الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
الاِحْتِقانُ: مَصْدَرُ احْتَقَنَ، بِمَعْنَى احْتَبَسَ، يُقال: حَقَنَ الرَّجُلُ بَوْلَهُ: إذا حَبَسَهُ وجَمَعَهُ، فهو حاقِنٌ، وحَقَنَ دَمَ فُلانٍ: إِذا أَنْقَذَهُ مِن القَتْلِ بَعْدَما حَلَّ قَتْلُهُ، وحَقَنْتُ المَرِيضَ: إذا أَوْصَلْتَ الدَّواءَ إلى باطِنِهِ بِالمِحْقَنِ. والحُقْنَةُ: كُلُّ دَواءٍ يُحـْقَنُ به المَرِيضُ المُحْتَقِنُ.
يَرِد مُصطَلَح (اِحْتِقان) في كتاب الصَّلاةِ، باب: آداب المشي إلى الصَّلاة، وباب: مَواقِيت الصَّلاةِ عند الكلامِ على خَوفِ الحاقِن فَوْتَ صَلاةِ الجَماعَةِ أو الجُمُعَةِ، وفي كِتاب الأقضِية والشَّهاداتِ، باب: أدب القاضِي. ويُطلق في كتابِ الصِّيَامِ، باب: مُفْسِدات الصَّوْمِ، ويُراد بِه: إِدْخالُ الدَّواءِ إلى داخِلِ الجِسْمِ بِواسِطَةِ الضَّغْطِ؛ سَواء كان عن طَرِيقِ الدُّبُرِ، أم عن طَرِيقِ الجِلْدِ.
حَقَنَ
* العين : (3/50)
* تهذيب اللغة : (4/41)
* المحيط في اللغة : (2/357)
* المحكم والمحيط الأعظم : (3/15)
* النهاية في غريب الحديث والأثر : (1/416)
* تاج العروس : (34/449)
* المغرب في ترتيب المعرب : (ص 124)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 184)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 51)
* تحرير ألفاظ التنبيه : (ص 125)
* النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب : (1/173)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 46، و183)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (1/76)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (2/83)
* المعجم الوسيط : (1/189)
* معجم اللغة العربية المعاصرة : (1/534) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِحْتِقَانُ لُغَةً: مَصْدَرُ احْتَقَنَ، بِمَعْنَى احْتَبَسَ. يُقَال: حَقَنَ الرَّجُل بَوْلَهُ: حَبَسَهُ وَجَمَعَهُ، فَهُوَ حَاقِنٌ وَمُطَاوِعُهُ: الاِحْتِقَانُ: وَحَقَنْتُ الْمَرِيضَ إِذَا أَوْصَلْتَ الدَّوَاءَ إِلَى بَاطِنِهِ بِالْمِحْقَنِ (1) . وَيُطْلَقُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى احْتِبَاسِ الْبَوْل، كَمَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى تَعَاطِي الدَّوَاءِ بِالْحُقْنَةِ فِي الدُّبُرِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
2 - الاِحْتِبَاسُ. مَصْدَرُ احْتَبَسَ. يُقَال: حَبَسْتُهُ فَاحْتَبَسَ بِمَعْنَى مَنَعْتُهُ فَامْتَنَعَ (3) . فَالاِحْتِبَاسُ أَعَمُّ. الْحَصْرُ: هُوَ الإِْحَاطَةُ وَالْمَنْعُ وَالْحَبْسُ. يُقَال حَصَرَهُ الْعَدُوُّ فِي مَنْزِلِهِ: حَبَسَهُ، وَأَحْصَرَهُ الْمَرَضُ: مَنَعَهُ مِنَ السَّفَرِ. وَيُطْلَقُ عَلَى احْتِبَاسِ النَّجْوِ مِنْ ضِيقِ الْمَخْرَجِ، فَهُوَ كَذَلِكَ أَعَمُّ (4) .
الْحُقْبُ: حَقِبَ بِالْكَسْرِ حُقْبًا فَهُوَ حَقِيبٌ: تَعَسَّرَ عَلَيْهِ الْبَوْل، أَوْ أَعْجَلَهُ (5) . وَقِيل: الْحَاقِبُ الَّذِي احْتَبَسَ غَائِطُهُ. فَهُوَ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي مُبَايِنٌ لِلاِحْتِقَانِ.
صِفَتُهُ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
3 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الاِحْتِقَانِ تَبَعًا لإِِطْلاَقَاتِهِ، فَيُطْلَقُ الاِحْتِقَانُ عَلَى امْتِنَاعِ خُرُوجِ الْبَوْل لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الاِحْتِقَانُ الطَّبِيعِيُّ. وَيُعْتَبَرُ أَحَدَ الأَْعْذَارِ الَّتِي يَسْقُطُ مَعَهَا الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ مَا دَامَتْ مَوْجُودَةً.
أَمَّا مَنْعُ الإِْنْسَانِ نَفْسَهُ مِنْ خُرُوجِ الْبَوْل عِنْدَ الشُّعُورِ بِالْحَاجَةِ لِلتَّبَوُّل فَهُوَ الْحَقْنُ. وَيُسَمَّى الإِْنْسَانُ حِينَئِذٍ حَاقِنًا. وَحُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ الْكَرَاهَةُ أَوِ الْحُرْمَةُ - عَلَى خِلاَفٍ سَيَأْتِي ذِكْرُهُ - فِي حَالَتَيِ الصَّلاَةِ، وَالْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَيُطْلَقُ الاِحْتِقَانُ أَيْضًا عَلَى تَعَاطِي الدَّوَاءِ أَوِ الْمَاءِ عَنْ طَرِيقِ الشَّرَجِ، وَحُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ تَارَةً الإِْبَاحَةُ، وَتَارَةً الْحَظْرُ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ سَيَأْتِي بَيَانُهُ (6) . وَدَلِيل حُكْمِ الْحَقْنِ فِي الصَّلاَةِ أَوِ الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ هُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ، ﵂ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُ الأَْخْبَثَيْنِ (7) وَحَدِيثُ لاَ يَحِل لاِمْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي جَوْفِ امْرِئٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ، وَلاَ يَقُومَ إِلَى الصَّلاَةِ وَهُوَ حَاقِنٌ. (8) وَحَدِيثُ رَسُول اللَّهِ ﷺ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ عَنْهُ قَال: لاَ يَحْكُمُ أَحَدُكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ (9) . وَقَاسُوا عَلَيْهِ الْحَاقِنَ. وَدَلِيل الاِحْتِقَانِ لِلتَّدَاوِي هُوَ دَلِيل التَّدَاوِي نَفْسِهِ بِشُرُوطٍ. (ر: تَدَاوِي) .
أَوَّلاً - احْتِقَانُ الْبَوْل
وُضُوءُ الْحَاقِنِ:
4 - فِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْحَاقِنِ؛ لأَِنَّهُمُ اعْتَبَرُوا لاِنْتِقَاضِ الْوُضُوءِ الْخُرُوجَ الْفِعْلِيَّ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، لاَ الْخُرُوجَ الْحُكْمِيَّ. وَالْحَاقِنُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ السَّبِيلَيْنِ. أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمُ اعْتَبَرُوا الْخُرُوجَ الْفِعْلِيَّ أَوِ الْحُكْمِيَّ نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ، وَاعْتَبَرُوا الْحَقْنَ الشَّدِيدَ خُرُوجًا حُكْمِيًّا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَلَكِنَّهُمُ انْقَسَمُوا إِلَى رَأْيَيْنِ فِي تَحْدِيدِ دَرَجَةِ الاِحْتِقَانِ الَّتِي تَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَقَال بَعْضُهُمْ: إِذَا كَانَ الاِحْتِقَانُ شَدِيدًا بِحَيْثُ يَمْنَعُ مِنَ الإِْتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَمَا لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الإِْتْيَانِ بِهَا بِعُسْرٍ، فَقَدْ أَبْطَل الْحَقْنُ الْوُضُوءَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَل بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ. وَاعْتَبَرُوا هَذَا خُرُوجًا حُكْمِيًّا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
وَقَال الْبَعْضُ الآْخَرُ: الْحَقْنُ الشَّدِيدُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الإِْتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ (10) .
صَلاَةُ الْحَاقِنِ:
5 - لِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ صَلاَةِ الْحَاقِنِ اتِّجَاهَانِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّ صَلاَةَ الْحَاقِنِ مَكْرُوهَةٌ، لِمَا وَرَدَ مِنَ الأَْحَادِيثِ السَّابِقَةِ. وَقَال الْخُرَاسَانِيُّونَ وَأَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا كَانَتْ مُدَافَعَةُ الأَْخْبَثَيْنِ شَدِيدَةً لَمْ تَصِحَّ الصَّلاَةُ (11) . وَاسْتَدَل الْجَمِيعُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَْخْبَثَانِ. (12) وَمَا رَوَى ثَوْبَانُ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: لاَ يَحِل لاِمْرِئٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي جَوْفِ بَيْتِ امْرِئٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ، وَلاَ يَقُومَ إِلَى الصَّلاَةِ وَهُوَ حَاقِنٌ (13) ، فَالْقَائِلُونَ بِالْكَرَاهَةِ حَمَلُوا النَّهْيَ فِي الأَْحَادِيثِ عَلَى الْكَرَاهَةِ. وَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الثَّانِي فَحَمَلُوهُ عَلَى الْفَسَادِ. أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْحَقْنَ الشَّدِيدَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ، فَتَكُونُ صَلاَتُهُ بَاطِلَةً.
إِعَادَةُ الْحَاقِنِ لِلصَّلاَةِ:
6 - لَمْ يَقُل بِإِعَادَةِ صَلاَةِ الْحَاقِنِ أَحَدٌ مِمَّنْ قَال بِصِحَّةِ الصَّلاَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، إِلاَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى رَأْيٍ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ لِلْحَاقِنِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ (14) . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَرَوْنَ بُطْلاَنَ صَلاَةِ الْحَاقِنِ حَقْنًا شَدِيدًا فَلاَ بُدَّ مِنْ إِعَادَتِهَا.
الْحَاقِنُ وَخَوْفُ فَوْتِ الْوَقْتِ:
7 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ مُتَّسَعٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزِيل الْعَارِضَ أَوَّلاً، ثُمَّ يَشْرَعَ فِي الصَّلاَةِ. فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ يُصَلِّي وَهُوَ حَاقِنٌ، وَلاَ يَتْرُكُ الْوَقْتَ يَضِيعُ مِنْهُ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا بِالإِْعَادَةِ فِي الظَّاهِرِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى لِلْحَدِيثِ (15) . وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي رَأْيٍ آخَرَ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي إِلَى أَنَّهُ يُزِيل الْعَارِضَ أَوَّلاً وَيَتَوَضَّأُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، ثُمَّ يَقْضِيهَا، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ؛ وَلأَِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الصَّلاَةِ الْخُشُوعُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ (16) .
الْحَاقِنُ وَخَوْفُ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ أَوِ الْجُمُعَةِ:
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ أَوِ الْجُمُعَةِ صَلَّى وَهُوَ حَاقِنٌ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْوْلَى تَرْكُ الْجَمَاعَةِ وَإِزَالَةُ الْعَارِضِ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عُذْرًا مُبِيحًا لِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ، لِعُمُومِ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُل صَلاَةٍ (17) .
أَمَّا رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ فِي حَقْنِ الْبَوْل فَقَدْ سَبَقَ.
قَضَاءُ الْقَاضِي الْحَاقِنِ:
9 - لاَ يُعْلَمُ خِلاَفٌ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْكُمَ، وَهُوَ حَاقِنٌ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ قَضَائِهِ وَنَفَاذِ حُكْمِهِ عَلَى رَأْيَيْنِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَقَوْل شُرَيْحٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي وَهُوَ حَاقِنٌ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الْفِكْرِ الَّذِي يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْغَالِبِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَال. سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: لاَ يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ. . .
فَإِذَا قَضَى وَهُوَ حَاقِنٌ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ قِيَاسًا عَلَى قَضَاءِ الْغَضْبَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (18) . وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي رَأْيٍ ثَانٍ لَهُمْ، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ قَضَاءُ الْقَاضِي وَهُوَ حَاقِنٌ. فَإِذَا حَكَمَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لأَِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَقِيل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّمَا يَمْنَعُ الْغَضَبُ الْحَاكِمَ إِذَا كَانَ قَبْل أَنْ يَتَّضِحَ لَهُ الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَأَمَّا إِنِ اتَّضَحَ لَهُ الْحُكْمُ ثُمَّ عَرَضَ الْغَضَبُ لاَ يَمْنَعُهُ (19) ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ قَدِ اسْتَبَانَ قَبْل الْغَضَبِ فَلاَ يُؤَثِّرُ الْغَضَبُ فِيهِ.
ثَانِيًا - الاِحْتِقَانُ لِلتَّدَاوِي
10 - فِي نَقْضِ وُضُوءِ الْمُحْتَقِنِ فِي الْقُبُل أَوِ الدُّبُرِ ثَلاَثَةُ اتِّجَاهَاتٍ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ إِذَا أَدْخَل رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ فِي الْقُبُل أَوِ الدُّبُرِ شَيْئًا مِنْ حُقْنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، ثُمَّ خَرَجَ، انْتَقَضَ الْوُضُوءُ، سَوَاءٌ اخْتَلَطَ بِهِ أَذًى أَمْ لاَ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيل ذَلِكَ تَبَعًا لِقَوَاعِدِهِمْ: فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فِي نَفْسِهَا لَكِنَّهَا لاَ تَخْلُو عَنْ قَلِيل النَّجَاسَةِ يَخْرُجُ مَعَهَا، وَالْقَلِيل مِنَ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ (20) .
وَعَلَّل الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الدَّاخِل إِذَا خَرَجَ يُعْتَبَرُ خُرُوجًا مِنَ السَّبِيلَيْنِ، فَيُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ، سَوَاءٌ اخْتَلَطَ بِهِ أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ أُخْرِجَ كُلُّهُ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْهُ؛ لأَِنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السَّبِيل (21)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَذَكَرُوا أَنَّ إِدْخَال الْحُقْنَةِ فِي الدُّبُرِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَعَ احْتِمَال أَنْ يَصْحَبَهَا نَجَاسَةٌ عِنْدَ خُرُوجِهَا؛ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّهُ خَارِجٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، مِثْل الدُّودِ وَالْحَصَى وَلَوْ صَاحَبَهُ بَلَلٌ (22) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى التَّفْصِيل: فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الدَّاخِل حُقْنَةً أَوْ قُطْنًا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ خَرَجَ وَعَلَيْهِ بَلَلٌ نَقَضَ الْوُضُوءَ؛ لأَِنَّ الْبَلَل لَوْ خَرَجَ مُنْفَرِدًا لَنَقَضَ؛ لأَِنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا، وَإِنْ خَرَجَ الدَّاخِل وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَلَلٌ ظَاهِرٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
الأَْوَّل: يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لأَِنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا. وَالثَّانِي: لاَ يَنْقُضُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ فَلاَ يَكُونُ خَارِجًا مِنَ الْجَوْفِ (23) .
احْتِقَانُ الصَّائِمِ:
11 - احْتِقَانُ الصَّائِمِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي دُبُرٍ أَوْ فِي قُبُلٍ أَوْ فِي جِرَاحَةِ جَائِفَةٍ (أَيِ الَّتِي تَصِل إِلَى الْجَوْفِ)
الاِحْتِقَانُ فِي الدُّبُرِ:
فِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ:
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ الاِحْتِقَانَ فِي الدُّبُرِ يُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، لِقَوْل عَائِشَةَ ﵂: دَخَل عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: يَا عَائِشَةُ هَل مِنْ كِسْرَةٍ؟ فَأَتَيْتُهُ بِقُرْصٍ، فَوَضَعَهُ فِي فِيهِ، فَقَال: يَا عَائِشَةُ هَل دَخَل بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ؟ كَذَلِكَ قُبْلَةُ الصَّائِمِ، إِنَّمَا الإِْفْطَارُ مِمَّا دَخَل وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ. (24) وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَل وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ (25) . وَلأَِنَّ هَذَا شَيْءٌ وَصَل إِلَى جَوْفِهِ بِاخْتِيَارِهِ، فَأَشْبَهَ الأَْكْل، وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ وَهُوَ وُصُول مَا فِيهِ صَلاَحُ الْبَدَنِ (26) .
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الدَّاخِل مَائِعًا. وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ رَأْيُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ - وُصِفَ بِأَنَّهُ شَاذٌّ - وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، إِلَى أَنَّهُ إِذَا احْتَقَنَ الصَّائِمُ فِي الدُّبُرِ لاَ يُفْطِرُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الصِّيَامَ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الأُْمُورُ مِمَّا حَرَّمَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَكَانَ وَاجِبًا عَلَى الرَّسُول ﷺ بَيَانُهُ، وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ لَعَلِمَهُ الصَّحَابَةُ، وَبَلَّغُوهُ الأُْمَّةَ، كَمَا بَلَّغُوا سَائِرَ شَرْعِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْقُل أَحَدٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا صَحِيحًا وَلاَ ضَعِيفًا وَلاَ مُسْنَدًا وَلاَ مُرْسَلاً عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (27) .
الاِحْتِقَانُ فِي الْقُبُل:
13 - الاِحْتِقَانُ فِي الْقُبُل إِذَا لَمْ يَصِل إِلَى الْمَثَانَةِ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ، وَلاَ يُؤَدِّي إِلَى فِطْرٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ الْوُجُوهِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ، وَفِي وَجْهٍ لَهُمْ: إِنْ جَاوَزَ الْحَشَفَةَ أَفْطَرَ وَإِلاَّ فَلاَ. أَمَّا إِذَا وَصَل الْمَثَانَةَ فَإِنَّ حُكْمَ الاِحْتِقَانِ بِالنِّسْبَةِ لِقُبُل الْمَرْأَةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الاِحْتِقَانِ فِي الدُّبُرِ (28) .
وَأَمَّا الاِحْتِقَانُ؛ فِي قُبُل الرَّجُل (الإِْحْلِيل) فَإِنْ وَصَل إِلَى الْمَثَانَةِ فَفِيهِ رَأْيَانِ:
ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَرَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفْطِرُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ، وَمَنْ قَاسَهُ عَلَى غَيْرِهِ جَانَبَ الْحَقَّ؛ لأَِنَّ هَذَا لاَ يَنْفُذُ إِلَى الْجَوْفِ وَلاَ يُؤَدِّي إِلَى التَّغْذِيَةِ الْمَمْنُوعَةِ. وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَطَّرَ فِي إِحْلِيلِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لأَِنَّ هَذَا شَيْءٌ وَصَل إِلَى جَوْفِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ الأَْكْل (29) .
الاِحْتِقَانُ فِي الْجَائِفَةِ (30) :
14 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (31) إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَدَاوَى بِمَا يَصِل إِلَى جَوْفِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لأَِنَّهُ يَصِل إِلَى الْجَوْفِ؛ وَلأَِنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ، وَلأَِنَّهُ أَبْلَغُ وَأَوْلَى، وَالنَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ بِالإِْثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَال لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ (32) وَلأَِنَّهُ وَصَل إِلَى جَوْفِهِ بِاخْتِيَارِهِ، فَأَشْبَهَ الأَْكْل، وَلِقَوْلِهِ ﷺ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَل. (33)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِكُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَعَلَّل ابْنُ تَيْمِيَّةَ ذَلِكَ بِمَا سَبَقَ فِي الاِحْتِقَانِ مُطْلَقًا (34) .
الاِحْتِقَانُ بِالْمُحَرَّمِ:
15 - أَجَازَ الْعُلَمَاءُ اسْتِعْمَال الْحُقْنَةِ فِي الدَّوَاءِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ هُزَالٍ بِطَاهِرٍ، وَلَمْ يُجِزِ الْحَنَفِيَّةُ اسْتِعْمَال الْحُقْنَةِ لِلتَّقَوِّي عَلَى الْجِمَاعِ أَوِ السِّمَنِ (35) .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلاِحْتِقَانِ بِالْمُحَرَّمِ فَقَدْ مَنَعَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ الْمُحَرَّمِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الاِحْتِقَانُ لِضَرُورَةٍ، وَمُتَعَيِّنًا، فَقَدْ أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الاِحْتِقَانَ لِضَرُورَةٍ إِذَا كَانَتِ الضَّرُورَةُ يَخْشَى مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَأَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ حَاذِقٌ أَنَّ شِفَاءَهُ يَتَعَيَّنُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ، عَلَى أَنْ يَسْتَعْمِل قَدْرَ حَاجَتِهِ. وَقَالُوا: إِنَّ حَدِيثَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَل شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ (36) نَفَى الْحُرْمَةَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّفَاءِ، فَصَارَ مَعْنَى الْحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَكُمْ بِالتَّدَاوِي، وَجَعَل لِكُل دَاءٍ دَوَاءً، فَإِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الدَّوَاءِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ وَعَلِمْتُمْ أَنَّ فِيهِ الشِّفَاءَ فَقَدْ زَالَتْ حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِهِ (37) ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَل شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. وَأَيَّدَ هَذَا ابْنُ حَزْمٍ.
أَمَّا إِذَا كَانَ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ لِتَعْجِيل الشِّفَاءِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. فَبَعْضُهُمْ مَنَعَهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ مَا دَامَ هُنَاكَ مَا يَحِل مَحَلَّهُ. وَبَعْضُهُمْ أَجَازَهُ إِذَا أَشَارَ بِذَلِكَ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ حَاذِقٌ (38) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الطِّلاَءُ وَلاَ الاِحْتِقَانُ وَالتَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَالنَّجِسِ، وَلَوْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْهَلاَكِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَل شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذُكِرَ لَهُ النَّبِيذُ يُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ فَقَال: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ. (39) حَقْنُ الصَّغِيرِ بِاللَّبَنِ وَأَثَرُهُ فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ:
16 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَرْجُوحِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ رَأْيٌ لِكُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، إِلَى أَنَّهُ إِذَا حُقِنَ الصَّغِيرُ فِي الشَّرَجِ بِاللَّبَنِ فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ النِّكَاحِ. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّسُول ﷺ حَرَّمَ بِالرَّضَاعَةِ الَّتِي تُقَابِل الْمَجَاعَةَ (40) ، وَلَمْ يُحَرِّمْ بِغَيْرِهَا شَيْئًا، فَلاَ يَقَعُ تَحْرِيمٌ مَا لَمْ تُقَابَل بِهِ الْمَجَاعَةُ؛ وَلأَِنَّهُ لاَ يُنْبِتُ اللَّحْمَ، وَلاَ يَنْشِزُ الْعَظْمَ، وَلاَ يَكْتَفِي بِهِ الصَّبِيُّ (41) .
وَفِي رَأْيٍ لِكُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ مَا فِي الْحُقْنَةِ يَصِل إِلَى الْجَوْفِ فَيَكُونُ غِذَاءً. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ حَقْنُ الصَّغِيرِ بِاللَّبَنِ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لِلْغِذَاءِ وَقَبْل أَنْ يَسْتَغْنِيَ، فَالرَّاجِحُ تَرَتُّبُ التَّحْرِيمِ (42) .
نَظَرُ الْحَاقِنِ إِلَى الْعَوْرَةِ:
17 - مَنَعَ الْعُلَمَاءُ النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَةِ إِلاَّ فِي حَالاَتِ الضَّرُورَةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْحْوَال. وَعَدُّوا مِنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الاِحْتِقَانَ (1) . فَإِذَا انْتَفَتِ الضَّرُورَةُ حَرُمَ النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَةِ. وَلِلتَّفْصِيل: (ر: تَطْبِيبٌ. ضَرُورَةٌ. عَوْرَةٌ)
__________
(1) لسان العرب، والمصباح مادة (حقن) .
(2) العدوي على الخرشي 1 / 152، ومراقي الفلاح بهامش الطحطاوي ص 368 ط العثمانية.
(3) لسان العرب، والمصباح، مادة (حبس) .
(4) لسان العرب والصحاح والمصباح، مادة (حصر) .
(5) لسان العرب، مادة (حقب) ، والخرشي 1 / 152 ط دار صادر. والفروق في اللغة ص 107 بتصرف. ط دار الآفاق.
(6) الدسوقي 1 / 106، والطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 197 ط العثمانية، والمغني 1 / 450، 451 ط مكتبة القاهرة، والمجموع 4 / 105 ط التضامن.
(7) رواه البخاري ومسلم وأبو داود (فيض القدير 6 / 447) .
(8) رواه الترمذي وحسنه، وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه: وصححه ابن خزيمة ورواه أحمد في المسند 3 / 436، 437 و5 / 93، وأبو داود 1 / 232، والنسائي 1 / 127 (سنن الترمذي 3 / 188 ط مصطفى الحلبي) .
(9) رواه مسلم والترمذي والنسائي (الفتح الكبير 3 / 335)
(10) حاشية الدسوقي 1 / 106 ط عيسى الحلبي.
(11) الطحطاوي على مراقي الفلاح 197، والمغني 1 / 450، والمجموع للنووي 4 / 105
(12) تقدم تخريجه. وانظر أيضا المغني 1 / 450، 451.
(13) قال الترمذي: حديث حسن (المغني 1 / 450، 451) .
(14) المغني 1 / 451
(15) المغني 1 / 451، والمجمع 4 / 105، والطحطاوي على مراقي الفلاح 197
(16) المجموع 4 / 105
(17) المغني 1 / 451، والقليوبي 1 / 193، 194 ط عيسى الحلبي، ومراقي الفلاح 197 بهامش الطحطاوي.
(18) البحر الرائق 6 / 303 ط المطبعة العلمية بالقاهرة، ومجلة الأحكام بشرح الأتاسي 6 / 86 طبعة مطبعة السلامة، والتحفة بحاشية الشرواني 8 / 341، وحاشية الدسوقي 4 / 141 ط عيسى الحلبي " والمغني 10 / 44، 45، ونيل الأوطار 8 / 273
(19) المغني 10 / 45
(20) بدائع الصنائع 1 / 137 مطبعة العاصمة.
(21) المجموع 2 / 11 نشر المكتبة العالمية.
(22) العدوي على الخرشي 1 / 151
(23) المغني 1 / 161 ط المنار.
(24) حديث عائشة ﵂ رواه أبو يعلى (نصب الراية 2 / 454) قال المعلق عليها: قال الهيثمي في الزوائد: وفيه من لم أعرف.
