التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة، والحس، والحركة الإرادية . والنفس، والروح عند الجمهور بمعنى واحد . ومن شواهده قول شيخ الإسلام : " الروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت، هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت ...وإنما تسمى نفساً باعتبار تدبيرها للبدن، وتسمى روحاً باعتبار لطفها ". ومن العلماء من فرق بينهما مستدلاً بقوله تَعَالَى : ﱫﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ ﴿ ﮂﱪ الزمر :42. فقال : "فهو -تَعَالَى - يقبض النفس عند النوم، ثم يردها إلى الجسد عند الانتباه، فإذا أراد إماتة العبد في نومه، لم يرد النفس، وقبض الروح مع النفس ." ومن أمثلته قولهم : "الحيوان الذي له نفس سائلة : هو الذي إذا ذبح سال دمه عن موضعه، كالدجاج، والحمام، وما أشبههما؛ لأن النفس هي الدم . والحيوان الذي لا نفس له سائلة : هو الذي إذا ذبح لم يسل دمه عن موضعه، كالذباب، والزنبور . "
التَّعْرِيفُ:
ا - مِنْ مَعَانِي النَّفْسِ فِي اللُّغَةِ: الرُّوحُ، يُقَال: خَرَجَتْ نَفْسُهُ أَيْ رُوحُهُ. وَالدَّمُ، يُقَال: مَا لاَ نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً أَيْ لاَ دَمَ، وَذَاتُ الشَّيْءِ وَعَيْنُهُ، يُقَال: جَاءَ هُوَ نَفْسُهُ أَوْ بِنَفْسِهِ، وَالْعَيْنُ، يُقَال: نَفَسْتُهُ بِنَفْسٍ أَيْ أَصَبْتُهُ بِعَيْنٍ.
وَالنَّفَسُ بِفَتْحَتَيْنِ: نَسِيمُ الْهَوَاءِ، وَالْجَمْعُ أَنْفَاسٌ، وَالنَّفَسُ: الرِّيحُ الدَّاخِل وَالْخَارِجُ فِي الْبَدَنِ مِنَ الْفَمِ وَالأَْنْفِ (1) .
وَقَال الْجُرْجَانِيُّ: النَّفْسُ مِنَ الْجَوْهَرِ الْبُخَارِيِّ اللَّطِيفِ الْحَامِل لِقُوَّةِ الْحَيَاةِ وَالْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ الإِْرَادِيَّةِ، وَسَمَّاهَا الْحَكِيمُ: الرُّوحَ الْحَيَوَانِيَّةَ، فَهُوَ جَوْهَرٌ مُشْرِقٌ لِلْبَدَنِ، فَعِنْدَ الْمَوْتِ يَنْقَطِعُ ضَوْؤُهُ عَنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَبَاطِنِهِ، وَأَمَّا فِي وَقْتِ النَّوْمِ فَيَنْقَطِعُ عَنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ دُونَ بَاطِنِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ النَّوْمَ وَالْمَوْتَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ لأَِنَّ الْمَوْتَ هُوَ الاِنْقِطَاعُ الْكُلِّيُّ، وَالنَّوْمَ هُوَ الاِنْقِطَاعُ النَّاقِصُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقَادِرَ الْحَكِيمَ دَبَّرَ تَعَلُّقَ جَوَاهِرِ النَّفْسِ بِالْبَدَنِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ.
الأَْوَّل: إِنْ بَلَغَ ضَوْءُ النَّفْسِ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ فَهُوَ الْيَقَظَةُ.
الثَّانِي: إِنِ انْقَطَعَ ضَوْؤُهَا عَنْ ظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ فَهُوَ النَّوْمُ.
الثَّالِثُ: إِنِ انْقَطَعَ ضَوْءُ النَّفْسِ عَنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَبَاطِنِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ الْمَوْتُ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعَانِيهِ اللُّغَوِيَّةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّفْسِ:
تَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - النَّفْسُ بِمَعْنَى الدَّمِ:
2 - الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّفْسِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ كَوْنِ الشَّيْءِ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَوْ لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ.
فَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى فِي بَابِ النَّجَاسَةِ عَمَّا لاَ نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ أَيْ مَا لاَ دَمَ لَهُ سَائِلٌ كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَغَيْرِهِمَا (3) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَجَاسَةٌ ف 10، وَعَفْوٌ 11، وَأَطْعِمَةٌ ف 51 - 57) .
