول، لا أعلم روى عنه غير هشام، وأرى حديثه مقارباً "، مع أنه روى عنه أيضاً الحكم بن موسى، والرجل معروف عند أهل الشام، نعم كان قليل الرواية. لكن هذا إذا قارنت مقدار صواب أبي حاتم فيه بمقدار ما فاته منه، وجدت ما فاته منه قليلاً. والذي تحرر لي في الجملة: أن مذهب أبي حاتم في وصف الراوي بالجهالة لا يخرج عما هو معروف من مسالك غيره من أهل العلم بالحديث. وعليك أن تعلم أنه رحمه الله، لم يراع التمييز بين جهالة الحال والعين، بل هذا الطريق لم يكن متميزاً في كلامهم يومئذ، ولذا فإنه قد يقول: (مجهول) في مجهول العين الذي لا يدري من هو، ولم يعرف ذكره إلا من رواية واحد عنه، وقد يكون ذلك الراوي عنه مجروحاً أو مجهولاً مثله، ويقولها كذلك في مجهول الحال، وهو الذي عرف برواية أكثر من ثقة عنه، لكن لم يتبين ضبطه لقلة حديثه. الأصل السادس: طريقة ابن القطان الفاسي في تجهيل الرواة. عرف الإمام أبو الحسن علي بن محمد الفاسي، المعروف بابن القطان (المتوفى سنة: 628) بتوسعة في تجهيل الرواة، خصوصاً في كتابه " بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام ". وذلك التوسع منه غير محمود، ولذا رده عليه الإمامان المحققان: الذهبي، وابن حجر. قال ابن القطان في (حفص بن بغيل): " لا تعرف حاله "، فتعقبه الذهبي بقوله: " ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره يدل على عدالته، وهذا شيء كثير، ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستورون ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل ". وقال ابن القطان في (مالك بن الخير الزبادي): " هو ممن لم تثبت عدالته "، فقال الذهبي: " وفي رواة الصحيحين عددٌ كثير، ما علمنا أن أحداً نصَّ على توثيقهم، والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما يُنكر عليه، أن حديثه صحيح ". وقال ابن حجر في ترجمة (محمد بن نجيح السندي): " عده أبو الحسن بن القطان فيمن لا يعرف، وذلك قصور منه فلا تغتر به، وقد أكثر من وصف جماعة من المشهورين بذاك، وسبقه إلى مثل ذلك أبو محمد بن حزم، ولو قالا: لا نعرفه، لكان أولى لهما ". قلت: فهذه الطريقة تجعله مع ابن حزم في محل ترك الاعتداد بقولهما في تجهيل الرواة. "تحرير علوم الحديث" للجديع.