الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
دراسة أحوال الرواة، ومروياتهم، لمعرفة الثقة والضعيف من الرواة، والمقبول والمردود من المرويات . ويُطلق عليه التَّمْيِيْز . وينقسم إلى قسمين؛ نقد السَّند (النَّقْد الخَارِجِي )، ونقد المتن (النَّقْد الدَّاخِلِي ). وشاهده قول الإمام ابن الصلاح : "إن ما انفرد به البخاري، أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته؛ لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصَّلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني، وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن، والله أعلم ."
تعبير عن موقفٍ كليٍّ من الأعمال العلمية، والأدبية، وتحليلها، وموازنتها بغيرها، والكشف عن مواطن القوة، والضعف فيها، وبيان قيمتها، ودرجتها.
التَّعْرِيفُ:
1 - لِلنَّقْدِ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ مِنْهَا:
أ - خِلاَفُ النَّسِيئَةِ، أَيْ: أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي وَنَحْوُهُ الْعِوَضَ فَوْرًا.
تَقُول: فُلاَنٌ يَبِيعُ سِلْعَتَهُ نَقْدًا بِكَذَا، وَنَسِيئَةً بِكَذَا.
ب - إِعْطَاءُ النَّقْدِ، أَيْ إِعْطَاءُ الثَّمَنِ أَوِ الأُْجْرَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا مَالاً نَقْدِيًّا، كَالدَّنَانِيرِ أَوِ الدَّرَاهِمِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَعْطَاهُ الْعِوَضَ مِنَ الْعُرُوضِ.
تَقُول: نَقَدْتُهُ الدَّرَاهِمَ فَانْتَقَدَهَا، أَيْ أَخَذَهَا، وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ ﵁: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ بِالْجَمَل، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ (1) .
ج - تَمْيِيزُ الْجَيِّدِ مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ مِنَ الرَّدِيءِ مِنْهَا، تَقُول الْعَرَبُ: نَقَدْتُ الدَّرَاهِمَ، وَانْتَقَدْتُهَا، إِذَا أَخْرَجْتَ الزَّائِفَ مِنْهَا. د - الْعُمْلَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُتَعَامَل بِهِ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
النَّسِيئَةُ:
2 - النَّسِيئَةُ: هِيَ التَّأْخِيرُ، تَقُول: بِعْتُ السِّلْعَةَ بِنَسِيئَةٍ، أَوْ نَسِيئَةً، أَوْ نُسْأَةً: إِذَا بِعْتَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخَّرَ دَفْعُ الثَّمَنِ إِلَى وَقْتٍ لاَحِقٍ. وَأَصْلُهُ مِنْ " نَسَأَ " الشَّيْءَ إِذَا أَخَّرَهُ (4) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (5) .
وَالصِّلَةُ أَنَّ النَّسِيئَةَ ضِدُّ النَّقْدِ، كَالتَّأْجِيل وَالْحُلُول.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّقْدِ:
أَوَّلاً: النَّقْدُ بِمَعْنَى الْحُلُول:
3 - الأَْصْل فِي دَفْعِ الْمَال النَّقْدِيِّ لِمُسْتَحِقِّهِ أَنْ يَجُوزَ الاِتِّفَاقُ عَلَى دَفْعِهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلاً، فَمَا وَقَعَ الاِتِّفَاقُ عَلَيْهِ وَجَبَ الاِلْتِزَامُ بِهِ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (6) } وَمِنْ ذَلِكَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ، وَالأُْجْرَةُ فِي الإِْجَارَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَالأَْصْل وُجُوبُ التَّسْلِيمِ، وَإِلاَّ فَلِلْعَاقِدِ الآْخَرِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ مَثَلاً حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (ثَمَن ف 33) وَ (تَسْلِيم ف 4 وَمَا بَعْدَهَا) .
4 - وَيَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ نَوْعَانِ مِنَ الْعُقُودِ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: مَا يَجِبُ فِيهِ النَّقْدُ:
أ - فَفِي بَيْعِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لاَ يَصِحُّ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ نَقْدًا مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَلَوْ بَاعَ بِنَسِيئَةٍ، أَوْ أَخَّرَ الدَّفْعَ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ (7) . وَالتَّفْصِيل فِي (رِبَا ف 13) وَ (صَرْف ف 8) .
وَتَلْحَقُ الْفُلُوسُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لاَ رِبَا فِيهَا (ر. صَرْف ف 46 - 48) .
