لِحْيَةٌ
من موسوعة المصطلحات الإسلامية
التعريف اللغوي
اللِّحْيَةُ: الشَّعْرُ النّابِتُ على الخَدَّيْنِ والذَّقَنِ، ورَجُلٌ أَلْحَى ولِحْيانِيٌّ، أيْ: طَوِيل اللِّحْيَةِ، يُقال: الْتَحَى الغُلامُ، أيْ: نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ وظَهَرَتْ، وأَصْلُها مِن اللَّحْيِ، وهو: واحِدُ اللَّحْيَيْنِ، وهما: العَظَمانِ اللَّذانِ فِيهِما الأَسْنانُ مِنْ داخِل الفَمِ لِلْإِنْسانِ والحَيَوانِ، وبِهِ سُمِّيَتْ اللِّحْيَةُ؛ لأنّها تَنْبُتُ فَوْقَهُ، والتَّلَحِّي: تَطْوِيقُ العِمامَةِ تحت الحَنَكِ. والجَمْعُ: لِحَى ولُحَى.
إطلاقات المصطلح
يَرِد مُصطلَح (لِحْيَة) في مَواطِنَ عَدِيدَةٍ من الفقه، منها: كتاب الطَّهارَةِ، باب: سُنَن الفِطْرَةِ، وكتاب الصَّلاةِ، باب: مَكْرُوهات الصَّلاةِ، وكتاب الجَنائِزِ، باب: غَسْل المَيِّتِ، وكتاب الحَجِّ، باب: مَحْظُورات الإِحْرامِ، وكتاب الجِنايات، بابِ دِيّة الأعضاءِ، وغَيْر ذلك مِن المَواطِن.
جذر الكلمة
لحي
المراجع
* تهذيب اللغة : (5/154)
* المحكم والمحيط الأعظم : (3/444)
* جمهرة اللغة : (1/575)
* مختار الصحاح : (ص 280)
* لسان العرب : (15/243)
* تاج العروس : (39/442)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 31)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/551)
* الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل : (1/38)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (25/316)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 390)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (3/172) -
من الموسوعة الكويتية
التَّعْرِيفُ:
1 - اللِّحْيَةُ لُغَةً: الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ وَالذَّقْنِ، وَالْجَمْعُ اللِّحَى وَاللُّحَى. وَرَجُلٌ أَلْحَى وَلِحْيَانِيٌّ: طَوِيل اللِّحْيَةِ، وَاللَّحْيُ وَاحِدُ اللَّحْيَيْنِ وَهُمَا: الْعَظَمَاتُ اللَّذَانِ فِيهِمَا الأَْسْنَانُ مِنَ الإِْنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ، وَعَلَيْهِمَا تَنْبُتُ اللِّحْيَةُ (1) . وَاللِّحْيَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْمُرَادُ بِاللِّحْيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِهِمُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِنْ عَذَارٍ، وَعَارِضٍ، وَالذَّقْنِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعِذَارُ
2 - الْعِذَارَانِ كَمَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: جَانِبَا اللِّحْيَةِ، وَكَانَ الْفُقَهَاءُ أَكْثَرَ تَحْدِيدًا لِلْعِذَارِ مِنْ أَهْل اللُّغَةِ، فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَابْنُ قُدَامَةَ وَالْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ الْمُحَاذِي لِصِمَاخِ الأُْذُنِ (أَيْ خَرْقَهَا) يَتَّصِل مِنَ الأَْعْلَى بِالصُّدْغِ، وَمِنَ الأَْسْفَل بِالْعَارِضِ، وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: الَّذِي تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَاتُهُمْ أَنَّهُ إِذَا جُعِل خَيْطٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَعْلَى الأُْذُنِ وَأَعْلَى الْجَبْهَةِ فَمَا تَحْتَ ذَلِكَ الْخَيْطِ مِنَ الْمُلاَصِقِ لِلأُْذُنِ، الْمُحَاذِي لِلْعَارِضِ هُوَ الْعِذَارُ، وَمَا فَوْقَهُ هُوَ الصُّدْغُ، وَيَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: هُوَ الْقَدْرُ الْمُحَاذِي لِلأُْذُنِ.
وَيُصَرِّحُ ابْنُ عَابِدِينَ بِأَنَّ الْعِذَارَ جُزْءٌ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَتَنْطَبِقُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: لاَ يَدْخُل مُنْتَهَى الْعِذَارِ (أَيْ أَعْلاَهُ الَّذِي فَوْقَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ) لأَِنَّهُ شَعْرٌ مُتَّصِلٌ بِشَعْرِ الرَّأْسِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ، أَشْبَهَ الصُّدْغَ، وَالصُّدْغُ مِنَ الرَّأْسِ (وَلَيْسَ مِنَ الْوَجْهِ) لِحَدِيثِ الرَّبِيعِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً (3) ، وَلَمْ يَنْقُل أَحَدٌ أَنَّهُ غَسَلَهُ مَعَ الْوَجْهِ (4) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ فَكُل عِذَارٍ لِحْيَةٌ وَلاَ عَكْسَ.
ب - الْعَارِضُ:
3 - الْعَارِضُ فِي اللُّغَةِ: الْخَدُّ، وَعَارِضَتَا الإِْنْسَانِ: صَفْحَتَا خَدَّيْهِ.
