بَعْلَبَكُّ
بالفتح ثم السكون، وفتح اللام، والباء الموحدة، والكاف مشددة: مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة وقصور على أساطين الرّخام لا نظير لها في الدنيا، بينها وبين دمشق ثلاثة أيام وقيل اثنا عشر فرسخا من جهة الساحل، قال بطليموس: مدينة بعلبك طولها ثمان وستون درجة وعشرون دقيقة في الإقليم الرابع تحت ثلاث درج من الحوت، لها شركة في كف الخضيب، طالعها القوس تحت عشر درج من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل بيت عاقبتها مثلها من الميزان، قال صاحب الزّيج: بعلبك طولها اثنتان وستون درجة وثلث، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلث، وهو اسم مركب من بعل اسم صنم وبكّ أصله من بكّ عنقه أي دقّها، وتباكّ القوم أي ازدحموا، فإما أن يكون نسب الصنم إلى بكّ وهو اسم رجل، أو جعلوه يبكّ الأعناق، هذا إن كان عربيّا، وإن كان عجميّا فلا اشتقاق، ولهذا الاسم ونظائره من المركبات أحكام، فإن شئت جعلت آخر الأول والثاني مفتوحا بكل حال كقولك: هذا بعلبكّ ورأيت بعلبكّ وجئت من بعلبكّ، فهذا تركيب يقتضي بناءه، فكأنك قلت: بعل وبكّ، فلما حذفت الواو أقمت البناء مقامه ففتحت الاسمين كما قلت خمسة عشر، وإن شئت أضفت الأول إلى الثاني فقلت: هذا بعلبكّ ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ، أعربت بعلا وخفضت بكّا بالإضافة، وإن شئت بنيت الاسم الأول على الفتح وأعربت الثاني بإعراب ما لا ينصرف فقلت: هذا بعلبكّ ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ، وهذا هو التركيب الداخل في باب ما لا ينصرف الذي عدّوه سببا من أسباب منع الصرف، فإنهم أجروا الاسم الثاني من الاسمين اللذين ركبا مجرى تاء التأنيث في أن آخر حرف قبلها مفتوح أبدا ومنزّل تنزيل الفتحة كالألف في نواة وقطاة، وآخر الثاني حرف إعراب، إلا أن الاسم غير مصروف للتعريف والتركيب لأن التركيب فرع على الإفراد وثان له، كما أن التعريف ثان للتنكير، فعلى هذا الوجه تقول: هذا بعلبكّ ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ، فلو نكّرته صرفته لبقاء علّة واحدة فيه هي التركيب، ويدلك على أن الاسم الثاني في هذا الوجه بمنزلة التاء تصغيرهم الأول من الاسمين المركّبين وتسليمهم لفظ الثاني فتقول: هذه بعيلبكّ، كما تقول في طلحة طليحة، وتقول في ترخيمه لو رخّمته يا بعل كما تقول يا طلح، وتقول في النسب إليه بعليّ كما تقول طلحيّ، وأما من قال بعلبكّيّ فليس بعلبكّ عنده مركبة ولكنه من أبنية العرب، فأما حضرميّ وعبدريّ وعبقسيّ فإنهم خلطوا الاسمين واشتقوا منهما اسما نسبوا إليه، وببعلبكّ دبس وجبن وزيت ولبن ليس في الدنيا مثلها يضرب بها المثل، قال أعرابيّ: قلت لذات الكعثب المصكّ، ولم أكن من قولها في شكّ، إذ لبست ثوبا دقيق السّلك، . .. وعقد درّ ونظام سكّ: غطّي الذي افتن قلبي منك!. .. قالت: فما هو؟ قلت: غطّي حرك، فكشفت عن أبيض مدكّ، كأنه قعب نضار مكي، أو جبنة من جبن بعلبكّ يسمع منه خفقان الدكّ، مثل صرير القتب المنفكّ وقد ذكرها امرؤ القيس فقال: لقد أنكرتني بعلبكّ وأهلها، ولابن جريج في قرى حمص أنكرا وقيل: إن بعلبكّ كانت مهر بلقيس وبها قصر سليمان بن داود، عليه السلام، وهو مبني على أساطين الرخام، وبها قبر يزعمون أنه قبر مالك الأشتر النخعي وليس بصحيح، فإن الأشتر مات بالقلزم في طريقه إلى مصر، وكان عليّ،
رضي الله عنه، وجّهه أميرا، فيقال إنّ معاوية دسّ إليه عسلا مسموما فأكله فمات بالقلزم، فقال معاوية: إنّ لله جنودا من عسل، فيقال إنه نقل إلى المدينة فدفن بها وقبره بالمدينة معروف، وبها قبر يقولون إنه قبر حفصة بنت عمر زوجة النبي،
ﷺ، والصحيح أنه قبر حفصة أخت معاذ بن جبل، لأن قبر حفصة زوج النبي،
ﷺ، بالمدينة معروف، وبها قبر الياس النبي، عليه السلام، وبقلعتها مقام إبراهيم الخليل، عليه السلام، وبها قبر أسباط. ولما فرغ أبو عبيدة بن الجرّاح من فتح دمشق في سنة أربع عشرة، سار إلى حمص فمرّ ببعلبك فطلب أهلها إليه الأمان والصلح، فصالحهم على أن أمنهم على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وكتب لهم كتابا أجّلهم فيه إلى شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى، فمن جلا سار إلى حيث شاء ومن أقام فعليه الجزية، وقد نسب إلى بعلبك جماعة من أهل العلم، منهم: محمد ابن عليّ بن الحسن بن محمد بن أبي المضاء أبو المضاء البعلبكي المعروف بالشيخ الدّيّن، سمع بدمشق أبا بكر الخطيب وأبا الحسن بن أبي الحديد وأبا محمدالكناني، وببعلبك عمه القاضي أبا عليّ الحسن بن عليّ بن محمد بن أبي المضاء، سمع منه أبو الحسين بن عساكر وأجاز لأخيه أبي القاسم الحافظ، وكان مولده سنة 425 ومات في شعبان سنة 509، وعبد الرحمن بن الضحاك بن مسلم أبو مسلم البعلبكي القاري ويعرف بابن كسرى، روى عن سويد بن عبد العزيز والوليد بن مسلم ومروان بن معاوية وبقية ومبشّر بن إسماعيل وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي، روى عنه أبو حاتم الرازي وأبو جعفر أحمد بن عمر بن إسماعيل الفارسي الورّاق وغيرهما، ومحمد بن هاشم بن سعيد البعلبكي، روى عنه أحمد بن عمير بن جوصا الدمشقي وغيره.
