رَأسُ عَيْنٍ
ويقال رأس العين، والعامة تقوله هكذا، ووجدتهم قاطبة يمنعون من القول به، وجاء في شعر لهم قديم قاله بعض العرب في يوم كان برأس العين بين تميم وبكر بن وائل، قتل فيه فارس بكر بن وائل معاوية بن فراس، قتله أبو كابة جزء ابن سعد، فقال شاعرهم: هم قتلوا عميد بني فراس برأس العين في الحجج الخوالي روى ذلك أبو أحمد، وقال الأسود بن يعفر: فإن يك يومي قد دنا وإخاله لوارده يوما إلى ظلّ منهل فقبلي مات الخالدان كلاهما عميد بني جحوان وابن المضلّل وعمرو بن مسعود وقيس بن خالد. .. وفارس رأس العين سلمى بن جندلوأسبابه أهلكن عادا وأنزلت. .. عزيزا يغنّي فوق غرفة موكل وهي مدينة كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حرّان ونصيبين ودنيسر، وبينها وبين نصيبين خمسة عشر فرسخا وقريب من ذلك بينها وبين حرّان، وهي إلى دنيسر أقرب، بينهما نحو عشرة فراسخ، وفي رأس عين عيون كثيرة عجيبة صافية تجتمع كلّها في موضع فتصير نهر الخابور، وأشهر هذه العيون أربع: عين الآس وعين الصرار وعين الرياحية وعين الهاشمية، وفيها عين يقال لها خسفة سلامة، فيها سمك كبار ينظره الناظر كأنّ بينه وبينه شبرا ويكون بينه وبينه مقدار عشر قامات، وعين الصرار: هي التي نثر فيها المتوكل عشرة آلاف درهم ونزل أهل المدينة فأخذوها لصفاء الماء ولم يفقد منها شيء، فإنّه يبين مع عمقها ما في قعرها للناظر من فوقها، وعمقها نحو عشرة أذرع، وربّما أخذ منها الشيء اللطيف لصفائها، كذا قال أحمد بن الطيب لكنّي اجتزت أنا برأس عين ولم أر هذه الصفة، وتجتمع هذه العيون فتسقي بساتين المدينة وتدير رحيّها ثمّ تصبّ في الخابور، وقال أحمد بن الطيب أيضا: وفيها عين ممّا يلي حرّان تسمّى الزاهرية، كان المتوكل نزلها وبنى بها بناء، وكانت الزواريق الصغار تدخل إلى عين الزاهرية وإلى عين الهاشمية، وكان الناس يركبون فيها إلى بساتينهم وإلى قرقيسياء إن شاءوا، قلت أنا: أمّا الآن فليس هناك سفينة ولا يعرفها أهل رأس عين ولا أدري ما سبب ذلك، فإن الماء كثير وهو يحمل سفينة صغيرة كما ذكروا، ولعل الهمم قصرت فعدم ذلك، قال: وبالقرب من عين الزاهرية عين كبريت يظهر ماؤها أخضر ليس له رائحة فيجري في نهر صغير وتدور به ناعورة يجتمع مع عين الزاهرية في موضع واحد فيصبان جميعا من موضع واحد في نهر الخابور، والمشهور في النسبة إليها الرّسعني، وقد نسب إليها الراسي، فممن اشتهر بذلك أبو الفضل جعفر بن محمد بن الفضل الراسي، يروي عن أبي نعيم، روى عنه أبو يعلى الموصلي وغيره، وهو مستقيم الحديث، وقال أبو القاسم الحافظ: جعفر بن محمد بن الفضل أبو الفضل الرّسعني، سمع بدمشق أبا الجماهير محمد بن عثمان التّنوخي وسليم بن عبد الرحمن الحمصي ومحمد بن حميد وعلي بن عياش وأبا المغيرة الحمصيّين وإسحاق بن إبراهيم الحنيني ومحمد بن كثير المصيصي وسعيد بن أبي مريم المصري ومحمد بن سليمان بن أبي داود الحرّاني وعبد الله بن يوسف التنيسي وجماعة سواهم، روى عنه عبد الله ابن أحمد بن حنبل وأبو بكر الباغندي وزكرياء بن يحيى السجزي وأبو جعفر أحمد بن إسحاق البهلول وأبو الطيب محمد بن أحمد بن حمدان بن عيسى الورّاق الرسعني ومحمد بن العبّاس بن أيوب الأصبهاني الحافظ وغيرهم، قال علي بن الحسن بن علّان الحرّاني الحافظ: هو ثقة، وقال البشاري: لبّس القول.