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْعَارِضُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدِّ وَيَمْتَدُّ مِنْ أَسْفَل الْعِذَارِ حَتَّى يُلاَقِيَ الشَّعْرَ النَّابِتَ عَلَى الذَّقْنِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: الْعَارِضُ هُوَ مَا نَزَل عَنْ حَدِّ الْعِذَارِ، وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى اللَّحْيَيْنِ، وَنُقِل عَنِ الأَْصْمَعِيِّ وَالْمُفَضَّل بْنِ سَلَمَةَ: مَا جَاوَزَ وَتِدَ الأُْذُنِ عَارِضٌ، فَالْعَارِضَانِ مِنَ اللِّحْيَةِ. وَقِيل لَهُ الْعَارِضُ - فِيمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الأَْثِيرِ - لأَِنَّهُ يَنْبُتُ عَلَى عَرْضِ اللَّحْيِ فَوْقَ الذَّقْنِ (5) .
ج - الذَّقْنُ:
4 - الذَّقْنُ وَالذَّقْنُ: مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ مِنْ أَسْفَلِهِمَا (6) .
د - الْعَنْفَقَةُ:
5 - الْعَنْفَقَةُ:
مَا بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَالذَّقْنِ قَال ابْنُ مَنْظُورٍ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخِفَّةِ شَعْرِهَا، وَالْعَنْفَقُ: قِلَّةُ الشَّيْءِ وَخِفَّتُهُ. وَقِيل: الْعَنْفَقَةُ مَا نَبَتَ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى مِنَ الشَّعْرِ (7) . وَيُجَاوِزُ الْعَنْفَقَةَ يَمِينًا وَشِمَالاً الْفَنِيكَانِ، وَهُمَا: الْمَوْضِعَانِ الْخَفِيفَا الشَّعْرِ بَيْنَ الْعَنْفَقَةِ وَالْعَارِضَيْنِ وَقِيل: هُمَا جَانِبَا الْعَنْفَقَةِ (8) .
هـ - السِّبَال:
6 - السِّبَال لُغَةً: جَمْعُ السَّبَلَةِ، وَسَبَلَةُ الرَّجُل: الدَّائِرَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ شَفَتِهِ الْعُلْيَا، وَقِيل: السَّبَلَةُ مَا عَلَى الشَّارِبِ مِنَ الشَّعْرِ، وَقِيل: طَرَفُهُ، وَقِيل: هِيَ مُقَدَّمُ اللِّحْيَةِ، وَقِيل: هِيَ اللِّحْيَةُ (9) ، وَعَلَى كَوْنِهِ بِمَعْنَى مَا عَلَى الشَّارِبِ مِنَ الشَّعْرِ وَرَدَ الْحَدِيثُ: قُصُّوا سِبَالَكُمْ، وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ، وَخَالِفُوا أَهْل الْكِتَابِ (10) ، وَعَلَى كَوْنِهِ بِمَعْنَى اللِّحْيَةِ وَرَدَ قَوْل جَابِرٍ: " كُنَّا نُعْفِي السِّبَال إِلاَّ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ".
أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَقَدْ جَعَلُوا السِّبَال مُفْرَدًا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ: طَرَفُ الشَّارِبِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: السِّبَالاَنِ طَرَفَا الشَّارِبِ، قَال: قِيل: وَهُمَا مِنَ الشَّارِبِ، وَقِيل مِنَ اللِّحْيَةِ.
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ مِثْل ذَلِكَ (11) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِاللِّحْيَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِاللِّحْيَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ:
7 - إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا اتِّفَاقًا، لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ، مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ (12) ، وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِلَفْظِ: جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ (13) ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ عَنْ ﷺ: عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ (14) ، فَعَدَّ مِنْهَا " إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ ".
قَال ابْنُ حَجَرٍ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ﷺ: خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ مُخَالِفَةُ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُصُّونَ لِحَاهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَحْلِقُهَا، وَقَال: ذَهَبَ الأَْكْثَرُونَ إِلَى أَنْ " أَعْفُوا " بِمَعْنَى كَثِّرُوا، أَوْ وَفِّرُوا، وَنُقِل عَنِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَفْسِيرُ الإِْعْفَاءِ بِالتَّكْثِيرِ مِنْ إِقَامَةِ السَّبَبِ مُقَامَ الْمُسَبَّبِ لأَِنَّ حَقِيقَةَ الإِْعْفَاءِ التَّرْكُ، وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِلِّحْيَةِ يَسْتَلْزِمُ تَكْثِيرَهَا.
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَرْكُهَا حَتَّى تَكِثَّ وَتَكْثُرَ (15) .
تَكْثِيرُ اللِّحْيَةِ بِالْمُعَالَجَةِ
8 - قَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا فَهِمَ مِنَ الأَْمْرِ فِي قَوْلِهِ ﷺ أَعْفُوا اللِّحَى تَجْوِيزَ مُعَالَجَتِهَا بِمَا يُغْزِرُهَا، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، قَال: وَكَأَنَّ الصَّارِفَ عَنْ ذَلِكَ قَرِينَةُ السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْخَبَرِ وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّرْكِ (16) .
الأَْخَذُ مِنَ اللِّحْيَةِ:
9 - ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنْ لاَ يُتَعَرَّضَ لِلْحَيَّةِ، فَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ طُولِهَا أَوْ عَرْضِهَا لِظَاهِرِ الْخَبَرِ فِي الأَْمْرِ بِتَوْفِيرِهَا، قَال: الْمُخْتَارُ تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا، وَأَنْ لاَ يُتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرٍ وَلاَ غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا زَادَ طُول اللِّحْيَةِ عَنِ الْقَبْضَةِ يَجُوزُ أَخْذُ الزَّائِدِ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ كَانَ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ (17) ، وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَل أَخَذَهُ ". قَال ابْنُ حَجَرٍ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَخُصُّ هَذَا بِالنُّسُكِ بَل كَانَ يَحْمِل الأَْمْرَ بِالإِْعْفَاءِ عَلَى غَيْرِ الْحَالَةِ الَّتِي تَتَشَوَّهُ فِيهَا الصُّورَةُ بِإِفْرَاطِ طُول شَعْرِ اللِّحْيَةِ أَوْ عَرْضِهِ (18) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ أَخْذَ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ سُنَّةٌ، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْقَصُّ سُنَّةٌ فِيهَا، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ الرَّجُل عَلَى لِحْيَتِهِ، فَإِنْ زَادَ مِنْهَا عَنْ قَبْضَتِهِ شَيْءٌ قَطَعَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ ﵀ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَال: وَبِهِ نَأْخُذُ (19) .
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ: يَجِبُ قَطْعُ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ وَمُقْتَضَاهُ كَمَا نَقَلَهُ الْحَصْكَفِيُّ (20) ، الإِْثْمُ بِتَرْكِهِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُكْرَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ مِنْهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَنَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ عَارِضَيْهِ (21) .
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَأْخُذُ مِنَ اللِّحْيَةِ شَيْئًا إِلاَّ إِذَا تَشَوَّهَتْ بِإِفْرَاطِ طُولِهَا أَوْ عَرْضِهَا، نَقَلَهُ الطَّبَرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَحَمَل عَلَيْهِ فِعْل ابْنَ عُمَرَ، وَقَال: إِنَّ الرَّجُل لَوْ تَرَكَ لِحْيَتَهُ لاَ يَتَعَرَّضُ لَهَا حَتَّى أَفْحَشَ طُولُهَا أَوْ عَرْضُهَا لَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَنْ يَسْخَرُ بِهِ، وَقَال عِيَاضٌ: الأَْخَذُ مِنْ طُول اللِّحْيَةِ وَعَرْضِهَا إِذَا عَظُمَتْ حَسَنٌ، بَل تُكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا كَمَا تُكْرَهُ فِي تَقْصِيرِهَا (22) ، وَمِنَ الْحُجَّةِ لِهَذَا الْقَوْل مَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا (23) ، أَمَّا الأَْخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ وَهِيَ دُونَ الْقَبْضَةِ لِغَيْرِ تَشَوُّهٍ فَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: لَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ (24) .
حَلْقُ اللِّحْيَةِ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ لأَِنَّهُ مُنَاقِضٌ لِلأَْمْرِ النَّبَوِيِّ بِإِعْفَائِهَا وَتَوْفِيرِهَا، وَتَقَدَّمَ قَوْل ابْنِ عَابِدِينَ فِي الأَْخْذِ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ الْقَبْضَةِ: لَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ، فَالْحَلْقُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَفِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ الْمَالِكِيِّ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل حَلْقُ لِحْيَتِهِ، وَيُؤَدَّبُ فَاعِل ذَلِكَ، وَقَال أَبُو شَامَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: قَدْ حَدَثَ قَوْمٌ يَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ، وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا نُقِل عَنِ الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُصُّونَهَا.
ثُمَّ قَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلاَ يَحْلِقُ شَعْرَ حَلْقِهِ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى عَلَى أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ أَخْذُ الرَّجُل مَا تَحْتَ حَلْقِهِ مِنَ الشَّعْرِ أَيْ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنَ اللِّحْيَةِ (25) .
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ حَلْقَ اللِّحْيَةِ مَكْرُوهٌ (26) .
قَصُّ السِّبَالَيْنِ
11 - تَقَدَّمَ أَنَّ السِّبَالَيْنِ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِمَا هَل هُمَا مِنَ الشَّارِبَيْنِ أَمْ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي الْخِلاَفُ فِيهِمَا، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: أَمَّا طَرَفَا الشَّارِبِ وَهُمَا السِّبَالاَنِ، فَقِيل: هُمَا مِنَ الشَّارِبِ وَقِيل: مِنَ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَقَدْ قِيل: لاَ بَأْسَ بِتَرْكِهِمَا، وَقِيل: يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالأَْعَاجِمِ وَأَهْل الْكِتَابِ، قَال: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ (27) .
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ: اخْتُلِفَ فِي السِّبَالَيْنِ فَقِيل: هُمَا مِنَ الشَّارِبِ وَيُشْرَعُ قَصُّهُمَا مَعَهُ، وَقِيل: هُمَا مِنْ جُمْلَةِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، وَأَمَّا الْقَصُّ فَهُوَ الَّذِي فِي أَكْثَرِ الأَْحَادِيثِ (28) . وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ السِّبَالَيْنِ مِنَ الشَّارِبِ فَيُشْرَعُ قَصُّهُمَا مَعَهُ (29) .
قَال ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: ذَكَرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ الْمَجُوسَ فَقَال: إِنَّهُمْ يُوفُونَ سِبَالَهُمْ وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ فَخَالِفُوهُمْ (30) قَال: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَعْرِضُ سَبَلَتَهُ فَجَزَّهَا (31) .
الْعِنَايَةُ بِاللِّحْيَةِ:
12 - الْعِنَايَةُ بِاللِّحْيَةِ بِأَخْذِ مَا طَال مِنْهَا وَتَشَوَّهَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
وَيُسَنُّ إِكْرَامُهَا (32) لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ (33) ، قَال الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ لِلرَّجُل تَرْكُ لِحْيَتِهِ شَعِثَةً إِيهَامًا لِلزُّهْدِ (34) . لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَال: أَتَانَا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَرَأَى رَجُلاً شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَال: أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسْكِنُ بِهِ شَعْرَهُ (35) .
وَيُسَنُّ تَرْجِيلُهَا، قَال ابْنُ بَطَّالٍ: التَّرْجِيل تَسْرِيحُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَدَهْنُهُ، وَهُوَ مِنَ النَّظَافَةِ وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَيْهِ (36) ، وَقَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ} (37) ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ كَانَ لاَ يُفَارِقُ النَّبِيَّ ﷺ سِوَاكُهُ وَمُشْطُهُ، وَكَانَ يَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ إِذَا سَرَّحَ لِحْيَتَهُ (38) .
وَيُسَنُّ تَطْيِيبُهَا لِقَوْل عَائِشَةَ ﵂: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ ﷺ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ (39) .
وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: لاَ بَأْسَ بِغَالِيَةِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ (40) ، وَالْغَالِيَةُ: طِيبٌ يَجْمَعُ طُيُوبًا. وَانْظُرْ (تَرْجِيلٌ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا، شَعْرٌ ف 16) .
صَبْغُ اللِّحْيَةِ:
13 - يُسَنُّ صَبْغُ اللِّحْيَةِ بِغَيْرِ السَّوَادِ إِذَا ظَهَرَ فِيهَا الشَّيْبُ، أَمَّا بِالسَّوَادِ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ صَبْغُهَا بِالسَّوَادِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تَحْرُمُ لِغَيْرِ الْمُجَاهِدِينَ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (اخْتِضَابٌ ف 9 - 11) .
أُمُورٌ تُكْرَهُ فِي اللِّحْيَةِ
14 - قَال ابْنُ حَجَرٍ: ذَكَرَ النَّوَوِيُّ مِمَّا يُكْرَهُ: تَبْيِيضَ اللِّحْيَةِ اسْتِعْجَالاً لِلشَّيْخُوخَةِ لِقَصْدِ التَّعَاظُمِ عَلَى الأَْقْرَانِ، وَنَتْفُهَا إِبْقَاءً لِلْمُرُودَةِ وَكَذَا تَحْذِيفُهَا وَنَتْفُ الشَّيْبِ، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ تَحْرِيمَهُ لِثُبُوتِ الزَّجْرِ عَنْهُ، وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ تَصَنُّعًا وَمَخِيلَةً، وَعَقْدُهَا لِحَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁ مَرْفُوعًا: مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ (41) ، قَال الْخَطَّابِيَّ: قِيل: الْمُرَادُ عَقْدُهَا فِي الْحَرْبِ، وَهُوَ مِنْ زِيِّ الأَْعَاجِمِ، وَقِيل: الْمُرَادُ مُعَالَجَةُ الشَّعْرِ حَتَّى يَنْعَقِدَ وَذَلِكَ مِنْ فِعْل أَهْل التَّأْنِيثِ (42) . غَسْل اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ
15 - تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْل بَشَرَةِ الْوَجْهِ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ إِنْ كَانَ خَفِيفًا تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ مِنْ تَحْتِهِ، فَيَغْسِل الْبَشَرَةَ وَيَغْسِل اللِّحْيَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالْمُرَادُ بِظُهُورِ الْبَشَرَةِ ظُهُورُهَا فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ، وَوَجْهُ الْوُجُوبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فِي الْوُضُوءِ غَسْل الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ، وَالْمُوَاجَهَةُ تَحْصُل فِي اللِّحْيَةِ ذَاتِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ بِبَشَرَةِ الْوَجْهِ وَبِالشَّعْرِ الَّذِي عَلَيْهَا.
وَهَذَا الاِتِّفَاقُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مِنَ الشَّعْرِ فِي حَيِّزِ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، دُونَ الْمُسْتَرْسِل مِنَ اللِّحْيَةِ تَحْتَ الذَّقْنِ طُولاً، وَدُونَ الْخَارِجِ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ عَرْضًا، فَإِنَّ فِي هَذَا خِلاَفًا يَأْتِي بَيَانُهُ (43) .
أَمَّا اللِّحْيَةُ الْكَثِيفَةُ فَتَتَّفِقُ الأَْقْوَال الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْل بَاطِنِهَا وَلاَ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ وَمَنَابِتِ الشَّعْرِ، لِعَدَمِ حُصُول الْمُوَاجَهَةِ بِهِ لأَِنَّهُ لاَ يُرَى فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ، فَلاَ يَكُونُ مِنَ الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِغَسْلِهِ، وَفِي نَيْل الْمَآرِبِ: لَوِ اجْتَزَأَ بِغَسْل بَاطِنِهَا عَنْ غَسْل ظَاهِرِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَل بِهَا وَجْهَهُ (44) قَالُوا: وَالْغُرْفَةُ لاَ تَكْفِي لِغَسْل الْوَجْهِ وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَبَاطِنِهَا، وَفِي هَذِهِ الْحَال يَنْتَقِل حُكْمُ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ إِلَيْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَيَجِبُ غَسْل ظَاهِرِ مَا فِي حَدِّ الْوَجْهِ مِنْهَا.
