المتين
كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...
جمع الشيء فيما ذكر ونفيه عما سواه . مثل قوله تعالى : ﭽﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼالنساء :171، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ." مصنف عبد الرزاق :2539، الطحاوي في شرح معاني الآثار :1635
الحبس عن الشيء.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحَصْرُ مَصْدَرُ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ أَوِ الْمَرَضُ، أَيْ حَبَسَهُ عَنِ السَّفَرِ. قَال أَبُو إِسْحَاقَ النَّحْوِيُّ: الرِّوَايَةُ عِنْدَ أَهْل اللُّغَةِ أَنْ يُقَال لِلَّذِي يَمْنَعُهُ الْخَوْفُ وَالْمَرَضُ أُحْصِرَ، وَيُقَال لِلْمَحْبُوسِ حُصِرَ، وَإِِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لأَِنَّ الرَّجُل إِذَا امْتَنَعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فَقَدْ حَصَرَ نَفْسَهُ، فَكَأَنَّ الْمَرَضَ أَحْبَسَهُ أَيْ جَعَلَهُ يَحْبِسُ نَفْسَهُ، وَقَوْلُكَ: حَصَرْتُهُ، إِنَّمَا هُوَ حَبَسْتُهُ، لاَ أَنَّهُ أَحْبَسَ نَفْسَهُ، فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ أَحْصَرَ. وَقِيل الْحَصْرُ لِلْحَبْسِ بِالْمَرَضِ، وَالإِِْحْصَارُ لِلْحَبْسِ بِالْعَدُوِّ. وَقَال ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَال أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ إِذَا مَنَعَهُ مِنَ السَّفَرِ، أَوْ مِنْ حَاجَةٍ يُرِيدُهَا، وَأَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ إِذَا ضَيَّقَ عَلَيْهِ فَحُصِرَ أَيْ ضَاقَ صَدْرُهُ.
وَقَال أَبُو عُبَيْدَةُ: حُصِرَ الرَّجُل فِي الْحَبْسِ، وَأُحْصِرَ فِي السَّفَرِ مِنْ مَرَضٍ أَوِ انْقِطَاعٍ بِهِ، وَأَمَّا الْحَصْرُ فَهُوَ ضِيقُ الصَّدْرِ، وَالْبُخْل، وَالْمَنْعُ مِنَ الشَّيْءِ عَجْزًا، أَوْ حَيَاءً، وَالْعِيُّ فِي الْمَنْطِقِ. وَمِنْهُحُصِرَ الْقَارِئُ أَيْ مُنِعَ الْقِرَاءَةَ (1) .
وَاسْتَعْمَل الْفُقَهَاءُ (الْحَصْرَ) بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِي كُتُبِهِمُ اسْتِعْمَالاً كَثِيرًا. إِلاَّ أَنَّهُمْ غَلَّبُوا اسْتِعْمَال هَذِهِ الْمَادَّةِ (حَصَرَ) وَمُشْتَقَّاتِهَا فِي بَابِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلدَّلاَلَةِ عَلَى مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ أَرْكَانِ النُّسُكِ، وَذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَتَوَافَقَتْ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَاتُهُمْ حَتَّى أَصْبَحَ (الإِِْحْصَارُ) اصْطِلاَحًا فِقْهِيًّا مَشْهُورًا.
وَمَسَائِل الإِِْحْصَارِ قَدْ تَمَّ اسْتِيفَاؤُهَا فِي مُصْطَلَحِ (إِحْصَارٌ) .
وَلِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مَعَانٍ أُخْرَى مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ الْعِلْمِ الْمَبْحُوثِ فِيهِ.
أَحْكَامُ الْحَصْرِ:
2 - فِيمَا يَلِي بَعْضُ الأَْمْثِلَةِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ أَبْوَابِ مُخْتَلِفَةٍ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنَ الْمَوْسُوعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
أ - جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ، يَجُوزُ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الإِِْمَامُ إِذَا حُصِرَ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ (2) . (انْظُرْ اسْتِخْلاَفٌ، إِمَامَةُ الصَّلاَةِ، حَاقِنٌ) . ب - وَجَاءَ فِيهَا أَيْضًا: لِلإِِْمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إِذَا حُصِرَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ، لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁، فَإِِنَّهُ لَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ ﷺ حُصِرَ عَنِ الْقِرَاءَةِ فَتَأَخَّرَ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَتَمَّ الصَّلاَةَ (3) ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَمَا فَعَلَهُ وَأَقَرَّهُ (4) . (انْظُرْ اسْتِخْلاَفٌ - إِمَامَةٌ - صَلاَةٌ) .
ج - وَذَكَرَ صَاحِبُ مَوَاهِبِ الْجَلِيل أَنَّهُ لَوْ سَهَا الإِِْمَامُ أَوْ حُصِرَ فَلَمْ يُكَبِّرْ فِي صَلاَةِ الْعِيدِ السَّبْعَ وَالْخَمْسَ وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُكَبِّرُوا (5)
(انْظُرْ: صَلاَةُ الْعِيدِ) .
د - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَى الْمُزَكِّي أَنْ يَسْتَوْعِبَ آحَادَ كُل صِنْفٍ مِنْ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ إِنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ - أَيْ سَهُل عَدُّهُمْ - فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَوَفَّى بِهِمُ الْمَال، وَإِِلاَّ فَيَجِبُ إِعْطَاءُ ثَلاَثَةٍ مِنْ كُل صِنْفٍ لِذِكْرِهِ فِي الآْيَةِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ (6) . (وَانْظُرْ: زَكَاةٌ) .
هـ - لاَ يُكَلِّفُ الْقَاضِي غُرَمَاءَ الْمُفْلِسِ، وَكَذَا غُرَمَاءَ الْمَيِّتِ بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ حَصْرَ الدَّائِنِ فِيهِمْ. بِخِلاَفِ الْوَرَثَةِ فَإِِنَّ الْحَاكِمَ لاَ يُقْسِمُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُكَلِّفَهُمْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِحَصْرِهِمْ، وَمَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ وَمَرْتَبَتِهِمْ مِنَ الْمَيِّتِ، لأَِنَّ عَدَدَهُمْ مَعْلُومٌ لِلْجِيرَانِ وَأَهْل الْبَلَدِ فَلاَ كُلْفَةَ فِي إِثْبَاتِهِ، وَالدَّيْنُ يُقْصَدُ إِخْفَاؤُهُ - غَالِبًا - فَإِِثْبَاتُ حَصْرِ الْغُرَمَاءِ يَتَعَسَّرُ (7) .
(انْظُرْ: إِفْلاَسٌ، إِرْثٌ، تَرِكَةٌ، حَجْرٌ، دَيْنٌ) .
و قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِمَجْهُولٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَقَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ لَمْ يَلْزَمِ التَّعْمِيمُ، وَكَغَزَاةٍ أَوْ فُقَرَاءَ أَوْ مَسَاكِين، فَلاَ يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ وَلاَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، وَإِِنَّمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِاجْتِهَادِ الْوَصِيِّ (8) . (انْظُرْ: إِيصَاءٌ) .
ز - لاَ يَكْفِي فِي الْيَمِينِ الإِِْثْبَاتُ وَلَوْ مَعَ الْحَصْرِ كَقَوْلِهِ: مَا بِعْتُ إِلاَّ بِكَذَا بَل لاَ بُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ مَعَ الإِِْثْبَاتِ بِنَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ صَرِيحًا، لأَِنَّ الأَْيْمَانَ لاَ يُكْتَفَى فِيهَا بِاللَّوَازِمِ، بَل لاَ بُدَّ مِنَ الصَّرِيحِ، لأَِنَّ فِيهَا نَوْعًا مِنَ التَّعَبُّدِ كَقَوْل الْبَائِعِ: وَاَللَّهِ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَإِِنَّمَا بِعْتُ بِكَذَا (9) . (انْظُرْ: أَيْمَانٌ) .
ح - اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي جُلُوسِ أَهْل الْعِلْمِ مَعَ الْقَاضِي، فَقَال ابْنُ الْمَوَّازِ: لاَ أُحِبُّ أَنْ يُقْضَى إِلاَّ بِحَضْرَةِ أَهْل الْعِلْمِ وَمُشَاوَرَتِهِمْ، وَقَال أَشْهَبُ: إِلاَّ أَنْ يُخَافَ الْحَصْرُ (أَيِ الضِّيقَ) مِنْ جُلُوسِهِمْ عِنْدَهُ، وَقَال سَحْنُونٌ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي مَجْلِسِهِ مَنْ يَشْغَلُهُ عَنِ النَّظَرِ، كَانُوا أَهْل فِقْهٍ أَوْ غَيْرَهُمْ، فَإِِنَّ ذَلِكَ يُدْخِل عَلَيْهِ الْحَصْرَ، وَقَالَهُ مُطَرِّفُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَضَافَا: لَكِنْ إِذَا ارْتَفَعَ مِنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ شَاوَرَ (10) .
(انْظُرْ: قَضَاءٌ) .
ط - قَال الشَّافِعِيَّةُ: الْعُقُودُ الَّتِي تُفِيدُ الْكُفَّارَ الأَْمْنَ ثَلاَثَةٌ: أَمَانٌ، وَجِزْيَةٌ، وَهُدْنَةٌ، لأَِنَّهُ إِنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالأَْمَانُ، أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ، فَإِِنْ كَانَ إِِلَى غَايَةٍ فَالْهُدْنَةُ، وَإِِلاَّ فَالْجِزْيَةُ، وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالإِِْمَامِ بِخِلاَفِ الأَْمَانِ (11) أَيْ فَإِِنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الإِِْمَامِ إِعْطَاؤُهُ إِذَا كَانَ لِحَرْبِيِّينَ مَحْصُورِينَ أَيْ مَعْدُودِينَ إِلاَّ لِنَحْوِ جَاسُوسٍ وَأَسِيرٍ. (انْظُرْ: أَمَانٌ، جِزْيَةٌ، حِصَارٌ، هُدْنَةٌ، مُعَاهَدَةٌ) .
__________
(1) لسان العرب، ومفردات القرآن، والمعجم الوسيط مادة: (حصر) ، والكليات للكفوي - دمشق 2 / 224، كشاف اصطلاحات الفنون - خياط 2 / 694، التعريفات - دار الكتاب 118، المعجم الوسيط 1 / 178، الموسوعة الفقهية 2 / 196 - مادة إحصار - وتفسير القرطبي 2 / 371 وما بعدها.
(2) ابن عابدين 1 / 406.
(3) حديث: " صلاة أبي بكر بالناس وتأخره. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 164، 166 - ط السلفية) من حديث عائشة، وليس فيه ذكر الحصر
(4) ابن عابدين 1 / 406
(5) مواهب الجليل 2 / 191
(6) قليوبي وعميرة 3 / 202
(7) الدسوقي 3 / 271
(8) الزرقاني على خليل 8 / 186.
(9) نهاية المحتاج 4 / 159
(10) التاج والإكليل 6 / 117
(11) الجمل على المنهج 5 / 205
الموسوعة الفقهية الكويتية: 297/ 17
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".