البحث

عبارات مقترحة:

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

من رمضان انطلقنا.. (أول خطبة بعد رمضان)

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن محمد النغيمشي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات -
عناصر الخطبة
  1. مرور الأزمان وانقضاء الأعمار وبقاء سجلات الأعمال .
  2. لا انقطاع للأعمال الصالحة إلا بالموت .
  3. الاستمرار على الطاعات بعد رمضان والمسارعة فيها .
  4. صيام الست من شوال بعد رمضان .
  5. البعد عن محبطات الأعمال ومفسداتها بعد رمضان .

اقتباس

عباد الله: في شهر رمضان كمْ شَيَّدَ المسلمُ للطاعةِ بنياناً، وكم أقامَ لها صروحاً، وكم قَرَّبَ لِرَبِّهِ قُرباناً؛ صَلَّى وتصدق، صامَ وقرأ القرآن، وقدَّمَ من أنواعِ القُرُباتِ ما يُسِّرَ لَه. أعمالٌ يرجو المسلمُ أن يراها يومَ القيامةِ في كِفَّة الحسنات. ولئن...

الخطبة الأولى:

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

أيها المسلمون: راكبٌ يقطعُ ظهر الأرضِ يمشي سريعاً يطوي الفيافي والقفار، يُقْبِلُ على مَعْلَمٍ من معالمِ الأرضِ يبصِرُهُ أمامَه مِن بعيد، فما يلبثُ أنْ يَبْلُغَهُ، حتى يتجاوزَه ثم يتورى عنه ويغيب، يَمُرُّ بالمعالِمِ إقبالاً ثم إدباراً حتى يبْلُغ الغايةَ وينتهي المسير.

وكذا الإنسانُ في مسيرِهِ في الحياة يُقبِلُ على مواسمَ كان ينتظِرُها، وعلى أفراحٍ كان يَرْتَقِبُها، وعلى أيامٍ أو شهورٍ كان يأمُلُ إدراكها، ثم ما تلبثُ أن تأتي عليه تلك المشاهِدُ ثم تَتَقَضَّى وتغيب.

               

أرأيتم كم كان المسلمون ينتظرون بلوغَ شهرِ رمضان يَعُدُّونَ دُوْنَ بُلُوغِه الشهورَ والساعاتِ والأيام، فَغَشِيَهُم الشهرُ كسحابةِ غيثٍ مباركةٍ، ثم انقضى الشهر بأيامِهِ ولياليه سراعاً، وها هو اليومَ في عدادِ الذكريات.

والأحياءُ من المسلمين اليومَ ينتظرون أمامهم شهرَ ذِي الحجة، فهم يحسبون دونَ بلوغِه الشهورَ والأيام، وسيأتي المُنتَظَرُ على مَنْ كَتَبَ الله له في العمرِ بقية، وسيرتحلُ كما ارتحلَ رمضان.

إنها قِصَّةُ المَسِيْرِ إلى الآخرَةِ، وفي كُلِّ يومٍ يُبسَطُ للعبدِ عمرٌ جديد، أعمارٌ محدودةٌ، ممدودةٌ بطولِ الآمال، فيها أعمالٌ تُدَوَّن، وصحائفُ تُطوى، وستُنشَرُ الصحائفُ في يومٍ عصيب، لكل عاملٍ يوم الحسابِ صحيفةٌ مبسوطةٌ، قد دونتها في الحياةِ جوارِحُه وخُطاه: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الإسراء: 13-14]، (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى)[النجم: 39-41].

عباد الله: في شهر رمضان كمْ شَيَّدَ المسلمُ للطاعةِ بنياناً، وكم أقامَ لها صروحاً، وكم قَرَّبَ لِرَبِّهِ قُرباناً؛ صَلَّى وتصدق، صامَ وقرأ القرآن، وقدَّمَ من أنواعِ القُرُباتِ ما يُسِّرَ لَه.

أعمالٌ يرجو المسلمُ أن يراها يومَ القيامةِ في كِفَّة الحسنات -تقبلَ الله من عبادِه صالح العمل، وتجاوز عنهم التقصير والخطأ والزلل، إن ربنا لغفورٌ شكور-.

ولئن انطوى الشهرُ وانصرم فإن عملَ المسلمِ لا ينطوي بانطواء شهرٍ، ولا يتوقفُ برحيل مرحلة، عَمَلُ المسلمِ لا ينقطعُ ولا يتوقفُ من مرحلة التكليفِ إلى أن يأتيه اليقين، قال عيسى -عليه السلام- حين تكلم في المهد: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)[مريم: 31] ما دامت الحياةُ تدب في الجسد، فالوصية بالثبات على عمل الصالحات قائمة، وصيةٌ من الله رب العالمين، وبها جاء التوجيه لنبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 98-99]، فلا انقطاع عن عمل الصالحات دون الموت، وإن كان لمواسِم الخيرات جهدٌ مضاعفُ.