وَلاَ يُسَنُّ غَسْل بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُسْرِ، عَلَى مَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَرَجَّحَ صَاحِبُ الإِْنْصَافِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ غَسْل بَاطِنِهَا مَكْرُوهٌ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الإِْقْنَاعِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لاَ يَغْسِل اللِّحْيَةَ الْكَثِيفَةَ فِي الْوُضُوءِ وَلاَ يَغْسِل مَا تَحْتَهَا أَيْضًا، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَ بِغَسْل الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ اسْمٌ لِلْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْصُل بِهَا الْمُوَاجَهَةُ، وَالشَّعْرُ لَيْسَ بِبَشَرَةٍ، وَمَا تَحْتَهُ مِنَ الْبَشَرَةِ لاَ تَحْصُل بِهِ الْمُوَاجَهَةُ.
وَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الأُْولَى هِيَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ، وَمَا عَدَاهَا مَرْجُوعٌ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ ابْنَ قُدَامَةَ ضَعَّفَ رِوَايَةَ عَدَمِ الْغَسْل عَنْ أَحْمَدَ وَأَوَّلَهَا. وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْل الْبَشَرَةِ وَبَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ - كَغَيْرِ الْكَثِيفَةِ - فِي الْوُضُوءِ كَمَا فِي الْغَسْل، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْل الْوَجْهِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَشَرَةِ، وَتَدْخُل اللِّحْيَةُ تَبَعًا، وَنَقَل الْقَرَافِيُّ قَوْلاً مِثْل هَذَا لِلْمَالِكِيَّةِ. قَال: لأَِنَّ الْخِطَابَ مُتَنَاوِلٌ لَهُ بِالأَْصَالَةِ، وَلِغَيْرِهِ بِالرُّخْصَةِ، وَالأَْصْل عَدَمُهَا.
وَعَلَى الْقَوْل الأَْوَّل، وَهُوَ قَوْل الأَْكْثَرِينَ، يَكُونُ غَسْل ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ - عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ - بِإِمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْمُرَادُ بِغَسْل ظَاهِرِهَا إِمْرَارُ الْيَدِ عَلَيْهَا بِالْمَاءِ وَتَحْرِيكُهَا بِهِ لأَِنَّ الشَّعْرَ يَدْفَعُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، فَإِذَا حَرَّكَهُ حَصَل الاِسْتِيعَابُ، قَالُوا: وَهَذَا التَّحْرِيكُ خِلاَفُ التَّخْلِيل (45) . 50
مَا اسْتَرْسَل مِنَ اللِّحْيَةِ أَوْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ:
16 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي غَسْل مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفَرْضِ مِنَ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ غَسْلُهُ وَلاَ مَسْحُهُ وَلاَ تَخْلِيلُهُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْوَجْهِ، لأَِنَّهُ شَعْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَحِل الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ مَا نَزَل مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ عَنِ الرَّأْسِ، لاَ يَجِبُ مَسْحُهُ مَعَ مَسْحِ الرَّأْسِ.
ثُمَّ قَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ غَسْل هَذَا الشَّعْرِ الْمُسْتَرْسِل مِنَ اللِّحْيَةِ مَسْنُونٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، إِلَى وُجُوبِ غَسْل ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ كُلِّهَا مِمَّا هُوَ نَابِتٌ فِي مَحَل الْفَرْضِ سَوَاءٌ حَاذَى مَحَل الْفَرْضِ أَوْ جَاوَزَهُ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَإِنَّمَا يَجِبُ غَسْل مَا جَاوَزَ مَحَل الْفَرْضِ بِالتَّبَعِ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لأَِنَّ اللِّحْيَةَ تُشَارِكُ الْوَجْهَ فِي مَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْمُوَاجَهَةِ، بِخِلاَفِ مَا نَزَل مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُشَارِكُ الرَّأْسَ فِي التَّرَؤُّسِ (46) .
حَلْقُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ بَعْدَ غَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ
إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَل ظَاهِرَ لِحْيَتِهِ، أَوْ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا، ثُمَّ أَزَالَهَا بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (47) .
وَانْظُرْ (وُضُوءٌ) .
تَخْلِيل اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ فِي الْوُضُوءِ:
17 - يُسَنُّ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ تَخْلِيل اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّل لِحْيَتَهُ (48) ، وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ ﵃، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ فَضِيلَةٌ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَرَجَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْل أَبِي يُوسُفَ، وَالأَْدِلَّةُ تُرَجِّحُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ. اهـ.
وَقَدْ وَرَدَّ التَّرْخِيصُ فِي تَرْكِ التَّخْلِيل عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَطَاوُسٍ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَال مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْل الْوَجْهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالتَّخْلِيل، وَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ حَكَى وُضُوءَ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يَحْكِ أَنَّهُ خَلَّل لِحْيَتَهُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ كَثِيفَهَا، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَخَل بِهِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ: التَّخْلِيل مَكْرُوهٌ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْل مَالِكٍ: تُحَرَّكُ اللِّحْيَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ: التَّخْلِيل وَاجِبٌ، وَالتَّخْلِيل عِنْدَ مَنْ قَال بِهِ يَكُونُ مَعَ غَسْل الْوَجْهِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ نَقَلُوا عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ أَنَّ التَّخْلِيل يَكُونُ مَعَ غَسْل الْوَجْهِ أَوْ إِنْ شَاءَ مَعَ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَصِفَتُهُ عَلَى مَا فِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ أَنْ يَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ يَضَعُهُ مِنْ تَحْتِهَا فَيُخَلِّلُهَا بِأَصَابِعِهِ مُشْتَبِكَةً، أَوْ يَضَعُهُ مِنْ جَانِبَيْهَا وَيُحَرِّكُهَا بِهِ (49) .
