المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
مُتَابعَة الصَّوْم اليومين، والثلاث دون إِفْطَار بِاللَّيْلِ . ومن شواهده حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهما - قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - عَنْ الْوِصَالِ . قَالُوا : إنَّكَ تُوَاصِلُ . قَالَ : إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أُطْعَمَ، وَأُسْقَى ." مسلم :1102.
مُتَابعَة الصَّوْم اليومين، والثلاث دون إِفْطَار بِاللَّيْلِ.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوِصَال فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ وَاصَل، وَمِنْهُ: الْمُوَاصَلَةُ بِالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ، وَوَاصَل الصِّيَامَ: لَمْ يُفْطِرْ أَيَّامًا تِبَاعًا، وَمِنْهُ: صَوْمُ الْوِصَال، وَهُوَ: أَنْ يَصِل صَوْمَ النَّهَارِ بِإِمْسَاكِ اللَّيْل مَعَ صَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْعَمَ شَيْئًا (1) .
وَالْوِصَال فِي الاِصْطِلاَحِ - عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - هُوَ: أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ لاَ فِطْرَ بَيْنِهِمَا.
وَفِي رَأْيٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلاَ يَتَنَاوَل بِاللَّيْل مَطْعُومًا عَمْدًا بِلاَ عُذْرٍ، فَالْجِمَاعُ وَنَحْوُهُ لاَ يَمْنَعُ الْوِصَال (2) . وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ أَنْ يَصُومَ السَّنَةَ كُلَّهَا وَلاَ يُفْطِرَ فِي الأَْيَّامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا (3) .
وَقَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: هُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ (4) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
أ - الْوِصَال فِي الصَّوْمِ:
الْوِصَال فِي حَقِّ الأُْمَّةِ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوِصَال فِي الصَّوْمِ:
فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ) إِلَى أَنَّ الْوِصَال فِي الصَّوْمِ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّ الأُْمَّةِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَاصَل فِي رَمَضَانَ، فَوَاصَل النَّاسُ، فَنَهَاهُمْ. قِيل لَهُ: أَنْتَ تُوَاصِل، قَال: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى (5) وَلأَِنَّ النَّهْيَ وَقَعَ رِفْقًا وَرَحْمَةً؛ وَلِهَذَا وَاصَل رَسُول اللَّهِ ﷺ، وَوَاصَلُوا بَعْدَهُ (6) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ إِلَى أَنَّ الْوِصَال حَرَامٌ عَلَى الأُْمَّةِ - نَفْلاً كَانَ الصَّوْمُ أَوْ فَرْضًا - مُبَاحٌ لَهُ ﷺ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ ﵄ أَنَّهُ ﷺ " نَهَى عَنِ الْوِصَال (7) أَيْ نَهْيَ تَحْرِيمٍ فِي الأَْصَحِّ.
قَال النَّوَوِيُّ: الْوِصَال مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ. وَقَال الْعَبْدَرِيُّ: إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْوِصَال هُوَ قَوْل الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلاَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ كَانَ يُوَاصِل اقْتِدَاءً بِرَسُول اللَّهِ ﷺ. وَنُقِل عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَوْلُهُ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ أَبِي نُعْمٍ يُوَاصِلاَنِ.
وَعَنِ الْمَاوَرْدِيِّ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - ﵄ - وَاصَل سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى سَمْنٍ وَلَبَنٍ وَصَبِرٍ (8) .
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ: وَقِيل: يَحْرُمُ عَلَى مَنْ شَقَّ عَلَيْهِ، وَيُبَاحُ لِمَنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَنُقِل التَّفْصِيل عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ﵄، فَإِنَّهُ كَانَ يُوَاصِل خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (9) ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَيْضًا أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ زَيْدٍ التَّيْمِيُّ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ.
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُ ﷺ وَاصَل بِأَصْحَابِهِ بَعْدَ النَّهْيِ، فَلَوْ كَانَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ لَمَا أَقَرَّهُمْ عَلَى فِعْلِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّهْيِ الرَّحْمَةَ لَهُمْ وَالتَّخْفِيفَ عَنْهُمْ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ عَائِشَةُ ﵂ فِي حَدِيثِهَا بِقَوْلِهَا: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْوِصَال رَحْمَةً لَهُمْ (10) ، وَهَذَا مِثْل مَا نَهَاهُمْ عَنْ قِيَامِ اللَّيْل خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ مِمَّنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، فَمَنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْصِدْ مُوَافَقَةَ أَهْل الْكِتَابِ، وَلاَ رَغِبَ عَنِ السُّنَّةِ فِي تَعْجِيل الْفِطْرِ - لَمْ يُمْنَعْ مِنَ الْوِصَال (11) .
الْوِصَال فِي حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ:
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْوِصَال فِي حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ: مُبَاحٌ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ ﷺ؛ لِقَوْلِهِ حِينَ سُئِل عَنْ وِصَالِهِ: إِنِّي لَسْتُ مَثْلَكُمْ، إِنِّي أَظَل عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي (12) .
وَقَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: هُوَ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ (13) الْحَدِيثَ. وَقَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: إِنَّ الْوِصَال لَهُ مُسْتَحَبٌّ. قَال الرَّمْلِيُّ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، إِذِ الْعِبَادَةُ إِمَّا وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَيَنْبَغِي حَمْل إِطْلاَقِ الْجُمْهُورِ الإِْبَاحَةَ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ الصَّادِقِ بِالاِسْتِحْبَابِ (14) .
4 - وَفِي مَعْنَى الْحَدِيثِ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ:
قَال السُّيُوطِيُّ: إِنَّ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ ﷿ يُطْعِمُ النَّبِيَّ ﷺ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ، وَطَعَامُهَا لاَ يُفَطِّرُ، كَرَامَةً لَهُ لاَ تُشَارِكُهُ فِيهِ الأُْمَّةُ.
وَقَال آخَرُونَ، وَهُوَ الأَْصَحُّ كَمَا قَال النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي نَبِيَّهُ ﷺ قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ فِي رِوَايَةٍ: إِنِّي أَظَل يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي (15) لأَِنَّ " أَظَل " لاَ يُقَال إِلاَّ فِي النَّهَارِ، وَلاَ يَجُوزُ الأَْكْل وَالشُّرْبُ فِيهِ لِلصَّائِمِ بِلاَ شَكٍّ، فَدَل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْكُل، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الأَْكْل حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ إِعْطَائِهِ قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ لاَ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لأَِنَّ لَوْ أَكَل حَقِيقَةً لَمْ يَبْقَ وِصَالٌ، وَلَقَال ﷺ: ". . . مَا أَنَا مُوَاصِلٌ. . "
وَقِيل: مَعْنَاهُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَشْغَلُنِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْحُبُّ الْبَالِغُ يَشْغَل عَنْهُمَا.
وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: ". . . عِنْدَ رَبِّي. . . " قَال الدُّسُوقِيُّ: هِيَ عِنْدِيَّةُ مَكَانَةٍ لاَ عِنْدِيَّةُ مَكَانٍ (16) .
الْوِصَال إِلَى السَّحَرِ:
5 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ الْوِصَال إِلَى السَّحَرِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: لاَ تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِل فَلْيُوَاصِل حَتَّى السَّحَرَ. . . " (17) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِيمَنْ فَعَل ذَلِكَ: إِنَّهُ تَرَكَ سُنَّةً وَهِيَ تَعْجِيل الْفِطْرِ، فَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى؛ مُحَافَظَةً عَلَى السُّنَّةِ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي ذَلِكَ: إِنْ أَخَّرَ الأَْكْل إِلَى السَّحَرِ لِمَقْصُودٍ صَحِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِوِصَالٍ (18) .
الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْوِصَال فِي الصَّوْمِ:
6 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْوِصَال لِئَلاَّ يَضْعُفَ مَنْ يُوَاصِل عَنِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ، أَوْ يَمَلَّهَا وَيَسْأَمَ مِنْهَا لِضَعْفِهِ بِالْوِصَال، أَوْ يَتَضَرَّرَ بَدَنُهُ أَوْ بَعْضُ حَوَاسِّهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: النَّهْيُ وَقَعَ رِفْقًا وَرَحْمَةً (19) .
الْوِصَال لاَ يُبْطِل الصَّوْمَ:
7 - قَال النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا (أَيِ الشَّافِعِيَّةُ) وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْوِصَال لاَ يُبْطِل الصَّوْمَ، سَوَاءٌ حَرَّمْنَاهُ أَوْ كَرَّهْنَاهُ، لأَِنَّ النَّهْيَ لاَ يَعُودُ إِلَى الصَّوْمِ، فَلاَ يُوجِبُ بُطْلاَنَهُ (20) . الْجِمَاعُ فِي الْوِصَال:
8 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْجِمَاعَ فِي لَيْل الْوِصَال فِي الصَّوْمِ يَمْنَعُ الْوِصَال؛ لأَِنَّ الْمُجَامِعَ لاَ يَسْتَدِيمُ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ (21) .
وَقَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ الْجِمَاعَ فِي لَيْل الْوِصَال لاَ يُخْرِجُ مِنْ حُكْمِ الْوِصَال؛ لأَِنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَال لِلضَّعْفِ عَنِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (22) .
ب - الْوِصَال فِي الصَّلاَةِ:
9 - لَمْ يُعْنَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِتَعْرِيفِ الْوِصَال فِي الصَّلاَةِ كَمَا عُنُوا بِتَعْرِيفِهِ فِي الصَّوْمِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ حُكْمَ الْوِصَال فِي الصَّلاَةِ. فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمُوَاصَلَةِ فِي الصَّلاَةِ وَقَال: إِنَّ امْرَأً وَاصَل فِي الصَّلاَةِ خَرَجَ مِنْهَا صِفْرًا (23) .
قَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَال أَبِي: مَا كُنَّا نَدْرِي مَا الْمُوَاصَلَةُ فِي الصَّلاَةِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ - يَقُول عَبْدُ اللَّهِ -: فَمَضَى إِلَيْهِ أَبِي فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، وَكَانَ فِيمَا سَأَلَهُ أَنْ سَأَلَهُ عَنِ الْمُوَاصَلَةِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَال: هِيَ فِي مَوَاضِعَ:
مِنْهَا: أَنْ يَقُول الإِْمَامُ " وَلاَ الضَّالِّينَ " فَيَقُول مَنْ خَلْفَهُ: " آمِينَ " (24) مَعًا، قَال أَبِي: أَوَلَيِسَ قَدْ أَمَرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِقَوْل " آمِينَ "؟ قَال: نَعَمْ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَسْكُتَ الإِْمَامُ.
قَال لَهُ: هَل بَقِيَ مِنَ الْمُوَاصَلَةِ شَيْءٌ؟ قَال: نَعَمْ: أَنْ يَقْرَأَ الإِْمَامُ: " {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} " (25) اللَّهُ أَكْبَرُ، فَيَصِل التَّكْبِيرَ بِالْقِرَاءَةِ.
قَال لَهُ: هَل بَقِيَ مِنَ الْمُوَاصَلَةِ شَيْءٌ؟ قَال: نَعَمْ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَيَصِل التَّسْلِيمَةَ الأُْولَى بِالثَّانِيَةِ، الأُْولَى فَرْضٌ، وَالثَّانِيَةُ سُنَّةٌ، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ.
فَعَلَى الإِْمَامِ مِنَ النَّهْيِ اثْنَتَانِ، وَعَلَى الْمَأْمُومِ وَاحِدَةٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ: وَمِنْهَا: إِذَا كَبَّرَ الإِْمَامُ فَلاَ يُكَبِّرُ مَعَهُ حَتَّى يَسْبِقَهُ الإِْمَامُ وَلَوْ بِوَاوٍ (26) .
وَقَال الْغَزَالِيُّ: الْمُوَاصَلَةُ فِي الصَّلاَةِ خَمْسَةٌ: اثْنَانِ عَلَى الإِْمَامِ: أَنْ لاَ يَصِل قِرَاءَتَهُ بِتَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ، وَلاَ رُكُوعَهُ بِقِرَاءَتِهِ، وَاثْنَانِ عَلَى الْمَأْمُومِ: أَنْ لاَ يَصِل تَكْبِيرَةَ الإِْحْرَامِ بِتَكْبِيرَةِ الإِْمَامِ، وَلاَ تَسْلِيمَهُ بِتَسْلِيمِهِ، وَوَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا: أَنْ لاَ يَصِل تَسْلِيمَةَ الْفَرْضِ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَلْيَفْصِل بَيْنَهُمَا (27) .
وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ هَذِهِ الْمَسَائِل، وَمِنْ ذَلِكَ: وَصْل الْمَأْمُومِ تَكْبِيرَةَ الإِْحْرَامِ بِتَكْبِيرَةِ الإِْمَامِ
10 - إِذَا قَارَنَ الْمَأْمُومُ تَكْبِيرَةَ الإِْحْرَامِ بِتَكْبِيرَةِ الإِْمَامِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ صَلاَتِهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اقْتِدَاءٌ ف 29) .
وَصْل التَّأْمِينِ بِالْفَاتِحَةِ:
11 - قَال الشَّافِعِيُّ: لاَ يُقَال: آمِينَ إِلاَّ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ (28) .
وَقَال الْغَزَالِيُّ: لاَ يَصِل " آمِينَ " بِقَوْلِهِ: (وَلاَ الضَّالِّينَ) وَصْلاً. . . وَيَقْرِنُ الْمَأْمُومُ تَأْمِينَهُ بِتَأْمِينِ الإِْمَامِ مَعًا لاَ تَعْقِيبًا (29) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَصِل لَفْظَةَ " آمِينَ " بِقَوْلِهِ: " وَلاَ الضَّالِّينَ " بَل بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ جِدًّا، لِيُعْلَمَ أَنَّ " آمِينَ " لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ لِلْفَصْل اللَّطِيفِ (30) .
وَالْمَزِيدُ مِنَ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةٌ ف 68) . وَصْل الْقِرَاءَةِ بِتَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ:
12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ فَصْل تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ بِدُعَاءِ الاِسْتِفْتَاحِ سُنَّةٌ، لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْوَصْل بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَتَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِفْتَاحٌ ف 5، وَفِّ 11 إِلَى ف 16) .
وَصْل التَّسْلِيمَتَيْنِ:
13 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ يَأْتِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا أَنْ يَفْصِل بَيْنَهُمَا (31) .
وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يُتَابِعُ إِمَامَهُ فِي السَّلاَمِ، بِأَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَهُ.
وَقَال الْجُمْهُورُ: إِنَّ مُقَارَنَةَ الْمُقْتَدِي لِلإِْمَامِ فِي التَّسْلِيمِ لاَ تَضُرُّ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اقْتِدَاءٌ ف 29) .
__________
(1) الْمِصْبَاح الْمُنِير، وَالْمُعْجَم الْوَسِيط، وَالْقَامُوس الْمُحِيط لِلْفَيْرُوزِآبَادِي، وَلِسَان الْعَرَبِ الْمُحِيط.
(2) الشَّرْح الْكَبِير للدردير، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 213، وَشَرْح الْخَرَشِيّ عَلَى مُخْتَصَر خَلِيلٍ وَمَعَهُ حَاشِيَةُ الْعَدَوِيّ 2 / 163، وَجَوَاهِر الإِْكْلِيل شَرْح مُخْتَصَر خَلِيل 1 / 274، وَحَاشِيَة الْقَلْيُوبِيّ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْمَحَلِّيِّ 2 / 61، وَأَسْنَى الْمَطَالِب شَرْح رَوْضِ الطَّالِبِ مَعَ حَاشِيَة الرَّمْلِيّ الْكَبِير 1 / 419، وَحَاشِيَة الْبَاجُورِيّ 1 / 304.
(3) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 84، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 1 / 201.
(4) أَسْنَى الْمَطَالِب 1 / 419.
(5) حَدِيث ابْن عُمَر: " أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَاصِل فِي رَمَضَان. . . " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فتح الباري 4 / 202) وَمُسْلِم (2 / 774) وَاللَّفْظ لِمُسْلِم.
(6) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 1 / 201، وَجَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 274، وَشَرْح الْخَرَشِيّ وَحَاشِيَة الْعَدَوِيّ 3 / 163، وَالشَّرْح الْكَبِير وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 213، وَالْمَجْمُوعِ شَرْح الْمُهَذَّب 6 / 356 - 359، وَدَلِيل الْفَالِحِينَ لِطُرُقِ رِيَاض الصَّالِحِينَ 4 / 586 - 587، والقليوبي عَلَى الْمَحَلِّيِّ 2 / 61، وَأَسْنَى الْمَطَالِب، وَحَاشِيَة الرَّمْلِيّ 1 / 419، 3 / 101، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 434، وَكَشَّاف الْقِنَاع (2 / 332، 2 / 342) ، وَمُطَالَب أُولِي النُّهَى 2 / 221.
(7) حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّهُ ﷺ نَهَى عَنِ الْوِصَال " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 4 / 205) وَمُسْلِم (2 / 774) . وَحَدِيث عَائِشَة أُخْرِجُهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 4 / 202) وَمُسْلِم (2 / 776) .
(8) الْمَجْمُوع شَرْح الْمُهَذَّبِ 6 / 308، 356، 359، وَحَاشِيَة الْقَلْيُوبِيّ 2 / 61، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 1 / 419، 3 / 101، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 434، وَفَتْح الْبَارِي 4 / 204.
(9) أَثَر عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر " أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِل. . . " أَخْرَجَهُ ابْن أَبِي شَيْبَة فِي الْمُصَنَّفِ (3 / 84 ط السَّلَفِيَّة) وَصَحَّحَ إِسْنَاده ابْن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي (4 / 204) .
(10) حَدِيث عَائِشَة: " نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْوِصَال رَحْمَة لَهُمْ ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 4 / 202) ، وَمُسْلِم (2 / 776) وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ.
(11) فَتْح الْبَارِي 4 / 204.
(12) حَدِيث: " إِنِّي لَسْت مَثَلَكُمْ. . . " أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ (2 / 377 - ط الْيَمَنِيَّة) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(13) حَدِيث: " إِنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ. . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 776 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ ابْن عُمَر.
(14) الْمَجْمُوع 6 / 356، وَمَا بَعْدَهَا، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 101.
(15) رِوَايَة: " إِنِّي أَظَل يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي ". أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 13 / 325) مِنْ حَدِيثِ أَنَس بْن مَالِك.
(16) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 1 / 201، وَجَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 274، وَشَرْح الْخَرَشِيّ وَحَاشِيَة الْعَدَوِيّ 3 / 163، وَالشَّرْح الْكَبِير وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 213، وَالْمَجْمُوعِ شَرْح الْمُهَذَّب 6 / 356 - 359، وَدَلِيل الْفَالِحِينَ 4 / 586 - 587، والقليوبي عَلَى الْمَحَلِّيِّ 2 / 61، وَأَسْنَى الْمَطَالِب، وَحَاشِيَة الرَّمْلِيّ 1 / 419، 3 / 101، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 434، وَكَشَّاف الْقِنَاع (2 / 332، 342) .
(17) حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ: " لاَ تُوَاصِلُوا، فَأَيّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِل. . " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 4 / 208) .
(18) الْمَجْمُوعِ 6 / 356 - 359، وَدَلِيل الْفَالِحِينَ 4 / 586 - 587، والقليوبي عَلَى الْمَحَلِّيِّ 2 / 61، وَأَسْنَى الْمَطَالِب، وَحَاشِيَة الرَّمْلِيّ 1 / 419، 3 / 101، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 434، وَكَشَّاف الْقِنَاع (2 / 332، 2 / 342) .
(19) الْمَجْمُوع 6 / 358، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 1 / 419، وَكَشَّاف الْقِنَاع 2 / 342، وَفَتْح الْبَارِي 4 / 204.
(20) الْمَجْمُوع 6 / 357 - 358.
(21) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 1 / 201، وَجَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 274، وَحَاشِيَة الْقَلْيُوبِيّ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ 2 / 61، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 1 / 419، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 434، وَكَشَّاف الْقِنَاع 2 / 342، وَدَلِيل الْفَالِحِينَ 4 / 586.
(22) أَسْنَى الْمَطَالِب 1 / 419، 3 / 101، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 434، وَدَلِيل الْفَالِحِينَ 5 / 586 - 587.
(23) حَدِيث ابْن عُمَر: " نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمُوَاصَلَةِ فِي الصَّلاَةِ. . " أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي الْمَجْمُوعِ الْمُغِيثِ فِي غَرِيبَيِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ (3 / 420 - ط جَامِعَة أُمِّ الْقُرَ
(24) حَدِيث: " أَمَرَ الرَّسُول ﷺ بِالتَّأْمِينِ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 2 / 292) وَمُسْلِم (1 / 307) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(25) سُورَة الإِْخْلاَصِ: 4.
(26) الْمَجْمُوع الْمُغِيث لأَِبِي مُوسَى الْمَدِينِيّ 3 / 420 - 422، وَالنِّهَايَة لاِبْنِ الأَْثِيرِ 5 / 168 (دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ - بَيْرُوت) .
(27) إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ لِلْغَزَالِيِّ 1 / 156 - 157 (دَار الْمَعْرِفَة - بَيْرُوت) .
(28) الْمَجْمُوع 3 / 373.
(29) إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 2 / 154 - 155، وَانْظُرْ أَسْنَى الْمَطَالِب 1 / 154.
(30) الْمَجْمُوع 3 / 373، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 160 - 161.
(31) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 177.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 160/ 43