القابض
كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...
اللُّزُومُ: الدَّوامُ والثُّبُوتُ، والمُلازَمَةُ: المُداوَمَةُ والثَّباتُ على الشَّيْءِ، يُقال: لَزِمَ الشَّيْءُ، أيْ: ثَبَتَ ودامَ. وأَصْلُه: مُصاحَبَةُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ دائِماً، يُقَالُ: لَزِمَ فُلانٌ فُلاناً: إذا صاحَبَهُ، وضِدُّهُ: المُفارَقَةُ والانْفِكاكُ. ويأْتي اللُّزُومُ بِمعنى الاضْطِرارِ والاحْتِياجِ، ومِنْهُ الإِلْزامُ، وهو: الإِكْراهُ والجَبْرُ، فيُقال: أَلْزَمَهُ بِالشَّيْءِ: إذا أَجْبَرَهُ. ويُسْتَعْمَلُ بِمعنى الوُجوبِ، واللَّازِمُ: الواجِبُ. ومِن مَعانِيه أيضاً: الاعْتِناقُ، والتَّعَلُّقُ.
يَرِد مُصْطلَح (لُزُوم) في الفقه في عِدَّة مَواطِنَ، منها: كتاب الحَجِّ، باب: الإِحْرام بِالحَجِّ، وكتاب الإِجارَةِ، باب: شُرُوط الإِجارَةِ، وكتاب الوَقْفِ، باب: أَحْكام الوَقْفِ، وكتاب النِّكاحِ، باب: عَقْد النِّكاحِ، وغَيْر ذلك مِن الأَبْوابِ. ويُطلَق في كتاب الصَّلاةِ، باب: صَلاة التَّطَوُّعِ، وكتاب الصِّيامِ، باب: صَوْم التَّطَوُّعِ، وغير ذلك، ويُراد به: المُداوَمَةُ على الشَّيْءِ والثَّباتُ عليه. ويُطلَق في كتاب الإِفْلاسِ عند الكَلامِ على لُزُومِ الغَرِيمِ لِغَرِيمِهِ، ويُراد به: مُصاحَبَةُ الشَّيْءِ وعَدَمُ الانْفِكاكِ عَنْهُ. ويُطلَق في أُصُولِ الفِقْهِ، باب: الأَحْكام التَّكْلِيفِيَّةِ، ويُراد بِه: الوُجوبُ والحَتْمُ. ويُطلَق أيضاً في باب: أَدِلَّة الأَحْكامِ، ويُراد به: ثُبوتُ حُكْمٍ عند ثُبُوتِ حُكْمٍ آخَرَ، فالأَوَّلُ: اللاَّزِمُ، والثَّانِي: المَلْزُومُ، ويُسَمَّى: التَّلازُمُ والاسْتِلْزامُ.
لزم
ثُبُوتُ العَقْدِ ونَفُوذُهُ وعَدَمُ إِمْكانِ فَسْخِهِ إلَّا بِمُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ.
يَنْقَسِمُ العَقْدُ الصَّحِيحُ إلى قِسْمَيْنِ: 1- العَقْدُ اللاَّزِمُ: هو النَّافِذُ التَّامُّ على وَجْهِ الحَتْمِيَّةِ، بِحيث يَجِبُ المُضِيُّ فيه وإِتْمامُهُ، وليس لِأَحَدٍ فَسْخَهُ إلَّا لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ كظُهورِ عَيْبٍ، أو أن يَتَراضَى المُتَعاقِدانِ على الفَسْخِ. ومِن أمثِلَتِه: عَقْد النِّكاحِ، وعَقْدُ البَيْعِ. 2- العَقْدُ الجائِزُ: وهو الذي يَجُوزُ لِأَحَدِ المُتَعاقِدَيْنِ فَسْخَهُ، كعَقْدِ الوَكالَةِ، والوَدِيعَةِ والعارِيَّةِ، ونحو ذلك. واللُّزُومُ على قِسْمَيْنِ: 1- لُزُومٌ في العُقُودِ يُقْصَدُ مِنْهُ العِوَضُ، وهو البَيْعُ وما في مَعْناهُ. 2- لا يُقْصَدُ بِهِ العِوَضُ، كالإِحْرامِ في الحَجِّ، والنِّكاحِ، والخُلْعِ ونَحْوِ ذلك.