غَسْل الْعَنْفَقَةِ فِي الْوُضُوءِ
18 - يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْل الْعَنْفَقَةِ وَالْبَشَرَةِ تَحْتَهَا إِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً فَالأَْكْثَرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْل ظَاهِرِهَا فَقَطْ، كَاللِّحْيَةِ، وَقِيل: يَجِبُ غَسْلُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِكُل حَالٍ لأَِنَّهَا لاَ تَسْتُرُ مَا تَحْتَهَا عَادَةً، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ كَانَ نَادِرًا فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ (50) .
غَسْل اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْل مِنَ الْجَنَابَةِ
19 - يَجِبُ فِي الْغُسْل مِنَ الْجَنَابَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ غَسْل الْبَشَرَةِ تَحْتَ اللِّحْيَةِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا أَوْ خَفِيفًا، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِل بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ (51) قَال عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي، وَكَانَ يَجِزُّ شَعْرَهُ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّ تَحْتَ كُل شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَ (52) .
وَالشَّعْرُ نَفْسُهُ يَجِبُ غَسْلُهُ وَإِيصَال الْمَاءِ إِلَى أَثْنَائِهِ حَتَّى مَا اسْتَرْسَل مِنْهُ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ يَجِبُ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَخْلِيل شَعْرِ اللِّحْيَةِ (53) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (غَسْلٌ ف 24) .
مَسْحُ اللِّحْيَةِ فِي التَّيَمُّمِ:
20 - يَجِبُ فِي التَّيَمُّمِ مَسْحُ اللِّحْيَةِ مَعَ مَسْحِ الْوَجْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، فَيَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّعْرُ خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا، فَلاَ يَجِبُ وَلاَ يُنْدَبُ إِيصَال التُّرَابِ إِلَى الشَّعْرِ الْبَاطِنِ وَلاَ إِلَى الْبَشَرَةِ لِعُسْرِهِ، وَلأَِنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ اسْتِيعَابَ ظَاهِرِ شَعْرِ الْوَجْهِ، قَال فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: حَتَّى لَوْ تَرَكَ شَعْرَةً لَمْ يَجُزْ، قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَيَجِبُ مَسْحُ مَا طَال مِنَ اللِّحْيَةِ، وَلاَ يُخَلِّلُهَا لأَِنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ (54) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّحْيَةِ مِنَ الأَْحْكَامِ فِي الإِْحْرَامِ:
21 - لاَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ حَلْقُ لِحْيَتِهِ فِي الإِْحْرَامِ وَلاَ الأَْخْذُ مِنْهَا كَثِيرًا أَوْ قَلِيلاً، إِلاَّ لِعُذْرٍ إِجْمَاعًا، وَقِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ حَلْقِ الرَّأْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (55) .
فَإِنْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ (56) ، وَإِنْ أَخَذَ أَقَل مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَامٌ ف 71،) . وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ دَهْنُ لِحْيَتِهِ وَلَوْ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيَّبٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا تَطْيِيبُهَا.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِحْرَامٌ ف 73، 76،) .
الأَْخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ عِنْدَ التَّحَلُّل مِنَ الإِْحْرَامِ 22 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنَ الإِْحْرَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ مِنْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَوْ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ قَصُّ أَظَافِرِهِ وَشَارِبِهِ وَاسْتِحْدَادُهُ بَعْدَ حَلْقِ رَأْسِهِ وَلاَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ إِنْ أَخَذَ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (57) .
الدِّيَةُ أَوِ الأَْرْشُ فِي إِتْلاَفِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ
23 - تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَزَال لِحْيَةَ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، بِحَلْقٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ مُعَالَجَةٍ بِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِنْ عَادَ الشَّعْرُ فَنَبَتَ كَمَا كَانَ فَلاَ شَيْءَ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إِلاَّ الأَْدَبُ فِي الْعَمْدِ.
أَمَّا إِنْ لَمْ يَنْبُتِ الشَّعْرُ، لِفَسَادِ مَنْبَتِهِ، كَمَا لَوْ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً حَارًّا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ:
فَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِيهَا دِيَةً كَامِلَةً إِنْ أَذْهَبَهَا كُلَّهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ خَفِيفَةً أَوْ كَثِيفَةً، قَالُوا: لأَِنَّهُ أَزَال الْجَمَال عَلَى الْكَمَال، وَفِي نِصْفِهَا نِصْفُ الدِّيَةِ. ثُمَّ قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَمَا كَانَ أَقَل مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: تَجِبُ كُل الدِّيَةِ لأَِنَّهُ فِي الشَّيْنِ فَوْقَ مَنْ لاَ لِحْيَةَ لَهُ أَصْلاً، قَال فِي شَرْحِ الْكَافِي: هُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُعْتَبَرُ قَدْرُ الذَّاهِبِ مِنْهَا بِالْمِسَاحَةِ، فَيُعْطَى مِنَ الدِّيَةِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلاَ شَيْءَ فِي إِذْهَابِ لِحْيَةِ كَوْسَجٍ عَلَى ذَقْنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ، قَالُوا: لأَِنَّهَا تَشِينُهُ وَلاَ تَزِينُهُ.
وَلَوْ كَانَ عَلَى خَدِّهِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ لأَِنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَال، وَلَوْ مُتَّصِلاً فَفِيهِ كُل الدِّيَةِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمَال.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَزَالَهَا وَبَقِيَ مِنْهَا مَا لاَ جَمَال فِيهِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ لإِِذْهَابِهِ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كُلَّهُ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى إِيجَابِ الدِّيَةِ فِي شَعْرِ اللِّحْيَةِ بِقَوْل عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵄: " فِي الشَّعْرِ الدِّيَةُ ".
