الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
الشَّيْءُ المَطْرُوحُ وَالمُلْقَى، وَالنَّبْذُ: طَرْحُ الشَّيْءِ وَإِلْقاؤُهُ وَرَمْيُهُ، يُقالُ: نَبَذْتُ الشَّيْءَ أَنْبُذُهُ نَبْذًا فَهُوَ مَنْبُوذٌ أَيْ أَلْقَيْتُهُ مِنْ يَدِي، وَالانْتِبَاذُ: طَرْحُكَ الشَّيْءَ أَمَامَكَ أَوْ وَرَاءَكَ، وَمِنْهُ النَّبِيذُ وَهُوَ: مَاءٌ يُطْرَحُ فِيهِ تَـمْرٌ وَنَـحْوُهِ لِيَحْلُو بِهِ الـمَاءُ، وَالمَنْبُوذُ أَيْضًا: كُلُّ مَا يُلتَقَطُ كَالمَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِي تُلْقِيهِ أُمُّهُ فِي الطَّرِيقِ، وَيُطْلَقُ النَّبْذُ بِـمَعْنَى: التَّنَحِّيَةِ وَالعَزْلِ وَالإِبْعَادِ، يُقالُ: نَبَذْتُهُ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ أَيْ عَزَلْتُهُ وَنَحَّيتُهُ.
يَذْكُرُ الفُقَهَاءُ مُصْطَلَحَ (المَنْبُوذِ) فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْهَا: كِتَابُ النِّكَاحِ فِي بَابِ الوِلاَيَةِ فِي النِّكَاحِ ، وَكِتَابُ المَوَارِيثِ فِي بَابِ شُرُوطِ الإِرْثِ ، وَكِتَابُ الحُدُودِ فِي بَابِ حَدِّ القَذْفِ ، وَكِتَابُ القَضَاءِ فِي بَابِ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ.
نبذ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَنْبُوذُ لُغَةً: اسْمُ مَفْعُولٍ لَفَعَل نَبَذَ؛ يُقَال: نَبَذْتُهُ نَبْذًا؛ مِنْ بَابِ ضَرَبَ: أَلْقَيْتَهُ فَهُوَ مَنْبُوذٌ؛ أَيْ مَطْرُوحٌ؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ النَّبِيذُ: نَبِيذًا؛ لأَِنَّهُ يُنْبَذُ؛ أَيْ: يُتْرَكُ حَتَّى يَشْتَدَّ. وَمِنْهُ نَقْضُ الْعَهْدِ يُقَال: نَبَذْتُ الْعَهْدَ إِلَيْهِمْ: نَقَضْتَهُ.
وَيُقَال: نَبَذْتُ الأَْمْرَ: أَهْمَلْتَهُ؛ وَالْمَنْبُوذُ: وَلَدُ الزِّنَا؛ وَالصَّبِيُّ تُلْقِيهِ أُمُّهُ فِي الطَّرِيقِ (1) .
وَالْمَنْبُوذُ شَرْعًا: اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنَ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الرِّيبَةِ؛ أَوْ هُوَ طِفْلٌ مَنْبُوذٌ بِنَحْوِ شَارِعٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُدَّعٍ.
وَذِكْرُ الطِّفْل لِلْغَالِبِ؛ فَالْمَجْنُونُ يُلْتَقَطُ كَمَا يُلْتَقَطُ الْمُمَيِّزُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لاِحْتِيَاجِهِمَا إِلَى التَّعَهُّدِ (2) . حُكْمُ الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ
2 - الأَْصْل فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (3) ؛ وَقَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} (4) ؛ وَالْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ وَإِنْقَاذُهُ مِنَ الْمَهَالِكِ مِنْ أَهَمِّ فِعْل الْخَيْرَاتِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (مُصْطَلَحِ لَقِيطٌ ف 4) .
الإِْشْهَادُ عَلَى الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الإِْشْهَادِ عَلَى الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (مُصْطَلَحِ لَقِيطٌ ف 5) .
مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ الاِلْتِقَاطِ
4 - تَثْبُتُ وِلاَيَةُ الاِلْتِقَاطِ لِحُرٍّ مُكَلَّفٍ وَلَوْ فَقِيرًا - لأَِنَّ السَّعْيَ لِقُوتِهِ لاَ يَشْغَلُهُ عَنْ حِفْظِهِ - مُسْلِمٍ إِنْ حُكِمَ بِإِسْلاَمِ الْمَنْبُوذِ؛ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فَيَشْمَل مَسْتُورَ الْعَدَالَةِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ وَلاَ الْخِيَانَةِ؛ عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (مُصْطَلَحِ لَقِيطٌ ف 6؛ 7) . ازْدِحَامُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ
5 - لَوِ ازْدَحَمَ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلاِلْتِقَاطِ عَلَى الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُول كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَا آخِذُهُ؛ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمَا؛ أَوْ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ لأَِنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُمَا قَبْل أَخْذِهِ فَيَفْعَل الأَْحَظَّ لَهُ.
وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَالْتَقَطَهُ مُنِعَ الآْخَرُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِ؛ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِالسَّبْقِ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ (5) . وَإِنِ الْتَقَطَاهُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ - وَهُمَا أَهْل الْتِقَاطِهِ - فَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُقَدَّمُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يُوَاسِيهِ بِمَالِهِ. وَلَوْ تَفَاوَتَا فِي الْغِنَى لَمْ يُقَدَّمْ أَغْنَاهُمَا.
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَخِيلاً وَالآْخَرُ جَوَادًا؛ فَقِيَاسُ تَقْدِيمِ الْغَنِيِّ عَلَى الْفَقِيرِ يَقْتَضِي أَنْ يُقَدَّمَ الْجَوَادُ؛ لأَِنَّ حِفْظَ اللَّقِيطِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ؛ وَيُقَدَّمُ عَدْلٌ عَلَى مَسْتُورٍ؛ وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْغِنَى أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا (6) . فَإِنِ ازْدَحَمَ عَلَى أَخْذِ الْمَنْبُوذِ بِبَلَدٍ؛ أَوْ قَرْيَةٍ؛ ظَاعِنٌ إِلَى بَادِيَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَآخَرُ مُقِيمٌ فِي الْبَلَدِ: فَالْمُقِيمُ بِالْبَلَدِ أَوْلَى بِأَخْذِهِ وَحَضَانَتِهِ؛ لأَِنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَأَحْوَطُ لِنَسَبِهِ؛ وَلاَ يُقَدَّمُ الْمُقِيمُ عَلَى ظَاعِنٍ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ؛ بَل يَسْتَوِيَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ بِحَضَانَتِهِ نَقْلُهُ إِلَى بَلَدِهِ.
وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ تَقْدِيمَ قَرَوِيٍّ مُقِيمٍ بِالْقَرْيَةِ الَّتِي وُجِدَ الْمَنْبُوذُ فِيهَا عَلَى بَلَدِيٍّ ظَاعِنٍ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ؛ وَيُقَدَّمُ حَضَرِيٌّ عَلَى بَدَوِيٍّ؛ إِذَا وَجَدَاهُ بِمَهْلَكَةٍ.
وَالتَّفْصِيل فِي (لَقِيطٌ ف 8) .
وَيَسْتَوِيَانِ إِذَا وَجَدَاهُ بِمَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ؛ وَيُقَدَّمُ الْبَصِيرُ عَلَى الأَْعْمَى؛ وَالسَّلِيمُ عَلَى الْمَجْذُومِ وَالأَْبْرَصِ إِذَا قُلْنَا بِأَهْلِيَّتِهِمَا لِلاِلْتِقَاطِ.
وَإِذَا وُجِدَ اللَّقِيطُ فِي بَلَدٍ فَلاَ يَجُوزُ نَقْلُهُ إِلَى بَادِيَةٍ؛ سَوَاءٌ كَانَ الْمُلْتَقِطُ بَلَدِيًّا أَوْ بَدَوِيًّا أَوْ قَرَوِيًّا؛ لِخُشُونَةِ عَيْشِ الْبَادِيَةِ؛ وَتَفْوِيتِ تَعَلُّمِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَالصَّنْعَةِ؛ وَضَيَاعِ النَّسَبِ. كَمَا يَمْتَنِعُ نَقْلُهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى قَرْيَةٍ (7) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (لَقِيطٌ ف 8) وَمَا بَعْدَهَا. الْحُكْمُ بِإِسْلاَمِ الْمَنْبُوذِ أَوْ كُفْرِهِ
6 - لاَ يَخْلُو الْمَنْبُوذُ مِنْ أَنْ يُوجَدَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ أَوْ فِي دَارِ الْكُفْرِ.