اللُّزُومُ: الدَّوامُ والثُّبُوتُ، وأَصْلُه: مُصاحَبَةُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ دائِماً، وضِدُّهُ: المُفارَقَةُ والانْفِكاكُ.
* جمهرة اللغة : (2/826)
* مقاييس اللغة : (5/245)
* لسان العرب : (12/541)
* الـمغني لابن قدامة : (3/505)
* الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف : (6/58)
* بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : (2/218)
* الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : (4/315)
* شرح مختصر الروضة : (1/266)
* المستصفى : (1/33) -
التَّعْرِيفُ
1 - اللُّزُومُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرٌ، فِعْلُهُ لَزِمَ يَلْزَمُ. يُقَال: لَزِمَ فُلاَنٌ فُلاَنًا أَيْ: كَانَ مَعَهُ فَلَمْ يُفَارِقْهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى لاَزَمَهُ مُلاَزَمَةً وَلِزَامًا، وَالْتَزَمَهُ بِمَعْنَى: اعْتَنَقَهُ، وَاللُّزُومُ أَيْضًا: الْمُلاَزَمَةُ لِلشَّيْءِ وَالتَّمَسُّكُ بِهِ أَوِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا: " كَانَتْ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَل لَزِمَتْهُ " (1) .
وَلَزِمَهُ الْمَال: وَجَبَ عَلَيْهِ، وَلَزِمَهُ الطَّلاَقُ وَجَبَ حُكْمُهُ وَهُوَ قَطْعُ الزَّوْجِيَّةِ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْجَوَازُ:
2 - مِنْ مَعَانِي الْجِوَازِ فِي اللُّغَةِ: الصِّحَّةُ وَالنَّفَاذُ يُقَال: جَازَ الْعَقْدُ: نَفَذَ وَمَضَى عَلَى الصِّحَّةِ، وَأَجَزْتُ الْعَقْدَ: جَعَلْتَهُ جَائِزًا نَافِذًا (3) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الزَّرْكَشِيُّ: يُطْلَقُ عَلَى أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا.
الثَّانِي: عَلَى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْل وَالتَّرْكِ.
الثَّالِثُ: عَلَى مَا لَيْسَ بِلاَزِمٍ، وَهُوَ اصْطِلاَحُ الْفُقَهَاءِ فِي الْعُقُودِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْجَوَازِ أَنَّ الْجَوَازَ فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ يُضَادُّ اللُّزُومَ (4) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِاللُّزُومِ:
لُزُومُ الأَْمْرِ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ
3 - مِنْهُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ (لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) فِي الْفِتَنِ، كَمَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ﵁ أَنَّهُ ﷺ قَال لَهُ فِي شَأْنِ الْفِتَنِ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ فَقَال حُذَيْفَةُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَال: فَاعْتَزِل تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا (5) قَال ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ حُجَّةٌ لِجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ لُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى الأَْئِمَّةِ (6) ، وَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ فِي خُطْبَتِهِ بِالْجَابِيَةِ: " عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ (7) ".
وَمِنْهُ (لُزُومُ الْعَمَل) بِمَعْنَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ فِي التَّطَوُّعَاتِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَحَبُّ الأَْعْمَال إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَل (8) ، وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا " كَانَتْ إِذَا عَمِلَتْ عَمَلاً لَزِمَتْهُ " (9) .
لَكِنْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَل الَّذِي دَخَل فِيهِ الْمُكَلَّفُ عَلَى نِيَّةِ الاِلْتِزَامِ لَهُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، أَوْ يُورِثُ مَلَلاً، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّاطِبِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ مَكْرُوهًا ابْتِدَاءً، لأَِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلِخَوْفِ التَّقْصِيرِ أَوِ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا هُوَ أَوْلَى وَآكَدُ فِي الشَّرْعِ.
وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى هَذَا، فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال لَهُ: أَلَمْ أُخْبِرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْل؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ قَال: فَلاَ تَفْعَل، صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُل شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. (10)
وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ أَنْ يَلْزَمَ طَرِيقَةً وَاحِدَةً مُخْتَرَعَةً فِي الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ يَرَاهَا لاَزِمَةً كَلُزُومِ الْفَرَائِضِ، فَلاَ يَخْرُجُ عَنْهَا، وَيَقْدَحُ فِيمَنْ خَرَجَ عَنْهَا وَيَذُمُّهُ، أَوْ يَلْزَمُ مَكَانًا فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلاَةِ لاَ يُصَلِّي إِلاَّ فِيهِ (11) ، وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُل الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرَ (12) .
لُزُومُ الْغَرِيمِ:
4 - لُزُومُ الْغَرِيمِ نَوْعٌ مِنَ الْعُقُوبَةِ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، فَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَْسْلَمِيُّ دَيْنٌ فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَال: يَا كَعْبُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُول: النِّصْفُ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفًا (13) .
وَيَأْخُذُ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ بِعُقُوبَةِ الْمُلاَزَمَةِ، وَجَعَلُوهَا حَقًّا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، وَقَدْ تَعَرَّضَ الْحَنَفِيَّةُ لِذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ، فَلِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يُلْزِمَ غَرِيمَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ لَهُ مُلاَزَمَتَهُ لَيْلاً وَنَهَارًا، وَلِطَالِبِ الْحَقِّ أَنْ يُلاَزِمَ الْغَرِيمَ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي بِمُلاَزَمَتِهِ، وَلاَ فَلَّسَهُ، وَهَذَا إِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْحَقِّ، أَوْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُ لإِِعْسَارِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَاضٍ، وَالرَّأْيُ فِي الْمُلاَزَمَةِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ، إِنْ شَاءَ لاَزَمَ الْمَدِينَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمَدِينُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ وَكَّل غَيْرَهُ بِمُلاَزَمَتِهِ، فَإِنْ وَكَّل أَحَدًا بِمُلاَزَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلاً بِالْقَبْضِ وَلاَ بِالْخُصُومَةِ، مَا لَمْ يَجْعَل إِلَيْهِ ذَلِكَ.
وَصِفَةُ الْمُلاَزَمَةِ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ، وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنَ الدُّخُول إِلَى أَهْلِهِ، أَوْ دُخُول بَيْتِهِ لِطَعَامٍ وَنَحْوِهِ. قَالُوا: وَلاَ يُلاَزِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ، عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلاَ يُقِيمُهُ فِي الشَّمْسِ، أَوْ عَلَى الثَّلْجِ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَضُرُّ بِهِ، وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنْ عَمَلٍ يَكْتَسِبُ مِنْهُ رِزْقَهُ، بَل يُلاَزِمُهُ وَهُوَ يَعْمَل، أَوْ يُعْطِيهِ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنَ الْعَمَل.
قَالُوا: وَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ امْرَأَةً وَالطَّالِبُ رَجُلاً فَلَهُ أَنْ يُلاَزِمَهَا حَيْثُ لاَ تُخْشَى الْفِتْنَةُ، كَالسُّوقِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا حَيْثُ تُخْشَى الْفِتْنَةُ فَإِنَّهُ يُوَكِّل امْرَأَةً بِمُلاَزَمَتِهَا (14) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ أَرَادَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لُزُومَ الْمَدِينِ بَدَلاً عَنِ الْحَبْسِ مُكِّنَ مَا لَمْ يَقُل تَشُقُّ عَلَيَّ الطَّهَارَةُ وَالصَّلاَةُ مَعَ مُلاَزَمَتِهِ، وَيَخْتَارُ الْحَبْسَ، فَيُجِيبُهُ الْقَاضِي إِلَى ذَلِكَ (15) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَحْرُمُ مُطَالَبَةُ الْمُعْسِرِ وَمُلاَزَمَتُهُ وَيَجُوزُ مُلاَزَمَةُ الْمُوسِرِ الْمُمَاطِل إِنْ خِيفَ هُرُوبُهُ (16) .
وَكَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَحْرُمُ مُلاَزَمَةُ الْمُعْسِرِ، قَالُوا: يَحْرُمُ مُلاَزَمَتُهُ بِحَيْثُ كُلَّمَا يَأْتِيهِ شَيْءٌ يَأْخُذُ مِنْهُ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إِنْظَارَ الْمُعْسِرِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ (17) .
اللُّزُومُ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ وَالتَّحَتُّمِ
5 - يَأْتِي اللُّزُومُ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ وَالتَّحَتُّمِ، قَال الطُّوفِيُّ: الْوَاجِبُ هُوَ اللاَّزِمُ الْمُسْتَحَقُّ (18) .
مَصَادِرُ اللُّزُومِ:
اللُّزُومُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ إِلْزَامِ الْغَيْرِ، أَوْ إِلْزَامِ الْمَرْءِ نَفْسِهِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
اللُّزُومُ بِإِلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى
6 - يَلْزَمُ الْعَبْدَ فِعْل مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنَ الْعِبَادَاتِ عِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا، وَتَحَقُّقِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، وَإِذَا فَسَدَتْ لَزِمَ قَضَاؤُهَا.
وَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ إِلْزَامَهُ بِكُل مَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ، مِمَّا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، كَالسَّفَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَجِّ، وَالطَّهَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلاَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي قَاعِدَةِ " مَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (19) ".
وَيَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ الْكَفُّ عَنْ كُل مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الأَْفْعَال.
اللُّزُومُ بِإِلْزَامِ الْغَيْرِ.
7 - مِمَّنْ تَلْزَمُ طَاعَتُهُ شَرْعًا، وَتَلْزَمُ تَصَرُّفَاتُهُ عَلَى الْغَيْرِ، مَنْ يَلِي:
أ - وَلِيُّ الأَْمْرِ، وَهُوَ الإِْمَامُ الَّذِي صَحَّتْ وِلاَيَتُهُ شَرْعًا، فَتَلْزَمُ طَاعَتُهُ الرَّعِيَّةَ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ} (20) ، وَنُوَّابُ الإِْمَامِ تَلْزَمُ طَاعَتُهُمْ فِيمَا أَنَابَهُمُ الإِْمَامُ فِيهِ، كَأَمِيرِ الْجَيْشِ، وَالْوَالِي، وَالْمُتَوَلِّي جِبَايَةَ الزَّكَاةِ.
وَالطَّاعَةُ اللاَّزِمَةُ هُنَا هِيَ مَا كَانَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أَمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلاَ طَاعَةَ لَهُ، لأَِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ أَلْزَمَ، وَلاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ. (ر: أُولُو الأَْمْرِ ف 5) .
ب - الْقَاضِي الَّذِي وَلاَّهُ الإِْمَامُ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ، فَمَا حَكَمَ بِهِ عَلَى إِنْسَانٍ فِي خُصُومَةٍ لَزِمَهُ الْحُكْمُ، وَكَذَا إِذَا حَجَرَ عَلَى سَفِيهٍ أَوْ مُفْلِسٍ لَزِمَتْهُ أَحْكَامُ الْحَجْرِ وَإِذَا تَصَرَّفَ فِي مَالٍ ضَالٍّ بِبَيْعِ أَوْ نَحْوِهِ لَزِمَ تَصَرُّفُهُ (21) ، وَلِلْقَاضِي إِلْزَامُ النَّاسِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ (22) .
(ر: قَضَاءٌ ف 27) .
ج - الزَّوْجُ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ زَوْجَتَهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ.
(ر: طَاعَةٌ ف 10) .