وعبادُ الله الذين اصطفى وأورثهم اللهُ الكتاب افترقوا إلى ثلاثِ شُعبٍ، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات -بإذن الله-.

سابق بالخيرات، محافظ على الفرائضِ والواجبات، مبادرٌ إلى السنن والمستحبات، مجتنبٌ للمعاصي والمحرمات، متجافٍ عن دروبِ المكروهات، في جميع الشهورِ والأوقات: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[الواقعة: 10-12] وبعد رمضان يجدرُ بالسلمِ أن يسير حثيثاً في مصاف السابقين بالخيرات، اعتادَ على الصيامِ شهراً كاملاً فليجعل له في كل شهر من صيامِ النافلة نصيب، واعتاد على القيامِ شهراً كاملاً، فليجعل له من صلاة الليل نصيب، واعتاد على قراءة القرآنِ فلا يَهجُرَنَّه، واعتاد على أنواعٍ من القُرُباتِ فلا يقطَعَنّه، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ، وركعتي الضحى، وأن أُوتر قبل أن أنام"(متفق عليه).

وفي شهرِ رمضان قَوِيَ المسلمُ على إحياءِ روح المراقبةِ في قلبِه لله، فامتنع عن الشرابِ والطعامِ وسائرِ المُفَطِّراتِ أثناءَ الصيام. فَلَم يقترف شيئاً من ذلك في السِّرِّ ولا في العلن؛ لأنه يعلمُ أنه صائمٌ لله، وأن الله يعلم حالَه ويراه، وتلك حقيقةُ التقوى التي مِن أجلها شُرِعَ الصيام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].

هذه المراقبةُ لله ما أكرَمها أن تكون قرينةً للمسلمِ في جميع أحوالِه، يقفُ عند حدودِ الله لا يتجاوزُها، فيُغضي عن كلِّ نظرةٍ حرام، ويمتنعُ عن كلِّ الذنوب والآثام؛ لأنه يعلمُ أن الله حرَّمها عليه، وأن الله مُطَّلِعٌ عالمٌ بحالِه ناظرٌ إليه، فكلما دَعَتْه النفسُ الغويةُ للهوى أشاحَ عنها بِقَلْبِ الذّلِّ إني لخائِفُ: (قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)[الأنعام: 15].

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. 

أما بعد: فاتقوا الله -معاشر المسلمين- (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران: 132].

أيها المسلمون: وصيامُ ستةِ أيامٍ من شوالٍ بعدَ رمضان فضيلةٌ جاء النص فيها؛ فعن أَبي أيوب -رضي الله عنه- "أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ"(رواه مسلم) تلك غنيمةٌ لا تُغْبَنُوها.

عباد الله: ومن تمام العقلِ وصحة الإدراك: أن يحفظَ المسلمُ كُلَّ حسنةٍ يقترفُها، فَمَن اجْتَهَدَ في جمعِ الحسنات فليضاعِفِ الجُهدَ في الحفاظ عليها؛ فإن خزينةً لا تحمي مال صاحبها لهي نقصٌ ووبال، وإنَّ سيئةً يتعدى أثرُها إلى نقصان الحسنات لهي غبنٌ خُسران؛ فَمِنَ السيئاتِ ما هي شؤمُها خطير، وضررُها مُستَطِيْر، يتعدى أثرُها فيقضي على الحسناتِ فيمحقُها، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومحبطاتُ الأعمالِ ومفسداتُها أكثرُ من أن تحصر، وليس الشأن في العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه"، وفي الحديثِ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابِه يوماً: "أتدرونَ مَنِ المُفْلِسُ؟" قالوا: المفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرهَمَ لَهُ ولا مَتَاع؟ فَقَالَ: "إنَّ المُفْلسَ مِنْ أُمَّتي مَنْ يأتي يَومَ القيامَةِ بِصَلاَةٍ وصِيامٍ وَزَكاةٍ، ويأتي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وهَذَا مِنْ حَسناتهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُه قَبْل أَنْ يُقضى مَا عَلَيهِ، أُخِذَ منْ خَطَاياهُم فَطُرِحَتْ عَلَيهِ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ"(رواه مُسلم).

اللهم احفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا...