الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الإِذْنِ، وَهُوَ الإِبَاحَةُ، يُقَالُ: أَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ أَيْ أَبَاحَهُ لَهُ، وَيُطْلَقُ المَأْذونُ بِمَعْنَى: المُرادِ، وَالإِذْنُ: الإِرَادَةُ، كَقَوْلِ: بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ بِإِرادَتِهِ، وَأَصْلُ كَلِمَةِ الإِذْنِ مِنَ الأَذْنِ، وَالإِيذَانِ: الإِعْلاَمُ، يُقَالُ: آذَنَهُ بِالشَّيْءِ يُؤْذِنهُ إِيِذَانًا أَيْ أَعْلَمَهُ، وَالإِذْنُ: العِلْمُ، وَفَعَلَهُ بِإِذْنِي أَيْ: بِعِلْمِي، وَمِنْهُ الأُذُنُ؛ لِأَنَّ بِهَا يَقَعُ عِلْمُ كُلِّ مَسْمُوعٍ، وَمِنْ مَعانِي المَأْذْونِ أَيْضًا: الجَائِزُ والمُرَخَّصُ والمَأْمورُ.
يَرِدُ اطْلاَقُ لَفْظِ (المَأْذونِ) فِي كِتابِ الصُّلْحِ، وَكِتابِ العِتْقِ، وَكِتابِ الوَدِيعَةِ، وَكِتابِ البُيوعِ، وَغَيْرِهَا. وَيُطْلَقُ أَيْضًا فِي أُصولِ الفِقْهِ فِي بَابِ الأَحْكامِ التَّكْلِيفِيَّةِ وَيُرادُ بِهِ: المُباحُ وَهُوَ (مَا خُيِّرَ فِيهِ المُكَلَّفُ بَيْنَ الفِعْلِ وَالتَّرْكِ).
أذن
* معجم مقاييس اللغة : 1/77 - لسان العرب : 1/105 - المعجم الوسيط : ص12 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : ص162 - المغرب في ترتيب المعرب : ص473 - مقاييس اللغة : 77/1 - التعريفات للجرجاني : ص196 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَأْذُونُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَذِنَ، يُقَال: أَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ: أَيْ أَبَاحَهُ لَهُ (1) .
وَالاِسْمُ: الإِْذْنُ، وَيَكُونُ الأَْمْرُ إِذْنًا، وَكَذَا الإِْرَادَةُ، نَحْوُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَيُقَال: أَذِنْتُ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ، فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ.
وَالْفُقَهَاءُ يَحْذِفُونَ الصِّلَةَ تَخْفِيفًا، فَيَقُولُونَ: الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ، لِفَهْمِ الْمَعْنَى (2) .
وَتَأْتِي أَذِنَ بِمَعْنَى: عَلِمَ، عَلَى مِثْل قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (3) .
وَبِمَعْنَى اسْتَمَعَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} (4) .
وَالْمَأْذُونُ اصْطِلاَحًا: هُوَ الَّذِي فُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَأُذِنَ لِلتِّجَارَةِ، وَأُطْلِقَ لَهُ التَّصَرُّفُ مِنْ مَوْلاَهُ إِنْ كَانَ عَبْدًا، وَمِنْ وَلِيِّهِ إِنْ كَانَ صَغِيرًا (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمَحْجُورُ:
2 - الْمَحْجُورُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَأْذُونِ وَالْمَحْجُورِ التَّضَادُّ.
حُكْمُ الإِْذْنِ لِلْمَأْذُونِ:
3 - الإِْذْنُ بِالتَّصَرُّفِ لِلْمَأْذُونِ جَائِزٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِذَا قَامَ مُبَرِّرٌ لِذَلِكَ كَالْقَاصِرِ إِذَا قَارَبَ الْبُلُوغَ فَإِنَّهُ يُؤْذَنُ لَهُ بِالتَّصَرُّفِ.
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الإِْذْنُ لَهُ بِالتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّى وَلِيُّهُ الْعَقْدَ (6) .
شُرُوطُ الْمَأْذُونِ لَهُ
4 - لِلْمَأْذُونِ لَهُ شُرُوطٌ مُعَيَّنَةٌ، مِنْهَا: التَّمْيِيزُ، وَإِينَاسُ الْخِبْرَةِ فِي التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ.
وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (صِغَرٌ ف 39) .
تَقَيُّدُ الإِْذْنِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَنَوْعِيَّةِ التَّصَرُّفِ:
5 - الإِْذْنُ لِلصَّغِيرِ قَدْ يَكُونُ عَامًّا فِي كُل أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، وَقَدْ يَكُونُ خَاصًّا بِأَنْ يَكُونَ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، لاَ يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ.
فَالْحَنَفِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الإِْذْنَ إِنْ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، أَوْ لَمْ يُحَدَّدْ بِوَقْتٍ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الأَْنْوَاعِ وَتَوَابِعِهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ رَهْنٍ وَإِعَارَةٍ.
وَإِنْ كَانَ خَاصًّا فِي نَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ، أَوْ حُدِّدَ الإِْذْنُ بِوَقْتٍ - كَشَهْرٍ أَوْ عِدَّةِ أَشْهُرٍ - فَإِنَّ الإِْذْنَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ وَتَوَابِعِهَا وَضَرُورَاتِهَا، فَيَنْقَلِبُ الإِْذْنُ الْخَاصُّ عَامًّا، وَلاَ يَتَحَدَّدُ بِنَوْعٍ مِنَ التِّجَارَاتِ، وَلاَ بِوَقْتٍ، بَل لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ وَنَهَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، لَمْ يَكُنِ الصَّغِيرُ مُلْزَمًا بِهَذَا النَّهْيِ، وَكَانَ لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ الْوَلِيُّ خِلاَفًا لِزُفَرَ.
وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ عِنْدَ الإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يُجَوِّزِ الصَّاحِبَانِ ذَلِكَ، وَجَوَّزَاهُ فِي الْغَبْنِ الْيَسِيرِ الْمُحْتَمَل عَادَةً (7) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الإِْذْنَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ، وَأَنَّ هَذَا الإِْذْنَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ اخْتِبَارًا وَتَمْرِينًا لِلصَّغِيرِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الصَّبِيِّ مِقْدَارًا مَحْدُودًا وَقَلِيلاً مِنَ الْمَال، وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَذَا الْمَبْلَغِ، وَلَكِنْ حَتَّى بَعْدَ هَذَا الإِْذْنِ، فَلَنْ يَكُونَ عَقْدُ الصَّغِيرِ لاَزِمًا نَافِذًا، بَل هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ وَلِيِّهِ (8) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ وَجْهَانِ فِي وَقْتِ اخْتِبَارِ الصَّبِيِّ، أَحَدُهُمَا: بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَأَصَحُّهُمَا قَبْلَهُ، وَعَلَى هَذَا فَفِي كَيْفِيَّةِ اخْتِبَارِهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يُدْفَعُ إِلَيْهِ قَدْرٌ مِنَ الْمَال، وَيُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُسَاوَمَةِ، فَإِذَا آل الأَْمْرُ إِلَى الْعَقْدِ عَقَدَ الْوَلِيُّ، وَالثَّانِي: يَعْقِدُ الصَّبِيُّ وَيَصِحُّ مِنْهُ هَذَا الْعَقْدُ لِلْحَاجَةِ (9) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ الإِْذْنَ مَحَل اعْتِبَارٍ، فَإِنْ كَانَ عَامًّا كَانَ لِلصَّغِيرِ أَنْ يُمَارِسَ التِّجَارَةَ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا الْتَزَمَ الصَّغِيرُ بِهِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَى الصَّغِيرِ أَنْ يَلْتَزِمَ بِمَا حَدَّدَهُ لَهُ الْوَلِيُّ قَدْرًا وَنَوْعًا، فَإِذَا حَدَّدَ لَهُ الاِتِّجَارَ فِي نَوْعٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ، أَوْ مَبْلَغًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ، وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إِذْنًا مُطْلَقًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي غَيْرِهَا مِنْ وَكَالَةٍ أَوْ تَوْكِيلٍ، أَوْ رَهْنٍ أَوْ إِعَارَةٍ (10) .
مَنْ لَهُ حَقُّ الإِْذْنِ:
6 - حَقُّ الإِْذْنِ بِالتَّصَرُّفِ لِلْمَأْذُونِ يَكُونُ لِمَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَنْهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ، وَالْوَصِيُّ، وَالْقَاضِي، وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ وَضَوَابِطَ بَيَّنَهَا الْفُقَهَاءُ فِي مَوَاضِعِهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَاتِ (إِذْنٌ ف 27، وَلِيٌّ، وَصِيٌّ) .
تَصَرُّفَاتُ الصَّغِيرِ الْمَأْذُونِ
7 - تَصَرُّفَاتُ الصَّغِيرِ تَعْتَرِيهَا حَالاَتٌ ثَلاَثٌ: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ نَافِعَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ ضَارَّةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَأَرْجِحَةً بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ.
وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بَعْضُهَا تَصِحُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَبَعْضُهَا لاَ تَصِحُّ وَلَوْ بِالإِْذْنِ، وَبَعْضُهَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ.
أ - فَالتَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَكُونُ نَافِعَةً لِلصَّغِيرِ، وَلاَ تَحْتَمِل الضَّرَرَ: مِنْ تَمَلُّكِ مَالٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ دُونَ مُقَابِلٍ، لاَ تَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ: أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ قَالُوا بِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَقْبَل الْهِبَةَ الْمُطْلَقَةَ، وَأَنْ يَقْبِضَهَا، وَيَمْلِكَهَا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ (11) .
وَلَمَّا كَانَ قَبُول الْهِبَةِ وَقَبْضُهَا نَفْعًا مَحْضًا لاَ يَشُوبُهُ ضَرَرٌ، صَحَّ مِنَ الصَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ، لأَِجْل مَصْلَحَتِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ قَبُول الْهِبَةِ وَلاَ يَقْبِضُهَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ، حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا لَمْ يَمْلِكْهَا بِهَذَا الْقَبْضِ؛ لإِِبْطَالِهِمْ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الصَّغِيرِ؛ لأَِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عَقْدَ هِبَةٍ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ أَهْلاً لإِِبْرَامِ الْعُقُودِ، وَإِنْ تَمَحَّضَ نَفْعًا (12) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يَصِحُّ قَبُولُهُ الْهِبَةَ وَقَبْضُهَا، إِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ وَلاَ قَبْضُهُ؛ لأَِنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ، وَلاَ بُدَّ لِمَنْ يَقْبَل أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لإِِبْرَامِ الْعُقُودِ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلاً لِذَلِكَ إِلاَّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ (13) .
وَلأَِنَّهُ بِالْقَبْضِ يَصِيرُ مُسْتَوْلِيًا عَلَى الْمَال، وَهُنَاكَ احْتِمَال تَضْيِيعِهِ أَوِ التَّفْرِيطِ فِي حِفْظِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ عَنْهُ وَيُمْنَعَ مِنْ قَبْضِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ بِالإِْذْنِ، فَإِنَّ الاِحْتِمَال هَذَا مَدْفُوعٌ (14) .
ب - أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الضَّارَّةُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ مَحْضٍ، وَلاَ تَحْتَمِل النَّفْعَ كَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَالْقَرْضِ، فَلاَ تَصِحُّ مِنَ الصَّغِيرِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ الْوَلِيَّ لاَ يَمْلِكُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَلاَ يَمْلِكُ الإِْذْنَ بِهَا.
أَمَّا الْوَصِيَّةُ، وَالصُّلْحُ، وَالإِْعَارَةُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جِوَازِهَا نَظَرًا لِمَا رَأَوْهُ فِيهَا مِنْ نَفْعٍ أَوْ ضَرَرٍ (15) .
ج - أَمَّا تَصَرُّفُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْل إِذْنِ الْوَلِيِّ، أَوْ بَعْدَ إِذْنِهِ، فَتَصَرُّفُهُ قَبْل الإِْذْنِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، وَيَكُونُ نَفَاذُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ وَلِيِّهِ، إِنْ أَجَازَهُ لَزِمَ، وَإِنْ رَدَّهُ فُسِخَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَتَعْلِيل ذَلِكَ: أَنَّ عِبَارَةَ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ صَحِيحَةٌ؛ لأَِنَّهُ قَاصِدٌ لَهَا، فَاهِمٌ لِمَعْنَاهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَلاَ مَعْنَى لإِِلْغَائِهَا، وَلأَِنَّ فِي تَصْحِيحِ عِبَارَتِهِ تَعْوِيدًا لَهُ عَلَى التِّجَارَةِ، وَمِرَانًا وَاخْتِبَارًا لِمَدَى مَا وَصَل إِلَيْهِ مِنْ إِدْرَاكٍ، مِمَّا يُسَهِّل الْحُكْمَ بِرُشْدِهِ، أَوْ عَدَمِ رُشْدِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ (16) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي رِوَايَةٍ - إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِدُونِ إِذْنِ وَلِيِّهِ؛ لأَِنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ، فَلاَ تَصِحُّ بِهَا الْعُقُودُ، وَلأَِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَلاَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ كَالسَّفِيهِ، وَلأَِنَّ فِي تَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِ ضَيَاعًا لِمَالِهِ، وَضَرَرًا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، فَلاَ يَصِحُّ مِنْهُ (17) .
أَمَّا تَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ الإِْذْنِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ.
فَالْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: يَرَوْنَ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ نَافِذٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (18) وَالاِبْتِلاَءُ يَكُونُ قَبْل الْبُلُوغِ، وَلأَِنَّ الصَّبِيَّ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، كَمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ: إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ إِذْنُهُ، فَلاَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الإِْذْنِ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ قَبْل الإِْذْنِ؛ لِقَوْلِهِ - ﷺ -: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل أَوْ يُفِيقَ (19) ، فَلَوْ صَحَّ بَيْعُهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ مِنْ عُهْدَةٍ، وَالْحَدِيثُ يَنْفِي الْتِزَامَ الصَّبِيِّ بِأَيِّ شَيْءٍ، فَالْقَوْل بِصِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ يَتَنَافَى مَعَ الْحَدِيثِ، فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْل بِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَصِحُّ مِنَ الْمَأْذُونِ لِلْحَاجَةِ (20) .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَبِيعَ أَوِ الثَّمَنَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (21) .
تَصَرُّفَاتُ السَّفِيهِ الْمَأْذُونِ
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّفِيهَ الْمَأْذُونَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ هَذَا.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ.
وَفِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْوَجْهِ الآْخَرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَصِحُّ عَقْدُهُ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سَفَهٌ ف 26 وَمَا بَعْدَهَا) . وَفَاةُ الآْذِنِ وَأَثَرُهُ فِي بُطْلاَنِ الإِْذْنِ
9 - إِذَا مَاتَ الآْذِنُ: إِنْ كَانَ أَبًا، انْتَهَتِ الْوِلاَيَةُ، وَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ بُطْلاَنُ الإِْذْنِ وَاسْتِمْرَارُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ الآْذِنُ وَصِيًّا، فَتَنْتَهِي الْوِصَايَةُ بِوَفَاتِهِ، وَيَنْتَهِي الإِْذْنُ أَيْضًا، وَمَا يَفْعَلُهُ الْمَأْذُونُ مِنْ تَصَرُّفَاتٍ بَعْدَ مَوْتِ الآْذِنِ لاَ تَصِحُّ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيُّ آثَارٍ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِذْنٌ ف 65) وَمُصْطَلَحِ (وِلاَيَةٌ وَوَصِيَّةٌ) .
__________
(1) القاموس المحيط للفيروز آبادي.
(2) المصباح المنير - للفيومي.
(3) سورة البقرة / 279.
(4) سورة الانشقاق / 2.
(5) قواعد الفقه للبركتي.
(6) تبيين الحقائق 5 / 230 وما بعدها، وابن عابدين 5 / 108 - 111، والشرح الكبير 3 / 294، 330، ومغني المحتاج 2 / 170، والمغني 4 / 468.
(7) تحفة الفقهاء للسمرقندي 3 / 483، 484، وبدائع الصنائع للكاساني 10 / 4529، والهداية للمرغيناني مع تكملة فتح القدير 9 / 287، وابن عابدين 5 / 100.
(8) البهجة شرح التحفة للتسولي 2 / 302.
(9) روضة الطالبين 4 / 181، والقليوبي وعميرة 2 / 302.
(10) شرح منتهى الإرادات 2 / 296، 297، وكشاف القناع للبهوتي 3 / 457، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 4 / 267 - 268.
(11) الهداية مع تكملة فتح القدير للمراغيناني 9 / 312، وشرح الحطاب على مختصر خليل 6 / 25، والمغني لابن قدامة 6 / 49، 50.
(12) المجموع للنووي 9 / 166.
(13) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 4 / 269.
(14) المغني لابن قدامة 6 / 50.
(15) بدائع الصنائع للكاساني 8 / 3910، ومغني المحتاج 2 / 397، وتحفة المحتاج لابن حجر 6 / 236، ونهاية المحتاج للرملي 4 / 224.
(16) كشف الأسرار للبخاري 4 / 256، 257، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 4 / 267، وبدائع الصنائع للكاساني 6 / 3022، والمبدع لابن مفلح 4 / 8، والبهجة شرح التحفة للتسولي 2 / 304.
(17) المجموع للنووي 9 / 161، 164، والمبدع 4 / 8، وكشاف القناع للبهوتي 3 / 442، 458.
(18) سورة النساء / 6.
(19) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 658) والحاكم (2 / 59) من حديث عائشة، واللفظ لابن ماجه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(20) روضة الطالبين 4 / 181، وحاشية القليوبي 2 / 302.
(21) الهداية مع تكملة فتح القدير 9 / 310، 311، وكشاف القناع 3 / 457، والمجموع للنووي 9 / 164، 165، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 5 / 318.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 7/ 36