بُخَارى
بالضم: من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلّها، يعبر إليها من آمل الشّطّ، وبينها وبين جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك السامانية، قال بطليموس في كتاب الملحمة: طولها سبع وثمانون درجة، وعرضها إحدى وأربعون درجة، وهي في الإقليم الخامس، طالعها الأسد تحت عشر درج منه، لها قلب الأسد كامل تحت إحدى وعشرين درجة من السرطان يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت العاقبة مثلها من الميزان، ولها شركة في العيّوق ثلاث درج، ولها في الدّب الأكبر سبع درج، وقال أبو عون في زيجه: عرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي في الإقليم الرابع. وأما اشتقاقها وسبب تسميتها بهذا الاسم فإني تطلّبته فلم أظفر به، ولا شك أنها مدينة قديمة نزهة كثيرة البساتين واسعة الفواكه جيّدتها عهدي بفواكهها تحمل إلى مرو، وبينهما اثنتا عشرة مرحلة، وإلى خوارزم، وبينهما أكثر من خمسة عشر يوما، وبينها وبين سمرقند سبعة أيام أو سبعة وثلاثون فرسخا، بينهما بلاد الصغد، وقال صاحب كتاب الصّور: وأما نزهة بلاد ما وراء النهر فإني لم أر ولا بلغني في الإسلام بلدا أحسن خارجا من بخارى لأنك إذا علوت قهندزها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلّا على خضرة متصلة خضرتها بخضرة السماء فكأنّ السماء بها مكبّة خضراء مكبوبة على بساط أخضر تلوح القصور فيما بينها كالنّواوير فيها، وأراضي ضياعهم منعوتة بالاستواء كالمرآة. وليس بما وراء النهر وخراسان بلدة أهلها أحسن قياما بالعمارة على ضياعهم من أهل بخارى ولا أكثر عددا على قدرها في المساحة، وذلك مخصوص بهذه البلدة لأن متنزهات الدنيا صغد سمرقند ونهر الأبلّة، وسنصف الصغد في موضعه إن شاء الله تعالى. قال: فأما بخارى واسمها بومجكث، فهي مدينة على أرض مستوية وبناؤها خشب مشبّك ويحيط بهذا البناء من القصور والبساتين والمحالّ والسكك المفترشة والقرى المتصلة سور يكون اثني عشر فرسخا في مثلها يجمع هذه القصور والأبنية والقرى والقصبة، فلا ترى في خلال ذلك قفارا ولا خرابا، ومن دون هذا السور على خاص القصبة وما يتصل بها من القصور والمساكن والمحالّ والبساتين التي تعدّ من القصبة، ويسكنها أهل القصبة شتاء وصيفا، سور آخر نحو فرسخ في مثله، ولها مدينة داخل هذا السور يحيط بها سور حصين، ولها قهندز خارج المدينة متصل بها ومقداره مدينة صغيرة، وفيه قلعة بها مسكن ولاة خراسان من آل سامان، ولها ربض ومسجد الجامع على باب القهندز، وليس بخراسان وما وراء النهر مدينة أشد اشتباكا من بخارى ولا أكثر أهلا على قدرها، ولهم في الربض نهر الصغد يشقّ الربض، وهو آخر نهر الصغد، فيفضي إلى طواحين وضياع ومزارع ويسقط الفاضل منه في مجمع ماء بحذاء بيكند إلى قرب فربر يعرف بسام خاس، ويتخلّلها أنهار أخر، وداخل هذا السور مدن وقرى كثيرة، منها الطواويس، وهي مدينة بومجكث وزندنة وغير ذلك. أخبرنا الشريف أبو هشام عبد المطلب حدثنا الإمامالعدل أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر الحكمي حدثنا أبو اليسر إملاء حدثنا أبو يعقوب يوسف بن منصور السياري الحافظ إملاء وذكر إسنادا رفعه إلى حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله،
