المتين
كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...
تلبية رغبات النفس، واتباع أوامرها سواء كانت خيرًا، أو شرًّا .
مَحَبَّةُ الإِنْسانِ لِلشَّيْءِ، يُقال: هَوَى الطَّعامَ، يَهْوِيهِ، هَوًى، أي: أَحَبَّهُ. ويأْتي بِمعنى الإِرادَةِ والمَيْلِ لِلشَّيْءِ، سَواءً كان حَقّاً أو باطِلاً، فيُقال: سارَ على هَواهُ: إذا فَعَلَ ما أَرادَ. والهَوَى أيضاً: الباطِلُ والضَّلالُ، ومِنْهُ سُمِّيَ أَهْلُ الباطِلِ بِأَهْلِ الأَهْواءِ. وأَصْلُ الكَلِمَةِ: الخُلُوُّ والسُّقُوطُ، يُقال: هَوَى الشَّيْءُ، أيْ: سَقَطَ، ومنه سُمِّيَ هَوَى النَّفسِ بِذلك؛ لأنَّهُ خالٍ مِن كُلِّ خَيْرٍ، ولأنَّهُ يَهْوِي بِصاحِبِهِ في المَهالِكِ. ومِن مَعانِيه أيضاً: العِشْقُ والتَّعَلُّقُ والشَّهْوَةُ، والجَمْعُ: أَهْواء.
يَرِد مُصْطلَح (هَوَى) في الفِقْهِ في عِدَّة مواضِع، منها: كِتاب الصَّلاةِ، باب: شُروط الإِمامَةِ، وكِتاب الجَنائِزِ، باب: الصَّلاة على المَيِّتِ، وكتاب الحُدودِ، باب: التَّعْزِير، وكتاب السِّياسَةِ الشَّرْعِيَّةِ، باب: الإِمامَة، وغَيْر ذلك. ويَرِدُ أيضاً في العَقِيدَةِ، باب: الأَسْماء والصِّفاتِ، وباب: الإِيمان، وباب: الفِرَق والأَدْيان، وغَيْر ذلك.
هوي
تلبية رغبات النفس، واتباع أوامرها سواء كانت خيرًا، أو شرًّا.
* التعريفات للجرجاني : (ص 320)
* مقاييس اللغة : (6/16)
* تهذيب اللغة : (6/258)
* المحكم والمحيط الأعظم : (4/451)
* لسان العرب : (15/371)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 344)
* الكليات : (ص 962)
* الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة : (ص 68)
* دستور العلماء : (3/331)
* الموافقات : (2/168)
* أدب الدنيا والدين : (ص 36) -
التَّعْرِيفُ:
ا - الْهَوَى فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ هَوِيَ، يُقَال: هَوِيَهُ: إِذَا أَحَبَّهُ وَاشْتَهَاهُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمُهْوِيُّ الْمُشْتَهَى، مَحْمُودًا كَانَ أَمْ مَذْمُومًا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى غَيْرِ الْمَحْمُودِ، فَقِيل: فُلاَنٌ اتَّبَعَ هَوَاهُ: إِذَا أُرِيدَ ذَمُّهُ، وَفِي التَّنْزِيل قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى (1) } وَقَوْلُهُ: {وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْل وَأَضَلُّوا كَثِيرًا (2) } وَمِنْهُ: فُلاَنٌ مِنْ أَهْل الأَْهْوَاءِ: لِمَنْ زَاغَ عَنِ الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى مِنْ أَهْل الْقِبْلَةِ (3) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَسُمِّيَ الْهَوَى هَوًى لأَِنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ إِلَى النَّارِ، وَلِذَلِكَ لاَ يُسْتَعْمَل فِي الْغَالِبِ إِلاَّ فِيمَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَفِيمَا لاَ خَيْرَ فِيهِ.
وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الْحَقِّ (4) وَمِنْهُ قَوْل عُمَرَ ﵁ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: " فَهَوِيَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مَا قَال أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ (5) .
وَالْهَوَى اصْطِلاَحًا: قَال عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ: الْهَوَى مَيَلاَنُ النَّفْسِ إِلَى مَا تَسْتَلِذُّ بِهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ (6) .