ب - النَّفْسُ بِمَعْنَى الرُّوحِ:
تَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ - بِمَعْنَى الرَّوْحِ - أَحْكَامٌ:
أَوَّلاً: قَتْل النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ:
3 - قَتْل النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْقَسِمُ إِلَى قَتْل عَمْدٍ، وَشِبْهِ عَمْدٍ، وَخَطَأٍ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ وَبِسَبَبٍ، وَلِكُل نَوْعٍ أَحْكَامٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِهِ.
ثَانِيًا: الدِّفَاعُ عَنِ النَّفْسِ:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الدِّفَاعَ عَنِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَحِمَايَتَهَا مِنَ الصِّيَال أَمْرٌ مَشْرُوعٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ دَفْعِ الصَّائِل.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِل عَلَى النَّفْسِ.
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الأَْحْوَال الَّتِي يَجِبُ فِيهَا دَفْعُ الصَّائِل عَلَى النَّفْسِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صِيَالٌ، فِقْرَةُ 5، 9) .
ثَالِثًا: قَاتِل نَفْسِهِ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَاتِل نَفْسِهِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الذَّنْبِ الْعَظِيمِعُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (4) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} {وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (5) ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: " مَنْ قَتَل نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَل نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَل نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " (6) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (انْتِحَارٌ ف 8، وَجَنَائِزُ ف 40) .
رَابِعًا: تَوْبَةُ قَاتِل النَّفْسِ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول تَوْبَةِ قَاتِل النَّفْسِ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ. فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلْقَاتِل عَمْدًا ظُلْمًا تَوْبَةً كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ؛ لِلنُّصُوصِ الْخَاصَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَالنُّصُوصِ الْعَامَّةِ الْوَارِدَةِ فِي قَبُول تَوْبَةِ كُل النَّاسِ (7) ، مِنْهَا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِل عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (8) } .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (9) } ، فَيُحْمَل مُطْلَقُ هَذِهِ الآْيَةِ عَلَى مُقَيَّدِ آيَةِ الْفُرْقَانِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، إِلاَّ مَنْ تَابَ.
وَلأَِنَّ تَوْبَةَ الْكَافِرِ بِدُخُولِهِ إِلَى الإِْسْلاَمِ تُقْبَل بِالإِْجْمَاعِ، فَتَوْبَةُ الْقَاتِل أَوْلَى (10) . 7 - وَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَبُول هَذِهِ التَّوْبَةِ وَمَا يَسْقُطُ بِهَا.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِل بِالاِسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ فَقَطْ، بَل تَتَوَقَّفُ عَلَى إِرْضَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول، فَإِنْ كَانَ الْقَتْل عَمْدًا فَلاَ بُدَّ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْقَصَاصِ مِنْهُ فَإِنْ أَرَادُوا قَتَلُوهُ، وَإِنْ أَرَادُوا عَفَوْا عَنْهُ، فَإِنْ عَفَوْا عَنْهُ كَفَتْهُ التَّوْبَةُ وَيَبْرَأُ فِي الدُّنْيَا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظُّلْمَ الْمُتَقَدِّمَ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَقْتُول بِهِ، وَأَمَّا ظُلْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيَسْقُطُ بِهَا، ثُمَّ قَال: وَفِي " مُخْتَارِ الْفَتَاوَى ": الْقَصَاصُ مُخَلِّصٌ مِنْ حَقِّ الأَْوْلِيَاءِ، وَأَمَّا الْمَقْتُول فَيُخَاصِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ تَحْصُل لَهُ بِالْقَصَاصِ فَائِدَةٌ، فَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَى الْقَاتِل (11) .
وَأَطْلَقَ الْمَالِكِيَّةُ الْقَوْل فِي قَبُول تَوْبَةِ الْقَاتِل الْعَمْدِ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْل السُّنَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (12) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ الْقَتْل ظُلْمًا، وَبِالْقَوَدِ أَوِ الْعَفْوِ لاَ تَبْقَى مُطَالَبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ، مَعَ بَقَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِتَوْبَةٍ صَحِيحَةٍ، وَمُجَرَّدُ التَّمْكِينِ مِنَ الْقَوَدِ لاَ يُفِيدُ إِلاَّ إِنِ انْضَمَّ إِلَيْهِ نَدَمٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْصِيَةِ، وَعَزْمٌ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ (13) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْمَقْتُول فِي الآْخِرَةِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ الْمَقْتُول مِنْ حَسَنَاتِ الْقَاتِل بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ.
فَإِنِ اقْتُصَّ لِلْمَقْتُول مِنَ الْقَاتِل أَوْ عَفَى وَلِيُّهُ عَنِ الْقَصَاصِ فَهَل يُطَالِبُهُ الْمَقْتُول فِي الآْخِرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا صَاحِبُ الْفُرُوعِ.
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَتْل يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقُّ الْمَقْتُول، وَحَقُّ الْوَلِيِّ الْوَارِثِ لِلْمَقْتُول، فَإِذَا سَلَّمَ الْقَاتِل نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إِلَى الْوَلِيِّ نَدَمًا عَلَى مَا فَعَل وَخَوْفًا مِنَ اللَّهِ وَتَوْبَةً نَصُوحًا سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ، وَحَقُّ الأَْوْلِيَاءِ بِالاِسْتِيفَاءِ أَوِ الصُّلْحِ أَوِ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُول يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْقَاتِل التَّائِبِ وَبَيْنَ الْمَقْتُول. وَقَال الْمِرْدَاوِيُّ تَعْقِيبًا عَلَى ذَلِكَ: وَهُوَ الصَّوَابُ (14) .
وَخَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ﵃ الْجُمْهُورَ فِي قَبُول تَوْبَةِ الْقَاتِل، فَذَهَبَا إِلَى أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاتِل عَمْدًا ظُلْمًا لاَ تُقْبَل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (15) } ، فَقَدْ سُئِل ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: هَل لِمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَال: لاَ إِلاَّ النَّارَ، فَقَرَأَ الآْيَةَ السَّابِقَةَ وَهِيَ آخِرُ مَا نَزَل فِي هَذَا الشَّأْنِ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ، وَلأَِنَّ لَفْظَ الآْيَةِ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَالأَْخْبَارُ لاَ يَدْخُلُهَا نَسْخٌ وَلاَ تَغْيِيرٌ؛ لأَِنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَكُونُ إِلاَّ صِدْقًا (16) .
__________
(1) الْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ، وَالْمُعْجَمُ الْوَسِيطُ، وَالْقَامُوسُ الْمُحِيطُ، وَالْمُفْرَدَاتُ فِي غَرِيبِ الْقُرْآنِ لِلأَْصْفَهَانِيِّ.
(2) التَّعْرِيفَاتُ لِلْجُرْجَانِيِّ.
(3) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ 1 / 212، وَالْقَوَانِينُ الْفِقْهِيَّةُ ص 38، وَكِفَايَةُ الأَْخْيَارِ 1 / 67 - 79، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 1 / 14، وَالْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ 1 / 44 - 45.
(4) الْكَبَائِرُ لِلذَّهَبِيِّ ص 96، وَالزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ لاِبْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ 2 / 75، وَتَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ 2 / 156 - 157، وَالْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ 2 / 556 - 559.
(5) سُورَةُ النِّسَاءِ آيَةُ: 29، 30
(6) حَدِيثُ: " مَنْ قَتَل نَفْسَهُ. . . ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (فَتْحُ الْبَارِي 10 / 247 ط السَّلَفِيَّةِ) وَمُسْلِمٌ (1 / 103 - 104 ط الْحَلَبِيِّ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
(7) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ 5 / 340، وَتَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ 5 / 332 وَمَا بَعْدَهَا، وَتُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ مَعَ الْحَاشِيَتَيْنِ 8 / 375، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ 4 / 2، وَالزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ 1 / 71، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 504.
(8) سُورَةُ الْفُرْقَانِ آيَةُ: 68، 70.
(9) سُورَةُ النِّسَاءِ آيَةُ: 93.
(10) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ 5 / 340 - 352، وَتَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ 5 / 332 وَمَا بَعْدَهَا، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 4 / 2، 39، 440، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ 4 / 2، 356، وَالْمُغْنِي 7 / 636، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 6 / 178، 5 / 504.
(11) رَدُّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ 5 / 340، 352.
(12) تَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ 5 / 332 وَمَا بَعْدَهَا.
(13) تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ 8 / 375.
(14) كَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 504، 6 / 178، وَالإِْنْصَافُ 10 / 335.
(15) سُورَةُ النِّسَاءِ آيَةُ: 93
(16) تَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ 5 / 332 وَمَا بَعْدَهَا، وَالزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ 2 / 71، وَالْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ 7 / 636، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 504، وَالإِْنْصَافُ 10 / 335.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 28/ 41