ﷺ: ستفتح مدينة بخراسان خلف نهر يقال له جيحون تسمّى بخارى، محفوفة بالرحمة ملفوفة بالملائكة منصور أهلها النائم فيها على الفراش كالشاهر سيفه في سبيل الله، وخلفها مدينة يقال لها سمرقند، فيها عين من عيون الجنة وقبر من قبور الأنبياء وروضة من رياض الجنة تحشر موتاها يوم القيامة مع الشهداء، من خلفها تربة يقال لها قطوان، يبعث منها سبعون ألف شهيد يشفع كل شهيد في سبعين ألفا من أهل بيته وعترته، قال فقال حذيفة: لوددت أن أوافق ذلك الزمان فكان أحبّ إليّ من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الرسول أو المسجد الحرام. وكانت معاملة أهل بخارى في أيام السامانية بالدراهم ولا يتعاملون بالدنانير فيما بينهم، فكان الذهب كالسّلع والعروض، وكان لهم دراهم يسمونها الغطريفية من حديد وصفر وآنك وغير ذلك من جواهر مختلفة، وقد ركبت فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارى ونواحيها وحدها، وكانت سكتها تصاوير، وهي من ضرب الإسلام، وكانت لهم دراهم أخر تسمّى المسيّبية والمحمدية جميعها من ضرب الإسلام. ومع ما وصفنا من فضل هذه المدينة فقد ذمّها الشعراء ووصفوها بالقذارة وظهور النّجس في أزقتها لأنهم لا كنف لهم، فقال لهم أبو الطيّب طاهر بن محمد بن عبد الله بن طاهر الطاهري: بخارى من خرا لا شكّ فيه، يعزّ بربعها الشيء النظيف فإن قلت الأمير بها مقيم، فذا من فخر مفتخر ضعيف إذا كان الأمير خرا فقل لي! أليس الخرء موضعه الكنيف؟ وقال آخر: أقمنا في بخارى كارهينا، ونخرج إن خرجنا طائعينا فأخرجنا إله الناس منها، فإن عدنا فإنا ظالمونا وقال محمود بن داود البخاري وقد تلوّث بالسّرجين: باء بخارى، فاعلمن، زائده والألف الوسطى بلا فائده فهي خرا محض، وسكانها كالطير في أقفاصها راكده وقال أيضا: ما بلدة مبنية من خرا، وأهلها في وسطها دود تلك بخارى من بخار الخرا، يضيع فيها النّدّ والعود وقال أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب: فقحة الدّنيا بخارى، ولنا فيها اقتحام ليتها تفسو بنا الآ ن، فقد طال المقام وأما حديث فتحها: فإنه لما مات زياد ابن أبيه، في سنة ثلاث وخمسين، في أيام معاوية فوفد عبيد الله بن زياد على معاوية، فقال له معاوية: من استخلف أخيعلى عمله؟ فقال: استخلف خالد بن أسيد على الكوفة وسمرة بن جندب على البصرة، فقال له معاوية: لو استعملك أبوك لاستعملتك، فقال له: أنشدك الله أن لا يقولها أحد بعدك، لو ولّاك أبوك أو عمّك لولّيتك، فعهد إليه وولّاه ثغر خراسان، وقيل: إن الذي ولي خراسان بعد موت زياد من ولده عبد الرحمن، قال البلاذري: لما مات زياد استعمل معاوية عبيد الله بن زياد على خراسان، وهو ابن خمس وعشرين سنة، فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفا، وكان ملك بخارى قد أفضى يومئذ إلى امرأة يسمّونها خاتون، فأتى عبيد الله بيكند، وكانت خاتون بمدينة بخارى فأرسلت إلى التّرك تستمدّهم، فجاءها منهم دهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم، وأقبل