وَيُؤَجَّل سَنَةً لِيَتَحَقَّقَ مِنْ عَدَمِ نَبَاتِهَا، فَإِنْ مَاتَ فِيهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَسْقُطُ الدِّيَةُ، وَقَال الصَّاحِبَانِ: فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَإِنْ نَبَتَ الشَّعْرُ أَبْيَضَ قَال أَبُو حَنِيفَةَ كَذَلِكَ: لاَ شَيْءَ فِيهَا، وَقَال الصَّاحِبَانِ: فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
فَإِنْ عَادَ الشَّعْرُ فَنَبَتَ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَا فِيهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ بَعْضِهَا أَوْ حُكُومَةِ الْعَدْل رَدَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَرُجِيَ عَوْدُهُ انْتَظَرَ مَا يَقُولُهُ أَهْل الْخِبْرَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُالدِّيَةُ فِي إِذْهَابِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ بَل فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ (58) .
التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ اللِّحْيَةِ:
24 - لاَ يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ اللِّحْيَةِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا مُحَرَّمًا فِي ذَاتِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ الْحَلْقَ فِي ذَاتِهِ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالُوا: لاَ يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِهَا (59) .
لِحْيَةُ الْمَيِّتِ:
25 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَسْرِيحُ لِحْيَةِ الْمَيِّتِ أَوْ قَصُّ شَعْرِهِ أَوْ حَلْقُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ حَلْقُ شَعْرِ الْمَيِّتِ الَّذِي لاَ يَحْرُمُ حَلْقُهُ حَال الْحَيَاةِ كَشَعْرِ الرَّأْسِ، فَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ حَلْقُهُ حَال الْحَيَاةِ - وَهُوَ شَعْرُ اللِّحْيَةِ - حَرُمَ، قَال الدَّرْدِيرُ: وَهُوَ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ لَمْ تُعْهَدْ مِنَ السَّلَفِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ تَسْرِيحُ شَعْرِهِ رَأْسًا كَانَ أَوْ لِحْيَةً لأَِنَّهُ يَقْطَعُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهِ. قَالُوا. وَيَحْرُمُ حَلْقُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ تَسْرِيحَ لِحْيَةِ الْمَيِّتِ غَيْرِ الْمُحْرِمِ حَسَنٌ لإِِزَالَةِ مَا فِي أُصُول الشَّعْرِ مِنَ الْوَسَخِ أَوْ بَقَايَا السِّدْرِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمُشْطٍ وَاسِعِ الأَْسْنَانِ، بِرِفْقٍ لِيَقِل الاِنْتِتَافُ.
ثُمَّ إِنْ أُزِيل بَعْضُ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ قَصٍّ أَوْ تَسْرِيحٍ يُجْعَل الزَّائِدُ مَعَ الْمَيِّتِ فِي كَفَنِهِ (60) .
__________
(1) لسان العرب.
(2) رد المحتار على الدر المختار المشهور بحاشية ابن عابدين 1 / 68 القاهرة، مطبعة بولاق 1272 هـ.
(3) حديث الربيع " أن النبي ﷺ مسح برأسه وصدغيه مرة واحدة " أخرجه أبو داود (1 / 91) والترمذي (1 / 49) ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(4) حاشية ابن عابدين 1 / 68، وحاشية القليوبي على شرح المحلي لمنهاج الطالبين 1 / 48، القاهرة ط. عيسى الحلبي، والمغني لابن قدامة الحنبلي شرح مختصر الخرقي 1 / 115 القاهرة، مكتبة المنار 1367 هـ، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي 1 / 52 القاهرة، مطبعة السنة المحمدية 1367هـ.
(5) المغني 1 / 115، وشرح المنتهى 1 / 52، ولسان العرب المحيط.
(6) لسان العرب عن ابن سيدة.
(7) لسان العرب، والفتاوى الهندية 5 / 358.
(8) ابن عابدين 5 / 261، ولسان العرب.
(9) لسان العرب.
(10) حديث: " قصوا سبالكم. . . ". أخرجه أحمد (5 / 265) وقال الهيثمي في المجمع (5 / 131) : رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد الصحيح خلا القاسم وهو ثقة وفيه كلام لا يضر.
(11) حاشية ابن عابدين 2 / 204، وفتح الباري 10 / 346 القاهرة ط. المكتبة السلفية 1375 هـ.
(12) حديث ابن عمر: " خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 349) .
(13) حديث أبي هريرة: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى. . . ". أخرجه مسلم (1 / 222) .
(14) حديث عائشة: " عشر من الفطرة ". أخرجه مسلم (1 / 223) .
(15) فتح الباري 10 / 351، وحاشية ابن عابدين 2 / 205.
(16) فتح الباري 10 / 351.
(17) أثر ابن عمر " أنه كان إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 396) ، والرواية الأخرى أخرجها البخاري (فتح الباري 10 / 349) .
(18) فتح الباري 10 / 350.
(19) الفتاوى الهندية 5 / 358، وابن عابدين 2 / 113، 205 و5 / 261.
(20) ابن عابدين 2 / 113.
(21) شرح المنتهى 1 / 40، ونيل المآرب 1 / 57 الكويت، دار الفلاح 1403هـ.
(22) فتح الباري 10 / 350.
