أبيض المدائن
ويقال له القصر الأبيض، وهو الذي لا يدرى من بناه وهو من المدينة العتيقة من المدائن دار ملك الأكاسرة بالعراق، وهو المشار إليه في حديث النسائي (1) عن البراء بن عازب
رضي الله عنهما، قال: لما أمرنا رسول الله
ﷺ أن نحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول فاشتكينا ذلك إلى رسول الله
ﷺ فألقى ثوبه وأخذ المعول بيده وقال: " بسم الله " فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة، قال
ﷺ: " الله أكبر. أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأنظر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا "، قال: ثم ضرب أخرى وقال: " بسم الله " وكسر ثلثاً آخر وقال: " الله أكبر. أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأنظر قصر المدائن الأبيض "، ثم ضرب ثالثة وقال: " بسم الله " فقطع بقية الحجر وقال: " الله أكبر. أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأنظر باب صنعاء "، وهذا الحديث أوضح في المعنى من حديث سلمان
رضي الله عنه الذي في السير (2)، وذلك أن المدائن على مسافة يوم من بغداد ويشتمل مجموعها على مدائن متصلة مبنية على جانبي دجلة شرقاً وغرباً، ودجلة تشق بينها ولذلك سميت المدائن: الغربية منها تسمى بهرسير، والمدينة الشرقية تسمى العتيقة، وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه، ويتصل بهذه المدينة العتيقة المدينة الأخرى التي كانت الملوك تنزلها، وفيها إيوان كسرى العجيب الشأن الشاهد بضخامة ملك بني ساسان، ويقال إن سابور ذا الأكتاف منهم هو الذي بناه وهو من أكابر ملوكهم وقد ذكر أبو عبادة البحتري هذا القصر الأبيض وما كان مصوراً فيه من الصخور العجيبة والتماثيل البديعة في قصيدته السينية البارعة الفريدة (3) : حضرت رحلي الهموم فوجه؟. .. ت إلى أبيض المدائن عنسي أتسلى عن الحظوظ وآسى. .. لمحل من آل ساسان درس ذكرتنيهم الخطوب التوالي. .. ولقد تذكر الخطوب وتنسي وهم خافضون في ظل عال. .. مشرف يحسر العيون ويخسي حلل لم تكن كأطلال سعدى. .. في قفار من المهامه ملس ومساع لولا المحاباة مني. .. لم تطقها مسعاة عنس وعبس لو تراه علمت أن الليالي. .. جعلت فيه مأتماً بعد عرس وهو ينبيك عن عجائب قوم. .. لا يشاب البيان فيهم بلبس فإذا ما رأيت صورة انطاكي. .. ة ارتعت بين رومٍ وفرس والمنايا مو اثل وأنوشروان يزجي. .. الصفوف تحت الدرفس في اخضرار من اللباس على أخ؟. .. ضر يختال في صبيغة ورس وعراك الرجال بين يديه. .. في خفوت منهم واغماض جرس من مشيح يهوي بعامل رمح. .. ومليح من السنان بترس تصف العين أنهم جد أحيا. .. ء لهم بينهم إشارة خرس يغتلي فيهم ارتيابي حتى. .. تتقراهم يداي بلمس (1) سنن النسائي؛ باب الجهاد (6: 43) وليس فيه رواية عن البراء بن عازب، وإنما الرواية عن البراء في مسند احمد 4: 303 قريبة الشبه بما أورده المؤلف. (2) انظر ابن هشام 2: 219. (3) ديوان البحتري: 1152.
[الروض المعطار في خبر الأقطار]