الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
ما تغطي به المرأة وجهها باستثناء عينيها . ومن شواهده حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهما - قَالَ : قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ، فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : " لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ الْعَمَائِمَ، وَلاَ تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ ." البخاري :1838 ، ومن أمثلته قولهم : " وَعَلَى كَرَاهَةِ النِّقَابِ لِلْمَرْأَةِ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي كَرَاهَةِ التَّبَرْقُعِ، وَالنِّقَابِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ ."
القِناعُ تَجْعَلُهُ المَرْأَةُ على مارِنِ الأنفِ -أي: ما لانَ مِنه- تَسْتُرُ بِهِ وَجْهَها، يُقال: تَنَقَّبَت المَرأةُ وانْتَقَبَتْ: إذا شَدَّت النِّقابَ على وَجهِها، أو غَطَّت وَجْهَها بِالنِّقابِ، وإنَّها لَحَسَنَةُ النِّقْبَة، أي: هَيْئَةُ الانْتِقابِ. وأَصْلُ الكلِمَة يَدُلُّ على فَتْحٍ في شَيْءٍ، ومِنه: النِّقابُ؛ لأنَّه يَبْدُو مِنْهُ مَحْجِرُ الْعَيْنِ. ويُطلَق أيضاً على الرَّجُلِ العَلّامَةِ، أو العالِمُ بِالأَشْياءِ، الكَثِيرُ البَحْثِ عنها، وعلى الطَّرِيقُ في الغِلَظِ. والجَمْعُ: نُقُبٌ.
يَرِد مُصطلح (نِقاب) في الفقه في عِدَّة مواطِن، منها: كتاب الصَّلاة، باب: مكروهات الصَّلاة، وفي كتاب النِّكاح عند الكَلامِ على نِكاحِ المُنَقَّبَةِ، وفي كتاب القضاء: باب الشهادات عند الكلام على حُكمِ الشَّهادَةِ على المرأةِ المُنَقَّبَةِ، وغير ذلك مِن الأبواب.
نقب
ما تغطي به المرأة وجهها باستثناء عينيها.
* تهذيب اللغة : (9/160)
* العين : (5/180)
* مقاييس اللغة : (5/465)
* الزاهر في معاني كلمات الناس لابن الأنباري : (1/447)
* المحكم والمحيط الأعظم : (6/452)
* مختار الصحاح : (ص 317)
* القاموس المحيط : (ص 139)
* لسان العرب : (1/768)
* النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب : (1/71)
* فتح الباري شرح صحيح البخاري : (4/53)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 424)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/620)
* التعريفات الفقهية : (ص 231)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 486) -
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي النِّقَابِ فِي اللُّغَةِ: الْقِنَاعُ تَجْعَلُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى مَارِنِ أَنْفِهَا تَسْتُرُ بِهِ وَجْهَهَا. وَالْجَمْعُ نُقُبٌ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْخِمَارُ:
2 - الْخِمَارُ فِي اللُّغَةِ: التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ، يُقَال: خَمَّرْتُ الشَّيْءَ تَخْمِيرًا غَطَّيْتُهُ وَسَتَرْتُهُ (3) ، وَالْخِمَارُ لِلْمَرْأَةِ هُوَ النَّصِيفُ، وَقِيل: الْخِمَارُ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا (4) . وَاصْطِلاَحًا: قَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ (5) : أَصْل الْخَمْرِ سَتْرُ الشَّيْءِ، وَيُقَال لِمَا يُسْتَرُ بِهِ خِمَارٌ، لَكِنَّ الْخِمَارَ صَارَ فِي التَّعَارُفِ اسْمًا لِمَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، وَجَمْعُهُ خُمُرٌ، قَال تَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (6) } .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النِّقَابِ وَالْخِمَارِ أَنَّ كِلَيْهِمَا لِبَاسٌ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، فَالْخِمَارُ غِطَاءٌ لِرَأْسِهَا، وَالنِّقَابُ غِطَاءٌ لِوَجْهِهَا.
ب - الْحِجَابُ:
3 - الْحِجَابُ فِي اللُّغَةِ: السِّتْرُ، وَالْحِجَابُ أَيْضًا: مَا احْتَجَبَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ (7) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النِّقَابِ وَالْحِجَابِ أَنَّ النِّقَابَ لِسَتْرِ وَجْهِ الْمَرْأَةِ، أَمَّا الْحِجَابُ فَإِنَّهُ سَتْرٌ لِلْمَرْأَةِ جَمِيعِهَا عَنْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ.
