نواقض الإسلام العشرة

عناصر الخطبة

  1. المحافظة على نعمة الإسلام
  2. نواقض الإسلام العشرة
  3. عدم الحكم بكفر فاعل المكفِّر
اقتباس

واعلم -عبد الله- أن هناك نواقض كثيرة لو لم تبعد عنها لخرجت من دائرة الإسلام، وقد أجمع العلماء على هذه (العشرة النواقض)، وقد جمعها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في رسالة صغيرة الحجم، عظيمة القدر، يجب على كل مسلم معرفتها وحفظها وتعليمها من يعول؛ فإن ثمرة العلم العمل.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

عباد الله: لقد مَنّ الله علينا بنعم عظيمة، ومن أعظمها وأجلها وأكرمها عند الله نعمة الإسلام، فيجب المحافظة عليها، ودعاء الله الثبات على هذا الدين.

واعلم -عبد الله- أن هناك نواقض كثيرة لو لم تبعد عنها لخرجت من دائرة الإسلام، وقد أجمع العلماء على هذه (العشرة النواقض)، وقد جمعها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في رسالة صغيرة الحجم، عظيمة القدر، يجب على كل مسلم معرفتها وحفظها وتعليمها من يعول؛ فإن ثمرة العلم العمل.

أول نواقض الإسلام: الشرك في عبادة الله -تعالى-، قال -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:48] وقال -تعالى-: ﴿مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة:72].

ومنه دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر والذبح لغير الله، كمن يذبح للجن، أو للقبر. والشرك أعظم ذنب عُصي الله به، وهو مساواة الخالق بالمخلوق.

الناقض الثاني عباد الله: هو من جملة الناقض الأول، لكنه أخص منه، وهو من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فقد كفر إجماعاً، قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر:3]، هذه حجتهم، فرد الله عليهم بقوله : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر:3]، فهم كذَبة بقولهم، كفار بفعلهم، حيث إنهم شبهوا الله -تعالى- بملوك الدنيا الذين لا تستطيع الوصول إليهم إلا عن طريق الواسطة، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

الناقض الثالث: من لم يكّفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر، مثل اليهود والنصارى وغيرهم، فهؤلاء كفّرهم الله في غير آية، فإذا لم تكفرهم، أو شككت في كفرهم، أو صححت مذهبهم، فإنك مكذب للقرآن، ومن كذب القرآن كفر، فليس هناك أكفر ممن يقول: إن الله ثالث ثلاثة، أو: إن له ولداً، أو: إن المسيح ابن الله، أو هو الله، تعالى ربنا وتقدس [عما يقول الظالمون علوا كبيرا]. ثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده! لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أهل النار".

الناقض الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هديه، أو حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه، فهو كافر؛ فمن اعتقد أن هدي أحد من الناس أحسن أو مماثل أو يجوز أن تحكم به من دون الله فهذا هو الشرك الأكبر، قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة:44].

الناقض الخامس: مَن أبغض شيئاً مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولو عمل به، كفر إجماعاً، والدليل قوله -تعالى-: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد:9]، البغض والكراهية لشيء مما جاء به الرسول، مثل الزكاة، كأن يكره إخراج الزكاة ويبغضها، أو يكره الصلاة ولو صلى.

الناقض السادس: من استهزأ بالله، أو بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو ثواب الله، أو عقابه؛ كفَر. من استهزأ بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو السخرية والنقص والاستهزاء بشيء ﴿أو﴾ أمْرٍ ممّا جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ(66)﴾ [التوبة:65-66]، فهذه الآية صريحة في تكفير من استهزأ بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك آياته. فكيف بمن استهزأ بدين الله من صلاة وصيام وزكاة؟ أو استهزأ باللحية؛ لأنها دين، أو بالحجاب؛ لأنه دين.

