التأمل والتذكر في عبادة التفكر

عناصر الخطبة

  1. العبادة الصامتة
  2. أهمية التفكُّر في مخلوقات الله وآياته
  3. الحث على التدبر والاعتبار والنظر
  4. تأملات في الآيات الحاثة على التفكر في الكون والمخلوقات
  5. عبادة التفكر هي عبادة الأنبياء.
اقتباس

التفكر يُوصِل إلى محبة الرحمن، وإرضاء الديان، وانشراح الصدر وصلاحه، وفوزه ونجاحه، التفكر يورث المحبة والخوف والرجاء، والخشية والاستحياء، به تحيا القلوب، وتُستر العيوب، ويزول المكروب، التفكر فيه نجاح الأمور، وصلاح الدور، والأنس والسرور.

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار أ حمده سبحانه يخلق ما يشاء ويختار، وأحمده سبحانه على نِعمه الغزار، وعطائه المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾[النور:44]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أعظم من تفكَّر وتأمل في خلق الليل والنهار، وأمر بالتفكُّر والاعتبار؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أهل التمعن والتفكر والاعتبار.

أما بعد: فاتقوا الله، فالتقوى هي السلاح الأقوى، والدرع الأنقى، والذخر والأبقى.

عباد الله: تأهبوا لأخرتكم، واستعدوا لما أمامكم فالموت الذي يتخطف من حولكم سوف ينزل بكم، فتزودوا واعملوا وجدِّوا واجتهدوا.

عباد الله: معنا عبادةٌ عظيمةٌ مجهولة، وعند البعض مفقودة، عبادةٌ قلبية وهي معك في جميع تقلباتك الحياتية، عبادة لا تحتاج إلى عناء، ولا وقت ولا مكان، ولا زمان، هي معك في إقامتك وسفرك، في صحتك ومرضك، في شبابك وهرمك، في ليلك ونهارك، حتى وأنت على فراشك فهي معك.

عبادةٌ أعظم مقوٍ للإيمان ورادعةٌ عن العصيان، وجالبةٌ لمحبة الرحمن، وطاردةٌ للوساوس والشيطان، سبحان الله عجيبةٌ غريبة وهي بهذه المثابة، عجِّل لنا أيها الخطيب فالنفوس تشتاق وتطيب، والأبصار تُطل وتغيب علَّ الله أن ينفعنا ويُجيب.

فخذها أيها المستمع النجيب والصاحب القريب، هي عبادة لا تأخذ من وقتك، ولا مالك، ولا يومك، إنها عبادة التفكُّر في مخلوقات الله وآياته يُسميه العلماء العبادة الصامتة.

التفكُّر هو: التأمل وإعمال الخاطر في الشيء، فهو تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب.

التفكُّر من أعظم العبادات القلبية، بل هو المغذِّي لأعمال القلوب والجوارح، ومحرِّك القلوب والجوارح للمصالح ودرء القبائح، فهو داءٌ وسلاحٌ ناجح.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: “أصل الخير والشر من قِبل التفكُّر فإن الفكر مبدأ الإرادة، التفكُّر والنظر وأخذ التأمل والمعتبر تكرر في القرآن على أوجهٍ متنوعة متعددة، وموارد مختلفة”.

قال الغزالي -رحمه الله-: “كثر الحث في كتاب الله على التدبر والاعتبار والنظر والافتكار، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار، ومبدأ الاستبصار، وهو شبكة العلوم، ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورُتبته، لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره“. انتهى.

نعم كثيرٌ من الناس يعرف فضل التفكُّر وما يُثمر، لكن جهلوا الحقيقة والأثر، فأصبحت عبادةٌ مجهولةٌ مفقودة.

فقد قال ابن القيم: “وأحسن ما أُنفِقت فيه الأنفاس التفكُّر في آيات الله وعجائب صُنعه“.

ومما يجدر التنبيه عليه: أن التفكر في كل شيءٍ مطلوب إلا التفكر في علام الغيوب، فذلك ممنوعٌ مرهوب.

أيها المسلمون: الكون كله بأجمعه دالٌّ على وحدانيته سبحانه، وربوبيته، وأسمائه وصفاته.

فَوَاعَجَبًا كَيْفَ يَعْصِي الإِلَهَ *** أمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجاحِدُ؟!

وَللهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ *** وَفِي كُلِّ تَسْكِينَةٍ شَاهِدُ

وَفِي كُلِّ شِيءٍٍ لَهُ آيَةٌ *** تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الوَاحِدُ

النظر والتفكر في الآيات والمخلوقات البصرية المشاهدة من أعظم ما يقوي الاستجابة من الكتاب والسُّنَّة ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾[فصلت:53].

فالآيات البصرية تدل على الآيات السمعية، التفكر علامةٌ للعقول الذكية، والقلوب الحية، قال -سبحانه وبحمده-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران:190-191].

وقال سبحانه: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾[النور:44].

أمر الله بالتفكر تارة، ورغَّب فيه تارةً أخرى، وبيَّن ثمرته ثالثةً تترى لعلكم تتفكرون.

(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)[آل عمران:191].

﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾[الأعراف:184].

﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)﴾[الغاشية:17-20].

﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ﴾[الروم:8].

وفي القرآن إحدى عشر آية ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾[الروم:20] كما في الروم والشورى وفصِّلت ثالثةٌ أخرى.

وقال: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)[يونس:101].

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ)[آل عمران:190].

فآيات الله وبراهينه التي بها يعرفه العباد، ويعرفون أسماءه وصفاته، وتوحيده وأمره ونهيه، وبقدر التفكر والتأمل يأتي الامتثال والطاعة والعمل، والتفكر هو أعظم رادع وساترٍ ومانع. ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾[سبأ:46].

والتأمل في الآيات والمخلوقات دافعٌ للأعمال الصالحات وتوحيد رب الأرض والسماوات.

تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الأَرْضِ وَاُنْظُرْ *** إِلَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ

عُيُونٌ مِنْ لُجَينٍ شَاخِصَاتٌ *** بِأَحداقٍ هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيْكُ

عَلَى قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شاهِدَاتٌ *** بِأَنّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَـرِيكُ

ويقول الآخر:

تَأَمَّلْ سُطُورَ الْكَائِنَاتِ فَإِنَّهَا *** مِنَ الْمَلِكِ الأَعْلَى إِلَيكَ رَسَـائِلُ

وَقَدْ خَطَّ فِيهَا لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا *** أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ

فإيجاد هذه المخلوقات أوضح دليلٍ على وجود الباري وتفرده بالربوبية والإلهية، المستحق للطاعة والعبادة.

وجاء الفضل لمن تفكَّر وتأمل، ففي الصحيحين: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ“، وذكر منهم “رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ”.

وقد كانت عبادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينما كان يتعبد في غار حراء التفكر والتدبر، فيخلو بنفسه، ويتفكر في مخلوقات ربه، وكان من هَديه عند الاستيقاظ من نومه يتلو آيات ربه، ويتفكر في عظمة خالقه.

ففي الصحيحين حديث عبد الله بن عباس، قال: بِت عند خالتي ميمونة الحديث وفيه، ثم رقد فلما كان ثلث الليل داخل قعد فنظر إلى السماء، فقرأ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)[آل عمران:190]، الآيات خواتيم سورة آل عمران عشر آيات وهي من السُّنن المهجورة عند الاستيقاظ.

ومن تفكره وتدبره صلوات ربي وسلامه عليه حينما صلى معه حذيفة ذات ليلة فافتتح البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران يقرأ مترسلٍ إذا مر بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مر بسؤالٍ سأل، وإذا مر بتعوذٍ تعوذ، كما رواه مسلمٌ في صحيحه.

بل كان من تأمله وتفكره صلوات الله وسلامه عليه أن يأمر غيره بالقراءة وهو منصتٌ متأملٌ في آيات ربه، فقد جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ“، قال: قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أُنزِل؟! قال: “إِنِّي أشتهي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي“، فقرأت النساء حتى إذا بلغت ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾[النساء:41) رفعت رأسي أو غمزني رجلٌ إلى جنبي، فرأيت دموعه تسيل، وفي روايةٍ قال: “حسبك“، فإذا عيناه تذرفان.

والمرء إذا تفكر اعتبر كما قال سفيان ابن عُيينة -رحمه الله-: “إذا المرء كانت له فكرةٌ ففي كل شيءٍ له عبرةٌ“.

التفكر يُوصِل إلى محبة الرحمن، وإرضاء الديان، وانشراح الصدر وصلاحه، وفوزه ونجاحه، التفكر يورث المحبة والخوف والرجاء، والخشية والاستحياء، به تحيا القلوب، وتُستر العيوب، ويزول المكروب، التفكر فيه نجاح الأمور، وصلاح الدور، والأنس والسرور.

قال عيسى عليه السلام: “طوبى لمن كان قلبه تذكرًا، وصمته تفكرًا، ونظره عبرًا“.

سل الواحة الخضراء والماء جاريا *** وهذه الصحاري والجبال الرواسي

سل الروض مزدانًا سل الزهرة والندى *** سل الليل والإصباح والطير شاديا

سل هذه الأنسام والأرض والسما *** سل كل شيء تسمع التوحيد لله ساريا

فلو جنَّ هـذا الليل وامتد سرمدًا *** فمن غير ربي يُرجِع الصبح ثانيا

والتفكر هو ربيع المؤمن، وسلامةٌ من الفتن، وبعدٌ عن المعاصي والإحن.

التفكر مرأةٌ تُريك حسناتك وسيئاتك، ولو تفكر الناس في عظمة الباري ما رتعوا في الذنوب والمعاصي.

نُزْهَةُ الْمُؤْمِنِ الْفِكَر *** لَذَّةُ الْمُؤْمِنِ الْعِبَر

رُبَّ لاهٍ وَعُمْرُهُ *** قَدْ انقَضَى وَمَا شَعَر

قلت ما سمعتم وأستغفر الله إنه هو الغفر الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله وفَّق من شاء للتفكر والاعتبار، فأورثه الجنة دار الأبرار.