ج - الْبُرْقُعُ:
4 - الْبُرْقُعُ فِي اللُّغَةِ: مَا تَسْتُرُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا (8) . وَقَال ابْنُ مَنْظُورٍ: الْبُرْقُعُ فِيهِ خَرْقَانِ لِلْعَيْنَيْنِ (9) . وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النِّقَابِ وَالْبُرْقُعِ هِيَ أَنَّ كِلَيْهِمَا غِطَاءٌ لِوَجْهِ الْمَرْأَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ مَيَّزَ فِي الْبُرْقُعِ بِخَرْقَيْنِ لِلْعَيْنَيْنِ، وَمَنْ وَصَفَ النِّقَابَ بِذَلِكَ كَانَتِ الْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمَا هِيَ التَّرَادُفَ.
د - اللِّثَامُ:
5 - اللِّثَامُ فِي اللُّغَةِ بِالْكَسْرِ: مَا تُغَطَّى بِهِ الشَّفَةُ (10) أَوْ مَا كَانَ عَلَى الْفَمِ مِنَ النِّقَابِ (11) ، وَقَال ابْنُ مَنْظُورٍ: اللِّثَامُ رَدُّ الْمَرْأَةِ قِنَاعَهَا عَلَى أَنْفِهَا، وَرَدُّ الرَّجُل عِمَامَتَهُ عَلَى أَنْفِهِ (12) وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النِّقَابِ وَاللِّثَامِ هِيَ أَنَّ كِلَيْهِمَا غِطَاءٌ لِلْوَجْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي النِّقَابِ يُسْتَرُ الْوَجْهُ عَدَا الْعَيْنَيْنِ، وَفِي اللِّثَامِ يُسْتَرُ الْفَمُ وَمَا دُونَهُ، وَلِذَا كَانَ النِّقَابُ أَعَمَّ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
6 - لَمَّا كَانَ النِّقَابُ هُوَ سَتْرَ وَجْهِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَبِطًا بِعَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، إِذِ الْعَوْرَةُ هِيَ مَا يَحْرُمُ كَشْفُهُ مِنَ الْجِسْمِ، سَوَاءٌ مِنَ الرَّجُل أَوْ مِنَ الْمَرْأَةِ، أَوْ هِيَ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ وَعَدَمُ إِظْهَارِهِ مِنَ الْجِسْمِ، لِذَا فَإِنَّ بَيَانَ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْدِيدِ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ يَتَّضِحُ مِنْهُ حُكْمُ اتِّخَاذِ النِّقَابِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْوَجْهِ عَوْرَةً: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَسْتُرَهُ فَتَنْتَقِبَ، وَلَهَا أَنْ تَكْشِفَهُ فَلاَ تَنْتَقِبَ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ مِنْ كَشْفِ وَجْهِهَا بَيْنَ الرِّجَال فِي زَمَانِنَا، لاَ لأَِنَّهُ عَوْرَةٌ، بَل لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ انْتِقَابُ الْمَرْأَةِ - أَيْ: تَغْطِيَةُ وَجْهِهَا، وَهُوَ مَا يَصِل لِلْعُيُونِ - سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صَلاَةٍ أَوْ فِي غَيْرِهَا، كَانَ الاِنْتِقَابُ فِيهَا لأَِجْلِهَا أَوْ لاَ، لأَِنَّهُ مِنَ الْغُلُوِّ.
وَيُكْرَهُ النِّقَابُ لِلرِّجَال مِنْ بَابٍ أَوْلَى إِلاَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ قَوْمِهِ، فَلاَ يُكْرَهُ إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ، وَأَمَّا فِي الصَّلاَةِ فَيُكْرَهُ.
وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى الشَّابَّةِ مَخْشِيَّةِ الْفِتْنَةِ سَتْرٌ حَتَّى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إِذَا كَانَتْ جَمِيلَةً، أَوْ يَكْثُرُ الْفَسَادُ.
وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَنَقُّبِ الْمَرْأَةِ، فَرَأْيٌ يُوجِبُ النِّقَابَ عَلَيْهَا، وَقِيل: هُوَ سُنَّةٌ، وَقِيل: هُوَ خِلاَفُ الأَْوْلَى (13) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (عَوْرَة ف 3 وَمَا بَعْدَهَا، وَمُصْطَلَحَ نَظَر ف 3 - 8) . النِّقَابُ لِلْمُحْرِمَةِ:
7 - حَظَرَ الإِْسْلاَمُ النِّقَابَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: لاَ تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلاَ تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ (14) .
وَلِذَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِالْحُرْمَةِ، فَقَالُوا: وَالْمَرْأَةُ إِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ بِبُرْقُعٍ أَوْ نِقَابٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ غَطَّتْهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَدَتْ كَمَا لَوْ غَطَّى الرَّجُل رَأْسَهُ (15) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَام ف 67) .