المسلمون يخرّبون ويحرقون فبعثت إليهم خاتون تطلب منهم الصلح والأمان، فصالحها على ألف ألف ودخل المدينة وفتح زامين وبيكند، وبينهما فرسخان، وزامين تنسب إلى بيكند ويقال: إنه فتح الصغانيان وعاد إلى البصرة في ألفين من سبي بخارى كلّهم جيّد الرمي بالنّشّاب ففرض لهم العطاء، ثم استعمل معاوية على خراسان سعيد بن عثمان بن عفّان سنة 55، فقطع النهر، وقيل: إنه أول من قطعه بجنده، وكان معه رفيع أبو العالية الرياحي، وهو مولّى لامرأة من بني رياح، فقال رفيع وأبو العالية رفعة وعلوّ، فلما بلغ خاتون عبوره حملت إليه الصلح، وأقبل أهل الصغد والترك وأهل كشّ ونسف إلى سعيد في مائة ألف وعشرين ألف فالتقوا ببخارى فندمت خاتون على أدائها الإتاوة ونقضت العهد، فحضر عبد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه فانكسر الباقون، فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرّهن وأعادت الصلح، ودخل سعيد مدينة بخارى ثم غزا سمرقند كما نذكره في سمرقند. ثم لم يبلغني من خبرها شيء إلى سنة 87 في ولاية قتيبة بن مسلم خراسان، فإنه عبر النهر إلى بخارى فحاصرها فاجتمعت الصغد وفرغانة والشاش وبخارى فأحدقوا به أربعة أشهر ثم هزمهم وقتلهم قتلا ذريعا وسبى منهم خمسين ألف رأس، وفتحها فأصاب بها قدورا يصعد إليها بالسلاليم، ثم مضى منها إلى سمرقند، وهي غزوته الأولى، وصفت بخارى للمسلمين، وينسب إلى بخارى خلق كثير من أئمة المسلمين في فنون شتّى، منهم: إمام أهل الحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه، وبردزبه مجوسيّ أسلم على يد يمان البخاري والي بخارى، ويمان هذا هو أبو جدّ عبد الله بن محمد المسندي الجعفي، ولذلك قيل للبخاري: الجعفي نسبة إلى ولائهم، صاحب الجامع الصحيح والتاريخ، رحل في طلب العلم إلى محدّثي الأمصار وكتب بخراسان والعراق والشام والحجاز ومصر، ومولده سنة 194، ومات ليلة عيد الفطر سنة 256، وامتحن وتعصّب عليه حتى أخرج من بخارى إلى خرتنك فمات بها، ومنهم: أبو زكرياء عبد الرحيم بن أحمد بن نصر بن إسحاق بن عمرو بن مزاحم بن غياث التميمي البخاري الحافظ، سمع بما وراء النهر والعراق والشام ومصر وإفريقية والأندلس، ثم سكن مصر وحدث عن عبد الغني بن سعيد الحافظ وتمام بن محمد الرازي وعمن يطول ذكرهم، وحكى عنه الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي أنه قال: لي ببخارى أربعة عشر ألف جزء أريد أن أمضي وأجيء بها، وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الخطّاب: سمع أبوزكرياء البخاري ببخارى محمد بن أحمد بن سليمان الغنجار البخاري وأبا الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي وذكر جماعة بعدّة بلاد وقال: سمع عبد الغني بن سعيد بمصر ودخل الأندلس وبلاد المغرب وكتب بها عن شيوخها ولم يزل يكتب إلى أن مات، وكتب عمن هو دونه، وفي مشايخه كثرة، وكان من الحفاظ الأثبات، عندي عنه مشتبه النسبة لعبد الغني، وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتابه تكملة الكامل في معرفة الضعفاء: قال عبد الرحيم أبو زكرياء البخاري: حدث عن عبد الغني بن سعيد بكتاب مشتبه