وَيُسَمَّى أَهْل الْبِدَعِ بِأَهْل الأَْهْوَاءِ (7) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الشَّهْوَةُ:
2 - الشَّهْوَةُ فِي اللُّغَةِ: نُزُوعُ النَّفْسِ إِلَى مَا تُرِيدُهُ، وَقَدْ يُسَمَّى الْمُشْتَهَى شَهْوَةً، وَقَدْ يُقَال لِلْقُوَّةِ الَّتِي تَشْتَهِي الشَّيْءَ: شَهْوَةٌ، وَالْجَمْعُ شَهَوَاتٌ وَأَشْهِيَةٌ وَشُهًى (8) .
وَقَال أَبُو الْبَقَاءِ الْكَفَوِيُّ: الشَّهْوَةُ مَيْلٌ جِبِلِّيٌّ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْبَشَرِ، بِخِلاَفِ الإِْرَادَةِ (9) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الشَّهْوَةُ: حَرَكَةٌ لِلنَّفْسِ طَلَبًا لِلْمُلاَئِمِ (10) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُول، وَيَتَّفِقَانِ فِي الدَّلاَلَةِ وَالْمَدْلُول، وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الْهَوَى مُخْتَصٌّ بِالآْرَاءِ وَالاِعْتِقَادَاتِ، وَالشَّهْوَةُ مُخْتَصَّةٌ بِنَيْل الْمُسْتَلَذَّاتِ، فَصَارَتِ الشَّهْوَةُ مِنْ نَتَائِجِ الْهَوَى وَهِيَ أَخَصُّ، وَالْهَوَى أَصْلٌ وَهُوَ أَعَمُّ (11) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْهَوَى:
يَتَعَلَّقُ بِالْهَوَى أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - حُكْمُ اتِّبَاعِ الْهَوَى الْمَذْمُومِ:
3 - إِذَا وَافَقَ الْهَوَى الشَّرْعَ فَهُوَ مَحْمُودٌ، أَمَّا إِذَا خَالَفَهُ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى الْمَذْمُومِ بِالآْيَاتِ وَالأَْحَادِيثِ، أَمَّا الآْيَاتُ فَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا (12) } ، وَقَال تَعَالَى: {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيل اللَّهِ (13) } ، وَقَال تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (14) } . وَمِنَ الأَْحَادِيثِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: ثَلاَثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلاَثٌ مُنْجِيَاتٌ، وَثَلاَثٌ كَفَّارَاتٌ، وَثَلاَثٌ دَرَجَاتٌ، أَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ،. . . . إِلَخْ " (15) .
وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِل لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأَْمَانِيَّ (16) .
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: الْهَوَى عَنِ الْخَيْرِ صَادٌّ، وَلِلْعَقْل مُضَادٌّ، يُنْتِجُ مِنَ الأَْخْلاَقِ قَبَائِحَهَا، وَيُظْهِرُ مِنَ الأَْفْعَال فَضَائِحَهَا، وَيَجْعَل سِتْرَ الْمُرُوءَةِ مَهْتُوكًا، وَمَدْخَل الشَّرِّ مَسْلُوكًا.
وَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ﵄: الْهَوَى إِلَهٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ (17) ، ثُمَّ تَلاَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ( {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (18) } بِحَيْثُ لاَ يَعْبُدُ صَاحِبُ الْهَوَى إِلاَّ مَا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ، بِأَنْ أَطَاعَهُ وَبَنَى عَلَيْهِ دِينَهُ، وَلاَ يَسْمَعُ حُجَّةً وَلاَ يُبْصِرُ دَلِيلاً (19) .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: طَاعَةُ الشَّهْوَةِ دَاءٌ، وَعِصْيَانُهَا دَوَاءٌ (20) .
وَقَال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁: أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَيْنِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَطُول الأَْمَل، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَطُول الأَْمَل يُنْسِي الآْخِرَةَ (21) .
وَقَال الشَّاطِبِيُّ: الْمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ مِنْ وَضْعِ الشَّرِيعَةِ إِخْرَاجُ الْمُكَلَّفِ عَنْ دَاعِيَةِ هَوَاهُ، حَتَّى يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ اخْتِيَارًا، كَمَا هُوَ عَبْدٌ لِلَّهِ اضْطِرَارًا.
وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: النَّصُّ الصَّرِيحُ الدَّال عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ خُلِقُوا لِلْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَالدُّخُول تَحْتَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (22) } .