النِّقَابُ فِي الصَّلاَةِ:
8 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى كَرَاهَةِ النِّقَابِ فِي الصَّلاَةِ، وَكَرِهَهُ الْمَالِكِيَّةُ مُطْلَقًا فِي الصَّلاَةِ وَفِي غَيْرِهَا.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ وَهُوَ تَغْطِيَةُ الأَْنْفِ وَالْفَمِ فِي الصَّلاَةِ لأَِنَّهُ يُشْبِهُ فِعْل الْمَجُوسِ حَال عِبَادَتِهِمُ النِّيرَانَ، وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا (16) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ النِّقَابَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا أَيًّا كَانَ، فِي صَلاَةٍ أَوْ خَارِجِهَا، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا لأَِجْلِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا، مَا لَمْ يَكُنْ لِعَادَةٍ، وَإِلاَّ فَلاَ كَرَاهَةَ فِيهِ خَارِجَهَا (17) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ مُتَنَقِّبَةً (18) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَيُكْرَهُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي نِقَابٍ وَبُرْقُعٍ بِلاَ حَاجَةٍ، وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا فِي الصَّلاَةِ وَالإِْحْرَامِ، وَلأَِنَّ سَتْرَ الْوَجْهِ يُخِل بِمُبَاشَرَةِ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ وَيُغَطِّي الْفَمَ (19) ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ الرَّجُل عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ كَحُضُورِ أَجَانِبَ، فَلاَ كَرَاهَةَ (20) . نِكَاحُ الْمُنَقَّبَةِ:
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُتَنَقِّبَةً، فَقَال: تَزَوَّجْتُ هَذِهِ. وَقَبِلَتْ جَازَ لأَِنَّهَا صَارَتْ مَعْرُوفَةً بِالإِْشَارَةِ، وَقِيل: يُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِرَةِ كَشْفُ النِّقَابِ.
وَلَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُتَنَقِّبَةً وَلاَ يَعْرِفُهَا الشُّهُودُ فَعَنِ الْحَسَنِ وَبِشْرٍ: يَجُوزُ، وَقِيل: لاَ يَجُوزُ مَا لَمْ تَرْفَعْ نِقَابَهَا وَيَرَاهَا الشُّهُودُ، وَالأَْوَّل أَقْيَسُ فِيمَا يَظْهَرُ بَعْدَ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ مِنْهُمَا؛ لأَِنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ شَهَادَةً تُعْتَبَرُ لِلأَْدَاءِ لِيُشْتَرَطَ الْعَامُّ عَلَى التَّحْقِيقِ بِذَاتِ الْمَرْأَةِ.
وَفِي التَّجْنِيسِ أَنْهُ هُوَ الْمُخْتَارُ لأَِنَّ الْحَاضِرَ يُعْرَفُ بِالإِْشَارَةِ، وَالاِحْتِيَاطُ كَشْفُ نِقَابِهَا وَتَسْمِيَتُهَا وَنِسْبَتُهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الشُّهُودُ. أَمَّا إِذَا كَانُوا يَعْرِفُونَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَذَكَرَ الزَّوْجُ اسْمَهَا لاَ غَيْرَ - جَازَ النِّكَاحُ إِذَا عَرَفَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَرْأَةَ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّسْمِيَةِ التَّعْرِيفُ، وَقَدْ حَصَل.
وَبِقَوْل الْحَنَفِيَّةِ قَال الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ (21) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ فِي تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ: قَال جَمْعٌ: وَلاَ يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُتَنَقِّبَةٍ إِلاَّ إِنْ عَرَفَهَا الشَّاهِدَانِ اسْمًا وَنَسَبًا أَوْ صُورَةً. وَفِي حَاشِيَةِ الشَّرْوَانِيِّ قَال: إِذَا رَأَى الشَّاهِدَانِ وَجْهَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْقَاضِي الْعَاقِدُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِحَاكِمٍ بِالنِّكَاحِ وَلاَ شَاهِدٍ كَمَا لَوْ زَوَّجَ وَلِيُّ النَّسَبِ مُوَلِّيَتَهُ الَّتِي لَمْ يَرَهَا قَطُّ، بَل لاَ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الشَّاهِدَيْنِ وَجْهَهَا فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ (22) .
الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُنَقَّبَةِ:
10 - قَال بَعْضُ مَشَائِخِ الْحَنَفِيَّةِ: تَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُتَنَقِّبَةِ، وَلَوْ أَخْبَرَ الْعَدْلاَنِ أَنَّ هَذِهِ الْمُقِرَّةَ فُلاَنَةُ بِنْتُ فُلاَنٍ تَكْفِي هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الاِسْمِ وَالنَّسَبِ عِنْدَهُمَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنْ عَرَفَهَا بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا عَدْلاَنِ، يَنْبَغِي لِلْعَدْلَيْنِ أَنْ يُشْهِدَا الْفَرْعَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، كَمَا هُوَ طَرِيقُ الإِْشْهَادِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَتَّى يَشْهَدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِالاِسْمِ وَالنَّسَبِ، وَيَشْهَدَا بِأَصْل الْحَقِّ أَصَالَةً، فَتَجُوزُ وِفَاقًا (23) .
قَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ لِلشُّهُودِ مُنْتَقِبَةٍ حَتَّى تَرْفَعَ النِّقَابَ عَنْ وَجْهِهَا وَيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهَا، لِتَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا لِتَأْدِيَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تَحَمَّلُوهَا عَلَيْهَا إِذَا طُلِبُوا بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ قَال الشُّهُودُ وَقْتَ الأَْدَاءِ: أَشْهَدَتْنَا هَذِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا بِكَذَا حَال كَوْنِهَا مُتَنَقِّبَةً، وَكَذَلِكَ حَال كَوْنِهَا مُتَنَقِّبَةً نَعْرِفُهَا وَلاَ تَشْتَبِهُ عَلَيْنَا بِغَيْرِهَا فَنُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا مُتَنَقِّبَةً - صَدَقُوا وَاتُّبِعُوا فِي ذَلِكَ، وَقَال ابْنُ عَرَفَةَ: إِنْ قَالَتِ الْبَيِّنَةُ: أَشْهَدَتْنَا وَهِيَ مُتَنَقِّبَةٌ وَكَذَلِكَ نَعْرِفُهَا وَلاَ نَعْرِفُهَا بِغَيْرِ نِقَابٍ، فَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا تَقَلَّدُوا، وَإِنْ كَانُوا عُدُولاً وَعَيَّنُوهَا كَمَا ذَكَرَتْ وَقُطِعَ بِشَهَادَتِهِمْ.
سَأَل ابْنُ حَبِيبٍ سَحْنُونَ عَنِ امْرَأَةٍ أَنْكَرَتْ دَعْوَى رَجُلٍ عَلَيْهَا فَأَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً، قَالُوا: أَشْهَدَتْنَا عَلَى نَفْسِهَا وَهِيَ مُتَنَقِّبَةٌ بِكَذَا وَكَذَا، وَلاَ نَعْرِفُهَا إِلاَّ مُتَنَقِّبَةً وَإِنْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا فَلاَ نَعْرِفُهَا، فَقَال: هُمْ أَعْلَمُ بِمَا تَقَلَّدُوا، فَإِنْ كَانُوا عُدُولاً، وَقَالُوا: عَرَفْنَاهَا، قُطِعَ بِشَهَادَتِهِمْ (24) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَصِحُّ تَحَمُّل شَهَادَةٍ عَلَى مُتَنَقِّبَةٍ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا، فَإِنَّ الأَْصْوَاتَ تَتَشَابَهُ، فَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَهَا وَلَمْ يَرَهَا بِأَنْ كَانَتْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَلاَ يَمْنَعُ الْحَائِل الرَّقِيقُ عَلَى الأَْصَحِّ.
فَلاَ يَصِحُّ التَّحَمُّل عَلَى الْمُتَنَقِّبَةِ لِيُؤَدِّيَ مَا تَحَمَّلَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَةِ صَوْتِهَا، أَمَّا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ امْرَأَةً مُتَنَقِّبَةً أَقَرَّتْ يَوْمَ كَذَا لِفُلاَنٍ بِكَذَا، فَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي حَضَرَتْ وَأَقَرَّتْ يَوْمَ كَذَا هِيَ هَذِهِ ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَتَيْنِ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ الْفُلاَنِيَّ أَقَرَّ بِكَذَا وَقَامَتْ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الْحَاضِرَ هُوَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ثَبَتَ الْحَقُّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ تَحَقَّقَ صَوْتُهَا مِنْ وَرَاءِ نِقَابٍ كَثِيفٍ وَلاَزَمَهَا حَتَّى أَدَّى عَلَى عَيْنِهَا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا كَنَظِيرِهِ مِنَ الأَْعْمَى.
فَإِنْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا، أَوْ بِاسْمٍ وَنَسَبٍ جَازَ التَّحَمُّل عَلَيْهَا، وَلاَ يَضُرُّ النِّقَابُ، بَل يَجُوزُ كَشْفُ الْوَجْهِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ، وَيَشْهَدُ الْمُتَحَمِّل عَلَى الْمُتَنَقِّبَةِ عِنْدَ الأَْدَاءِ بِمَا يَعْلَمُ مِمَّا ذُكِرَ، فَيَشْهَدُ فِي الْعِلْمِ بِعَيْنِهَا إِنْ حَضَرَتْ، وَفِي صُورَةِ عِلْمِهِ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا إِنْ غَابَتْ أَوْ مَاتَتْ وَدُفِنَتْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَشَفَ وَجْهَهَا عِنْدَ التَّحَمُّل عَلَيْهَا وَضَبَطَ حِلْيَتَهَا وَكَشَفَهُ أَيْضًا عِنْدَ الأَْدَاءِ، وَيَجُوزُ اسْتِيعَابُ وَجْهِهَا بِالنَّظَرِ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَنْظُرَ مَا يَعْرِفُهَا بِهِ فَقَطْ، فَإِنْ عَرَفَهَا بِالنَّظَرِ إِلَى بَعْضِهِ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلاَ يَزِيدُ عَلَى مَرَّةٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِالاِسْتِيعَابِ أَمْ لاَ، إِلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ لِلتَّكْرَارِ.
وَلاَ يَجُوزُ التَّحَمُّل عَلَى الْمَرْأَةِ - مُتَنَقِّبَةً أَمْ لاَ - بِتَعْرِيفِ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلاَنَةُ بِنْتُ فُلاَنٍ عَلَى الأَْشْهَرِ الْمُعَبَّرِ بِهِ فِي الْمُحَرِّرِ وَفِيالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عِنْدَ الأَْكْثَرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي أَنَّ التَّسَامُعَ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ جَمَاعَةٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَقِيل: يَجُوزُ بِتَعْرِيفِ عَدْلٍ لأَِنَّهُ خَبَرٌ، وَقِيل: بِتَعْرِيفِ عَدْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُمَا، وَالْعَمَل عَلَى خِلاَفِ الأَْشْهَرِ، وَهُوَ التَّحَمُّل بِمَا ذُكِرَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ مُرَادَهُ الْعَمَل عَلَى التَّحَمُّل بِتَعْرِيفِ عَدْلٍ فَقَطْ (25) .
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط، ولسان العرب.
(2) فتح الباري 4 / 53 ط السلفية، ونيل الأوطار 5 / 68 ط دار الجيل، وقواعد الفقه للبركتي.
(3) المصباح المنير.
(4) لسان العرب.
(5) المفردات في غريب القرآن ص 159 ط الحلبي.
(6) سورة النور / 31.
(7) لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح.
(8) المصباح المنير، ومختار الصحاح، والقاموس المحيط.
(9) لسان العرب.
(10) المصباح المنير.
(11) مختار الصحاح.
(12) لسان العرب.
(13) تبيين الحقائق 1 / 96، وابن عابدين 1 / 272، والشرح الكبير 1 / 218، والفواكه الدواني 2 / 409، ومغني المحتاج 1 / 129، وكشاف القناع 5 / 15.
(14) حديث ابن عمر ﵃ ا: " لا تنتقب المرأة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 52 ط السلفية) .
(15) كشاف القناع 2 / 447 ط عالم الكتب، وحاشية الطحطاوي مع الدر المختار 1 / 521، والتاج والإكليل 3 / 141 ط دار الفكر، وأسنى المطالب 1 / 506، ونهاية المحتاج 3 / 322.
(16) حاشية الطحطاوي 1 / 275.
(17) حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 1 / 218 ط دار الفكر.
(18) أسنى المطالب 1 / 179، ونهاية المحتاج 2 / 12.
(19) كشاف القناع 1 / 268، والمغني لابن قدامة 1 / 603 ط الرياض الحديثة.
(20) حديث: " نهى النبي ﷺ عن تغطية الفم في الصلاة "، عن عطاء عن أبي هريرة قال: " نهى رسول الله ﷺ عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه ". أخرجه أبو داود (1 / 423 ط حمص) ، ثم أسند عن ابن جريج أنه قال: أكثر ما رأيت عطاء يصلي
(21) فتح القدير 3 / 104، 197 ط دار إحياء التراث العربي، والبناية 4 / 173.
(22) تحفة المحتاج في شرح المنهاج 10 / 261.
(23) درر الحكام وشرح غرر الأحكام 2 / 374.
(24) منح الجليل 4 / 267.
(25) مغني المحتاج 4 / 447.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 133/ 41