النسبة قراءة عليه وأنا أسمع، قال ابن طاهر: وفي هذا نظر، فإني سمعت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ يقول: لم يرو هذا الكتاب عن عبد الغني غير ابن ابنته أبي الحسن بن بقاء الخشّاب، قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي: وفي قول الزنجاني هذا نظر فإنه شهادة على نفي وقد وجدنا ما يبطلها، وهو أنه قد روى هذا الكتاب عن عبد الغني أيضا أبو الحسن رشاء بن نظيف المقري، وكان من الثقات، وأبو زكرياء عبد الرحيم ثقة ما سمعنا أن أحدا تكلم فيه، وذكر أبو محمد الأكفاني أن أبا زكرياء البخاري مات بالحوراء سنة 461، وقال غيره: سئل عن مولده فقال في شهر ربيع الأول سنة 382، ومنهم: أبو علي الحسين بن عبد الله ابن سينا الحكيم البخاري المشهور أمره المقدور قدره صاحب التصانيف، تقلبت به أحوال أقدمته إلى الجبال فولي الوزارة لشمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه صاحب همذان، وجرت له أمور وتقلبت به نكبات حتى مات في يوم السبت سادس شعبان سنة 428 عن ثمان وخمسين سنة، وأما الفقيه أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن حمدون بن بخار البخاري وأبوه أبو بكر من أهل نيسابور فمنسوبان إلى جدهما، وأما أبو المعالي أحمد بن محمد بن علي بن أحمد البغدادي البخاري فإنه كان يحرق البخور في جامع المنصور احتسابا، فجعل أهل بغداد البخوريّ بخاريّا وعرف بيته في بغداد ببيت ابن البخاري، قالهما أبو سعد.
[معجم البلدان]
بخارى
مدينة عظيمة مشهورة بما وراء النهر قديمة طيبة. قال صاحب كتاب الصور: لم أر ولا بلغني أن في جميع بلاد الإسلام مدينة أحسن خارجاً من بخارى.بينها وبين سمرقند سبعة أيام وسبعة وثلاثون فرسخاً، هي بلاد الصغد، أحد متنزهات الدنيا. ويحيط ببناء المدينة والقصور والبساتين والقرى المتصلة بها سور يكون اثني عشر فرسخاً في مثلها، بجميع الأبنية والقصور والقرى والقصبة فلا يرى في خلال ذلك قفار ولا خراب، ومن دون ذلك السور على خاص القصبة، وما يتصل بها من القصور والمحال والبساتين التي تعد من القصبة، ويسكنها أهل القصبة شتاء وصيفاً، سور آخر نحو فرسخ في مثله، ولها مدينة داخل هذا السور يحيط بها سور حصين. روى حذيفة بن اليمان عن رسول الله،
ﷺ: ستفتح مدينة خلف نهر يقال له جيحون، يقال له بخارى، محفوفة بالرة ملفوفة بالملائكة، منصور أهلها، النائم فيها على الفراش كالشاهر سيفه في سبيل الله. وخلفها مدينة يقال لها سمرقند، فيها عين من عيون الجنة، وقبر من قبور الأنبياء، وروضة من رياض الجنة، يحشر موتاها يوم القيامة مع الشهداء. وفي الحديث: أن جبريل، عليه السلام، ذكر مدينة يقال لها فاخرة وهي بخارى، فقال،
