الطيب
كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...
يَرِد مُصْطلَح (زِيارَة النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) في الفقهِ في كِتابِ الجَنائِزِ، باب: زِيارَة المَقابِرِ. وفي عِلمِ العَقِيدَةِ، باب: تَوْحيد الأُلوهِيَّةِ عند بَيانِ وَسائِلِ الشِّرْكِ وأنْواعِهِ، وفي بابِ: التَّوَسُّل والاِسْتِغاثَة والشَّفاعَة، وغَيْر ذلك مِن الأبْواب.
* الـمغني لابن قدامة : (3/477)
* المدخل : (4/239)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (24/83)
* فتاوى اللجنة الدائمة : (1/430)، و (4/456) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الزِّيَارَةُ: اسْمٌ مِنْ زَارَهُ يَزُورُهُ زُورًا وَزِيَارَةً، قَصَدَهُ مُكْرِمًا لَهُ (1) .
وَزِيَارَةُ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ وَفَاتِهِ تَتَحَقَّقُ بِزِيَارَةِ قَبْرِهِ ﷺ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ الإِْسْلاَمِيَّةُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْل الْفَتْوَى فِي الْمَذَاهِبِ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، تَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (2) . وَذَهَبَ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ عِيسَى الْفَاسِيُّ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ (3) .
دَلِيل مَشْرُوعِيَّةِ الزِّيَارَةِ:
3 - مِنْ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَتِهِ ﷺ: قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُول لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (4)
فَإِنَّهُ ﷺ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ ﷺ: الأَْنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ (5) ، وَإِنَّمَا قَال: هُمْ أَحْيَاءٌ أَيْ لأَِنَّهُمْ كَالشُّهَدَاءِ بَل أَفْضَل، وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْعِنْدِيَّةِ الإِْشَارَةُ إِلَى أَنَّ حَيَاتَهُمْ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ عِنْدَنَا وَهِيَ كَحَيَاةِ الْمَلاَئِكَةِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الإِْسْرَاءِ قَال ﷺ: مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَْحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ (6) .
وَقَوْلُهُ ﷺ: فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ (7) فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عَامَّةً، وَزِيَارَتُهُ ﷺ أَوْلَى مَا يُمْتَثَل بِهِ هَذَا الأَْمْرُ، فَتَكُونُ زِيَارَتُهُ دَاخِلَةً فِي هَذَا الأَْمْرِ النَّبَوِيِّ الْكَرِيمِ.
وَقَوْلُهُ ﷺ: مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي (8) .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ فِي الْحَدِيثِ: مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي (9) .
فَاسْتَدَل بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهَذِهِ الأَْدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ زِيَارَتِهِ ﷺ لِمَا فِي الأَْحَادِيثِ الأُْخْرَى مِنَ الْحَضِّ أَيْضًا.
وَحَمَلَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ، وَلَعَل مَلْحَظَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الأَْدِلَّةَ تُرَغِّبُ بِتَحْصِيل ثَوَابٍ أَوْ مَغْفِرَةٍ أَوْ فَضِيلَةٍ، وَذَلِكَ يَحْصُل بِوَسَائِل أُخَرَ، فَلاَ تُفِيدُ هَذِهِ الأَْدِلَّةُ الْوُجُوبَ.
قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ: وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ ﵊ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَفَضِيلَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا (10) .
فَضْل زِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ:
4 - دَلَّتِ الدَّلاَئِل السَّابِقَةُ عَلَى عَظَمَةِ فَضْل زِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَجَزِيل مَثُوبَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ وَالْقُرُبَاتِ النَّافِعَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَبِهَا يَرْجُو الْمُؤْمِنُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتَهُ وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَبِهَا يَحْصُل الزَّائِرُ عَلَى شَفَاعَةٍ خَاصَّةٍ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ فَوْزٍ.
وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فِي كَافَّةِ الْعُصُورِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَالسِّنْدِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ.
قَال الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّهَا مِنْ أَفْضَل الأَْعْمَال وَأَجَل الْقُرُبَاتِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى ذِي الْجَلاَل، وَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مَحَل إِجْمَاعٍ بِلاَ نِزَاعٍ.
وَكَذَلِكَ قَال الْقَسْطَلاَّنِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَأَرْجَى الطَّاعَاتِ، وَالسَّبِيل إِلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ. (11) آدَابُ زِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ
5 - أ - أَنْ يَنْوِيَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَيْضًا لِتَحْصِيل سُنَّةِ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَْقْصَى. (12)
ب - الاِغْتِسَال لِدُخُول الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَلُبْسِ أَنْظَفِ الثِّيَابِ، وَاسْتِشْعَارُ شَرَفِ الْمَدِينَةِ لِتَشَرُّفِهَا بِهِ ﷺ.
ج - الْمُوَاظَبَةُ عَلَى صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مُدَّةَ الإِْقَامَةِ فِي الْمَدِينَةِ، عَمَلاً بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. (13)
د - أَنْ يُتْبِعَ زِيَارَتَهُ ﷺ بِزِيَارَةِ صَاحِبَيْهِ شَيْخَيِ الصَّحَابَةِ ﵄ وَعَنْهُمْ جَمِيعًا، أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَقَبْرُهُ إِلَى الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ، وَعُمَرَ يَلِي قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى الْيَمِينِ أَيْضًا.
مَا يُكْرَهُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ
6 - يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أُمُورٌ مَكْرُوهَةٌ فِي زِيَارَتِهِمْ لِقَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ نُشِيرُ إِلَى أَهَمِّهَا:
1 - التَّزَاحُمُ عِنْدَ الزِّيَارَةِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ لاَ مُوجِبَ لَهُ، بَل هُوَ خِلاَفُ الأَْدَبِ، لاَ سِيَّمَا إِذَا أَدَّى إِلَى زِحَامِ النِّسَاءِ فَإِنَّ الأَْمْرَ شَدِيدٌ.
2 - رَفْعُ الأَْصْوَاتِ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَوْ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ زِيَارَتِهِ ﷺ.
3 - التَّمَسُّحُ بِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ ﷺ أَوْ بِشُبَّاكِ حُجْرَتِهِ. أَوْ إِلْصَاقُ الظَّهْرِ أَوِ الْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ يُسْتَحَبُّ التَّمَسُّحُ بِحَائِطِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَلاَ تَقْبِيلُهُ، قَال أَحْمَدُ: مَا أَعْرِفُ هَذَا. قَال الأَْثْرَمُ: رَأَيْتُ أَهْل الْعِلْمِ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ لاَ يَمَسُّونَ قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ يَقُومُونَ مِنْ نَاحِيَةٍ فَيُسَلِّمُونَ. قَال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَل. (14)
وَقَال النَّوَوِيُّ مُنَبِّهًا مُحَذِّرًا: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُطَافَ بِقَبْرِهِ ﷺ، وَيُكْرَهُ إِلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ. قَالُوا: وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ، بَل الأَْدَبُ أَنْ يُبْعَدَ مِنْهُ، كَمَا يُبْعَدُ مِنْهُ لَوْ حَضَرَهُ فِي حَيَاتِهِ ﷺ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ، وَلاَ يُغْتَرُّ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرِينَ مِنَ الْعَوَّامِ وَفِعْلِهِمْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الاِقْتِدَاءَ وَالْعَمَل إِنَّمَا يَكُونُ بِالأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَال الْعُلَمَاءِ، وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَامِّ وَغَيْرِهِمْ وَجَهَالاَتِهِمْ. (15)
قَال ﷺ: لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ. (16)
مَعْنَى الْحَدِيثِ لاَ تُعَطِّلُوا الْبُيُوتَ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ، فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بِالْبُيُوتِ وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْدَ الْقُبُورِ، عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ النَّصَارَى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ هَذِهِ الأُْمَّةِ. وَالْعِيدُ اسْمُ مَا يَعُودُ مِنَ الاِجْتِمَاعِ الْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ عَائِدًا مَا يَعُودُ السَّنَةَ أَوْ يَعُودُ الأُْسْبُوعَ أَوِ الشَّهْرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَال فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ: قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الْعِيدُ مَا يُعْتَادُ مَجِيؤُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ زَمَنٍ وَمَكَانٍ مَأْخُوذٍ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ وَالاِعْتِيَادِ، فَإِذَا كَانَ اسْمًا لِلْمَكَانِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ الاِجْتِمَاعُ وَالاِنْتِيَابُ بِالْعِبَادَةِ وَبِغَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَالْمَشَاعِرَ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْحُنَفَاءِ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ، كَمَا جَعَل أَيَّامَ الْعِيدِ مِنْهَا عِيدًا. وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْيَادٌ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالإِْسْلاَمِ أَبْطَلَهَا وَعَوَّضَ الْحُنَفَاءَ مِنْهَا عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ النَّحْرِ، كَمَا عَوَّضَهُمْ عَنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَانِيَّةِ بِكَعْبَةٍ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ.
قَال الْمُنَاوِيُّ فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ: مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ الاِجْتِمَاعِ لِزِيَارَتِهِ اجْتِمَاعَهُمْ لِلْعِيدِ، إِمَّا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَرَاهَةِ أَنْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ التَّعْظِيمِ. وَقِيل: الْعِيدُ مَا يُعَادُ إِلَيْهِ أَيْ لاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا تَعُودُونَ إِلَيْهِ مَتَى أَرَدْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ، فَظَاهِرُهُ مَنْهِيٌّ عَنِ الْمُعَاوَدَةِ وَالْمُرَادُ الْمَنْعُ عَمَّا يُوجِبُهُ، وَهُوَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ دُعَاءَ الْغَائِبِ لاَ يَصِل إِلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ (17) أَيْ لاَ تَتَكَلَّفُوا الْمُعَاوَدَةَ إِلَيَّ فَقَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ بِالصَّلاَةِ عَلَيَّ.
قَال الْمُنَاوِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ أَضْرِحَةِ الأَْوْلِيَاءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَخْصُوصٍ مِنَ السَّنَةِ وَيَقُولُونَ: هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِ الشَّيْخِ، وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَعَلَى وَلِيِّ الشَّرْعِ رَدْعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَالُهُ.
وَقَال شَيْخُ الإِْسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْحَدِيثُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَا يَنَالُنِي مِنْكُمْ مِنَ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ يَحْصُل مَعَ قُرْبِكُمْ مِنْ قَبْرِي وَبُعْدِكُمْ عَنْهُ، فَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى اتِّخَاذِهِ عِيدًا. (18) صِفَةُ زِيَارَتِهِ ﷺ:
7 - إِذَا أَرَادَ الزَّائِرُ زِيَارَتَهُ ﷺ فَلْيَنْوِ زِيَارَةَ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ أَيْضًا، لِتَحْصُل سُنَّةُ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا.
وَإِذَا عَايَنَ بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ صَلَّى عَلَيْهِ ﷺ وَقَال: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُ نَبِيِّكَ فَاجْعَلْهُ وِقَايَةً لِي مِنَ النَّارِ وَأَمَانًا مِنَ الْعَذَابِ وَسُوءِ الْحِسَابِ. (19)
وَإِذَا وَصَل بَابَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ دَخَل وَهُوَ يَقُول الذِّكْرَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ دُخُول الْمَسَاجِدِ: " اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ، رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ".
وَعِنْدَ الْخُرُوجِ يَقُول ذَلِكَ، لَكِنْ بِلَفْظِ " وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ ". (20)
وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَقْصِدُ الْحُجْرَةَ الشَّرِيفَةَ الَّتِي فِيهَا قَبْرُهُ ﵊ فَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَقْبِل الْقَبْرَ وَيَقِفُ أَمَامَ النَّافِذَةِ الدَّائِرِيَّةِ الْيُسْرَى مُبْتَعِدًا عَنْهَا قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ إِجْلاَلاً وَتَأَدُّبًا مَعَ الْمُصْطَفَى ﷺ فَهُوَ أَمَامَ وَجْهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ، بِأَيِّ صِيغَةٍ تَحْضُرُهُ مِنْ صِيَغِ التَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَيُرْدِفُ ذَلِكَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ ﷺ بِمَا يَحْضُرُهُ أَيْضًا. 8 - وَقَدْ أَوْرَدَ الْعُلَمَاءُ عِبَارَاتٍ كَثِيرَةً صَاغُوهَا لِتَعْلِيمِ النَّاسِ، ضَمَّنُوهَا ثَنَاءً عَلَى النَّبِيِّ ﷺ.
فَيَدْعُو الإِْنْسَانُ بِدُعَاءِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَيُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَيَدْعُو بِمَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ.
9 - وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ قَدْ أَوْصَاهُ بِالسَّلاَمِ عَلَيْهِ ﷺ فَلْيَقُل: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُول اللَّهِ مِنْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ، أَوْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ يَا رَسُول اللَّهِ، أَوْ مَا شَابَهُ ذَلِكَ.
10 - ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إِلَى صَوْبِ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعِ الْيَدِ لِلسَّلاَمِ عَلَى الصِّدِّيقِ الأَْكْبَرِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ ﵁، لأَِنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ كَتِفِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنَ الأَْلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِ الصِّدِّيقِ ﵁.
11 - ثُمَّ يَتَنَحَّى صَوْبَ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ لِلسَّلاَمِ عَلَى الْفَارُوقِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الإِْسْلاَمَ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنَ الأَْلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِهِ ﵁.
12 - ثُمَّ يَرْجِعُ لِيَقِفَ قُبَالَةَ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَالأَْوَّل، وَيَدْعُو مُتَشَفِّعًا بِهِ بِمَا شَاءَ مِنَ الْخَيْرَاتِ لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ. وَيُرَاعِي فِي كُل ذَلِكَ أَحْوَال الزِّحَامِ بِحَيْثُ لاَ يُؤْذِي مُسْلِمًا. (21)
__________
(1) معجم متن اللغة لأحمد رضا، مادة: (زور) .
(2) فتح القدير للكمال بن الهمام شرح الهداية مطبعة مصطفى محمد 2 / 336، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين محمد أمين طبع إستانبول دار الطباعة العامرة 2 / 353، والشفا نسخة شرحه للقاري طبع إستانبول سنة 1316، 2 / 149، والمجموع للنووي شرح المهذب للشيرازي مطبعة العاصمة بالقاهرة 8 / 213، 214 - 215، والمغني لابن قدامة طبع دار المنار سنة 1367، 3 / 256، والاختيار لتعليل المختار لعبد الله بن محمود الموصلي، طبع مصطفى البابي الحلبي 1 / 173، ولباب المناسك للسندي وشرحه لعلي القاري طبع المطبعة الأميرية ص 282.
(3) الشفا 2 / 150، والمواهب اللدنية للقسطلاني مطبعة مصطفى شاهين 2 / 504، ونيل الأوطار للشوكاني المطبعة العثمانية 5 / 94.
(4) سورة النساء / 64.
(5) حديث: " الأنبياء أحياء في قبورهم ". أخرجه أبو يعلى كما في الجامع الصغير (بشرحه الفيض - 3 / 184 - ط المكتبة التجارية) وقال المناوي: حديث صحيح.
(6) حديث: " مررت على موسى ليلة أسري بي. . . " أخرجه مسلم (4 / 1845 - ط الحلبي) من حديث أنس.
(7) حديث: " فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت ". أخرجه مسلم (2 / 671 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(8) حديث: " من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ". أخرجه الدارقطني (2 / 278 - ط دار المحاسن) من حديث حاطب، وفي إسناده رجل مجهول، كذا أعله به ابن حجر في التلخيص (2 / 267 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(9) حديث: " من زار قبري وجبت له شفاعتي ". أخرجه الدارقطني (2 / 278 - ط دار المحاسن) من حديث ابن عمر، وضعفه ابن حجر بجهالة راوٍ فيه وبضعف آخر، كذا في التلخيص الحبير (2 / 267 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(10) الشفا نسخة شرحه لعلي القاري 2 / 148 - 149.
(11) المرجع السابق وفتح الباري 3 / 43، والمواهب اللدنية 2 / 504
(12) حديث: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 63 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1014 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(13) حديث: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 63 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1013 - ط الحلبي) .
(14) المغني 3 / 559.
(15) المجموع 8 / 217.
(16) حديث: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا. . . " أخرجه أبو داود (2 / 534 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (3 / 313 - ط المنيرية) .
(17) حديث: " وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ". تقدم تخريجه ف 6.
(18) عون المعبود 6 / 32 - 33.
(19) الاختيار لتعليل المختار 1 / 173.
(20) حديث: " ذِكْر دخول المسجد ". أخرجه الترمذي (2 / 128 - ط الحلبي) من حديث فاطمة، وأصله في مسلم (1 / 494 - ط الحلبي) من حديث ابن حميد أو أبي أسيد دون ذكر الصلاة على النبي ﷺ.
(21) انظر الاختيار 1 / 174 و 175، والمجموع للنووي 8 / 216 - 217، وفتح القدير 2 / 337، والمغني لابن قدامة 3 / 558 وغيرها من مراجع الفقه ففيها كثير من الصيغ المختارة للزيارة.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 83/ 24