فَأَمَّا دَارُ الإِْسْلاَمِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: دَارٌ اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ فَلَقِيطُ هَذِهِ مَحْكُومٌ بِإِسْلاَمِهِ - وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعَهُمْ أَهْل ذِمَّةٍ أَوْ مُعَاهَدُونَ - تَغْلِيبًا لِلإِْسْلاَمِ وَلِظَاهِرِ الدَّارِ؛ وَلأَِنَّ الإِْسْلاَمَ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى عَلَيْهِ.
الثَّانِي: دَارٌ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فَهَذِهِ إِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَاحِدٌ حُكِمَ بِإِسْلاَمِ لَقِيطِهَا؛ لأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْمُسْلِمِ تَغْلِيبًا لِلإِْسْلاَمِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ؛ بَل كُل أَهْلِهَا أَهْل ذِمَّةٍ حُكِمَ بِكُفْرِهِ؛ لأَِنَّ تَغْلِيبَ حُكْمِ الإِْسْلاَمِ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الاِحْتِمَال؛ وَلاَ احْتِمَال هُنَا.
أَمَّا بَلَدُ الْكُفَّارِ: فَإِنْ كَانَ بَلَدًا لِلْمُسْلِمِينَ فَغَلَبَ الْكُفَّارُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالأَْوَّل: إِنْ كَانَ فِيهِ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ لَمْ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ أَصْلاً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ فَمَنْبُوذُهُ كَافِرٌ (8) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (لَقِيطٌ ف 10) .
وَإِنْ وُجِدَ الْمَنْبُوذُ بِبَرِّيَّةٍ فَمُسْلِمٌ إِذَا كَانَتْ بَرِّيَّةَ دَارِنَا؛ أَوْ كَانَتْ بَرِّيَّةً لاَ يَدَ لأَِحَدٍ عَلَيْهَا.
أَمَّا بَرِّيَّةُ دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي لاَ يَطْرُقُهَا مُسْلِمٌ فَلاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ مَنْبُوذِهَا (9) .
وَمَنْ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ بِالدَّارِ كَانَ مُسْلِمًا بَاطِنًا أَيْضًا إِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ذِمِّيٌّ؛ فَإِذَا بَلَغَ وَأَفْصَحَ بِالْكُفْرِ كَانَ مُرْتَدًّا.
وَإِنْ كَانَ ثَمَّ ذِمِّيٌّ كَانَ مُسْلِمًا ظَاهِرًا؛ فَإِنْ بَلَغَ وَأَفْصَحَ كُفْرًا فَهُوَ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ لِضَعْفِ الدَّارِ.
وَإِنْ أَقَامَ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ بَيِّنَةً عَلَى نَسَبِ الْمَنْبُوذِ لَحِقَهُ؛ لأَِنَّهُ كَالْمُسْلِمِ فِي النَّسَبِ؛ وَتَبِعَهُ بِالْكُفْرِ؛ وَارْتَفَعَ مَا ظَنَنَّاهُ مِنْ إِسْلاَمِهِ؛ لأَِنَّ الدَّارَ حُكْمٌ بِالْيَدِ؛ وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ يَدٍ. وَتَصَوُّرُ عُلُوقِهِ مِنْ مُسْلِمَةٍ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ نَادِرٌ لاَ يُعَوَّل عَلَيْهِ مَعَ الْبَيِّنَةِ؛ وَتَشْمَل الْبَيِّنَةُ مَحْضَ النِّسْوَةِ (10) .
وَإِنْ أَلْحَقَهُ قَائِفٌ قَال ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: الَّذِي يَتَّجِهُ اعْتِبَارُ إِلْحَاقِهِ؛ لأَِنَّهُ حُكْمٌ فَهُوَ كَالْبَيِّنَةِ بَل أَقْوَى. وَفِي النِّسْوَةِ: أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ بِهِنَّ النَّسَبُ تَبِعَهُ بِالْكُفْرِ؛ وَإِلاَّ فَلاَ.
وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّعْوَى بِأَنَّهُ ابْنُهُ وَلاَ حُجَّةَ لَهُ؛ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَتْبَعُهُ بِالْكُفْرِ وَإِنْ لَحِقَهُ نَسَبُهُ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ بِإِسْلاَمِهِ لاَ يُغَيَّرُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى كَافِرٍ مَعَ إِمْكَانِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ النَّادِرَةِ؛ وَمَحَل هَذَا الْخِلاَفِ إِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ نَحْوُ صَلاَةٍ؛ وَإِلاَّ - بِأَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ مَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ - لَمْ يُغَيِّرِ ادِّعَاءُ الْكَافِرِ نَسَبَهُ شَيْئًا عَنْ حُكْمِ الإِْسْلاَمِ بِالدَّارِ؛ وَتَقْوَى بِالصَّلاَةِ وَنَحْوِهَا قَطْعًا؛ وَيُحَال بَيْنَهُمَا وُجُوبًا.
وَمُقْتَضَى حُكْمِهِمْ بِإِسْلاَمِ الْمَنْبُوذِ تَارَةً وَكُفْرِهِ تَارَةً أُخْرَى: أَنَّ لِقَاضٍ رُفِعَ إِلَيْهِ أَمْرُ مَنْبُوذٍ الْحُكْمَ بِكُفْرِهِ فِيمَا نَصُّوا عَلَى كُفْرِهِ فِيهِ.
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: وَلاَ مَعْنَى لِمَا قَال بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِقَاضٍ أَنْ يَحْكُمَ بِكُفْرِ أَحَدٍ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ بِالْكُفْرِ رِضًا بِهِ؛ وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ (11) .
اسْتِلْحَاقُ الْمَنْبُوذِ
7 - إِنِ اسْتَلْحَقَ الْمَنْبُوذَ الْمَحْكُومَ بِإِسْلاَمِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلاِلْتِقَاطِ؛ بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا ذَكَرًا مُسْلِمًا لَحِقَهُ بِشُرُوطِ الاِسْتِلْحَاقِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (اسْتِلْحَاقٌ ف 11 - 14) .
رِقُّ الْمَنْبُوذِ وَحُرِّيَّتُهُ
8 - الْمَنْبُوذُ حُرٌّ فِي قَوْل عَامَّةِ أَهْل الْعِلْمِ.
وَقَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجَمَعَ عَامَّةُ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ؛ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ﵄؛ وَبِهِ قَال عُمَرُ بْنُ عَبْدَ الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيُّ وَحَمَّادٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ؛ لأَِنَّ الأَْصْل فِي الآْدَمِيِّينَ الْحُرِّيَّةُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ أَحْرَارًا؛ وَإِنَّ الرِّقَّ لِلْعَارِضِ؛ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ الْعَارِضُ فَلَهُ حُكْمُ الأَْصْل؛ هَذَا إِذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدٌ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ؛ وَتَتَعَرَّضُ لأَِسْبَابِ الْمِلْكِ فَيُعْمَل بِهَا (12) .
وَإِنْ أَقَرَّ الْمَنْبُوذُ الْمُكَلَّفُ بِالرِّقِّ لِشَخْصٍ فَصَدَّقَهُ قُبِل إِنْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إِقْرَارٌ بِحُرِّيَّةِ كَسَائِرِ الأَْقَارِيرِ.
فَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لاَ يَثْبُتُ الرِّقُّ؛ وَكَذَا إِنْ سَبَقَ إِقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ فَلاَ يُقْبَل إِقْرَارُهُ بَعْدَهُ؛ لأَِنَّهُ بِالإِْقْرَارِ الأَْوَّل الْتَزَمَ أَحْكَامَ الأَْحْرَارِ فَلاَ يَمْلِكُ إِسْقَاطَهَا (13) . وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِالرِّقِّ أَلاَّ يَسْبِقَهُ تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهُ حُرِّيَّةً كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ؛ بَل يُقْبَل إِقْرَارُهُ فِي أَصْل الرِّقِّ وَأَحْكَامِهِ الْمَاضِيَةِ الْمُضِرَّةِ بِهِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ فِيهَا لَهُ؛ لاَ فِي الأَْحْكَامِ الْمَاضِيَةِ الْمُضِرَّةِ بِغَيْرِهِ؛ فَلاَ يُقْبَل إِقْرَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا؛ كَمَا لاَ يُقْبَل الإِْقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ بِدَيْنٍ؛ فَلَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَفِي يَدِهِ مَالٌ قَضَى مِنْهُ؛ ثُمَّ إِنْ فَضَل شَيْءٌ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ (14) .