[معجم البلدان]
رأس عين (1) :
وبعضهم يقول راس العين، واسمها عين الوردة، من كور الجزيرة وبمقربة من نصيبين، وبينها وبين الفرات أربعة فراسخ، وهي كلها بين الجزيرة والشام، وهي مدينة كبيرة عليها سوران، وهذا الاسم لها صادق جداً، فإن الله تعالى فجر أرضها عيوناً وأجراها ماء معيناً فتقسمت مذانب وانسابت جداول، في مروج خضر كأنها سبائك اللجين ممدودة في بساط الزبرجد، تحف بها أشجار وبساتين قد انتظمت حافتيها، وأعظم هذه العيون عينان إحداهما فوق الأخرى، فالعليا منهما نابعة تحت (2) الأرض في صم الحجارة كأنها في جوف غار كبير متسع فينبسط الماء حتى يصير كالصهريج العظيم، ثم يخرج ويسيل نهراً كأكبر ما يكون من أنهار وينتهي إلى العين الأخرى ويلتقي بمائها، وهذه العين الثانية تحت الأرض في الحجر الصلد نحو أربع قامات أو أزيد، ويتسع منبعها حتى يصير صهريجاً كبيراً ويعلو بقوة نبعه حتى يسيل على وجه الأرض، فربما يروم السابح القوي السباحة الشديد الغوص في أعماق المياه أن يصل بغوصه إلى قعره فيمجه الماء بقوة انبعاثه من منبعه، فلا يتناهى في غوصه إلا إلى مقدار نصف مسافة العين أو أقل، وماؤها أصفى من الزلال، ويصطاد فيها سمك جليل من أطيب ما يكون من السمك، وينقسم ماء هذه العين نهرين، أحدهما أخذ يميناً والآخر يساراً، فالأيمن يشق على خانقة مبنية للصوفية والغرباء بازاء العين، وهي تسمى الرباط، والأيسر يمر على جانب الخانقة وتفضي منه جداول إلى مطاهرها ومرافقها المعدة للحاجة البشرية، ثم يلتقيان أسفلها مع نهر العين الأخرى العليا، وقد بنيت على شط نهرهما المجتمع بيوت أرحاء. ومن مجتمع ماء هاتين العينين منشأ نهر الخابور. قالوا (3) : وهذه المدينة للبداوة بها اعتناء وللحضارة عنها استغناء، لا سور يحصنها ولا دور أنيقة البناء فيها، وهي مع ذلك كاملة مرافق المدن، ولها جامعان حديث وقديم فالقديم بموضع العيون وتتفجر أمامه عين معينة، وهو من بنيان عمر بن عبد العزيز، لكنه دثر، والجامع الآخر داخل البلد وفيه مجتمع أهله. والغالب عليها فخذ من بني ربيعة يقال لهم النمر، وبها نفر من بني تميم. وهي مدينة قديمة واسمها عين الوردة، وافتتحها عمير بن سعد الأنصاري من قبل عياض بن غنم، وأظنها التي عنى حسان بقوله: كأن سبيئة من رأس عين (4). .. يكون مزاجها عسل وماء ومن رأس العين هذه يخرج نهر الخابور، وهي كلها من بلاد الجزيرة. وبعين الوردة (5) كانت الوقيعة بين سليمان بن صرد وأصحابه التوابين الخارجين للطلب بدم الحسين
رضي الله عنه مع أهل الشام وفيهم عبيد الله بن زياد، فقتل سليمان وأكثر أصحابه، وذلك سنة خمس وستين، وفي القصة طول. (1) أكثر المادة عن رحلة ابن جبير 242 - 244، وقارن بياقوت (رأس عين)، ومعجم ما استعجم 2: 623، وابن حوقل: 200، والكرخي: 53. (2) الرحلة: فوق. (3) النقل مستمر عن ابن جبير: 244. (4) الرواية المشهورة في بيت حسان: ((كأن سيئة من بيت رأس)). (5) انظر الطبري 2: 538 وما بعدها.
[الروض المعطار في خبر الأقطار]