ﷺ: لم سميت فاخرة؟ فقال: لأنها تفخر يوم القيامة على المدن بكثرة شهدائها. ثم قال: اللهم بارك في فاخرة وطهر قلوبهم بالتقوى، واجعلهم رحماء على أمتي! فلهذا يقال: ليس على وجه الأرض أرحم للغرباء منهم. ولم تزل بخارى مجمع الفقهاء ومعدن الفضلاء ومنشأ علوم النظر. وكانت الرئاسة في بيت مبارك يقال لرئيسها خواجه إمام أجل. وإلى الآن نسلهم باق ونسبهم ينتهي إلى عمر بن عبد العزيز بن مروان، وتوارثوا تربية العلم والعلماء كابراً عن كابر، يرتبون وظيفة أربعة آلاف فقيه، ولم تر مدينة كان أهلها أشد احتراماً لأهل العلم من بخارى. ينسب إليها الشيخ الإمام قدوة المشايخ محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح الذي هو أقدم كتب الأحاديث. كان وحيد عصره وفريد دهره.حكي انه لما جمع هذا الكتاب بحسنه وصحته أراد أن يسمع منه أحد حتى يروي عنه بعد موته، فما كان أحد يوافقه أن يسمع منه ذلك، حتى ذهب إلى شخص يعمل طول نهاره على بقر فقال له: أنا أقرأ هذا الكتاب وأنت تسمعه مني فلعله ينفعك بعد ذلك! وكان الشيخ يقرأ كتاب الصحيح والبقر يعمل والفربري يسمع منه حتى أسمعه جميع الكتاب. فلهذا ترى كل من يروي صحيح البخاري تكون روايته عن الفربري. وينسب إليها أبو خالد يزيد بن هارون. كان أصله من بخارى ومقامه بواسط العراق. حكى عاصم بن علي أن يزيد بن هارون كان إذا صلى العشاء لا يزال قائماً حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء، وداوم على ذلك نيفاً وأربعين سنة. وحكى أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال: كنت عند أحمد بن حنبل، وكان عنده رجل قال: رأيت يزيد بن هارون فقلت: يا أبا خالد ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وشفعني وعاتبني! فقلت له: فيم عاتبك؟ قال: قال لي يا يزيد أتحدث عن جرير بن عثمان؟ فقلت: يا رب ما علمت منه إلا خيراً! فقال: إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب،
رضي الله عنه. وحكى آخر قال: رأيت ابن هارون في المنام فقلت له: هل أتاك منكر ونكير؟ قال: إي والله! وسألاني: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فقلت: ألمثلي يقال هذا وأنا يزيد بن هارون اعلم الناس هذا سبعين سنة؟ فقال: صدقت، نم نومة العروس! توفي يزيد بن هارون بواسط سنة ست ومائتين عن سبع وثمانين سنة.
[آثار البلاد وأخبار العباد]
بخارى (1)
من بلاد خراسان، وهو بلد واسع يشف على المدن كبراً ومحاسن وكثرة أشجار، وهي في مستو من الأرض وبناؤها خشب مشتبك ويحيط بهذا الخشب المشتبك في البناء من القصور والبساتين والسكك والقرى المتصلة ما يكون طوله ستة وثلاثين ميلاً في مثلها، ويحيط بجميعها سور يجمع هذه القصور والمساكن التي تمتد (2) من القصبة ويسكنها من يكون من أهل القصبة شتاء وصيفاً، وداخل هذا السور سور آخر يكون عرضه نحو ثلاثة أميال في مثلها، وداخل هذا السور (3) مدينة حسنة لها سور مجصص ولها قصبة خارج المدينة متصلة بها تكون كالمدينة الصغيرة وفيه (4) قلعة ومسكن حسن وقصور يروق الأبصار منظرها ينزلها الولاة. ولبخارى ربض طويل فسيح المحلات، وأكثر أسواقها في هذا الربض، والمسجد الجامع بها معدوم المثال كثير الاحتفال، وببخارى بشر كثير لا يحصيهم العدد وجل أهلها مياسير ويشق ربضها (5) نهر الصغد ويخترق أكثر ديارها وشوارعها وأسواقها ولأهل بخارى عليه أرحاء عدة، وبضفتيه المنازه والبساتين والجنات والحدائق المتسعة والأشجار والمزارع، ويقع فاضل هذا النهر في بحيرة كبيرة هناك، ولبخارى هذه مدن عدة. وافتتح بخارى (6) سعيد بن عثمان بن عفان في زمن معاوية