د - التَّصَرُّفُ بِالْوِلاَيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَتَصَرُّفِ الأَْبِ فِي مَال وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوِ الْمَجْنُونِ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمَا، وَتَصَرُّفِ الْوَصِيِّ كَذَلِكَ. (ر: وِلاَيَةٌ) .
هـ - التَّصَرُّفُ بِالْوَكَالَةِ، فَتَصَرُّفَاتُ الْوَكِيل لاَزِمَةٌ لِلْمُوَكِّل فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ. (ر: وَكَالَةٌ) .
اللُّزُومُ بِإِلْزَامِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ
8 - قَدْ يُلْزِمُ الإِْنْسَانُ نَفْسَهُ بِأَمْرٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ شَرْعًا إِنْ لَمْ يُخَالِفِ الشَّرْعَ، بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ جَعَل الْتِزَامَهُ سَبَبًا لِلُّزُومِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - الْعَقْدُ، فَإِذَا عَقَدَا بَيْنَهُمَا عَقْدًا لَزِمَهُمَا حُكْمُهُ، كَعَقْدِ الْبَيْعِ مَثَلاً يَلْزَمُ بِهِ انْتِقَال مِلْكِيَّةِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَمِلْكِيَّةِ الثَّمَنِ إِلَى الْبَائِعِ، وَكَعَقْدِ الإِْجَارَةِ يَلْزَمُ بِهِ الأَْجِيرَ الْعَمَل، وَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ الأُْجْرَةُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل أَيْضًا كُل شَرْطٍ صَحِيحٍ الْتَزَمَهُ الْعَاقِدُ فِي الْعَقْدِ، فَيَلْزَمُهُ، وَذَلِكَ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (23) ، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ (24) ، عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ اخْتِلاَفًا وَتَفْصِيلاً فِيمَا يَصِحُّ مِنَ الشُّرُوطِ وَمَا لاَ يَصِحُّ، وَيُنْظَرُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اشْتِرَاطٌ ف 11 وَمَا بَعْدَهَا) . ب - تَصَرُّفَاتٌ فَرْدِيَّةٌ قَوْلِيَّةٌ تَلْزَمُ الْمُتَصَرِّفَ أَحْكَامُهَا بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الْقَوْل عَنْهُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ وَالْكَفَالَةُ وَالْعَهْدُ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ، وَيُرْجَعُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ كُلٍّ مِنْهَا إِلَى مُصْطَلَحِهِ.
وَدُخُول الْكَافِرِ فِي الإِْسْلاَمِ الْتِزَامٌ إِجْمَالِيٌّ لأَِحْكَامِهِ (25) .
لُزُومُ الْعُقُودِ وَجِوَازُهَا
9 - يُقْصَدُ بِلُزُومِ الْعَقْدِ عَدَمُ جَوَازِ فَسْخِهِ مِنْ قِبَل أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ إِلاَّ بِرِضَا الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَمَا جَازَ لِلْعَاقِدِ فَسْخُهُ بِغَيْرِ رِضَا الْعَاقِدِ الآْخَرِ يُسَمَّى عَقْدًا جَائِزًا.
فَالْبَيْعُ وَالسَّلَمُ وَالإِْجَارَةُ عُقُودٌ لاَزِمَةٌ، إِذْ إِنَّهَا مَتَى صَحَّتْ لاَ يَجُوزُ فَسْخُهَا بِغَيْرِ التَّقَايُل، وَلَوِ امْتَنَعَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَنِ الْوَفَاءِ بِهَا أُجْبِرَ.
وَعَقْدُ النِّكَاحِ لاَزِمٌ لاَ يَقْبَل الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي أَصْلاً، دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، لأَِنَّهُ وُضِعَ عَلَى الدَّوَامِ وَالتَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا يُفْسَخُ لِضَرُورَةٍ عَظِيمَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: يَقْبَل الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي (26) .
وَالْوَدِيعَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْوَكَالَةُ عُقُودٌ جَائِزَةٌ، لِكُلٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَسْخُهَا وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَا الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَمِثْلُهَا الْمُسَاقَاةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُسَابَقَةُ وَالْعَارِيَةُ وَالْقَرْضُ وَالاِسْتِصْنَاعُ.
وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدُ لاَزِمًا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ جَائِزًا بِالنِّسْبَةِ لِلآْخَرِ، كَالرَّهْنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُهُ دُونَ الرَّاهِنِ (27) .
وَقَدْ يَعْرِضُ لِلْعَقْدِ اللاَّزِمِ مَا يَجْعَلُهُ جَائِزًا كَالْبَيْعِ إِذَا اشْتُرِطَ فِيهِ خِيَارٌ، أَوْ تَبَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ، فَيَكُونُ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ، كَالإِْجَارَةِ إِذَا طَرَأَ عُذْرٌ كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ مُرْضِعًا لِطِفْلِهِ فَمَاتَ الطِّفْل (28) .
وَقَدْ يَعْرِضُ لِلْعَقْدِ الْجَائِزِ مَا يَجْعَلُهُ لاَزِمًا وَمِثَال ذَلِكَ الْوَكَالَةُ، فَهِيَ فِي الأَْصْل جَائِزَةٌ، فَلِلْوَكِيل أَنْ يَفْسَخَهَا وَيَعْزِل نَفْسَهُ عَنْهَا، كَمَا أَنَّ لِلْمُوَكِّل أَنْ يَعْزِلَهُ، لَكِنْ إِنْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَكِيل بِمَا وَكَّل فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّل أَنْ يَعْزِلَهُ، كَمَا لَوْ وَكَّل الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ لِيَكُونَ وَفَاءً لِلْقَرْضِ فَلاَ يَكُونُ لِلْمُسْتَقْرِضِ عَزْلُهُ، وَكَالرَّهْنِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ تَوْكِيل الْمَدِينِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ، فَلاَ يَكُونُ لِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ لِمَا فِي عَزْلِهِ مِنْ إِبْطَال حَقِّ الْمُرْتَهِنِ (29) وَكَالْمُضَارَبَةِ إِذَا شَرَعَ الْعَامِل فِي الْعَمَل تَلْزَمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلاَ تَلْزَمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (30) وَمَنْ أَثْبَتَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ مَثَلاً، وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي مُدَّةِ الْمَجْلِسِ يَكُونُ جَائِزًا، فَإِنِ انْفَضَّ الْمَجْلِسُ دُونَ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ الْفَسْخَ، ابْتَدَأَ لُزُومُ الْعَقْدِ مِنْ حِينَئِذٍ (31) .
وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدُ مُخْتَلِفًا فِي مَدَى لُزُومِهِ أَوْ جَوَازِهِ كَالْهِبَةِ مَثَلاً، فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا لاَ تَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا قَبْل الْقَبْضِ جَائِزَةٌ فِي الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ لاَ غَيْرُ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا، فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا، مَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ، كَأَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ زَوْجًا أَوْ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلاَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا أَوْ قَضَاءِ قَاضٍ (32) .
وَفِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ تَفْصِيلاَتٌ فِي مَدَى لُزُومِهَا أَوْ جِوَازِهَا، فَيُرْجَعُ فِي كُلٍّ مِنْهَا إِلَى مُصْطَلَحِهِ.
الْعَقْدُ الْفَاسِدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ لاَزِمٍ
10 - الْعَقْدُ الْفَاسِدُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ بِمَعْنَى الْبَاطِل، فَلَمْ يَنْعَقِدْ، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ مُنْعَقِدٌ مِنْ حَيْثُ الأَْصْل لِصُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَتَمَامِ رُكْنِهِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، لَكِنْ فَسَدَ لِوَصْفِهِ أَيْ لِفَقْدِهِ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، كَاشْتِمَال الْبَيْعِ عَلَى جَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوِ الأَْجَل، أَوْ عَلَى شَرْطٍ مُفْسِدٍ، أَوْ رِبًا.
وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ لاَ يَكُونُ لاَزِمًا، لأَِنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْفَسْخِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى: لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ، لَكِنْ قَدْ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ إِنْ قَامَ الْعَاقِدَانِ بِإِزَالَةِ الْوَصْفِ الْمُفْسِدِ. كَإِسْقَاطِ الأَْجَل الْمَجْهُول مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا أَوْ رَهَنَهُ، فَإِنَّ شِرَاءَهُ يَلْزَمُ، فَلَوْ عَادَ إِلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ إِقَالَةٍ، عَادَ الْجَوَازُ (33) .
(ر: بُطْلاَنٌ ف 10) .
حُكْمُ الْوَعْدِ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ أَوِ اللُّزُومُ
11 - الْوَعْدُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ غَيْرُ لاَزِمٍ، وَقِيل يَلْزَمُ الْوَاعِدَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ دِيَانَةً وَلاَ يَلْزَمُ قَضَاءً، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، ثَالِثُهَا: يَلْزَمُ إِنْ كَانَ عَلَى سَبَبٍ، وَرَابِعُهَا: يَلْزَمُ إِنْ كَانَ عَلَى سَبَبٍ وَدَخَل الْمَوْعُودُ بِنَاءً عَلَى الْوَعْدِ فِي شَيْءٍ، كَأَنْ قَال: تَزَوَّجْ وَأَنَا أُعْطِيكَ مَا تَدْفَعُهُ مَهْرًا، أَوِ: اهْدِمْ دَارَكَ وَأَنَا أُسَلِّفُكَ مَا تَبْنِيهَا بِهِ، فَتَزَوَّجَ أَوْ هَدَمَ دَارَهُ بِنَاءً عَلَى الْوَعْدِ (34) . (انْظُرِ: الْتِزَامٌ ف 43، وَوَعْدٌ) .
اللُّزُومُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ
12 - اللُّزُومُ أَنْ يَثْبُتَ أَمْرًا عِنْدَ ثُبُوتِ أَمْرٍ آخَرَ، كَلُزُومِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ أَوِ الْمَعْلُول لِلْعِلَّةِ، فَالأَْوَّل اللاَّزِمُ، وَالثَّانِي الْمَلْزُومُ (35) .
وَالتَّعْبِيرُ بِاللاَّزِمِ عَنِ الْمَلْزُومِ أَوْ عَكْسُهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ، أَمَّا إِنِ اسْتُعْمِل اللَّفْظُ فِي حَقِيقَتِهِ وَأُرِيدَ لاَزِمُ الْمَعْنَى فَهُوَ كِنَايَةٌ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَدَلاَلَةُ الْكَلاَمِ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ مَقْصُودٍ مِنْ سِيَاقِهِ، وَلَكِنَّهُ لاَزِمٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي سِيقَ الْكَلاَمُ لأَِجْلِهِ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّلاَلاَتِ اللَّفْظِيَّةِ يُسَمِّيهِ الْحَنَفِيَّةُ إِشَارَةَ النَّصِّ، كَدَلاَلَةِ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} (36) مَعَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (37) عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْل يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ (38) .
وَلاَزِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالأُْصُولِيِّينَ، فَمَنْ قَال كَلاَمًا يَلْزَمُ مِنْهُ الْكُفْرُ، وَلَيْسَ كُفْرًا فِي ذَاتِهِ، لَمْ يُحْكَمْ بِتَكْفِيرِهِ إِنْ لَمْ يَقْصِدْ هَذَا اللاَّزِمَ (39) . وَحُكْمُ الْقَاضِي بِشَيْءٍ هَل هُوَ حُكْمٌ بِلاَزِمِهِ؟ قَال الْحَنَابِلَةُ: نَعَمْ، فَلاَ يَحْكُمُ قَاضٍ آخَرُ بِخِلاَفِ اللاَّزِمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، لأَِنَّهُ يَكُونُ نَقْضًا لِحُكْمِ الأَْوَّل، وَمَثَّلُوا لَهُ بِحُكْمِهِ بِبَيْعِ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ حُكْمًا بِبُطْلاَنِ الْعِتْقِ، فَلاَ يَحْكُمُ قَاضٍ آخَرُ فِيهِ بِخِلاَفِهِ، لأَِنَّهُ يَكُونُ نَقْضًا لِحُكْمِ الأَْوَّل بِالاِجْتِهَادِ، وَالاِجْتِهَادُ لاَ يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ (40) .