الناقض السابع: السحر، ﴿وهو﴾ عبارة عن عزائم ورُقى وعقود وأدوية وتدخينات تؤثر في القلوب والأبدان، فتُمرض وتقتل وتفرق بين المرء وزوجه، وسُمي سحراً لأن السحر يؤثر في الخفاء، فالساحر يكفر؛ لأنه يستعين بالشياطين، فمن علم أو تعلم أو فعل أو رضي بالسحر كفر، قال -تعالى-: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة:102]، وقال: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة:102]، ومنه الصرف الذي يفرق بين المرء وزوجة, ومنه العطف، وهو يعطف ويجمع المرء ومن أحب.

وحكم الساحر أنه كافر، وثبت قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم: عمر بن الخطاب، وحفصة بنت عمر، وجندب -رضي الله عنهم-، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" رواه مسلم، وقال: "ومن أتى كاهنا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً" رواه الأربعة.

الناقض الثامن من نواقض الإسلام: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة:51]؛ فمظاهرة المشركين، وإعانتهم على المسلمين في القتال، وإعانة الكفار على المسلمين بالمال، أو الرأي، أو غير ذلك، فإنه يكفّر؛ لأن هذا العمل يستلزم محبتهم وبغض المسلمين، قال -تعالى-: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: الناقض التاسع من نواقض الإسلام: من اعتقد …﴿أنه﴾ يسعه الخروج عن شريعة محمد، كما وسع الخضر الخروج على شريعة موسى -عليه السلام-، فهو كافر، الخروج عن شريعة محمد يكون بالفعل أو القول، قال -تعالى-: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف:158].

الناقض العاشر: الإعراض عن دين الله -تعالى-، لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة:22]، وذلك بأن يكون منسلخاً من الدين بالكلية.

فمن وقع في ناقض من تلك النواقض هازلاً مازحاً، أو جاداً قاصداً، أو خائفاً فوت مال أو جاه، فهو كافر، لا فرق.

أما إن أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان فقد عذره الله -تعالى-: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل:106].

وبعد: فليعلم أن المسلم قد يقول قولاً أو يفعل فعلاً دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أنه كفر وردة عن الإسلام، لكن لا تلازم عند أهل العلم بين القول بأن هذا كفر وبين تكفير الرجل بعينه؛ فليس كل من فعل مكفِّراً حُكم بكفره؛ لأنه لا بد أن تثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، فالمرء قد يكون حديث عهد بإسلام، وقد يفعل مكفّراً لا يعلم أنه كفر، فإذا بُيّن له رجع، وقد يُنكِر شيئاً متأوّلاً أخطأ بتأويله.

وهذا أصل عظيم يجب تفهمه والعناية به؛ لأن التكفير ليس حقاً للمخلوق يكفّر من شاء بهواه، بل يجب الرجوع في ذلك إلى الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح.

فاتقوا الله عباد الله، وعظمّوا شعائر دينكم، واغرسوا في قلوبكم وقلوب من تعولون اتّباع أوامر ربكم، وابتعدوا عن كل طريق يكون فيه سبب لغوايتكم وسخط ربكم، واحذروا نواقض دينكم، واسألوا ربكم الثبات على دينه، والخوف من غضبه وما يوجب عقابه، نعوذ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه.

اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم وفقنا لما يرضيك عنا، وجنبنا ما يسخطك علينا يا حي يا قيوم.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين في كل مكان، اللهم لا تجعل للكافرين منّة على المؤمنين، واجعلهم غنيمة، سائغة لهم يا قوي يا عزيز.

اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لرضاك، واجعل عمله في رضاك، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم هيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أرهم الحقّ حقًا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، اللهم اجمع كلمتهم على الحق، وردهم إلى دينك رداً جميلاً يا سميع الدعاء.

اللهم كن للمستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم آمنهم في أوطانهم، وأرغد عيشهم، واحقن دماءهم، واكبت عدوهم.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم فرّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّسْ كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسر المأسورين، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.