(25) قول عكرمة وابن عباس أخرجه البخاري عنهما تعليقا (فتح الباري 4 / 173) ورواه البيهقي وعبد الرزاق في مصنفه بسنده، موقوفا على ابن مسعود، وابن أبي شيبة موقوفا على ابن عباس. وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم ولا يثبت (نصب الراية 2 / 454)
(26) فتح القدير على الهداية 2 / 72، 73 ط بولاق، والفتاوى الهندية 1 / 204 ط المكتبة الإسلامية، والمجموع للنووي 6 / 313، والشرح الكبير على الدردير 1 / 480 ط ليبيا، وكشاف القناع 2 / 286 ط حامد الفقي، والفروع 2 / 36 ط المنار، والإنصاف 3 / 299 ط حامد الفقي، والمغني 3 / 121
(27) الفتاوى لابن تيمية 25 / 233، 234 ط الرياض، والمجموع للنووي 6 / 313، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 480، والإنصاف 3 / 299
(28) الفتاوى لابن تيمية 25 / 233 - 247، والفتاوى الهندية 1 / 204، والمجموع 6 / 313، 314، وكشاف القطاع 2 / 286، والدسوقي 1 / 480
(29) الشرح الصغير 1 / 699، والإنصاف 3 / 307
(30) جراحة في البطن تصل إلى الجوف (المعدة) .
(31) فتح القدير 2 / 73 ط بولاق، والفتاوى الهندية 1 / 204 وحواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج 3 / 402، 403 ط دار صادر، وكشاف القناع 2 / 286، والإنصاف 3 / 300، والنووي 6 / 312، والجمل 2 / 318 ط إحياء التراث العربي.
(32) رواه أبو داود والبخاري في تاريخه من حديث عبد الرحمن بن النعمان بن سعيد. قال ابن معين: حديث منكر، وعبد الرحمن ضعيف. وقال أبو حاتم: صدوق. ووثقه ابن حبان.
(33) سبق تخريجه في حواش فقرة 12
(34) الخرشي 3 / 162 المطبعة العامرية. وتحفة المحتاج بشرح المنهاج على الشرقاوي وابن قاسم 3 / 402 ط دار صادر، والمجموع 6 / 313، والفتاوى لابن تيمية 25 / 233 وما بعدها، والإنصاف 3 / 299
(35) ابن عابدين 5 / 249
(36) حديث: " إن الله لم جعل شفاءكم فما حرم عليكم " رواه الطبراني في الكبير، وابن أبي شيبة والحاكم وآخرون موقوفا على ابن مسعود. ورواه ابن حبان وأبو يعلى والبيهقي من حديث أم سلمة مرفوعا (المقاصد الحسنة ص 119) قال الهيثمي: إسناده منقطع ورجاله رجال الصحيح (فيض القدير 2 / 252)
(37) ابن عابدين 5 / 249، وشرح البهجة 5 / 104 ط الميمنية، والقليوبي 4 / 203، والبجيرمي على الخطيب 1 / 276 ط دار المعرفة، والمغني 1 / 407 ف 552، والمحلى 1 / 168 ط المنيرية.
(38) ابن عابدين 5 / 249، والقليوبي 4 / 203
(39) المغني 11 / 83 ط المنار، والخرشي 5 / 351، وحديث " إنه ليس بدواء ولكنه داء " رواه مسلم وابن ماجه وأحمد (الفتح الكبير 1 / 445)
(40) حديث " إنما الرضاعة من المجاعة " متفق عليه (الفتح الكبير 1 / 282)
(41) ابن عابدين 2 / 410، والقليوبي 4 / 63، والمغني 8 / 174 نشر مكتبة القاهرة، والمحلى 10 / 9، وحاشية الدسوقي 2 / 503، والخرشي 4 / 177
(42) الدسوقي 2 / 503، والمغني 8 / 174، والخرشي 4 / 177، والقليوبي 4 / 63
الموسوعة الفقهية الكويتية: 83/ 2