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) حديث عائشة: " كانت إذا عملت العمل لزمته ". # أخرجه مسلم (1 / 541) .
(2) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير.
(3) المصباح المنير.
(4) المنثور في القواعد للزركشي 2 / 7.
(5) حديث حذيفة: " تلزم جماعة المسلمين. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 35) .
(6) فتح الباري 13 / 35، 36، القاهرة، المكتبة السلفية 1373هـ. وحاشية ابن عابدين 3 / 311.
(7) فتح الباري 13 / 316، 345.
(8) حديث: " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ". أخرجه مسلم (1 / 541) .
(9) فتح الباري 13 / 316، 345، وحديث عائشة تقدم تخريجه ف1.
(10) الاعتصام للشاطبي 1 / 295 - 300 القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى. وحديث عبد الله بن عمرو: " ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 217 - 218) .
(11) إغاثة اللهفان لابن القيم 1 / 133.
(12) حديث: " نهى أن يوطن الرجل المكان في المسجد. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 539) والحاكم (1 / 229) من حديث عبد الرحمن بن شبل، واللفظ لأبي داود، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(13) فتح الباري 1 / 551 و5 / 76 وحديث كعب بن مالك: " أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 76) .
(14) الفتاوى الهندية 3 / 415 - 416 مطبعة بولاق 1311 هـ، وحاشية ابن عابدين 4 / 315، 412.
(15) نهاية المحتاج للرملي 8 / 241 القاهرة، مصطفى الحلبي.
(16) شرح منتهى الإرادات 2 / 275 - 276.
(17) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لمختصر خليل 3 / 280 القاهرة، دار إحياء الكتب العربية.
(18) شرح مختصر الروضة للطوفي 1 / 266، بيروت، مؤسسة الرسالة 1410 هـ.
(19) البحر المحيط للزركشي 1 / 176 وما بعدها، والمستصفى للغزالي 1 / 71.
(20) سورة النساء / 59.
(21) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 138.
(22) انظر شرح المنتهى 2 / 292.
(23) سورة المائدة / 1.
(24) حديث: " المسلمون على شروطهم ". أخرجه الترمذي (634 - 635) من حديث عمرو بن عوف، وقال: حديث حسن صحيح.
(25) شرح جمع الجوامع في أصول الفقه 2 / 306.
(26) المنثور للزركشي 3 / 47.
(27) القليوبي 4 / 368.
(28) الاختيار 2 / 12 - 18، 62.
(29) الاختيار لتعليل المختار 2 / 163.
(30) بداية المجتهد 2 / 240.
(31) شرح المنتهى 2 / 227، 305، والمغني لابن قدامة 4 / 315، والاختيار 2 / 5، والقليوبي 2 / 191، 195.
(32) بداية المجتهد 2 / 330، والاختيار 3 / 52 - 53، والقليوبي 3 / 112.
(33) الاختيار 2 / 22، وابن عابدين 4 / 127.
(34) الفروق للقرافي: الفرق 214، والأذكار للنووي ص 270، وفتاوى الشيخ عليش 1 / 254 - 258، وكشاف القناع 6 / 284 طبع الرياض، وشرح المجلة للأتاسي 1 / 238.
(35) إرشاد الفحول ص395، 397، والمستصفى 1 / 33، 35، وروضة الناظر ص19، 23.
(36) سورة الأحقاف / 15.
(37) سورة لقمان / 14.
(38) انظر أصول السرخسي 1 / 236، 237، والآمدي 3 / 92، 93.
(39) انظر المنثور في القواعد للزركشي 3 / 90، والقليوبي على شرح المنهاج 4 / 175.
(40) شرح منتهى الإرادات 3 / 474.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 234/ 35