وَالثَّانِي: مَا دَل عَلَى ذَمِّ مُخَالَفَةِ هَذَا الْقَصْدِ:
مِنَ النَّهْيِ أَوَّلاً عَنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ، وَذَمِّ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ، وَإِيعَادِهِمْ بِالْعَذَابِ الْعَاجِل مِنَ الْعُقُوبَاتِ الْخَاصَّةِ بِكُل صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْمُخَالَفَاتِ، وَالْعَذَابِ الآْجِل فِي الدَّارِ الآْخِرَةِ، وَأَصْل ذَلِكَ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَالاِنْقِيَادُ إِلَى طَاعَةِ الأَْغْرَاضِ الْعَاجِلَةِ وَالشَّهَوَاتِ الزَّائِلَةِ.
الثَّالِثُ: مَا عُلِمَ بِالتَّجَارِبِ وَالْعَادَاتِ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ لاَ تَحْصُل مَعَ الاِسْتِرْسَال فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْمَشْيِ مَعَ الأَْغْرَاضِ، لِمَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّهَارُجِ وَالتَّقَاتُل وَالْهَلاَكِ الَّذِي هُوَ مُضَادٌّ لِتِلْكَ الْمَصَالِحِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعِبَادِ بِالتَّجَارِبِ وَالْعَادَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ؛ وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى ذَمِّ مَنِ اتَّبَعَ شَهَوَاتِهِ، وَسَارَ حَيْثُ سَارَتْ بِهِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، انْبَنَى عَلَيْهِ قَوَاعِدُ:
مِنْهَا أَنَّ كُل عَمَلٍ كَانَ الْمُتَّبَعُ فِيهِ الْهَوَى بِإِطْلاَقٍ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى الأَْمْرِ أَوِ النَّهْيِ أَوِ التَّخْيِيرِ، فَهُوَ بَاطِلٌ بِإِطْلاَقٍ. وَكُل فِعْلٍ كَانَ الْمُتَّبَعُ فِيهِ بِإِطْلاَقِ الأَْمْرِ وَالنَّهْيِ أَوِ التَّخْيِيرِ، فَهُوَ صَحِيحٌ وَحَقٌّ؛ لأَِنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ مِنْ طَرِيقِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَوَافَقَ فِيهِ صَاحِبُهُ قَصْدَ الشَّارِعِ فَكَانَ كُلُّهُ صَوَابًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا إِنِ امْتَزَجَ فِيهِ الأَْمْرَانِ فَكَانَ مَعْمُولاً بِهِمَا فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ وَالسَّابِقِ (23) .
وَمِنْهَا: أَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى طَرِيقٌ إِلَى الْمَذْمُومِ وَإِنْ جَاءَ فِي ضِمْنِ الْمَحْمُودِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُضَادٌّ بِوَضْعِهِ لِوَضْعِ الشَّرِيعَةِ فَحَيْثُمَا زَاحَمَ مُقْتَضَاهَا فِي الْعَمَل كَانَ مَخُوفًا (24) .
وَمِنْهَا: أَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى فِي الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَظِنَّةٌ لأَِنْ يَحْتَال بِهَا عَلَى أَغْرَاضِهِ، فَتَصِيرَ كَالآْلَةِ الْمُعَدَّةِ لاِقْتِنَاصِ أَغْرَاضِهِ، كَالْمُرَائِي يَتَّخِذُ الأَْعْمَال الصَّالِحَةَ سُلَّمًا لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَبَيَانُ هَذَا ظَاهِرٌ.
وَمَنْ تَتَبَّعَ مَآلاَتِ اتِّبَاعِ الْهَوَى فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَجَدَ مِنَ الْمَفَاسِدِ كَثِيرًا (25) .
ب - أَنْوَاعُ مُتَّبِعِي الْهَوَى:
4 - قَال عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ: إِنَّ مِمَّنِ اتَّبَعَ الْهَوَى مَنْ يَجِبُ إِكْفَارُهُ كَغُلاَةِ الْمُجَسِّمَةِ وَالرَّوَافِضِ وَغَيْرِهِمْ وَيُسَمَّى الْكَافِرَ الْمُتَأَوِّل، وَمِنْهُمْ مَنْ لاَ يَجِبُ إِكْفَارُهُ وَيُسَمَّى الْفَاسِقَ الْمُتَأَوِّل.