رضي الله عنه ثم خرج عنها يريد سمرقند فامتنع أهلها فلم تزل مغلقة حتى افتتحها سلم بن زياد في أيام يزيد بن معاوية ثم انتقضت وامتنعت حتى صار إليها قتيبة بن مسلم الباهلي في أيام الوليد بن عبد الملك فافتتحها. قال أهل العلم بالممالك (7) : لم ير ولم يسمع بظاهر بلد أحسن من ظاهر بخارى لأنك إذا علوت قهندزها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلا على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء فكأن السماء مكبة زرقاء على بساط أخضر تلوح القصور فيما بين ذلك كالكواكب العلوية بياضاً ونوراً، بين أرض وضياع كوجه المرآة استواء وكطلعة الحسناء بهاء قد جمعت إلى بعد المسافة وسعة المساحة عذاء التربة وكمال حسن المنتزه قالوا: والمشار إليه من متنزهات الأرض صغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق وسواد العراق. وببخارى (8) دار الإمارة على جميع خراسان، وهي مدينة في مستو من الأرض ويحيط بها من القصور والبساتين والمسالك والقرى المتصلة والسكك المشتبكة ما يكون اثني عشر فرسخاً في مثلها ويحيط بذلك كله سور يجمع تلك القرى والقصور ولا يرى من أضعاف ذلك قفر ولا خراب، ومن دون هذا السور على القصبة وما يتصل بها من القصور والمحال التي تعد من القصبة سور آخر هو فرسخ في مثله، ومدينة داخل هذا السور وتحيط بها حصون ولها قهندز خارج المدينة متصل بها وهو مقدار مدينة صغيرة وبها قلعة بها مسكن ولاة خراسان، ولها ربض عريض طويل، والمسجد الجامع على باب القهندز في المدينة، ولها سبعة جوامع وأسواقها في ربضها وليس بخراسان ولا ما وراء النهر ما هو أشد اشتباكاً من بخارى ولا أكثر أهلاً، وفي ربضها نهر الصغد يشق الربض وأسواقها، وهو آخر نهر الصغد ويصير إلى طواحن وضياع ومزارع ويسقط الفاضل منه في مجمع ماء هناك، وللمدينة سبعة أبواب حديد وللقهندز بابان ولربضها دروب كثيرة وليس في مدينتها ولا قهندزها ماء جار لارتفاعهما (9)، وتنبعث من نهرها الأعظم أنهار، وليس في داخل حدود بخارى جبل ولا نشز إلا موضع المدينة ولهم خارج المدينة ملاحات. وأهل بخارى (10) يتفاوضون فيما بينهم ويتعارفون أنه ما عقد في قلعتهم لواء ولا خرجت منه راية فهزمت ولا غلب فيها وال قط وهذا من الاتفاق العجيب. ولسان بخارى لسان الصغد يحرف بعضه قليلاً، وزيهم الأقبية والقلانس كزي ما وراء النهر لأنها مستقيمة على كور ما وراء النهر، ويرجع أهلها من العفة والدماثة والأمانة وحسن السيرة وحسن المعاملة وقلة الشر وإفاضة الخير وبذل المعروف وسلامة النية إلى ما يفضلون به سائر الناس. ويكفي أن من بخارى الإمام محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري (11)
رحمه الله مؤلف الكتاب الصحيح من حديث رسول الله
