الجمعة وحكمة الاجتماع فيها

عناصر الخطبة

  1. فضل صلاة الجمعة
  2. من آدابها
  3. فضل يوم الجمعة
  4. من حِكم الاجتماع في صلاة الجمعة
  5. التحذير من التهاون في أداء الجمعة
اقتباس

إن المسلمين يأتون إلى صلاة الجمعة وهم متهيئون نفسياً وبدنياً، قد رغبوا في هذه الصلاة وقصدوها طوعاً ومحبة، وتجملوا لها باللباس والطيب والتنظيف، كل ذلك استجابة لنداء الله -عز وجل- في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة:9].

الخطبة الأولى:

عباد الله: إن مما يفرح القلب، ويثلج الصدر، رؤية المسلمين وهم يتجهون إلى بيوت الله -عز وجل- ليؤدوا هذه الصلاة العظيمة، صلاة الجمعة، فتمتلئ المساجد بهم.

إن المسلمين يأتون إلى صلاة الجمعة وهم متهيئون نفسياً وبدنياً، قد رغبوا في هذه الصلاة وقصدوها طوعاً ومحبة، وتجملوا لها باللباس والطيب والتنظيف، كل ذلك استجابة لنداء الله -عز وجل- في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة:9].

فسعوا إلى ذكر الله، وتركوا البيع والشراء، وقصدوا بيوت الله؛ استجابة لهذا النداء الإلهي، ورجاء للخير والفضل والثواب الذي رتب على السعي إلى هذه الصلاة وأدائها وسماع الذكر والوعظ الذي يسبقها، المذكور في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا" أخرجه مسلم، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس، والجمعة وإلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر" أخرجه مسلم، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" أخرجه البخاري.

ولأنهم علموا أن هذا اليوم خير يوم طلعت عليه الشمس، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها" أخرجه مسلم.

وأنه يوم تحضره الملائكة، وتكتب حضور الناس الأول فالأول، كما في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول"، وفيه: "فإذا خرج الإمام طووا صحفهم يستمعون الذكر".

فالذي لا يحضر صلاة الجمعة ويهرب منها وينام عنها لا يكون له في هذه الصحف ذكر، وهذه علامة على الشقاء والتعاسة.

ولأنهم يعلمون -أيضاً- أن في هذا اليوم العظيم ساعة ترجى فيها إجابة الدعاء، فهم يرجون أن يوافقوها فيسألوا ربهم من خيري الدنيا والآخرة، ففي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه"، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن وقت هذه الساعة، وهو ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة.

ولو علمتم -عباد الله- ما في اجتماعكم في هذه الصلاة وصلاة العيدين وفي الحج من إغاظة الكفار، وأن في إغاظة الكفار أجراً جزيلاً، لازددتم حرصاً واستمراراً ومحافظة عليها. اسمعوا إلى قول الله -عز وجل- في كتابة الثواب الجزيل لمن أغاط الكفار: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [التوبة:120].

وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أن من صفات أعداء الله الغيظ والحقد على المسلمين، قال -سبحانه-: ﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران:119].

فالأعداء ترهبهم هذه الاجتماعات الدينية التي تربط بين المسلمين وتوحد بينهم وتجمعهم في مكان واحد لهدف واحد وغاية واحدة؛ لذا فهم يحرصون على صرف المسلمين عن طاعة ربهم بكل وسيلة، وأشد وسائلهم الغزو الفكري والثقافي، والغزو الجنسي المسعور، بما يبثونه من الشرور والآثام من خلال هذه القنوات الفضائية.

فالسعيد -عباد الله- من حافظ على طاعة ربه وعبادته حتى الموت، والشقي من ضيع عبادة ربه وفرط فيها وعصى ربه وغوى، فذلكم موعود بالأجر والثواب والجزاء العظيم من الله -عز وجل-، وهذا متوعد بالخزي والنكال والعذاب، وشتان بين مُشرّقٍ ومغرّب!.

قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله-:

أيضمن لي فتىً ترك المعاصي *** وأرهنـه الكفــالةَ بالخلاص

أطاع الله قوم فاسـتـراحوا *** ولم يتجرعوا غصص المعاصي

وبقدر ما يفرحنا هذا الأمر -عباد الله- فإنه يحزننا أن نرى طائفة من الناس -ولا سيما الشباب منهم- لا يشهدون الجمعة مع المسلمين، قد ألهتهم شهواتهم وملذاتهم عنها، وساقهم الهوى إلى مهاوي الردى، وأطاعوا النفس الأمارة بالسوء، واتبعوا خطوات الشيطان فأضلهم عن الهدى، وصدهم عن مصدر سعادتهم وفلاحهم وراحة بالهم واطمئنان قلوبهم، ألا وهو طاعة ربهم -جل وعلا-.

ويخشى على هؤلاء إن استمروا على ترك الجمعة ودأبوا على العزوف عنها وآثروا شهواتهم وملذاتهم ولهوهم ولعبهم أن يكتبوا من الغافين الذين طبع الله على قلوبهم وختم عليها، عياذاً بالله من ذلك! فيخاف عليهم من سوء الخاتمة، والنهاية البائسة.

ففي صحيح مسلم -رحمه الله- عن أبي هريرة وابن عمر -رضي الله عنهم- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبريه: " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات -أي: تركهم الجمعات- أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين".

وفي مسند الإمام أحمد -رحمه الله- عن أبي الجعد الشمري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه"، وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليسع إلى الجمعة، ومن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه، والله غني حميد"، وجاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره"، قال الحافظ المنذري: رواه أبوه يعلى موقوفا بإسناد صحيح.

وفي السير، عن شقيق البلخي -رحمه الله- أنه قال: لو أن رجلاً عاش مائتي سنة لا يعرف هذه الأربع لم ينج: معرفة الله، ومعرفة النفس، ومعرفة أمر الله ونهيه، ومعرفة عدو الله وعدو النفس.

وقال أحدهم:     

حامل الهوى تعِبُ *** يسـتـخفه الطربُ

إن بكى يحـــق لـه *** ليــس ما به تعـب

فيا عباد الله: لنجعل لطاعة الله وعبادته منزلة في قلوبنا، ولنحرص عليها أشد من حرصنا على الذهب والفضة، قبل فوات الأوان، وقبل أن تقوم قيامة الإنسان بموته، فإنك لا تدري -يا عبد الله- متى تفجؤك المنية، فقد تفجؤك وأنت مقيم على معصية الله، تارك لطاعته، غارق في الشهوات المحرمة، فتكون خاتمك خاتمة سيئة والعياذ بالله.

إنك فـــي دار لــهــا *** يقبل فيها عمــل العاملِ

أما ترى الموت محيـطا بها *** يقطع فيــها أمل الآمل

تعجل بالذنب لما تشتهي *** وتأمل التوبـــة من قابل

الموت يأتي بعد ذا بغتــة *** ما ذاك فعل الحازم العاقل

يقول الله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر:18].