عبدا الله: عبادة التفكر هي عبادة الأنبياء، ومنهج الأتقياء، وسمة الأوفياء.

كان لقمان يطيل الجلوس وحده، فلما سُئل عن ذلك، قال: “إن طول الوحدة أفهم للفكر، وطول الفكر دليلٌ على طريق الجنة“. صدق، فالتفكر النافع يقود إلى أعلى المنازل والمنافع.

وجاء عن ابن عباسٍ –رضي الله عنهما-: “ركعتان مقتصدتان في تفكرٍ خيرٌ من قيام ليلةٍ بلا قلب“.

وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: “الفكرة في نِعم الله من أفضل العبادة؛ لأنها تُورث الخشية وزيادة العبادة“.

ولما سُئلت أم الدرداء عن أفضل عبادةٍ لأبي الدرداء، قال: “التفكر والاعتبار“.

وقال الحسن -رحمه الله-: “تفكر ساعة خيرٌ من قيام ليلة؛ لأن نفع التفكر متعدٍ نفعه“.

فسبحان الواحد القهار القوي القادر الغفار.

تُسبِّحه نغمات الطيور *** يُسبِّحه الظل تحت الشجر

يُسبحه النَّبع بين المروج *** وبين الفروع وبين الثمر

يُسبحه النور بين الغصون *** يُسبحه المساء وضوء القمر

قال عامر بن عبد قيس: سمعت غير واحدٍ من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا مرة، ولا مرتين، ولا ثلاث يقولون: “إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر“.

نعم فهو شعلته ونبراسه، وقوته وأساسه.

والتفكر داعٍ إلى العمل، وطاردٌ للكسل.

قال وهب بن مُنبِّه: “ما طالت فكرة امرئٍ قط إلا علِم وما علِم امرؤٌ إلا عمل“.

وقال أبو سليمان الداراني: “إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيءٍ إلا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة“.

وقال بشر بن الحافي -رحمه الله-: “لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله“.

كيف يعصي الضعيف القوي؟! كيف يعصي مَن خلقه، ورزقه، وهداه، ووفقه؟! كيف يعصي مَن مِن السبيل أخرجه؟! كيف يعصي مَن أزِمة الأمور بيده والملك ملكه والخلق خلقه؟!

التفكر -عباد الله- يزيد في العقل، ويقوي الذهن، ويُصفي المزاج.

قيل لإبراهيم بن أدهم -رحمه الله-: إنك تُطيل الفكرة، فقال: “الفكرة مُخ العقل، وهو أكبر مُعين على الفهم والاستنباط، والإدراك والاغتباط“، كما قال الشافعي -رحمه الله-: “استعينوا على الاستنباط بالفكر، وقال: والرؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة“.

والتفكر –عباد الله- يكشف لك حالك، يُبين لك سيئاتك وحسناتك.

قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: “الفكر مرأةٌ تُريك حسناتك وسيئاتك“.

فعلينا أن نعوِّد أنفسنا التفكر والاعتبار والتأمل، والادكار، والجلوس مع النفس ساعةً من ليلٍ أو نهار.

قال أبو سليمان -رحمه الله-: “عوِّدوا أعينكم البكاء، وقلوبكم التفكر، وسبق “وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ“.

وختامًا خُذ هذه الخلاصة والزُّبدة الخالصة من هذا العلامة قال ابن القيم -رحمه الله-: “وأنفع الدواء أن تُشغل نفسك فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكَّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيءٍ بإصلاحه من نفسك، فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي تبتعد أو تقرب من إلهك ومعبودك، الذي لا سعادة لك إلا في قُربه ورضاه عنك إلا بها، وكل الشقاء في بُعدك عنه وسُخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئًا خسيسًا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك“. (انتهى كلامه من الجواب الكافي) صدق -رحمه الله-.

كما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، فإن تفكرت بعلو الهمة وبلوغ القمة، فأنت وصلت إلى القُمة، وإن تفكَّرت بدنو الهمة وقصَّرت في الفكرة وصلت إلى الحضيض والخسة.

الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ مِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ *** وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَيْضٌ مِنْ عَطَايَاهُ

الطَّيْرُ سَبَّحَهُ وَالْوَحْشُ مَجَّدَهُ *** وَالْمَوْجُ كَبَّرَهُ وَالْحُوتُ نَاجاهُ

وَالنَّمْلُ تَحْتَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ *** وَالنَّحْلُ يَهْتِفُ حَمْدًا فِي خَلايَاهُ

وَالنَّاسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا فَيَسْتُرُهُمْ *** وَالْعَبْدُ يَنْسَى وَرَبِّي لَيْسَ يَنْسَاهُ

وصلوا وسلموا…

بطاقة المادة

المؤلف خالد بن علي أبا الخيل
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية