الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
الضِّمارُ: الغائِبُ الذي لا يُرْجَى رُجُوعُهُ، وكُلُّ شَيْءٍ غابَ عَنْكَ فلا تَكُونُ مِنْهُ على ثِقَةٍ فهو ضِمارٌ. وأَصْلُ الكَلِمَةِ مِن الإِضْمارِ، وهو: الغَيْبَةُ والتَّسَتُّرُ، يُقال: أَضْمَرْتُ شَيْئاً في نَفْسِي: إذا أَخْفَيْتُهُ وغَيَّبْتُهُ، ومنه مالٌ ضِمارٌ، أيْ: غائِبٌ لا يُرْجَى رُجُوعُهُ. ودَيْنٌ ضِمارٌ: لا يَرْجُو صاحِبُهُ عَوْدَتَهُ إِلَيْهِ.
يُطْلَقُ مُصطَلَحُ (ضِمار) في الفِقْهِ على كُلِّ ما حُبِسَ عَنْ صاحِبِهِ ظُلْماً بِغَيْرِ حَقٍّ.
ضمر
المالُ الغائِبُ الذي لا يُرْجَى عَوْدُهُ إلى صاحِبِهِ.
الضِّمارُ: هو المالُ الذي لا يَتَمَكَّنُ صاحِبُهُ مِن تنميتِهِ والاِنْتِفاعِ بِهِ؛ لِخُروجِهِ مِن يَدِهِ دون إِذْنِهِ، مع انْقِطاعِ أَمَلِهِ في عَوْدِهِ إِلَيْهِ، ومِن صُوَرِه: البَعِيرُ الضَّالُّ، والمالُ المَفْقودُ الذي لا يُرجَى تَحصِيلُه، والمالُ الذي أَخَذَهُ السُّلْطانُ مُصادَرَةً، والمالُ المَغْصُوبُ الذي لا يَقْدِرُ صاحِبُهُ على أَخْذِهِ، والمالُ المَدْفُونُ في الصَّحْراءِ إذا خَفِيَ على المالِكِ مَكانُهُ، والدَّيْنُ الذي لا يُرجى لِجُحودِ المَدِينِ وعَدَمِ البَيِّنَة، وغير ذلك مِن الصُّوَرِ.
الضِّمارُ: الغائِبُ الذي لا يُرْجَى رُجُوعُهُ. وأَصْلُ الكَلِمَةِ مِن الإِضْمارِ، وهو: الغَيْبَةُ والتَّسَتُّرُ، ومنه مالٌ ضِمارٌ، أيْ: غائِبٌ لا يُرْجَى رُجُوعُهُ.
* العين : (7/41)
* تهذيب اللغة : (12/28)
* مقاييس اللغة : (3/371)
* جمهرة اللغة : (2/751)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/199)
* مختار الصحاح : (ص 185)
* لسان العرب : (4/491)
* تاج العروس : (12/402)
* بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : (2/9)
* شرح الزرقاني على موطأ مالك : (2/106)
* مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر : (1/194)
* المغرب في ترتيب المعرب : (2/12)
* القاموس الفقهي : (ص 224)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (28/214)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 285)
* البناية شرح الهداية : (3/25)
* الفتاوى الهندية : (1/174)
* فتح القدير لابن الهمام : (2/121)
* كتاب الأموال : (ص 590)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (28/214)
* التعريفات الفقهية : (ص 134) -
التَّعْرِيفُ:
1 - تُطْلَقُ كَلِمَةُ (الضِّمَارِ) فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى: كُل شَيْءٍ لَسْتَ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ (1) .
قَال الْجَوْهَرِيُّ: الضِّمَارُ مَا لاَ يُرْجَى مِنَ الدَّيْنِ وَالْوَعْدِ، وَكُل مَا لاَ تَكُونُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ (2) .
كَذَلِكَ يُطْلَقُ الضِّمَارُ فِي اللُّغَةِ عَلَى: خِلاَفِ الْعِيَانِ، وَعَلَى: النَّسِيئَةِ أَيْضًا (3) ، وَقِيل: أَصْل الضِّمَارِ مَا حُبِسَ عَنْ صَاحِبِهِ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ (4) .
وَحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ أَنَّ أَصْلَهُ مِنَ الإِْضْمَارِ، وَهُوَ التَّغَيُّبُ وَالاِخْتِفَاءُ، وَمِنْهُ أَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ شَيْئًا (5) .
أَمَّا الضِّمَارُ مِنَ الْمَال: فَهُوَ الْغَائِبُ الَّذِي لاَ يُرْجَى عَوْدُهُ، فَإِذَا رُجِيَ فَلَيْسَ بِضِمَارٍ (6) . 2 - وَاصْطِلاَحًا يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ (الْمَال الضِّمَارَ) عَلَى الْمَال الَّذِي لاَ يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهُ مِنَ اسْتِنْمَائِهِ، لِزَوَال يَدِهِ عَنْهُ، وَانْقِطَاعِ أَمَلِهِ فِي عَوْدِهِ إِلَيْهِ (7) .
وَعَلَى هَذَا عَرَّفَهُ صَاحِبُ (الْمُحِيطِ) مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ: هُوَ كُل مَا بَقِيَ أَصْلُهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَكِنْ زَال عَنْ يَدِهِ زَوَالاً لاَ يُرْجَى عَوْدُهُ فِي الْغَالِبِ (8) .
وَقَال الْكَاسَانِيُّ: هُوَ كُل مَالٍ غَيْرِ مَقْدُورِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ مَعَ قِيَامِ أَصْل الْمِلْكِ (9) وَفِي مَجْمَعِ الأَْنْهُرِ: هُوَ: مَالٌ زَائِلٌ عَنِ الْيَدِ، غَيْرُ مَرْجُوِّ الْوُصُول غَالِبًا (10) .
3 - وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ لِلْمَال الضِّمَارِ صُوَرًا عَدِيدَةً أَهَمُّهَا:
(11) الْمَال الْمَغْصُوبُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَيْسَ بِضِمَارٍ (12) .
(13) الْمَال الْمَفْقُودُ، كَبَعِيرٍ مَفْقُودٍ، إِذْ هُوَ كَالْهَالِكِ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (14) .
(15) الْمَال السَّاقِطُ فِي الْبَحْرِ، لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ (16) .
(17) الْمَال الْمَدْفُونُ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ صَحْرَاءَ إِذَا نَسِيَ صَاحِبُهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ زَمَانٍ (18) .
(19) الْمَال الَّذِي أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً ظُلْمًا، ثُمَّ وَصَل إِلَيْهِ بَعْدَ سِنِينَ (20) .
(21) الدَّيْنُ الْمَجْحُودُ الَّذِي جَحَدَهُ الْمَدِينُ سِنِينَ عَلاَنِيَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، ثُمَّ صَارَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ سِنِينَ، بِأَنْ أَقَرَّ الْجَاحِدُ عِنْدَ قَوْمٍ بِهِ (22) .
(23) الْمَال الَّذِي ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ (24) .
(25) الْمَال الْمُودَعُ عِنْدَ مَنْ لاَ يَعْرِفُهُ إِذَا نَسِيَ شَخْصَهُ سِنِينَ، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ (26) .
4 - وَيُلاَحَظُ بِالتَّأَمُّل فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْمَال الضِّمَارَ قَدْ يَكُونُ عَيْنًا يَئِسَ صَاحِبُهَا مِنَ الْوُصُول إِلَيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا لاَ يُرْجَى لِجُحُودِ الْمَدِينِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ. يَشْهَدُ لِذَلِكَ فِي الدُّيُونِ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي الأَْمْوَال وَابْنُ زَنْجُوَيْهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَال: أَخَذَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَال رَجُلٍ مِنْ أَهْل الرَّقَّةِ يُقَال لَهُ أَبُو عَائِشَةَ، عِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ الْمَال، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَاهُ وَلَدُهُ، فَرَفَعُوا مَظْلِمَتَهُمْ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَى مَيْمُونٍ أَنِ ادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَخُذُوا زَكَاةَ عَامِهِمْ هَذَا، فَإِنَّهُ لَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مَالاً ضِمَارًا أَخَذْنَا مِنْهُ زَكَاةَ مَا مَضَى (27) .
وَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَال: إِذَا حَضَرَ الْوَقْتُ الَّذِي يُؤَدِّي الرَّجُل فِيهِ زَكَاتَهُ أَدَّى عَنْ كُل مَالٍ وَعَنْ كُل دَيْنٍ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْهُ ضِمَارًا لاَ يَرْجُوهُ (28) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الدَّيْنُ:
5 - هُوَ: كُل مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ مَالٍ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ (29) . (ر: دَيْنٌ) .
ب - الْعَيْنُ:
6 - هِيَ: الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ الْمُشَخَّصُ، كَبَيْتٍ وَسَيَّارَةٍ، وَحِصَانٍ، وَكُرْسِيٍّ، وَصُبْرَةِ حِنْطَةٍ، وَصُبْرَةِ دَرَاهِمَ حَاضِرَتَيْنِ (30) . (ر: دَيْنٌ) .
ج - الْمِلْكُ:
7 - الْمِلْكُ: هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوِ الْمَنْفَعَةِ، وَيَقْتَضِي تَمَكُّنَ مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ مِنَ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ، وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ (31) . (ر: مِلْكِيَّةٌ) .
د - التَّوَى:
8 - التَّوَى مَعْنَاهُ: الْهَلاَكُ، وَالْمَال التَّاوِي: هُوَ الذَّاهِبُ الَّذِي لاَ يُرْجَى (32) . (ر: تَوًى) .
هـ - الْجُحُودُ:
9 - الْجُحُودُ: هُوَ نَفْيُ مَا فِي الْقَلْبِ ثَبَاتُهُ، وَإِثْبَاتُ مَا فِي الْقَلْبِ نَفْيُهُ، وَلَيْسَ بِمُرَادِفٍ لِلنَّفْيِ مِنْ كُل وَجْهٍ (33) . (ر: إِنْكَارٌ) .
و الْبَيِّنَةُ:
10 - الْبَيِّنَةُ: هِيَ اسْمٌ لِكُل مَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ. فَكُل مَا يَقَعُ الْبَيَانُ بِهِ، وَيَرْتَفِعُ الإِْشْكَال بِوُجُودِهِ فَهُوَ بَيِّنَةٌ (34) . (ر: شَهَادَةٌ وَإِثْبَاتٌ) .
ز - الْغَصْبُ:
11 - الْغَصْبُ هُوَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا (35) . (ر: غَصْبٌ) .
حُكْمُ الْمَال الضِّمَارِ:
12 - لَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمَال الضِّمَارِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ إِذَا وَصَل إِلَى يَدِ مَالِكِهِ بَعْدَ إِيَاسِهِ مِنَ الْحُصُول عَلَيْهِ، وَذَلِكَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل:
13 - ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - فِي الْجَدِيدِ - وَأَحْمَدُ - فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ - وَالثَّوْرِيُّ وَزُفَرُ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَمٍ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ وَهُوَ ضِمَارٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ يَدُهُ (36) . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ:
(أَوَّلاً) بِقَوْل الصَّحَابَةِ - ﵃ - حَيْثُ رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ (الأَْمْوَال) بِسَنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ - ﵁ - فِي الدَّيْنِ الْمَظْنُونِ أَنَّهُ قَال: إِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُزَكِّهِ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى (37) ، وَرُوِيَ - أَيْضًا - بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - ﵄ - أَنَّهُ قَال: إِذَا لَمْ تَرْجُ أَخْذَهُ فَلاَ تُزَكِّهِ حَتَّى تَأْخُذَهُ، فَإِذَا أَخَذْتَهُ فَزَكِّ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ (38) .
(ثَانِيًا) بِأَنَّ السَّبَبَ - وَهُوَ الْمِلْكُ - قَدْ تَحَقَّقَ. . وَفَوَاتُ الْيَدِ غَيْرُ مُخِلٍّ بِالْوُجُوبِ كَمَال ابْنِ السَّبِيل، قَال الْكَاسَانِيُّ. لأَِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ، بِدَلِيل: ابْنِ السَّبِيل، فَإِنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ فَائِتَةً، لِقِيَامِ مِلْكِهِ. . فَثَبَتَ أَنَّ الزَّكَاةَ وَظِيفَةُ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ مَوْجُودٌ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُخَاطَبُ بِالأَْدَاءِ لِلْحَال، لِعَجْزِهِ عَنِ الأَْدَاءِ لِبُعْدِ يَدِهِ عَنْهُ، وَهَذَا لاَ يَنْفِي الْوُجُوبَ كَمَا فِي: ابْنِ السَّبِيل (39) .
وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: وَذَلِكَ لأَِنَّ هَذَا الْمَال - وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَيْرَ رَاجٍ لَهُ وَلاَ طَامِعٍ فِيهِ - فَإِنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُ يَمِينِهِ، فَمَتَى ثَبَّتَهُ عَلَى غَرِيمِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ يَسُرَ بَعْدَ إِعْدَامٍ، كَانَ حَقُّهُ جَدِيدًا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ فِي الآْخِرَةِ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الضَّيَاعِ كَانَ لَهُ دُونَ النَّاسِ، فَلاَ أَرَى مِلْكَهُ زَال عَنْهُ عَلَى حَالٍ، وَلَوْ كَانَ زَال عَنْهُ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ الْوِجْدَانِ، فَكَيْفَ يَسْقُطُ حَقُّ اللَّهِ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَال، وَمِلْكُهُ لَمْ يَزُل عَنْهُ؟ ، أَمْ كَيْفَ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ (40) ؟ .
الْقَوْل الثَّانِي:
14 - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَصَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ - فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ - وَالشَّافِعِيُّ - فِي الْقَدِيمِ - وَاللَّيْثُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَقَتَادَةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَال الضِّمَارِ، وَيَسْتَقْبِل مَالِكُهُ حَوْلاً مُسْتَأْنَفًا مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ (41) ، وَنَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الإِْمَامِ مَالِكٍ (42) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ:
(أَوَّلاً) بِقَوْل الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَيْثُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ قَال: لاَ زَكَاةَ فِي مَال الضِّمَارِ (43) .
(ثَانِيًا) بِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَال: الْمِلْكَ التَّامَّ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقَّقٍ فِيهِ، إِذْ هُوَ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً لاَ يَدًا، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ، وَتَصَرُّفِهِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ، كَالْمَال الَّذِي فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ (44) .
(ثَالِثًا) وَبِأَنَّ الْمَال الضِّمَارَ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فِي حَقِّ الْمَالِكِ، لِعَدَمِ وُصُول يَدِهِ إِلَيْهِ، وَالْمَال إِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْدُورَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ فِي حَقِّ الْمَالِكِ لاَ يَكُونُ الْمَالِكُ بِهِ غَنِيًّا، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى غَيْرِ الْغَنِيِّ لِلْحَدِيثِ (45) .
(رَابِعًا) وَلأَِنَّ السَّبَبَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُوَ الْمَال النَّامِي، وَلاَ نَمَاءَ إِلاَّ بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَلاَ قُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي الضِّمَارِ، فَلاَ زَكَاةَ، قَال الْعَيْنِيُّ: وَذَلِكَ لأَِنَّ النَّمَاءَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ النَّمَاءُ تَحْقِيقًا كَمَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ، وَالْمَال الَّذِي لاَ يُرْجَى عَوْدُهُ لاَ يُتَصَوَّرُ تَحَقُّقُ الاِسْتِنْمَاءِ فِيهِ، فَلاَ يُقَدَّرُ الاِسْتِنْمَاءُ - أَيْضًا (46) - (خَامِسًا) وَلأَِنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَال النَّامِي تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا بِالاِتِّفَاقِ، لِلاِتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ مِنَ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ مَا تُسَاوِي آلاَفًا مِنَ الدَّنَانِيرِ وَلَمْ يَنْوِ فِيهَا التِّجَارَةَ، لاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ. وَوِلاَيَةُ إِثْبَاتِ حَقِيقَةِ التِّجَارَةِ بِالْيَدِ، فَإِذَا فَاتَتِ انْتَفَى تَصَوُّرُ الاِسْتِنْمَاءِ تَحْقِيقًا، فَانْتَفَى تَقْدِيرًا، لأَِنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُقَدَّرُ تَقْدِيرًا إِذَا تُصُوِّرَ تَحْقِيقًا، وَعَلَى هَذَا انْتَفَى فِي النَّقْدَيْنِ - أَيْضًا - لاِنْتِفَاءِ نَمَائِهِمَا التَّقْدِيرِيِّ بِانْتِفَاءِ تَصَوُّرِ التَّحْقِيقِيِّ بِانْتِفَاءِ الْيَدِ، فَصَارَ بِانْتِفَائِهِمَا كَالتَّاوِي، فَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنِ الآْبِقِ، وَإِنَّمَا جَازَ عِتْقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، لأَِنَّ الْكَفَّارَةَ تَعْتَمِدُ مُجَرَّدَ الْمِلْكِ، وَبِالإِْبَاقِ وَالْكِتَابَةِ لاَ يُنْتَقَصُ الْمِلْكُ أَصْلاً، بِخِلاَفِ مَال ابْنِ السَّبِيل لِثُبُوتِ التَّقْدِيرِيِّ فِيهِ، لإِِمْكَانِ التَّحْقِيقِيِّ إِذَا وَجَدَ نَائِبًا (47) .
