المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
المِياهُ: جَمْعُ ماءٍ، وهو سائِلٌ شَفَّافٌ مَعْرُوفٌ لا طَعْمَ له، ولا رائِحَةَ، ولا لَوْنَ، وأَصلُ الماءِ ماهٌ، ومنه قَوْلُهُم: ماهَتِ الأَرْضُ، أيْ: كَثُرَ ماؤُها، وحَفَر الرَّجُلُ البِئرَ حتَّى أَماهَ، وأَمْوَهَ، أيْ: بَلَغَ الماءَ.
يَرِد مُصْطلَح (مِياه) في كتاب الطَّهارَةِ، باب: الوُضوء، وباب: الغُسْل، وفي كتاب البَيْعِ، باب: شُروط البَيْعِ. ويُطْلَقُ في كتاب النِّكاح، وفي كتاب الحُدودِ، ويُراد به: ماءُ الرَّجُلِ أو الـمَرْأَةِ، وهو الذي يُـخْلَقُ منه الوَلَدُ، فيُقالُ: اخْتِلاطُ الـمِياهِ، أيْ: اشْتِباهُ الأَنْسابِ.
موه
* المحكم والمحيط الأعظم : (4/445)
* تاج العروس : (36/508)
* الكليات : (ص 873)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 6)
* تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ : (3/33)
* الـمجموع شرح الـمهذب : (18/149)
* معجم لغة الفقهاء : 395 - الموسوعة الفقهية الكويتية : (39/352) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمِيَاهُ فِي اللُّغَةِ: جَمْعُ مَاءٍ، وَالْمَاءُ مَعْرُوفٌ، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَاءِ وَأَصْلُهُ مَوَهَ بِالتَّحْرِيكِ تَحَوَّلَتِ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْهَاءُ هَمْزَةً.
وَيُجْمَعُ عَلَى أَمْوَاهٍ جَمْعَ قِلَّةٍ، وَعَلَى مِيَاهٍ جَمْعَ كَثْرَةٍ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمَاءُ جِسْمٌ لَطِيفٌ سَيَّالٌ بِهِ حَيَاةُ كُل نَامٍ (2) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الطَّهَارَةُ
2 - الطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ: النَّظَافَةُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عِبَارَةٌ عَنْ غَسْل أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ بِصِفَّةٍ مَخْصُوصَةٍ (3) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمِيَاهِ وَالطَّهَارَةِ أَنَّ الْمِيَاهَ تَكُونُ وَسِيلَةً لِلطَّهَارَةِ.
أَقْسَامُ الْمِيَاهِ
يُمْكِنُ تَقْسِيمُ الْمِيَاهِ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهَا إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
مُطْلَقٍ، وَمُسْتَعْمَلٍ، وَمُسَخَّنٍ، وَمُخْتَلَطٍ.
الْمَاءُ الْمُطْلَقُ:
3 - الْمَاءُ الْمُطْلَقُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلاَ قَيْدٍ (4) .
وَقِيل: الْمَاءُ الْمُطْلَقُ هُوَ الْبَاقِي عَلَى وَصْفِ خِلْقَتِهِ (5) .
وَقَدْ أَجَمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ طَاهِرٌ فِي ذَاتِهِ مُطَهِّرٌ لِغَيْرِهِ (6) . وَعَبَّرَ الْفُقَهَاءُ عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَاءِ بِالطَّهُورِ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالطَّهُورِ.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ الطَّاهِرُ الْمُطَهِّرُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَلِي:
أَوْلاً: أَنَّ لَفْظَةَ طَهُورٍ جَاءَتْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ لِلْمُطَهِّرِ، وَمِنْ هَذَا:
أ - قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (7) . فَقَوْلُهُ: (طَهُورًا) يُرَادُ بِهِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، يُفَسِّرُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (8) ، فَهَذِهِ الآْيَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ بِالأُْولَى (9) .
ب - وَمَا وَرَدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَْرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَل، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحَل لأَِحَدِ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً (10) .
فَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ظَاهِرَةٌ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالطَّهُورِ الطَّاهِرُ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِزْيَةٌ، لأَِنَّهُ طَاهِرٌ فِي حَقِّ كُل أَحَدٍ، وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا سِيقَ لإِِثْبَاتِ الْخُصُوصِيَّةِ، فَقَدِ اخْتَصَّ الرَّسُول ﷺ وَأُمَّتُهُ بِالتَّطَهُّرِ بِالتُّرَابِ (11) .
ج - وَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ مَرْفُوعًا: جُعِلَتْ لِي كُل أَرْضٍ طَيِّبَةً مَسْجِدًا وَطَهُورًا (12) .
فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِأَنَّ كُل أَرْضٍ طَيِّبَةٍ جُعِلَتْ لَهُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَالطَّيِّبَةُ الطَّاهِرَةُ، فَلَوْ كَانَ مَعْنَى طَهُورًا: طَاهِرًا لَلَزِمَ تَحْصِيل الْحَاصِل، وَتَحْصِيل الْحَاصِل بِالنِّسْبَةِ لَهُ مُحَالٌ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ (13) .
د - وَمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ سُئِل عَنِ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَال: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِل مَيْتَتُهُ (14) .
فَقَدْ أَجَابَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ هَذَا عَنْ سُؤَالِهِمْ عَنْ حُكْمِ التَّطَهُّرِ بِمَاءِ الْبَحْرِ، فَلَوْلاَ أَنَّهُمْ يَفْهَمُونَ مِنَ الطَّهُورِ أَنَّهُ الْمُطَهِّرُ، لَمْ يَحْصُل لَهُمُ الْجَوَابُ (15) .
ثَانِيًا: أَنَّ الْعَرَبَ فَرَّقَتْ بَيْنَ اسْمِ الْفَاعِل وَصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فَقَالَتْ: قَاعِدٌ لِمَنْ وُجِدَ مِنْهُ الْقُعُودُ، وَقُعُودٌ: لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الطَّهُورِ وَالطَّاهِرِ مِنْ حَيْثُ التَّعَدِّي وَاللُّزُومِ، فَالطَّهُورُ مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَهُوَ الَّذِي يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، وَالطَّاهِرُ مِنَ الأَْسْمَاءِ اللاَّزِمَةِ (16) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الطَّاهِرُ وَهُوَ مَا حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْريِّ وَسُفْيَانَ وَأَبِي بَكْرِ الأَْصَمِّ وَابْنِ دَاوُدَ (17) .
وَاحْتَجُّوا بِمَا يَلِي:
أَوَّلاً: قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} (18) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَهْل الْجَنَّةِ لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّطْهِيرِ مِنْ حَدَثٍ وَلاَ نَجَسٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّهُورِ هُوَ الطَّاهِرُ (19) .
ثَانِيًا: قَوْل جَرِيرٍ فِي وَصْفِ النِّسَاءِ:
عِذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورٌ
وَالرِّيقُ لاَ يُتَطَهَّرُ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الطَّاهِرَ (20) .
ثَالِثًا: وَالطَّهُورُ يُفِيدُ التَّطْهِيرَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ فِي الشَّكُورِ وَالْغَفُورِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي الْغَافِرِ وَالشَّاكِرِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّهُورِ مَعْنًى زَائِدٌ لَيْسَ فِي الطَّاهِرِ، وَلاَ تَكُونُ تِلْكَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ إِلاَّ بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ لأَِنَّ فِي نَفْسِ الطَّهَارَةِ كِلْتَا الصِّفَّتَيْنِ سَوَاءٌ، فَتَكُونُ صِفَّةُ التَّطْهِيرِ لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، لاَ أَنَّ الطَّهُورَ بِمَعْنَى الْمُطَهَّر (21) .
أَنْوَاعُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ
4 - أَنْوَاعُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ كَمَا ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ هِيَ:
الأَْوَّل: مَاءُ السَّمَاءِ أَيِ النَّازِل مِنْهَا، يَعْنِي الْمَطَرَ، وَمِنْهُ النَّدَى، وَالأَْصْل فِيهِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُنَزِّل عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (22) .
وَالثَّانِي: مَاءُ الْبَحْرِ وَالأَْصْل فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرِيرَةَ ﵁ قَال: سَأَل رَجُلٌ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِل مَعَنَا الْقَلِيل مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِل مَيْتَتُهُ (23) .
وَالثَّالِثُ: مَاءُ النَّهْرِ
وَالرَّابِعُ: مَاءُ الْبِئْرِ وَالأَْصْل فِيهِ: مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ أَنَّهُ قَال: قِيل: يَا رَسُول اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلاَبِ وَالنَّتِنُ (أَيْ كَانَتْ تَجْرُفُهَا إِلَيْهَا السُّيُول مِنَ الطُّرُقِ وَالأَْفْنِيَةِ وَلاَ تُطْرَحُ فِيهَا قَصْدًا وَلاَ عَمْدًا فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ (3) . الْخَامِسُ: مَاءُ الْعَيْنِ وَهُوَ مَا يَنْبُعُ مِنَ الأَْرْضِ.
السَّادِسُ: مَاءُ الثَّلْجِ وَهُوَ مَا نَزَل مِنَ السَّمَاءِ مَائِعًا ثُمَّ جَمَدَ (24) ، أَوْ مَا يَتِمُّ تَجْمِيدُهُ بِالْوَسَائِل الصِّنَاعِيَةِ الْحَدِيثَةِ.
السَّابِعُ: مَاءُ الْبَرَدِ وَهُوَ مَا نَزَل مِنَ السَّمَاءِ جَامِدًا ثُمَّ مَاعَ عَلَى الأَْرْضِ، وَيُسمَّى حَبُّ الْغَمَامِ وَحَبُّ الْمُزْنِ (25) .