(23) حديث: " أن النبي ﷺ كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها ". أخرجه الترمذي (5 / 94) من حديث عمرو بن العاص وقال: هذا حديث غريب، وذكر ابن حجر في الفتح (10 / 350) تضعيف أحد رواته.
(24) ابن عابدين 2 / 113.
(25) الفتاوى الهندية 5 / 358، وحاشية الدسوقي على الدردير 1 / 90، 422، 423، وفتح الباري 10 / 351، وشرح المنتهى 1 / 40.
(26) القليوبي 4 / 205.
(27) حاشية ابن عابدين 2 / 204، 205.
(28) فتح الباري 10 / 346.
(29) شرح المنتهى 1 / 41.
(30) حديث ابن عمر: " ذكر رسول الله ﷺ المجوس. . . ". أخرجه البيهقي (1 / 151) وابن حبان في صحيحه (12 / 290 - الإحسان) .
(31) حديث ابن عمر: " ذكر رسول الله ﷺ المجوس. . . ". أخرجه البيهقي (1 / 151) وابن حبان في صحيحه (12 / 290 - الإحسان) .
(32) المغني 1 / 89.
(33) حديث: " من كان له شعر فليكرمه ". أخرجه أبو داود (4 / 395) من حديث أبي هريرة، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (10 / 368) .
(34) فتح الباري 10 / 351.
(35) حديث جابر: " أتانا رسول الله ﷺ. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 333) والحاكم (4 / 186) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(36) فتح الباري 10 / 368.
(37) سورة الأعراف / 31.
(38) حديث عائشة: " كان لا يفارق النبي ﷺ سواكه ومشطه. . . ". أورده ابن حجر في فتح الباري (10 / 367) وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ثم ذكر تضعيف أحد رواته.
(39) حديث عائشة: " كنت أطيب النبي ﷺ بأطيب ما يجد. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 366) .
(40) الفتاوى الهندية 5 / 359.
(41) حديث: " من عقد لحيته فإن محمدًا منه بريء ". أخرجه أبو داود (1 / 35 - 36) .
(42) فتح الباري 10 / 350 - 351) .
(43) الفتاوى الهندية 1 / 4، وحاشية ابن عابدين 1 / 68 - 69، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 86، والذخيرة للقرافي 1 / 249، وشرح المحلي على المنهاج وحاشية القليوبي 1 / 48، والمغني لابن قدامة 1 / 116 - 117، وشرح المنتهى 1 / 52.
(44) حديث: " أن النبي ﷺ أخذ غرفة من ماء فغسل بها وجهه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 303) من حديث عبد الله بن زيد.
(45) الفتاوى الهندية 1 / 4، ابن عابدين 1 / 68، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 1 / 86، والذخيرة 1 / 249، 251، وشرح المنهاج وحاشية القليوبي 1 / 48، والمغني لابن قدامة 1 / 105 - 116 - 117، ونيل المآرب 1 / 63.
(46) ابن عابدين 1 / 68 - 69، والذخيرة 1 / 249، 258، والقليوبي 1 / 48، والمغني 1 / 117، وشرح المنتهى 1 / 51.
(47) ابن عابدين 1 / 69، والفتاوى الهندية 1 / 4، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 90.
(48) حديث: " أن النبي ﷺ كان إذا توضأ خلل لحيته ". أخرجه أحمد (6 / 234) من حديث عائشة، وقال ابن حجر في التلخيص (1 / 86) : إسناده حسن.
(49) ابن عابدين 1 / 79، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 86، والذخيرة 1 / 250، والمغني 1 / 105، 106، 117، وشرح المنتهى 1 / 43، 52، ونيل المآرب 1 / 64.
(50) الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 86، والمغني لابن قدامة 1 / 116.
(51) حديث: " من ترك موضع شعرة من جنابة. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 173) وذكره ابن حجر في التلخيص (1 / 142) وقال: قيل: إن الصواب وقفه.
(52) حديث: " إن تحت كل شعرة جنابة. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 172) من حديث أبو هريرة، ثم ذكر تضعيف أحد رواته.
(53) ابن عابدين 1 / 102، والفتاوى الهندية 1 / 13، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 134، وحاشية القليوبي 1 / 66، والمغني لابن قدامة 1 / 228، وشرح المنتهى 1 / 81.
(54) الفتاوى الهندية 1 / 26، وابن عابدين 1 / 158، والذخيرة للقرافي 1 / 355، والقليوبي 1 / 90، والمغني 1 / 254، وشرح المنتهى 1 / 93.
(55) سورة البقرة / 196.
(56) ابن عابدين 2 / 204، والشرح الكبير 2 / 60، 64، ونهاية المحتاج 2 / 64، وحاشية القليوبي 2 / 134، وشرح المنتهى 1 / 93، 3 / 305، والفتاوى الهندية 1 / 243.
(57) الفتاوى الهندية 1 / 232، والقليوبي 2 / 119، ومغني المحتاج 1 / 503، والمغني 3 / 437، وفتح الباري 10 / 358.
(58) الفتاوى الهندية 6 / 24، 25، وحاشية ابن عابدين 5 / 370، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 277، وشرح المحلي على المنهاج مع حاشية القليوبي 4 / 144، والمغني لابن قدامة 8 / 10، وشرح منتهى الإرادات 3 / 321.
(59) حاشية القليوبي 4 / 205.
(60) ابن عابدين 1 / 575، والفتاوى الهندية 1 / 158، والدسوقي 1 / 422 - 423، وشرح المنهاج للمحلي 1 / 324، وشرح المنتهى 1 / 329، 330.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 222/ 35