الغني
كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...
تحول المال إلى نقد بعد أن كان سلعة . ومن شواهده قولهم : "قَالَ مَالِكٌ الأَمْرُ عِنْدَنَا فِى الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَعِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ النَّاضِّ سِوَى ذَلِكَ ممَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يُزَكِّى مَا بِيَدِهِ مِنْ ناضٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ . " الموطأ :598.
اسمُ الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ عند أَهْلِ الحِجازِ، ويُقال أيضاً: النَّاضُّ والنَّضُّ، وإِنَّما يُسَمُّونَهُ ناضّاً: إذا تَحَوَّلَ فِضَّةً أو عَيْناً بعد ما كان متاعاً بِبَيْعٍ أو مُعاوَضَةٍ. وأصْلُ الكَلِمَة يَدُلُّ على تَيْسِيرِ الشَّيْءِ وظُهورِهِ، يُقال: نَضْنَضَ الرَّجُلُ: إذا كَثُرَ ناضُّهُ، وهو ما ظَهَر وحَصَل مِن مالِه، ونَضَّ الثَّمَنُ، أي: حَصَلَ وتَعَجَّلَ، ويُقال: فُلانٌ يَسْتَنِضُّ مالَ فُلانٍ، أيْ: يَأْخُذُهُ كَما تَيَسَّرَ. والنَّاضُّ مِن المالِ: هو ما لَهُ مادَّةٌ وبَقاءٌ، مَأخُوذٌ مِن نُضاضَةِ الماءِ، وهي: بَقِيَّتُهُ.
يَرِد مُصطَلح (ناضّ) في الفقه في كتاب البيوع، باب: المُضارَبَة عند الكلام على أَثَرِ النُّضوضِ في فَسْخِ عَقْدِ المُضاربة، وفي كتاب الشَّرِكَة، باب: أحكام الشَّرِكة عند الكلام على اشتِراط النُّضوضِ في مالِ الشَّرِكَةِ - أي دَنانِير ودَراهِمَ - لِفسخِها عند بعض الفقهاء.
نضض
المال المتحول عينا بعد أن كان متاعًا.
* تهذيب اللغة : (11/322)
* مقاييس اللغة : (5/357)
* شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم : (9/6444)
* مختار الصحاح : (ص 313)
* لسان العرب : (7/236)
* حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : (3/535)
* حاشية الجمل على شرح المنهج : (2/268)
* تحرير ألفاظ التنبيه : (ص 112)
* النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب : (1/154)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (3/506)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (40/6)
* التعريفات الفقهية : (ص 224)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 472)
* تاج العروس : (19/72) -
التَّعْرِيفُ:
1 - النَّاضُّ - فِي اللُّغَةِ - اسْمُ فَاعِلٍ مِنِ الْفِعْل نَضَّ، يُقَال: نَضَّ الْمَاءُ: سَال، وَالنَّاضُّ مِنَ الْمَاءِ: مَا لَهُ مَادَّةٌ وَبَقَاءٌ، وَنَضَّ الثَّمَنُ: حَصَل وَتَعَجَّل، وَالنَّضُّ: الدِّرْهَمُ الصَّامِتُ، وَالنَّاضُّ مِنَ الْمَتَاعِ: مَا تَحَوَّل وَرِقًا أَوْ عَيْنًا، وَأَهْل الْحِجَازِ يُسَمُّونَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ نَضًّا وَنَاضًّا، وَإِنَّمَا يُسَمُّونَهُ نَاضًّا إِذَا تَحَوَّل عَيْنًا بَعْدَ مَا كَانَ مَتَاعًا؛ لأَِنَّهُ يُقَال: مَا نَضَّ بِيَدِي مِنْهُ شَيْءٌ، أَيْ مَا حَصَل، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: كَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ نَاضِّ الْمَال (1) ، وَهُوَ مَا كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، عَيْنًا أَوْ وَرِقًا. (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3) . مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّاضِّ مِنْ أَحْكَامٍ:
اشْتِرَاطُ النَّضُوضِ لِوُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ:
2 - يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ فِي زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ إِذَا كَانَ التَّاجِرُ مُدِيرًا - وَهُوَ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي كَأَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ - أَنْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَال، وَلَوْ قَل كَدِرْهَمٍ لاَ أَقَل، فَإِذَا نَضَّ لَهُ دِرْهَمٌ فَأَكْثَرُ فَإِنَّهُ فِي آخِرِ الْحَوْل يُقَوِّمُ عُرُوضَ تِجَارَتِهِ، وَيُخْرِجُ عَمَّا قَوَّمَهُ عَيْنًا لاَ عَرَضًا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنِضَّ لَهُ فِي أَوَّل الْحَوْل أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ (4) .
وَذَكَرَ أَشْهَبُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنِضَّ لَهُ نِصَابٌ، وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: إِنَّهُ يُزَكِّي وَلَوْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ (5) .
فَإِنْ لَمْ يَنِضَّ لِلتَّاجِرِ شَيْءٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ، قَال سَحْنُونٌ لاِبْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً كَانَ يُدِيرُ مَالَهُ لِلتِّجَارَةِ لاَ يَنِضُّ لَهُ شَيْءٌ، فَاشْتَرَى بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ حِنْطَةً، فَلَمَّا جَاءَ شَهْرُهُ الَّذِي يُقَوَّمُ فِيهِ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ الَّذِي يَتَّجِرُ فِيهِ حِنْطَةً فَقَال: أَنَا أُؤَدِّي إِلَى الْمَسَاكِينِ رُبْعَ عُشْرِ هَذِهِ الْحِنْطَةِ كَيْلاً وَلاَ أُقَوِّمُ، قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: قَال لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: إِذَا كَانَ رَجُلٌ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلاَ يَنِضُّ لَهُ شَيْءٌ، إِنَّمَا يَبِيعُ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ فَهَذَا لاَ يُقَوِّمُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، أَيْ لاَ زَكَاةَ وَلاَ يُقَوِّمُ حَتَّى يَنِضَّ لَهُ بَعْضُ مَالِهِ، قَال مَالِكٌ: وَمَنْ كَانَ يَبِيعُ بِالْعَيْنِ وَالْعَرَضِ فَذَلِكَ الَّذِي يُقَوِّمُ (6) .
وَفِي الْحَطَّابِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ إِلاَّ بِالنَّضُوضِ، وَأَنَّهَا لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا بَاعَ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ، قَال الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمُدِيرِ إِذَا كَانَ يَبِيعُ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ ذَرِيعَةً لإِِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمَذْهَبِ، وَيُؤْخَذُ بِزَكَاةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَال، وَقَال ابْنُ جُزَيٍّ: مَنْ كَانَ يَبِيعُ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ وَلاَ يَنِضُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ عَيْنٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ فَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ (7) .
وَالتَّاجِرُ الْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ وَكَانَ مُدِيرًا وَقَدْ نَضَّ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ وَلَوْ دِرْهَمًا فَقِيل: إِنَّهُ يُقَوِّمُ عُرُوضَهُ وَدُيُونَهُ وَيُزَكِّيهَا مَعَ مَا بِيَدِهِ مِنَ الْعَيْنِ لِحَوْلٍ مِنْ إِسْلاَمِهِ، وَقِيل: إِنَّهُ يَسْتَقْبِل بِثَمَنِ مَا بَاعَ بِهِ مِنْ عُرُوضِ الإِْدَارَةِ حَوْلاً بَعْدَ قَبْضِهِ إِذَا كَانَ نِصَابًا؛ لأَِنَّهُ كَالْفَائِدَةِ، فَإِنْ كَانَ أَقَل مِنْ نِصَابٍ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ (8) .
وَفِي الْمَوَّاقِ بِالنِّسْبَةِ لِمَال الْقِرَاضِ، قَال ابْنُ رُشْدٍ: إِنْ كَانَ الْعَامِل حَاضِرًا مَعَ رَبِّ الْمَال، فَكَانَا جَمِيعًا مُدِيرَيْنِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنِضَّ الْمَال وَيَتَفَاصَلاَ، وَإِنْ أَقَامَ الْمَال بِيَدِهِ أَحْوَالاً (9) .
وَفِي الدُّسُوقِيِّ: إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الْعَامِل وَرَبِّ الْمَال مُدِيرًا يَكْفِي النَّضُوضُ لأَِحَدِهِمَا، وَإِنْ أَدَارَ الْعَامِل فَقَطْ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ.
وَقَال اللَّقَانِيُّ: يُشْتَرَطُ النَّضُوضُ فِيمَنْ لَهُ الْحُكْمُ (10) .
وَيَظْهَرُ أَثَرُ النَّضُوضِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ضَمِّ رِبْحِ التِّجَارَةِ إِلَى الأَْصْل أَوْ عَدَمِ ضَمِّهِ.
قَالُوا: يَضُمُّ رِبْحَ التِّجَارَةِ الْحَاصِل أَثْنَاءَ الْحَوْل إِلَى الأَْصْل فِي الْحَوْل، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَنِضَّ، فَلَوِ اشْتَرَى عَرَضًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَبْل آخِرِ الْحَوْل وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ثَلاَثَمِائَةٍ؛ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْجَمِيعَ آخِرَ الْحَوْل، سَوَاءٌ أَحَصَل الرِّبْحُ بِزِيَادَةٍ فِي نَفْسِ الْعَرَضِ كَسَمْنِ الْحَيَوَانِ أَمْ بِارْتِفَاعِ الأَْسْوَاقِ.
أَمَّا إِذَا نَضَّ - أَيْ صَارَ الْكُل نَاضًّا - دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَال الَّذِي هُوَ نِصَابٌ، وَأَمْسَكَهُ إِلَى آخِرِ الْحَوْل، أَوِ اشْتَرَى بِهِ عَرَضًا قَبْل تَمَامِهِ فَيُفْرِدُ الرِّبْحَ بِحَوْلِهِ وَيُزَكِّي الأَْصْل بِحَوْلِهِ، وَهَذَا فِي الأَْظْهَرِ، وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ نَاضًّا بِالْبَيْعِ أَوْ بِإِتْلاَفِ أَجْنَبِيٍّ، فَإِذَا اشْتَرَى عَرَضًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِثَلاَثِمِائَةٍ، وَأَمْسَكَهَا إِلَى تَمَامِ الْحَوْل، أَوِ اشْتَرَى بِهَا عَرَضًا، وَهُوَ يُسَاوِي ثَلاَثَمِائَةٍ فِي آخِرِ الْحَوْل فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْ مِائَتَيْنِ، فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى أَخْرَجَ عَنِ الْمِائَةِ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ أَنَّهُ يُزَكِّي الرِّبْحَ بِحَوْل الأَْصْل، كَمَا يُزَكِّي النِّتَاجَ بِحَوْل الأُْمَّهَاتِ.
هَذَا إِذَا كَانَ النَّاضُّ مَنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَال، أَمَّا إِذَا كَانَ النَّاضُّ الْمَبِيعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَال فَهُوَ كَبَيْعِ عَرَضٍ بِعَرَضٍ فَيَضُمُّ الرِّبْحَ إِلَى الأَْصْل، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيل عَلَى الْخِلاَفِ فِيمَا هُوَ مِنِ الْجِنْسِ.
وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَال دُونَ نِصَابٍ: كَأَنِ اشْتَرَى عَرَضًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَبَاعَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَأَمْسَكَهَا إِلَى تَمَامِ حَوْل الشِّرَاءِ، وَاعْتَبَرْنَا النِّصَابَ آخِرَ الْحَوْل فَقَطْ زَكَّاهُمَا إِنْ ضَمَمْنَا الرِّبْحَ النَّاضَّ إِلَى الأَْصْل، وَهَذَا عَلَى الْقَوْل الْمَرْجُوحِ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ الرِّبْحَ إِلَى الأَْصْل - وَهَذَا عَلَى الْقَوْل الرَّاجِحِ - فَإِنَّهُ يُزَكِّي مِائَةً وَالرِّبْحَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَزَكَّى مِائَةَ الأَْصْل قَبْلَهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْل التِّجَارَةِ؛ لأَِنَّ النَّضُوضَ لاَ يَقْطَعُهُ؛ لِكَوْنِهِ نِصَابًا.
وَإِنِ اعْتَبَرْنَا النِّصَابَ فِي جَمِيعِ الْحَوْل أَوْ فِي طَرَفَيْهِ فَابْتِدَاءُ حَوْل الْجَمِيعِ مِنْ حِينِ بَاعَ وَنَضَّفَإِذَا تَمَّ زَكَّى الْمِائَتَيْنِ (11) .
أَثَرُ النَّضُوضِ فِي فَسْخِ الشَّرِكَةِ:
3 - الشَّرِكَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لاَزِمٍ وَلِكُل وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فَسْخُ الشَّرِكَةِ.
وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَشْتَرِطُ لِفَسْخِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَ مَال الشَّرِكَةِ نَاضًّا، أَيْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَإِذَا كَانَ مَال الشَّرِكَةِ عُرُوضًا فَلاَ يَجُوزُ فَسْخُ الشَّرِكَةِ، وَتَبْقَى قَائِمَةٌ إِلَى أَنْ يَنِضَّ الْمَال، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شَرِكَةِ الْعَقْدِ ف 56، 57) .
أَثَرُ النَّضُوضِ فِي فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ:
4 - إِذَا كَانَ رَأْسُ مَال الْمُضَارَبَةِ نَاضًّا - أَيْ صَارَ عَيْنًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ - فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُ الْمُضَارَبَةِ؛ لأَِنَّهَا مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ (12) .
أَمَّا إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَال غَيْرَ نَاضٍّ بِأَنْ كَانَ عُرُوضًا مَثَلاً فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ جَازَ (13) .
وَإِنْ طَلَبَ رَبُّ الْمَال أَوِ الْعَامِل تَنْضِيضَهُ فَقَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ طَلَبَ رَبُّ الْمَال أَوِ الْعَامِل نَضُوضَ الْمَال فَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي الأَْصْلَحِ مِنْ تَعْجِيل التَّنْضِيضِ أَوْ تَأْخِيرِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى نَضُوضِهِ جَازَ كَمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ الْعُرُوضِ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَيَكْفِي مِنْهُمُ اثْنَانِ، وَاسْتَظْهَرَ الْعَدَوِيُّ كِفَايَةَ وَاحِدٍ عَارِفٍ يَرْضَيَانِهِ (14) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَلْزَمُ الْعَامِل تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَال إِنْ كَانَ عِنْدَ الْفَسْخِ عَرَضًا وَطَلَبَ الْمَالِكُ تَنْضِيضَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَال رِبْحٌ أَمْ لاَ، وَلَوْ كَانَ الْمَال عِنْدَ الْفَسْخِ نَاضًّا لَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَال أَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ صِفَتِهِ كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فَكَالْعُرُوضِ.
فَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْمَالِكُ التَّنْضِيضَ لَمْ يَجِبْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَال لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَحَظُّهُ فِي التَّنْضِيضِ فَيَجِبُ، وَقِيل: لاَ يَلْزَمُ الْعَامِل التَّنْضِيضُ إِذَا لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ إِذْ لاَ فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ (15) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنِ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ وَالْمَال عَرَضٌ فَرَضِيَ رَبُّ الْمَال أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ مِنَ الْعَرَضِ فَلَهُ ذَلِكَ، فَيُقَوَّمُ الْعَرَضُ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُ حِصَّةَ الْعَامِل؛ لأَِنَّهُ أَسْقَطَ مِنَ الْعَامِل الْبَيْعَ، وَقَدْ صَدَّقَهُ عَلَى الرِّبْحِ، فَلاَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَظٍّ يَكُونُ لِلْعَامِل فِي بَيْعِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً عَلَى قَطْعِ رِبْحِ عَامِلٍ، كَشِرَائِهِ خَزًّا فِي الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ فَيَبْقَى حَقُّهُ فِي رِبْحِهِ، ثُمَّ إِنِ ارْتَفَعَ السِّعْرُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ عَلَى الْمَالِكِ وَدَفْعِهِ حِصَّةَ الْعَامِل لَمْ يُطَالِبْهُ الْعَامِل بِشَيْءٍ، كَمَا لَوِ ارْتَفَعَ بَعْدَ بَيْعِهِ لأَِجْنَبِيٍّ.
وَإِنْ لَمْ يَرْضَ رَبُّ الْمَال بِأَخْذِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَرَضِ وَطَلَبَ الْبَيْعَ أَوْ طَلَبَ الْبَيْعَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ الْمُضَارِبَ بَيْعُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَال رِبْحٌ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ؛ لأَِنَّ عَلَى الْعَامِل رَدَّ الْمَال نَاضًّا كَمَا أَخَذَهُ، وَإِنْ نَضَّ الْعَامِل رَأْسَ الْمَال جَمِيعَهُ وَطَلَبَ رَبُّ الْمَال أَنْ يَنِضَّ الْبَاقِي لَزِمَ الْعَامِل أَنْ يَنِضَّ لَهُ الْبَاقِيَ كَرَأْسِ الْمَال.
وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَال دَرَاهِمَ فَصَارَ دَنَانِيرَ وَعَكْسُهُ بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ فَصَارَ دَرَاهِمَ فَكَعَرَضٍ إِنْ رَضِيَهُ رَبُّ الْمَال وَإِلاَّ لَزِمَ الْعَامِل إِعَادَتُهُ كَمَا كَانَ (16) .
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَجْهَيْنِ إِذَا طَلَبَ رَبُّ الْمَال الْبَيْعَ وَأَبَى الْعَامِل.
أَحَدُهُمَا: يُجْبَرُ الْعَامِل عَلَى الْبَيْعِ؛ لأَِنَّ عَلَيْهِ رَدَّ الْمَال نَاضًّا كَمَا أَخَذَهُ.
وَالثَّانِي: لاَ يُجْبَرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَال رِبْحٌ أَوْ أُسْقِطَ حَقُّهُ مِنَ الرِّبْحِ؛ لأَِنَّهُ بِالْفَسْخِ زَال تَصَرُّفُهُ وَصَارَ أَجْنَبِيًّا مِنَ الْمَال، فَأَشْبَهَ الْوَكِيل إِذَا اشْتَرَى مَا يَسْتَحِقُّ رَدَّهُ فَزَالَتْ وَكَالَتُهُ قَبْل رَدِّهِ (17) .
وَإِنْ طَلَبَ الْعَامِل الْبَيْعَ وَأَبَى رَبُّ الْمَال وَقَدْ ظَهَرَ فِي الْمَال رِبْحٌ أُجْبِرَ رَبُّ الْمَال عَلَى الْبَيْعِ، وَهُوَ قَوْل إِسْحَاقَ وَالثَّوْرِيِّ لأَِنَّ حَقَّ الْعَامِل فِي الرِّبْحِ وَلاَ يَظْهَرُ إِلاَّ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرْ؛ لأَِنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَقَدْ رَضِيَهُ مَالِكُهُ كَذَلِكَ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَيْعِهِ (18) .
أَثَرُ النَّضُوضِ فِي إِتْمَامِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ انْفِسَاخِهَا:
5 - مِمَّا تَنْفَسِخُ بِهِ الْمُضَارَبَةُ مَوْتُ رَبِّ الْمَال أَوْ عَامِل الْمُضَارَبَةِ، وَكَذَا جُنُونُ أَحَدِهِمَا، لأَِنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ فَيَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ جُنُونِهِ كَالْوَكَالَةِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (19) . وَإِذَا انْفَسَخَتِ الْمُضَارَبَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَال عَرَضًا أَوْ نَاضًّا.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: تَبْطُل الْمُضَارَبَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ؛ لأَِنَّ الْمُضَارَبَةَ تَشْتَمِل عَلَى الْوَكَالَةِ، وَالْوَكَالَةُ تَبْطُل بِمَوْتِ الْمُوَكِّل وَالْوَكِيل، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُضَارِبُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَال أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لأَِنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ، فَلاَ يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، إِلاَّ أَنَّ رَأْسَ الْمَال إِذَا كَانَ مَتَاعًا فَلِلْوَكِيل أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَصِيرَ نَاضًّا (20) .
وَنَقَل صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْمُضَارِبَ إِذَا مَاتَ وَالْمَال عُرُوضٌ بَاعَهَا وَصِيُّهُ، وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَال وَالْمَال نَقْدٌ تَبْطُل فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ كَانَ الْمَال عَرَضًا تَبْطُل فِي حَقِّ الْمُسَافَرَةِ إِلَى غَيْرِ بَلَدِ رَبِّ الْمَال، وَلاَ تَبْطُل فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَهُ بَيْعُهُ بِعَرَضٍ وَنَقْدٍ (21) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ لاَ يَنْفَسِخُ عِنْدَهُمْ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَقَارِضَيْنِ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ (22) .
قَال الدَّرْدِيرُ: إِنْ مَاتَ الْعَامِل قَبْل النَّضُوضِ فَلِوَارِثِهِ الأَْمِينِ أَنْ يُكَمِّلَهُ عَلَى حُكْمٍ مَا كَانَ مُوَرِّثُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَارِثُ أَمِينًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَمِينٍ كَالأَْوَّل فِي الأَْمَانَةِ وَالثِّقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْوَرَثَةُ بِأَمِينٍ سَلَّمُوا الْمَال لِرَبِّهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْ رِبْحٍ أَوْ أُجْرَةٍ (23) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ مَاتَ الْمَالِكُ أَوْ جُنَّ وَالْمَال عَرَضٌ فَلِلْعَامِل التَّنْضِيضُ وَالتَّقَاضِي بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَرَثَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ، وَبِغَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْجُنُونِ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الْعَاقِدِ كَمَا فِي حَال الْحَيَاةِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ مَاتَ الْعَامِل فَإِنَّ وَرَثَتَهُ لاَ يَمْلِكُونَ الْبَيْعَ دُونَ إِذْنِ الْمَالِكِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِمْ، فَإِنِ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنِ الإِْذْنِ فِي الْبَيْعِ تَوَلاَّهُ أَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، وَلاَ يُقَرِّرُ وَرَثَةُ الْمَالِكِ الْعَامِل عَلَى الْقِرَاضِ، كَمَا لاَ يُقَرِّرُ الْمَالِكُ وَرَثَةَ الْعَامِل عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءَ قِرَاضٍ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَرَضِ، فَإِنْ نَضَّ الْمَال وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَال جَازَ تَقْرِيرُ الْجَمِيعِ، فَيَكْفِي أَنْ يَقُول الْوَرَثَةُ - أَيْ وَرَثَةُ الْمَالِكِ لِلْعَامِل - قَرَّرْنَاكَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِهِ، أَوْ يَقُول الْمَالِكُ لِوَرَثَةِ الْعَامِل: قَرَرْتُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مُوَرِّثُكُمْ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِهِمْ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، وَقَدْ يُسْتَعْمَل التَّقْرِيرُ لإِِنْشَاءِ عَقْدٍ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ السَّابِقِ (24) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَأَيُّ الْمُتَقَارِضَيْنِ مَاتَ أَوْ جُنَّ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ؛ لأَِنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ فَانْفَسَخَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَجُنُونِهِ كَالتَّوْكِيل، فَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ أَوِ الْجُنُونُ بِرَبِّ الْمَال فَأَرَادَ الْوَارِثُ أَوْ وَلِيُّهُ إِتْمَامَهُ وَالْمَال نَاضٌّ جَازَ، وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَال وَحِصَّتُهُ مِنَ الرِّبْحِ رَأْسَ الْمَال، وَحِصَّةُ الْعَامِل مِنَ الرِّبْحِ شَرِكَةً لَهُ مُشَاعَةً، وَهَذِهِ الإِْشَاعَةُ لاَ تَمْنَعُ لأَِنَّ الشَّرِيكَ هُوَ الْعَامِل وَذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، فَإِنْ كَانَ الْمَال عَرَضًا وَأَرَادُوا إِتْمَامَهُ: فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ جَوَازُهُ؛ لأَِنَّهُ قَال فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ: إِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَال لَمْ يَجُزْ لِلْعَامِل أَنْ يَبِيعَ وَلاَ يَشْتَرِيَ إِلاَّ بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ، فَظَاهِرُ هَذَا بَقَاءُ الْعَامِل عَلَى قِرَاضِهِ؛ لأَِنَّ هَذَا إِتْمَامٌ لِلْقِرَاضِ لاَ ابْتِدَاءٌ لَهُ؛ وَلأَِنَّ الْقِرَاضَ إِنَّمَا مُنِعَ فِي الْعُرُوضِ؛ لأَِنَّهُ يَحْتَاجُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ إِلَى رَدِّ مِثْلِهَا أَوْ قِيمَتِهَا، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلاَفِ الأَْوْقَاتِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ هَاهُنَا لأَِنَّ رَأْسَ الْمَال غَيْرُ الْعُرُوضِ وَحُكْمَهُ بَاقٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّ لِلْعَامِل أَنْ يَبِيعَهُ لِيُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَال وَيُقَسِّمَ الْبَاقِيَ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْقِرَاضَ قَدْ بَطَل بِالْمَوْتِ، وَهَذَا ابْتِدَاءُ قِرَاضٍ عَلَى عُرُوضٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْيَسُ، لأَِنَّ الْمَال لَوْ كَانَ نَاضًّا كَانَ ابْتِدَاءَ قِرَاضٍ وَكَانَتْ حِصَّةُ الْعَامِل مِنَ الرِّبْحِ شَرِكَةً لَهُ يَخْتَصُّ بِهَا دُونَ رَبِّ الْمَال.وَإِنْ كَانَ الْمَال نَاضًّا بِخَسَارَةٍ أَوْ تَلَفٍ كَانَ رَأْسُ الْمَال الْمَوْجُودِ مِنْهُ حَال ابْتِدَاءِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ جَوَّزْنَا ابْتِدَاءَ الْقِرَاضِ هَاهُنَا وَبِنَاءَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ لَصَارَتْ حِصَّةُ الْعَامِل مِنَ الرِّبْحِ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِهِ وَحِصَّتُهُمَا مِنَ الرِّبْحِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَحُسِبَتْ عَلَيْهِ الْعُرُوضُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَال نَاقِصًا، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ بِلاَ خِلاَفٍ.
وَكَلاَمُ أَحْمَدَ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْقِرَاضِ.
فَأَمَّا إِنْ مَاتَ الْعَامِل أَوْ جُنَّ وَأَرَادَ ابْتِدَاءَ الْقِرَاضِ مَعَ وَارِثِهِ أَوْ وَلِيِّهِ، فَإِنْ كَانَ نَاضًّا جَازَ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَال، وَإِنْ كَانَ عَرَضًا لَمْ يَجُزِ ابْتِدَاءُ الْقِرَاضِ إِلاَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْقِرَاضِ عَلَى الْعُرُوضِ، بِأَنْ تُقَوَّمَ الْعُرُوضُ وَيُجْعَل رَأْسُ الْمَال قِيمَتَهَا يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لأَِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ الْعَمَل قَدْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَذَهَبَ عَمَلُهُ وَلَمْ يُخَلِّفْ أَصْلاً يَبْنِي عَلَيْهِ وَارِثُهُ.
وَإِنْ كَانَ الْمَال نَاضًّا جَازَ ابْتِدَاءُ الْقِرَاضِ فِيهِ إِذَا اخْتَارَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَبْتَدِئَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ شِرَاءٌ وَلاَ بَيْعٌ؛ لأَِنَّ رَبَّ الْمَال إِنَّمَا رَضِيَ بِاجْتِهَادِ مُوَرِّثِهِ (25) . أَثَرُ النَّضُوضِ فِي تَعَدُّدِ الْمُضَارَبَةِ:
6 - قَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ دَفَعَ رَبُّ الْمَال لَعَامَل الْقِرَاضِ مَالاً ثَانِيًا بَعْدَ الْمَال الأَْوَّل الَّذِي كَانَ يُضَارِبُ فِيهِ الْعَامِل، فَإِنْ كَانَ الْمَال الأَْوَّل نَاضًّا أَيْ صَارَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ - وَذَلِكَ بِبَيْعِ السِّلَعِ الَّتِي اشْتَرَاهَا وَقَبَضَ ثَمَنَهَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ - فَتَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ فِي الْمَال الثَّانِي بِشَرْطَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَال الأَْوَّل قَدْ نَضَّ مُسَاوِيًا، لِرَأْسِ الْمَال مِنْ غَيْرِ رِبْحٍ وَلاَ خَسَارَةٍ، بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَال أَلْفًا وَنَضَّ أَلْفًا، فَإِنْ نَضَّ بِرِبْحٍ أَوْ خَسَارَةٍ فَلاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّهُ إِنْ نَضَّ بِرِبْحٍ قَدْ يَضِيعُ عَلَى الْعَامِل رِبْحُهُ، وَإِنْ نَضَّ بِخَسَارَةٍ قَدْ يُجْبِرُ الْقِرَاضُ الثَّانِي خَسَارَةَ الأَْوَّل.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَتَّفِقَ جُزْؤُهُمَا بِأَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِلْعَامِل فِي الْمَال الثَّانِي كَالرِّبْحِ فِي الْمَال الأَْوَّل، كَالثُّلُثِ مِنْ رِبْحِ كُلٍّ مِنْهُمَا.
فَإِنِ اخْتَلَفَ جُزْءُ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ لِلْعَامِل فِي الثَّانِي عَمَّا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُ فِي الأَْوَّل فَلاَ يَجُوزُ، وَهَذَانَ الشَّرْطَانِ ذَكَرَهُمَا خَلِيلٌ.
إِلاَّ أَنَّ الدَّرْدِيرَ وَالدُّسُوقِيَّ قَالاَ: الْحَقُّ أَنَّهُ إِذَا نَضَّ الأَْوَّل بِمُسَاوٍ جَازَ الدَّفْعُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اتَّفَقَ جُزْؤُهُمَا (أَيِ الرِّبْحُ) أَوِ اخْتَلَفَ إِنْ شَرَطَا الْخَلْطَ،وَإِلاَّ مُنِعَ مُطْلَقًا اتَّفَقَ جُزْؤُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ (26) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ دَفَعَ رَبُّ الْمَال إِلَى الْمُضَارِبِ أَلْفَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ لَمْ يَخْلِطْهُمَا الْمُضَارِبُ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّ الْمَال؛ لأَِنَّهُ أَفْرَدَ كُل وَاحِدٍ بِعَقْدٍ فَكَانَا عَقْدَيْنِ، فَإِنْ أَذِنَ رَبُّ الْمَال لِلْمُضَارِبِ فِي الْخَلْطِ قَبْل تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ فِي الْمَال الأَْوَّل جَازَ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَذِنَهُ فِي الْخَلْطِ بَعْدَ التَّصَرُّفِ جَازَ إِنْ كَانَ الْمَال الأَْوَّل قَدْ نَضَّ وَصَارَ الْمَال كُلُّهُ مُضَارَبَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَصَرَّفَ فِي الْمَال الأَْوَّل وَلَمْ يَنِضَّهُ وَأَذِنَهُ فِي الْخَلْطِ فَلاَ يَجُوزُ الْخَلْطُ؛ لأَِنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ الأَْوَّل اسْتَقَرَّ، فَكَانَ رِبْحُهُ وَخُسْرَانُهُ مُخْتَصًّا بِهِ (27) .
__________
(1) حديث عمر رضي الله تعالى عنه " كان يأخذ الزكاة من ناض المال ". أورده ابن الأثير في النهاية 5 / 72 ط دار الفكر
(2) لسان العرب، والمصباح المنير
(3) حاشية الدسوقي 3 / 535، وحاشية الجمل 2 / 268، وكشاف القناع 3 / 506.
(4) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 1 / 473، 474، والحطاب 2 / 320.
(5) الحطاب 2 / 320.
(6) المدونة 1 / 254 - 255.
(7) الحطاب 2 / 321.
(8) حاشية الدسوقي 1 / 477.
(9) المواق بهامش الحطاب 2 / 325.
(10) حاشية الدسوقي 1 / 477.
(11) مغني المحتاج 1 / 399، وشرح المحلي مع القليوبي 2 / 29، 30، والجمل على شرح المنهج 2 / 268، وروضة الطالبين2 / 269 - 270.
(12) البدائع 6 / 109، 112، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 535، ومغني المحتاج 2 / 319، 320، وكشاف القناع 3 / 506، 521، والمغني 5 / 64.
(13) الدسوقي 3 / 535، ومغني المحتاج 2 / 319، والمغني 5 / 64.
(14) الشرح الكبير 3 / 535، 536.
(15) مغني المحتاج 2 / 320.
(16) كشاف القناع 3 / 521.
(17) المغني 5 / 65.
(18) المغني 5 / 64، وكشاف القناع 3 / 520.
(19) بدائع الصنائع 6 / 112، والدر المختار على حاشية ابن عابدين 4 / 489، ومغني المحتاج 2 / 319، والمغني 5 / 66.
(20) بدائع الصنائع 6 / 112.
(21) الدر المختار 4 / 489.
(22) التفريع لابن الجلاب 3 / 196.
(23) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 536.
(24) أسنى المطالب2 / 390، ومغني المحتاج 2 / 319، 320.
(25) المغني 5 / 66، 67.
(26) جواهر الإكليل 2 / 174، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 525.
(27) كشاف القناع 3 / 516.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 6/ 40
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".