وَاخْتُلِفَ فِي الْقِسْمِ الأَْوَّل: فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الأُْصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ مَنْ كَفَرَ فِي هَوَاهُ مَقْبُولَةٌ وَكَذَا رِوَايَتُهُ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى رَدِّهَا؛ لأَِنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ وَلاَ لِلرِّوَايَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَيْضًا: فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ إِلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ وَرِوَايَتِهِ جَمِيعًا.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى قَبُول شَهَادَةِ الْفَاسِقِ إِلاَّ الْخَطَّابِيَّةَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ لاَ تُقْبَل؛ لأَِنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي إِذَا حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ (26) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَنْوَاعِ أَهْل الأَْهْوَاءِ، وَتَوْبَةِ أَهْل الأَْهْوَاءِ، وَهَجْرِهِمْ، وَعُقُوبَتِهِمْ، وَشَهَادَتِهِمْ، وَرِوَايَتِهِمْ لِلْحَدِيثِ، وَإِمَامَتِهِمْ فِي الصَّلاَةِ، يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (أَهْل الأَْهْوَاءِ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا) . ج - أَنْوَاعُ الْقُلُوبِ مِنْ حَيْثُ تَأَثُّرُهَا بِالْهَوَى:
5 - قَال الْغَزَالِيُّ: الْقُلُوبُ فِي الثَّبَاتِ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالتَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا ثَلاَثَةٌ:
قَلْبٌ عُمِّرَ بِالتَّقْوَى، وَزَكَا بِالرِّيَاضَةِ، وَطَهُرَ مِنْ خَبَائِثِ الأَْخْلاَقِ.
الْقَلْبُ الثَّانِي: الْقَلْبُ الْمَخْذُول، الْمَشْحُونُ بِالْهَوَى، الْمُدَنَّسُ بِالأَْخْلاَقِ الْمَذْمُومَةِ وَالْخَبَائِثِ، الْمَفْتُوحُ فِيهِ أَبْوَابُ الشَّيَاطِينِ، الْمَسْدُودُ عَنْهُ أَبْوَابُ الْمَلاَئِكَةِ.
الْقَلْبُ الثَّالِثُ: قَلْبٌ تَبْدُو فِيهِ خَوَاطِرُ الْهَوَى، فَتَدْعُوهُ إِلَى الشَّرِّ، فَيَلْحَقُهُ خَاطِرُ الإِْيمَانِ فَيَدْعُوهُ إِلَى الْخَيْرِ، فَتَنْبَعِثُ النَّفْسُ بِشَهْوَتِهَا إِلَى نُصْرَةِ خَاطِرِ الشَّرِّ، فَتَقْوَى الشَّهْوَةُ وَتُحْسِنُ التَّمَتُّعَ وَالتَّنَعُّمَ، فَيَنْبَعِثُ الْعَقْل إِلَى خَاطِرِ الْخَيْرِ، وَيَدْفَعُ فِي وَجْهِ الشَّهْوَةِ وَيُقَبِّحُ فِعْلَهَا، وَيَنْسُبُهَا إِلَى الْجَهْل، وَيُشَبِّهُهَا بِالْبَهِيمَةِ وَالسَّبُعِ فِي تَهَجُّمِهَا عَلَى الشَّرِّ وَقِلَّةِ اكْتِرَاثِهَا بِالْعَوَاقِبِ، فَتَمِيل النَّفْسُ إِلَى نُصْحِ الْعَقْل (27) .
د - أَسْبَابُ اتِّبَاعِ الْهَوَى:
6 - ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ لاِتِّبَاعِ الْهَوَى سَبَبَيْنِ: قُوَّةُ سُلْطَانِ الْهَوَى، وَخَفَاءُ مَكْرِهِ (28) .
فَأَمَّا الأَْوَّل: فَهُوَ أَنْ يَقْوَى سُلْطَانُ الْهَوَى بِدَوَاعِيهِ حَتَّى تَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ مُغَالَبَةُ الشَّهَوَاتِ، فَيَكِل الْعَقْل عَنْ دَفْعِهَا وَيَضْعُفَ عَنْ مَنْعِهَا مَعَ وُضُوحِ قُبْحِهَا فِي الْعَقْل الْمَقْهُورِ بِهَا، وَهَذَا يَكُونُ فِي الأَْحْدَاثِ أَكْثَرَ وَعَلَى الشَّبَابِ أَغْلَبَ؛ لِقُوَّةِ شَهَوَاتِهِمْ وَكَثْرَةِ دَوَاعِي الْهَوَى الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ رُبَّمَا جَعَلُوا الشَّبَابَ عُذْرًا لَهُمْ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَهُوَ أَنْ يُخْفِيَ الْهَوَى مَكْرَهُ حَتَّى تَمُوهُ أَفْعَالُهُ عَلَى الْعَقْل، فَيَتَصَوَّرُ الْقَبِيحَ حَسَنًا، وَالضَّرَرَ نَفْعًا، وَهَذَا يَدْعُو إِلَيْهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلنَّفْسِ مَيْلٌ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَيَخْفَى عَلَيْهَا الْقَبِيحُ بِحُسْنِ ظَنِّهَا وَتَتَصَوَّرُهُ حَسَنًا لِشِدَّةِ مَيْلِهَا إِلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ قَال النَّبِيُّ ﷺ: حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ (29) . أَيْ يُعْمِي عَنِ الرُّشْدِ، وَيُصِمُّ عَنِ الْمَوْعِظَةِ، وَقَال عَلِيٌّ ﵁: " الْهَوَى عَمًى ". وَأَمَّا السَّبَبُ الثَّانِي: فَهُوَ اسْتِثْقَال الْفِكْرِ فِي تَمْيِيزِ مَا اشْتَبَهَ، وَطَلَبُ الرَّاحَةِ فِي اتِّبَاعِ مَا يَسْهُل حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَوْفَقُ أَمْرَيْهِ وَأَحْمَدُ حَالَيْهِ، اغْتِرَارًا بِأَنَّ الأَْسْهَل مَحْمُودٌ وَالأَْعْسَرَ مَذْمُومٌ، فَلَنْ يَعْدِمَ أَنْ يَتَوَرَّطَ بِخُدَعِ الْهَوَى وَزِينَةِ الْمَكْرِ فِي كُل مَخُوفٍ حَذِرٍ، وَمَكْرُوهٍ عَسِرٍ (30) .
ص - نَهْيُ النَّفْسِ عَنِ الْهَوَى:
7 - سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَمَاءُ عَلَى أَنْ لاَ طَرِيقَ إِلَى سَعَادَةِ الآْخِرَةِ إِلاَّ بِنَهْيِ النَّفْسِ عَنِ الْهَوَى وَمُخَالَفَةِ الشَّهَوَاتِ (31) .
فَقَدْ جَعَل اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُخَالَفَةَ النَّفْسِ بِتَرْكِ هَوَاهَا عِلَّةً عَادِيَّةً وَسَبَبًا شَرْعِيًّا لِقِصَرِ مَقَامِهِ عَلَى الْجَنَّةِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ مُخَالَفَةُ النَّفْسِ رَأْسَ الْعِبَادَةِ (32) قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} ، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (33) } فَدِفَاعُ الْهَوَى أَعْظَمُ جِهَادٍ (34) كَمَا قَال النَّبِيُّ ﷺ وَقَدْ سُئِل: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَل؟ فَقَال: " جِهَادُكَ هَوَاكَ (35) ، وَقَال: الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ هَوَاهُ (36) .
__________
(1) سُورَة ص / 26.
(2) سُورَة الْمَائِدَة / 77.
(3) الْمُغْرِب للمطرزي، والقاموس الْمُحِيط، والمعجم الْوَسِيط، والمصباح الْمُنِير.
(4) تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ 2 / 25.
(5) حَدِيث: " فَهَوِيَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مَا قَال أَبُو بَكْرٍ. . ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (3 / 1385 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ عُمَر بْن الْخَطَّابِ ﵁.
(6) كَشَفَ الأَْسْرَار عَنْ أُصُول البزدوي 3 / 50 نَشْر دَار الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ.
(7) كَشَافٍ اصْطِلاَحَات الْفُنُون لِلتَّهَانَوِيِّ 6 / 1542.
(8) الْمُفْرِدَات فِي غَرِيبِ الْقُرْآنِ لِلأَْصْفَهَانِيِّ، والمعجم الْوَسِيط.
(9) الْكُلِّيَّات لأَِبِي الْبَقَاءِ الْكُفُوِي 1 / 105.
(10) قَوَاعِد الْفِقْهِ لِلْبَرَكَتِي.
(11) أَدَب الدُّنْيَا وَالدِّينِ للماوردي ص 41، 42 ط دَار ابْن كَثِير - بَيْرُوت.
(12) سُورَة النِّسَاء / 135.
(13) سُورَة ص / 26.
(14) سُورَة النَّازِعَات / 40 - 41.
(15) حَدِيث: " ثَلاَث مُهْلِكَات وَثَلاَث مُنْجِيَاتِ. . . ". أَخْرَجَهُ الْبَزَّار (كَشْف الأَْسْتَارِ 1 / 59 - 60 - ط الرِّسَالَة) ، وذكره الهيثمي فِي مَجْمَع الزَّوَائِد (1 / 91 - ط الْقُدْسِيّ) وعزاه إِلَى الْبَزَّارِ والطبراني فِي الأَْوْسَطِ، وَقَال: فِيهِ زَائِدَة بْن أَبِي الرُّقَاد وَزِيَاد النَّمِيرِي وَكَّلاَهُمَا مُخْتَلِف فِي الاِحْتِجَاجِ بِهِ.
(16) حَدِيث: " الْكِيس مَنْ دَانَ نَفْسه. . . ". أَخْرَجَهُ أَحْمَد (4 / 124 - ط المينية) والحاكم فِي الْمُسْتَدْرِكِ (1 / 57 - ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ) وذكر الذَّهَبِيّ فِي تَلْخِيص الْمُسْتَدْرِك أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رَاوِيًا وَاهِيًا.
(17) أَدَب الدُّنْيَا وَالدِّينِ ص 33 ط دَار ابْن كَثِير
(18) سُورَة الْجَاثِيَة / 23
(19) بِرِيقَة مَحْمُودِيَّة 2 / 72.
(20) حَدِيث: (طَاعَة الشَّهْوَة دَاء. . . ". ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ فِي أَدَبِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ (ص 33 - ط دَار ابْن كَثِير) بِقَوْلِهِ: وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. . . الْحَدِيثُ، وَلَمْ نَقِفْ عَل
(21) أَدَبُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ ص 33، 34
(22) سُورَة الذَّارِيَاتِ / 56، 57
(23) الْمُوَافِقَات لِلشَّاطِبِي 2 / 168، 171 - 174 وانظر التَّفْسِير الْكَبِير لِلْفَخْرِ الرَّازِيّ 4 / 34.
(24) الموافقات2 / 174.
(25) الموافقات2 / 176.
(26) كَشْف الأَْسْرَارِ عَنْ أُصُول البزدوي 3 / 51، 52 ط دَار الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ.
(27) إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 3 / 45، 46 ط دَار الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ.
(28) أَدَب الدُّنْيَا وَالدِّينِ ص 36.
(29) حَدِيث: " حُبّك الشَّيْء يُعْمِي وَيَصِمُ ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (5 / 347 - ط حِمْص) وقال الْمُنْذِرِي فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ (8 / 31 - ط دَار الْمَعْرِفَة) : فِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّة بْن الْوَلِيدِ، وَأَبُو بَكْر بِكِير بْن عَبْد اللَّه، وَفِي كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَال.
(30) أَدَب الدُّنْيَا وَالدِّينِ ص 36 ط دَار ابْن كَثِير.
(31) إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 3 / 65.
(32) بِرِيقَة مَحْمُودِيَّة فِي شَرْحِ طَرِيقَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ 2 / 72.
(33) سُورَة النَّازِعَات / 40، 41.
(34) الذَّرِيعَة إِلَى مَكَارِمَ الشَّرِيعَة لِلرَّاغِبِ الأَْصْفَهَانِيّ ص 103.
(35) حَدِيث: " جِهَادك هَوَاك ". لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلاَّ فِي الذَّرِيعَةِ إِلَى مَكَارِمَ الشَّرِيعَة لِلأَْصْفَهَانِيِّ (ص 103 - ط دَارَ الصَّحْوَة - الْقَاهِرَة) وذكره الْغَزَالِيّ بِمَعْنَاهُ: " كُفَّ أَذَاك عَنْ نَفْسِك وَلاَ تُتَابِع هَوَاهَا فِي مَعْصِيَتِهِ " (إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 3 / 66 - ط التِّجَارِيَّة الْكُبْرَى) وَقَال الْعِرَاقِيّ: لَمْ أَجِدْهُ بِهَذَا السِّيَاقِ.
(36) حَدِيث: " الْمُجَاهِد مَنْ جَاهَدَ هَوَاهُ ". ذَكَّرَهُ الْغَزَالِي فِي إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ (2 / 350 - ط دَار الْهَادِي - بَيْرُوت) وَقَال الْعِرَاقِيّ فِي الْمُغْنِي: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيّ فِي السُّنَنِ بِدُونِ ذِكْر " هَوَاهُ
الموسوعة الفقهية الكويتية: 310/ 42