ادِّعَاءُ رِقِّ الْمَنْبُوذِ مَنْ لَيْسَ بِيَدِهِ
9 - إِنِ ادَّعَى رِقَّ الْمَنْبُوذِ مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلاَ بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَل بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأَِنَّ الأَْصْل وَالظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ فَلاَ تُتْرَكُ بِلاَ حُجَّةٍ؛ بِخِلاَفِ النَّسَبِ لِمَا فِيهِ مِنَ الاِحْتِيَاطِ وَالْمَصْلَحَةِ. وَكَذَا إِنِ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ كَمَا ذَكَرَ؛ وَيَجِبُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ لِخُرُوجِهِ بِدَعْوَى الرِّقِّ عَنِ الأَْمَانَةِ؛ وَقَدْ يَسْتَرِقُّهُ فِيمَا بَعْدُ؛ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَيَّدَهُ الأَْذْرَعِيُّ.
وَخَالَفَ الزَّرْكَشِيُّ تَعْلِيل الْمَاوَرْدِيِّ وَقَال: لَمْ يُتَحَقَّقْ كَذِبُهُ حَتَّى يَخْرُجَ عَنِ الأَْمَانَةِ. وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: إِنَّ اتِّهَامَهُ صَيَّرَهُ كَغَيْرِ الأَْمِينِ؛ لأَِنَّ يَدَهُ صَارَتْ مَظِنَّةَ الإِْضْرَارِ بِالْمَنْبُوذِ (15) . نَفَقَةُ الْمَنْبُوذِ
10 - نَفَقَةُ الْمَنْبُوذِ تَكُونُ مِنْ مَالِهِ إِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَالٌ؛ أَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فِي مَالٍ عَامٍّ؛ كَالأَْمْوَال الْمَوْقُوفَةِ عَلَى اللُّقَطَاءِ أَوِ الْمُوصَى بِهَا لَهُمْ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (مُصْطَلَحِ لَقِيطٌ ف 15؛ 16) .
جِنَايَةُ الْمَنْبُوذِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ
11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جِنَايَةِ الْمَنْبُوذِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (لَقِيطٌ ف 17؛ 18) .
__________
(1) المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(2) المصباح المنير، ورد المحتار 3 / 313، وتحفة المحتاج مع حاشية الشرواني 6 / 341، ومغني المحتاج 2 / 417، والمحلي 3 / 123.
(3) سورة المائدة / 33.
(4) سورة الحج / 77.
(5) حديث: " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 453) من حديث أسمر بن مضرس، واستغربه المنذري في مختصر السنن (4 / 264) .
(6) مغني المحتاج 2 / 419، والمحلي شرح المنهاج 3 / 124، وتحفة المحتاج 6 / 344، والمغني 5 / 760.
(7) تحفة المحتاج 6 / 344 وما بعدها، ومغني المحتاج 2 / 418، 419، والمغني 758 وما بعدها.
(8) تحفة المحتاج 6 / 350، ومغني المحتاج 2 / 422 وما بعدها، والمغني 2 / 748 وما بعدها.
(9) مغني المحتاج 2 / 422، وتحفة المحتاج 6 / 346، 350 - 351، والمغني 5 / 758.
(10) تحفة المحتاج 6 / 351 - 352، ومغني المحتاج 2 / 422 - 423، والمغني 5 / 749.
(11) المصادر السابقة.
(12) الاختيار 3 / 29، والمغني 5 / 747 - 748، ومغني المحتاج 2 / 425، وتحفة المحتاج 6 / 356 - 357، والشرح الصغير 4 / 180.
(13) تحفة المحتاج 6 / 357، ومغني المحتاج 2 / 425، وتكملة فتح القدير 6 / 250، والزرقاني 8 / 80، وكشاف القناع 6 / 392.
(14) المراجع السابقة.
(15) تحفة المحتاج 6 / 358، ومغني المحتاج 2 / 426 - 427.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 89/ 39
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".