الْقَوْل الثَّالِثُ:
15 - ذَهَبَ مَالِكٌ - فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ - وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّ عَلَى مَالِكِهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ إِذَا قَبَضَهُ (48) . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ:
(أَوَّلاً) بِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي الأَْمْوَال، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلاَةِ ظُلْمًا، يَأْمُرُهُ بِرَدِّهِ إِلَى أَهْلِهِ، وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهُ إِلاَّ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا (49) .
قَال الْبَاجِيُّ: قَوْلُهُ أَوَّلاً أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يَزُل عَنْهُ، كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً عِنْدَهُ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ لِسَائِرِ الأَْعْوَامِ، ثُمَّ نَظَرَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَرَأَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، بِأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ تَنْمِيَتِهِ، وَلاَ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَهَذَا مَالٌ قَدْ زَال عَنْ يَدِهِ إِلَى يَدِ غَيْرِهِ، وَمَنَعَ هَذَا عَنْ تَنْمِيَتِهِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ غَيْرُ زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ (50) .
(ثَانِيًا) قَال الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ: أَنَّهُ حَصَل فِي يَدِهِ فِي طَرَفِ الْحَوْل عَيْنُ نِصَابٍ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلاَ يُرَاعَى تَضَاعِيفُ الْحَوْل، بِدَلِيل أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ فِي أَوَّل الْحَوْل نِصَابٌ، فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً ثُمَّ بَاعَهَا فِي آخِرِ الْحَوْل بِنِصَابٍ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ، لِكَوْنِهَا عَيْنَا طَرَفَيِ الْحَوْل مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ لِوَسَطِهِ (1) .
__________
(1) الكليات لأبي البقاء الكفوي 3 / 129، المغرب للمطرزي 2 / 12.
(2) الصحاح (مادة: ضمر) 2 / 722، وانظر لسان العرب (مادة: ضمر) .
(3) مشارق الأنوار للقاضي عياض 2 / 58، وانظر لسان العرب.
(4) مشارق الأنوار 2 / 58.
(5) المغرب 2 / 12.
(6) المصباح المنير 2 / 430، لسان العرب، مشارق الأنوار 2 / 58، المغرب 2 / 12، غريب الحديث لأبي عبيد 4 / 417.
(7) الزرقاني على الموطأ 2 / 106.
(8) انظر الفتاوى الهندية 1 / 174.
(9) بدائع الصنائع 2 / 9، وانظر البحر الرائق 2 / 222، رد المحتار 2 / 9.
(10) مجمع الأنهر 1 / 194.
(11)
(12) البناية على الهداية 3 / 25، رد المحتار 2 / 9، شرح الوقاية لصدر الشريعة 1 / 98، الفتاوى الهندية 1 / 174، مجمع الأنهر 1 / 194، البحر الرائق 2 / 223، الهداية مع فتح القدير والعناية والكفاية 2 / 122 ط (الميمنية 1319 هـ) .
(13)
(14) المراجع السابقة.
(15)
(16) المراجع السابقة.
(17)
(18) المراجع السابقة.
(19)
(20) الفرق بين المصادرة والغصب كما قال ابن عابدين في رد المحتار 2 / 9 أن المصادرة: أن يأمره بأن يأتي بالمال، والغصب: أخذ المال مباشرة على وجه القهر.
(21)
(22) مجمع الأنهر 1 / 194، الفتاوى الهندية 1 / 174، رد المحتار 2 / 9، البناية على الهداية 3 / 25، الهداية مع فتح القدير والعناية والكفاية 2 / 121، شرح الوقاية لصدر الشريعة 1 / 98.
(23)
(24) المراجع السابقة.
(25)
(26) فتح القدير 2 / 121 (الميمنية 1319 هـ) .
(27) مصنف ابن أبي شيبة 3 / 202، الأموال لابن زنجويه، 3 / 957، الأموال لأبي عبيد ص 590، الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر 1 / 249، غريب الحديث لأبي عبيد 4 / 417، فتح القدير 2 / 123.
(28) الدراية لابن حجر 1 / 250، البناية على الهداية 3 / 26، فتح القدير 2 / 123، وانظر الأموال لابن زنجويه 3 / 956، الأموال لأبي عبيد ص 590.
(29) انظر نهاية المحتاج 3 / 131، أسنى المطالب 1 / 356، شرح منتهى الإرادات 1 / 368.
(30) انظر مادة: 158، 159 من مجلة الأحكام العدلية.
(31) الفروق للقرافي: 23.
(32) الأموال لابن زنجويه 3 / 957.
(33) الكليات لأبي البقاء 2 / 178.
(34) معين الحكام ص 68، الطرق الحكمية لابن القيم ص 14، تبصرة الحكام لابن فرحون 1 / 202، (بهامش فتاوى عليش) .
(35) الموسوعة جـ 24 / مصطلح (سرقة ف 5) .
(36) شرح منتهى الإرادات 1 / 365، والمغني 3 / 48 (ط. مكتبة الرياض الحديثة) ، البناية على الهداية 3 / 24، المهذب 1 / 149، روضة الطالبين 2 / 192، 194، الأم 2 / 51 (ط. محمد زهري النجار) المجموع للنووي 5 / 341 (ط. التضامن الأخوي) ، بدائع الصنائع 2 / 9.
(37) الأموال لأبي عبيد ص 589 (ط. مكتبة الكليات الأزهرية 1388 هـ) .
(38) الأموال لأبي عبيد ص 590.
(39) البدائع 2 / 9.
(40) الأموال لأبي عبيد ص 594، وانظر الأموال لابن زنجويه 3 / 962.
(41) البحر الرائق 2 / 222، مجمع الأنهر 194، الفتاوى الهندية 1 / 174، بدائع الصنائع 2 / 9، شرح الوقاية لصدر الشريعة 1 / 98، الهداية مع فتح القدير والعناية والكفاية 2 / 121، المغني لابن قدامة 2 / 46، 48، المهذب 1 / 149، المجموع للنووي 5 / 341، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1 / 166.
(42) الزرقاني على الموطأ 2 / 106، المقدمات الممهدات ص 229.
(43) قال الحافظ ابن حجر في (الدراية) (1 / 249) لم أجده عن علي ا. هـ. وقال العيني في البناية (3 / 26) : وقال الزيلعي: هذا غريب. قلت: أراد أنه لم يثبت مطلقا.
(44) انظر المهذب للشيرازي 1 / 149.
(45) بدائع الصنائع 2 / 9.
(46) البناية على الهداية 3 / 26.
(47) فتح القدير (الميمينة 1319 هـ) 2 / 123.
(48) الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1 / 166، منح الجليل 1 / 356، شرح الزرقاني على خليل 2 / 158، المقدمات الممهدات لابن رشد ص 229، المنتقى للباجي 2 / 113، القوانين الفقهية ص 110 (ط. الدار العربية للكتاب) شرح الموطأ للزرقاني 2 / 106، المغني 3 / 47، الأموال لأبي عبيد ص 590، الأموال لابن زنجويه 3 / 956، المصنف لابن أبي شيبة 3 / 202.
(49) انظر الموطأ مع المنتقى 2 / 113، مصنف ابن أبي شيبة 3 / 202، الأموال لأبي عبيد ص 590، الأموال لابن زنجويه 3 / 957.
(50) المنتقى للباجي 2 / 113.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 213/ 28