ب - السَّلَمُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ نَقْدُ رَأْسِ الْمَال فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، لأَِنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ كَانَ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (8) .
وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَأْخِيرَ قَبْضِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ (9) وَعِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (سَلَم ف 16) .
ج - بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ بَدَل قَرْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لاَ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْقُدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ قَبْل أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ إِنْ بِيعَ بِمَا لاَ يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي أَبِيعُ الإِْبِل بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: " لاَ بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ (10) فَدَل ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الدَّائِنِ مَدِينَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآْخَرِ، بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ (11) .
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي ذَلِكَ وَالْخِلاَفُ فِيهِ فِي (دَيْن ف 58 - 60) وَ (صَرْف ف 40) .
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الإِْلْزَامُ بِالنَّقْدِ:
أ - مِنْ ذَلِكَ الدِّيَةُ فِي قَتْل الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، ثُلْثٌ عِنْدَ آخِرِ كُل سَنَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَعَلِيًّا ﵄ قَضَيَا بِذَلِكَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا فِي عَصْرِهِمَا مُخَالِفٌ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الإِْجْمَاعِ (12) .
ب - نَقْدُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ: يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ، بَل يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الدَّفْعَ، لاِحْتِمَال الْفَسْخِ، وَيَجُوزَ لَهُ النَّقْدُ اخْتِيَارًا وَتَطَوُّعًا، وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مُبْطِلاً لِلْخِيَارِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ، أَيْ يُعَجِّلَهُ - يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لأَِنَّ مَا يَنْقُدُهُ يَكُونُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَلَفًا إِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ، أَوْ ثَمَنًا إِنْ لَمْ يُفْسَخْ، أَمَّا لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ تَطَوُّعًا دُونَ شَرْطٍ فَلاَ يَفْسُدُ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ صُوَرًا شَبِيهَةً بِهَذَا يَمْتَنِعُ فِيهَا شَرْطُ النَّقْدِ إِنْ تَرَدَّدَ الْمَنْقُودُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا أَوْ سَلَفًا، فَيُمْنَعُ لأَِنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا احْتِمَالاً، مِنْهَا:
- مَا لَوْ أَكْرَى أَرْضَهُ لِلزِّرَاعَةِ، وَكَانَتْ مِمَّا لاَ يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ سَيَحْصُل لَهَا الرَّيُّ، بَل يُشَكُّ فِيهِ، كَالأَْرَاضِي الَّتِي تُسْقَى بِمَاءِ الْمَطَرِ، لاِحْتِمَال أَنْ تُرْوَى فَيَكُونَ الْمَنْقُودُ كِرَاءً، أَوْ لاَ تُرْوَى فَيَكُونَ سَلَفًا.
- وَمِنْهَا: إِنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا مُعَيَّنًا، وَكَانَ لاَ يَشْرَعُ فِي الْعَمَل إِلاَّ بَعْدَ شَهْرٍ: فَإِنْ شَرَطَ نَقْدَ الأُْجْرَةِ فَسَدَتِ الإِْجَارَةُ، لاِحْتِمَال تَلَفِ الأَْجِيرِ الْمُعَيَّنِ، فَيَكُونَ سَلَفًا، أَوْ سَلاَمَتِهِ فَيَكُونَ أُجْرَةً.
وَيَمْتَنِعُ النَّقْدُ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ فِي كُل مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ، إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ الْمِثْلِيُّ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ، وَذَكَرُوا لَهُ أَمْثِلَةً مِنْهَا: مَا لَوِ اكْتَرَى دَابَّةً، سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، لِيَرْكَبَهَا مَثَلاً بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَلاَ يَجُوزُ النَّقْدُ فِي هَذِهِ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّ الْكِرَاءَ إِذَا عَقَدَهُ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَقَدْ فَسَخَ الْمُكْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُكْرِي فِي شَيْءٍ لاَ يَتَعَجَّلُهُ الآْنَ بَل بِحَدِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ، لأَِنَّ قَبْضَ الأَْوَائِل لَيْسَ قَبْضًا لِلأَْوَاخِرِ (13) .
ج - الْجِعَالَةُ: يُمْتَنَعُ فِيهَا اشْتِرَاطُ نَقْدِ الْجُعْل، فَلَوْ شَرَطَ نَقْدَهُ فَسَدَ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (14) وَلَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ بِالشَّرْطِ بَل تَطَوَّعَ بِهِ، لاَ يَفْسُدُ.