[معجم البلدان]
بعلبك
مدينة مشهورة بقرب دمشق، وهي قديمة كثيرة الأشجار والمياه والخيرات والثمرات، ينقل منها الميرة إلى جميع بلاد الشام. وبها أبنية وآثار عجيبة وقصور على أساطين الرخام لا نظير لها. قيل: انها كانت مهر بلقيس! وبها قصر سليمان بن داود، عليه السلام، وقلعتها مقام الخليل، عليه السلام، وبها دير الياس النبي، عليه السلام. قالوا: إن ذلك الموضع يسمى بك في قديم الزمان حتى عبد بنو إسرائيل بها صنماً اسمه بعل، فاضافوا الصنم إلى ذلك الموضع، ثم صار المجموع اسماً للمدينة، وأهلها على عبادة هذا الصنم، فبعث الله إليهم الياس النبي، عليه السلام، فكذبوه، فحبس عنهم القطر ثلاث سنين. فقال لهم نبي الله: استسقوا أصنامكم، فإن سقيتم فأنتم على الحق، وإلا فإني أدعو الله تعالى ليسقيكم، فإن سقيتم فآمنوا بالله وحده! فأخرجوا أصنامهم واستسقوا وتضرعوا فما أفادهم شيئاً، فرجعوا إلى نبي الله فخرج ودعا فظهر من جانب البحر سحابة شبه ترس، وأقبلت إليهم. فلما دنا منهم طبق الآفاق وأغاثهم غيثاً مريعاً أخصب البلاد وأحيا العباد، فما ازدادوا إلا شركاً، فسأل الله تعالى أن يريحه منهم فأوحى الله تعالى إليه: ان اخرج إلى مكان كذا. فخرج ومعه اليسع فرأى فرساً من نار فوثب عليه وسار الفرس به، ولم يعرف بعد ذلك خبره.
[آثار البلاد وأخبار العباد]
بعلبك
مدينة يونانية قديمة تقع في سهل البقاع (لبنان) فيها آثار يونانية ورومانية. ينسب إليها جماعة من العلماء منهم تقي الدين أبو العباس المقريزي (نسبة إلى حي في المدينة يدعى حي المقارزة). وفيها ولد الإمام الأوزاعي.
[تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير]
بعلبك (1) :
مدينة بالشام بينها وبين دمشق في جهة الشرق مرحلتان، وهي حصينة في سفح جبل وعليها سور حصين بالحجارة سعته عشرون شبراً، والماء يشق في وسطها ويدخل كثيراً من ديارها وعلى هذا النهر أرحاء ومطاحن، وهي كثيرة الغلات نامية الإصابات والفواكه كثيرة الكروم والأشجار رخيصة الأسعار، وبها من عجيب الآثار الملعبان، والكبير بني في أيام سليمان بن داود
عليهما السلام، وطول الحجر من حجارته عشرة أذرع على عمد شاهقة يروع منظرها (2) وبهذه المدينة من الهياكل شيء عجيب. وهذه المدينة هي المذكورة في قول امرئ القيس: لقد أنكرتني بعلبك وأهلها. .. ولابن جريج في قرى حمص أنكرا وهي قديمة البناء جداً حتى إن عوام أهلها يزعمون أن سورها من بنيان الشياطين لا يغيره زمان ولا يؤثر فيه حدثان، ولكثرة بساتينهم يشترى عندهم من الفواكه بدانق ما يأكل جماعة أهل البيت ويفضلون منه. قيل النسبة إليها بعلبكي وإن شئت قلت بعلي أو بكي وفتحت بصلح في زمان عمر
رضي الله عنه سنة أربع عشرة، وإلى أهل بعلبك بعث الله تعالى الياس النبي عليه السلام، وكان لأهل بعلبك صنم يدعى بعلاً والبعل بلغة اليمن الرب، فسميت بعبادة أهلها بعلاً واسم الموضع بك. (1) نزهة المشتاق: 116، وصبح الأعشى 4: 109. (2) نزهة المشتاق: والمعلب الصغير قد تهدم أكثره وذهبت محاسنه وبقي منه الآن حائط قائم طوله عشرون ذراعاً وارتفاعه على الأرض عشرون ذراعاً. ..
[الروض المعطار في خبر الأقطار]