البحث

عبارات مقترحة:

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...


تاجرا (1)

موضع من أحواز قابس في مكان منه يقال له لاقية، وفي تاجرا كانت الوقيعة بين الشيخ المجاهد أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص وبين يحيى بن إسحاق المسوفي الميورقي، وكان سببها أن يحيى بن إسحاق هذا كان تغلب على حصن المهدية في جملة ما تغلب عليه من البلاد الإفريقية، فتحرك إليه صاحب المغرب الملك الناصر أبو عبد الله محمد بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن من مراكش في جمادى الأولى من سنة إحدى وستمائة، فلما فارق بلاد المغرب وأشرف على بلاد العدو، جد في أمره وتدرج حتى أتى المهدية فنزل عليها في صفر من سنة اثنتين وستمائة فحاصرها ونصب عليها المجانيق وواصل حربها، وكان يحيى بن إسحاق ترك بالمهدية نائبه وبقي جوالاً في بلاد إفريقية بعسكره، فلما نزل الناصر على المهدية وجه الشيخ أبا محمد عبد الواحد هذا في أربعة آلاف فارس إلى لقاء يحيى بن إسحاق وأقام الناصر على محاصرة المهدية، وكان أصحاب يحيى بن إسحاق شجعوه وحرضوه على الثبوت فثبت، فالتقى الجمعان بموضع يقال له لاقية من تاجرا، وأمر يحيى أصحابه فعقلوا الإبل وأوقفوا الهوادج إزاءها، وأمر الشيخ أبو محمد عبد الواحد أصحابه بالإعراض عن تلك الإبل والهوادج ومشوا على تعبئة، وصدر الرماة وقدم الطلائع فصدقوا الدفاع ودارت بين الفريقين رحى الحرب ثلاث ساعات من النهار وحمل يحيى حملات وبعد ذلك انهزم أصحابه وركبهم السيف إلى الأصيل، وأجلت الحرب عن قتل جبارة أخي يحيى وكاتبه علي بن اللمطي وعامل له يقال له الفتح بن محمد وبعض الأعراب وجماعة من الجند، وفر يحيى في شرذمة قليلة وتفرقت حشوده وأعرابه وأخذت رايته السوداء وأحاط الموحدون بعسكره وأمواله وما كانوا حازوا من طرابلس إلى منتهى بجاية، وقفل الشيخ أبو محمد غانماً مظفراً وساق معه المتاع والكراع وسائر الغنائم. حكي أنه كان في محلة يحيى نحو ثمانية عشر ألف جمل محملة بالأموال والرجال والنساء وغير ذلك وسلم جميعها وفر، ولم يقتل من جيش الموحدين إلا أربعة نفر، وكان يحيى أنفذ عياله وأولاده وحاشيته مع ثقات أصحابه إلى موضع نحو خمسة فراسخ من محلته فلما فر أخذهم في صدره ولولا ذلك ما سلم له أحد منهم، ومات في عسكر يحيى نحو المائة نفس سوى من قتل في المعركة من الفرسان واستنقذ السيد أبا زيد وجماعة من الأسرى الذين كانوا في يد يحيى أسرى، ورجع الشيخ أبو محمد بجميع ذلك إلى الناصر وهو محاصر للمهدية ومعه الغنائم والأسرى الذين استنقذهم، وقدم الحرسي الذي كان على نكال السيد أبي زيد على قتب سام إشهاراً له وبيده راية سوداء وطيف بذلك كله على المهدية. وكانت هذه الهزيمة في الثاني عشر من ربيع الأول من سنة اثنتين وستمائة وكان بين فتح الموحدين ميورقة وبين هزيمة تاجرا نحو من ثلاثة أشهر وثلاثة أيام، ورفع حماد المالقي وهو مشهور بالإبداع هذين البيتين إلى الناصر في قطع الكاغد: رأى يحيى إمام الخلق يأتي. .. ففر أمام من يأتي إليه فشبهت الشقي بياء يفري. .. ولام الأمر قد دخلت عليه وكمل التبريز بالغنائم على ملاحظة من المحصورين بالمهدية وهم مع ذلك متجلدون مواظبون على القتال بصرامة وشدة شكيمة معلنون بالتكذيب بهزيمة يحيى وينوعون السب ويفحشون، وألح الملك الناصر في قتالهم وجمع المجانيق والآلات على جهة واحدة من السور حتى كثر فيهم الموتان والجراحة، وتحققوا بعد ذلك بانهزام يحيى فسقط في أيديهم وطلبوا الأمان فأسعفهم به، ونزل علي بن الغازي صاحب المهدية وهو ابن عم يحيى وأتباعه وشيعته على أن يخلى سبيله ويسلموا البلد، وكان ذلك في التاسع من جمادى الأولى أو في السابع والعشرين منه من سنة اثنتين وستمائة، فكان بين هزيمة تاجرا وببن فتح المهدية شهران وستة وعشرون يوماً. (1) رحلة التجاني: 120، 357، 358، وابن خلدون 6: 248.

[الروض المعطار في خبر الأقطار]