وَانْظُرْ (جِعَالَة ف 24) . ثَانِيًا: النَّقْدُ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ:
نَقْدُ الثَّمَنِ قَبْل تَسْلِيمِ الْمُثَمَّنِ:
5 - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْعَقْدِ.
فَفِي الصَّرْفِ وَالْمُقَايَضَةِ لاَ يَجِبُ التَّسْلِيمُ أَوَّلاً عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ دُونَ الآْخَرِ إِذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِالاِلْتِزَامِ بِذَلِكَ مِنَ الآْخَرِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا يُجْعَل بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَدْفَعُ لِلآْخَرِ.
وَفِي السَّلَمِ يَجِبُ النَّقْدُ أَوَّلاً كَمَا تَقَدَّمَ.
أَمَّا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ بَيْعُ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ فَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ فِيمَنْ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ أَوَّلاً (15) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ (تَسْلِيم ف 5) وَ (ثَمَن ف 33 - 40) وَ (مُقَايَضَة ف 3، 4) .
خِيَارُ النَّقْدِ:
6 - خِيَارُ النَّقْدِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى الآْخَرِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْقُدِ الثَّمَنَ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلاَ عَقْدَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يَكُونُ اشْتِرَاطُهُ لِمَصْلَحَةِ الْبَائِعِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ هَذَا الشَّرْطِ، فَيَرَى جَوَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِل الصَّحِيحِ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ لأَِنَّهُ وَرَدَ الأَْخْذُ بِهِ عَنْ عُمَرَ ﵁، وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ، وَلِحَاجَةِ الْمُشْتَرِي إِلَى التَّرَوِّي فِي قُدْرَتِهِ عَلَى الأَْدَاءِ، وَحَاجَةِ الْبَائِعِ إِلَى التَّوْثِيقِ لِنَفْسِهِ إِنْ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ أَوْ مَاطَل بِهِ (16) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَال الشَّيْخُ عِلِيشٌ: وَالَّذِي تَحَصَّل لِي أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: كَرَاهَةُ هَذَا الْبَيْعِ ابْتِدَاءً، فَإِنْ وَقَعَ صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَل الشَّرْطُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطَ جَائِزٌ، حَكَى هَذِهِ الأَْقْوَال الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ.
وَالْقَوْل الرَّابِعُ: التَّفْصِيل بَيْنَ قَوْلِهِ: إِنْ جِئْتَنِي بِالثَّمَنِ، وَقَوْلِهِ: إِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِالثَّمَنِ، فَإِنْ قَال: أَبِيعُكَ عَلَى إِنْ جِئْتَنِي بِالثَّمَنِ، فَالْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ - فَالثَّمَنُ حَالٌّ، كَأَنَّهُ رَآهُ بَيْعًا بَتًّا، وَإِنَّمَا يُرِيدُ فَسْخَهُ بِتَأْخِيرِ النَّقْدِ، فَيُفْسَخُ الشَّرْطُ وَيُعَجَّل النَّقْدُ. وَإِذَا قَال: إِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِالثَّمَنِ - فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالثَّمَنِ، فَلاَ يُجْبَرُ عَلَى النَّقْدِ إِلاَّ إِلَى الأَْجَل. وَالْقَوْل الْخَامِسُ: أَنَّهُ يُوقَفُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَقَدَ مَضَى الْبَيْعُ، وَإِلاَّ رُدَّ.
وَالْقَوْل السَّادِسُ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا لاَ يَسْرُعُ إِلَيْهِ التَّغَيُّرُ، وَيُكْرَهُ فِيمَا يَسْرُعُ إِلَيْهِ التَّغَيُّرُ.
وَالْقَوْل السَّابِعُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الأَْجَل كَشَهْرٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَكَاهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَنِ ابْنِ لُبَابَةَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ (17) .
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ، لأَِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ بِشَرْطِ خِيَارٍ، بَل هُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ؛ لأَِنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا مُطْلَقًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهُ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا، وَبِهِ قَال زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (18) .
وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ (خِيَار النَّقْدِ ف 3) .
ثَالِثًا: النَّقْدُ بِمَعْنَى تَمْيِيزِ جَيِّدِ النُّقُودِ مِنْ رَدِيئِهَا وَزَائِفِهَا:
تَعَلُّمُ التَّاجِرِ النَّقْدَ:
7 - ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الإِْحْيَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى التَّاجِرِ تَعَلُّمُ النَّقْدِ، لاَ لِيَسْتَقْصِيَ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا لِئَلاَّ يُسَلِّمَ إِلَى مُسْلِمٍ نَقْدًا زَائِفًا وَهُوَ لاَ يَدْرِي، فَيَكُونَ آثِمًا بِتَقْصِيرِهِ فِي تَعَلُّمِ ذَلِكَ الْعِلْمِ، إِذْ لِكُل عَمَلٍ عِلْمٌ بِهِ يَتِمُّ نُصْحُ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ، قَال: وَلِمِثْل هَذَا كَانَ السَّلَفُ يَتَعَلَّمُونَ عَلاَمَاتِ النَّقْدِ، نَظَرًا لِدِينِهِمْ لاَ لِدُنْيَاهُمْ (19) .
أُجْرَةُ النُّقَّادِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ نَاقِدِ الثَّمَنِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لأَِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُ الْجَيِّدِ مِنَ الثَّمَنِ، وَالْجَوْدَةُ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ بِالنَّقْدِ كَمَا يُعْرَفُ الْقَدْرُ بِالْوَزْنِ.
هَذَا إِذَا كَانَ قَبْل الْقَبْضِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَعَلَى الْبَائِعِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: أُجْرَةُ النُّقَّادِ عَلَى الْبَاذِل، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْبَائِعَ أَمِ الْمُشْتَرِيَ (20) وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي (بَيْع ف 58) وَ (ثَمَن ف 44) .
__________
(1) حديث جابر ﵁: " أتيت النبي ﷺ بالجمل. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 314 ط السلفية) ومسلم (3 / 122 ط الحلبي) .
(2) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(3) روضة الطالبين 5 / 117، والمبسوط 12 / 137.
(4) القاموس المحيط.
(5) المطلع على أبواب المقنع ص 239.
(6) سورة المائدة 1 /.
(7) حديث: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1211 ط عيسى الحلبي) من حديث عبادة بن الصامت.
(8) حديث: " نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ". أخرجه البيهقي في السنن (5 / 290 ط دار المعارف العثمانية) والحاكم في المستدرك (2 / 57 ط دائرة المعارف) وضعفه ابن حجر في بلوغ المرام (ص 193 - ط عبد المجيد حنفي) .
(9) رد المحتار على الدر المختار، المسمى حاشية ابن عابدين 4 / 217، ومغني المحتاج شرح المنهاج 2 / 102، والمغني لابن قدامة 4 / 295 ط ثالثة، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 195، وجواهر الإكليل 2 / 72 - 75.
(10) حديث: " لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ". أخرجه أبو داود (3 / 650 - 651 ط حمص) ونقل البيهقي عن شعبة أنه أعله بالوقف على ابن عمر، كذا في التلخيص لابن حجر (3 / 26 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(11) نهاية المحتاج 4 / 88، ومغني المحتاج 2 / 70، وحاشية القليوبي 2 / 214، وشرح منتهى الإرادات 2 / 222 والفروع 4 / 22، وابن عابدين 4 / 244.
(12) ابن عابدين 5 / 411، والدسوقي 4 / 285، ونهاية المحتاج 7 / 301، والمغني مع الشرح الكبير 9 / 492.
(13) فتح القدير 5 / 499، والفتاوى الهندية 3 / 42، والمغني 3 / 518، والدسوقي على الشرح الكبير 3 / 94، 96 - 98.
(14) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 96، ونهاية المحتاج 5 / 463.
(15) الاختيار لتعليل المختار 2 / 8، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 147، والقليوبي على شرح المنهاج 2 / 218.
(16) الفتاوى الهندية 3 / 39، وفتح القدير 5 / 502 - 503، والبدائع 5 / 175، والمغني 3 / 531، والمجموع 9 / 193.
(17) فتح العلي المالك 1 / 353.
(18) المجموع 9 / 193، والفتاوى الهندية 3 / 39، وفتح القدير 5 / 502 - 503، والبدائع 5 / 175.
(19) إحياء علوم الدين 4 / 778 طبعة دار الشعب.
(20) شرح فتح القدير 5 / 108، ورد المحتار 4 / 560، ومغني المحتاج 2 / 73، وشرح المنتهى 2 / 191، 192، والفتاوى الهندية 3 / 28، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 144.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 138/ 41