ﷺ الذي عليه معول أهل السنة في جميع بلاد المسلمين وغير ذلك من تصانيفه، ومناقبه لا تحصى توفي سنة ست وخمسين ومائتين وعاش اثنتين وستين سنة. وفي سنة ست عشرة وستمائة (12) وقعت كائنة الططر العظمى، كان فيها المصاف بين الملك خوارزم شاه وجنكزخان بين نهر سيحون ونهر جيحون ودام القتال ثلاثة أيام بلياليها وقتل من الفريقين ما لا يحصى ولم ينهزم المسلمون ولا الكفار، فلما كانت الليلة الرابعة افترق كل فريق منهما تحت الليل وفر خوارزم شاه وقد انقطع قلبه مما شاهد من صبر (13) العدو وأيقن بذهاب دولته على على أيديهم، وقيل إن منجمه قال له: لا تتعب نفسك فما لك معهم طالع وهم الغالبون على البلاد لا محالة، فشغل نفسه بالفرار حتى مات، فلما استراح الططر ساروا إلى بخارى فقاتلوها ثلاثة أيام وكان فيها عشرون ألف فارس فهربوا (14) تحت الليل، فخرج إلى الططر أكابر البلد وأخبروهم أن جند السلطان قد فروا وقالوا: نحن رعية من ملكنا فإن حلفتم لنا وأمنتمونا مكناكم من المدينة فحلفوا بأيمانهم وبذلوا لهم الأمان ووصلوا بخارى يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة فقاتلوا القلعة المعروفة بالقهنداز اثني عشر يوما ثم دخلوها عنوة فقتلوا جميع من فيها حتى الكلاب والقطط وضربوا برؤوس الأطفال الحيطان وقالوا: كذا نصنع بكل من امتنع منا وأغلق باباً في وجوهنا، ثم إنهم أمروا أهل بخارى بالخروج إلى ظاهرها بنسائهم وأولادهم بعد ما أخذوا جميع سلاحهم، فلما أخرجوا الجميع قالوا: ميزوا فقراءكم من أغنيائكم، فلما تميزوا اقتسموا الأغنياء وأحالوا على الفقراء السيف وأبقوا على أرباب الصنائع من ينتفعون به وفجروا بالنساء أمام الرجال فكان من الناس من ذهب عقله ومنهم من خطف دبوساً أو سيفاً وقاتل حتى قتل ثم انهم عذبوا الأغنياء على الأموال حتى ودوا أنهم ماتوا، ودرى (15) الططر أنهم لم يبق عندهم شيء فقتلوهم عن آخرهم. (1) نزهة المشتاق: 213. (2) نزهة المشتاق: تعد. (3) زيادة من نزهة المشتاق. (4) ص: وفيها. (5) ص: بعضها. (6) الطبري 2: 179، 393 - 394، 1198؛ وانظر أيضاً تاريخ بخارى للترشخي. (7) هذا النص أورده ياقوت نقلاً عن كتاب الصور؛ مع بعض اختلاف. (8) من هنا يتفق النص مع ابن حوقل: 398 والكرخي: 399 وهو أقرب غلى ابن حوقل، وقد سها المؤلف أن ما نقله عن نزهة المشتاق بجمع كثيراً من الحقائق التي وردت في هذه الفقرة، إذ ليس نص الإدريسي إلا نص ابن حوقل او الكرخي مع تحوير يسير. (9) في الأصلين: لارتفاعها. (10) متابع لابن حوقل: 404 والكرخي: 176 مع تصرف وزيادة. (11) ترجمته في تاريخ بغداد 2: 4 - 36، وطبقات الحنابلة 1: 271، وابن خلكان 3: 188، والوافي 3: 232، وتذكرة الحفاظ: 555، وتهذيب التهذيب 9: 47، والشذرات 2: 134، وإرشاد الساري 1: 31. (12) ابن الأثير 12: 364 (حوادث 617)، ولكن مؤلف الروض ينقل عن مصدر آخر. (13) ص: قير؛ ع: غير، والترجيح من ناسخ ص. (14) ع: فهزموا. (15) ص: ورأى.
[الروض المعطار في خبر الأقطار]
بخارا
وبخارا بلد واسع فيه أخلاط من الناس من العرب والعجم ولم يزل شديد المنعة. افتتح بخارا سعيد بن عثمان بن عفان في أيام معاوية ، ثم خرج عنها يريد
[البلدان لليعقوبي]
بخارى
بالضم: من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلّها، يعبر إليها من آمل الشّط، وبينها وبين جيحون يومان، وهى مدينة قديمة نزهة البساتين، وبينها وبين سمرقند سبعة أيام، واسمها أبو محلب ، وهى على أرض مستوية وبناؤها خشب مشبّك.
[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]