وَالأَْصْل فِي مَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ: حَدِيثُ أَبِي هُرِيرَةَ ﵁ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً - قَال: أَحْسِبُهُ قَال: هُنَيَّةً -، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُول اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرَ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُول؟ قَال: أَقُول: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَْبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِل خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ (26) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اسْتِعْمَال بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، فَمِنْ قَائِلٍ بِالْكَرَاهَةِ، وَآخَرُ بِعَدِمِهَا، وَمِنْ قَائِلٍ بِصِحَّتِهَا وَآخَرُ بِعَدِمِ صِحَّتِهَا، وَهَذِهِ الأَْنْوَاعُ تَتَمَثَّل فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً - مَاءُ الْبَحْرِ
5 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جِوَازِ اسْتِعْمَال مَاءِ الْبَحْرِ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الأَْحْدَاثِ وَالأَْنْجَاسِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (27) .
يَقُول التِّرْمِذِيُّ: أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ ﷺ مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِمَاءِ الْبَحْرِ (28) ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﷺ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِل مَيْتَتُهُ (29) وَلأَِنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْمَاءِ يُطْلَقُ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ فَيَقَعُ التَّطَهُّرُ بِهِ.
وَقَال النَّوَوِيُّ: وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ كَرَاهَةُ التَّطَهُّرِ بِهِ (30) .
توى7 ثَانِيًا - مَاءُ الثَّلْجِ ثَانِيًا - مَاءُ الثَّلْجِ
6 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جِوَازِ التَّطَهُّرِ بِمَاءِ الثَّلْجِ إِذَا ذَابَ.
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِعْمَالِهِ قَبْل الإِْذَابَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدِمِ جِوَازِ التَّطَهُّرِ بِالثَّلْجِ قَبْل الإِْذَابَةِ مَا لَمْ يَتَقَاطَرْ وَيَسِل عَلَى الْعُضْوِ.
يَقُول صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: " يُرْفَعُ الْحَدَثُ مُطْلَقًا بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، وَهُوَ مَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ كَمَاءِ سَمَاءٍ وَأَوْدِيَةٍ وَعُيُونٍ وَآبَارٍ وَبِحَارٍ وَثَلْجٍ مُذَابٍ بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ " (31) .
وَيَقُول صَاحِبُ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: وَهُوَ - أَيِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ - مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلاَ قَيْدٍ وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى أَوْ ذَابَ أَيْ تَمَيَّعَ بَعْدَ جُمُودِهِ كَالثَّلْجِ وَهُوَ مَا يَنْزِل مَائِعًا ثُمَّ يَجْمُدُ عَلَى الأَْرْضِ (32) .
وَيَقُول صَاحِبُ الْمُغْنِي (33) : الذَّائِبُ مِنَ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ طَهُورٌ، لأَِنَّهُ مَاءٌ نَزَل مِنَ السَّمَاءِ، وَفِي دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ: اللَّهُمَّ اغْسِل خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ (34) .
فَإِنْ أَخَذَ الثَّلْجَ فَمَرَّرَهُ عَلَى أَعْضَائِهِ لَمْ تَحْصُل الطَّهَارَةُ بِهِ، وَلَوِ ابْتَل بِهِ الْعُضْوُ، لأَِنَّ الْوَاجِبَ الْغُسْل، وَأَقَل ذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ الْمَاءُ عَلَى الْعُضْوِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَيَذُوبُ، وَيَجْرِي مَاؤُهُ عَلَى الأَْعْضَاءِ فَيَحْصُل بِهِ الْغَسْل، فَيُجْزِئُهُ.
الْقَوْل الثَّانِي: ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالأَْوْزَاعِيُّ إِلَى جِوَازِ التَّطَهُّرِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاطَرْ (35) .
يَقُول الطَّحْطَاوِيُّ: قَوْلُهُ (بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاطَرْ (36) .
وَيَقُول النَّوَوِيُّ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنِ الأَْوْزَاعِيِّ جَوَازُ الْوُضُوءِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسِل وَيُجْزِيهِ فِي الْمَغْسُول وَالْمَمْسُوحِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ إِنْ صَحَّ عَنْهُ لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى غَسْلاً وَلاَ فِي مَعْنَاهُ (37) . الْقَوْل الثَّالِثُ: فَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ سَيْل الثَّلْجِ عَلَى الْعُضْوِ لِشِدَّةِ حَرِّ وَحَرَارَةِ الْجِسْمِ وَرَخَاوَةِ الثَّلْجِ، وَبَيْنَ عَدَمِ سَيْلِهِ. فَإِنْ سَال عَلَى الْعُضْوِ صَحَّ الْوُضُوءُ عَلَى الصَّحِيحِ لِحُصُول جَرَيَانِ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ، وَقِيل: لاَ يَصِحُّ لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى غَسْلاً، حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَسِل لَمْ يَصِحَّ بِلاَ خِلاَفٍ فِي الْمَغْسُول، وَيَصِحُّ مَسْحُ الْمَمْسُوحِ مِنْهُ وَهُوَ الرَّأْسُ وَالْخُفُّ وَالْجَبِيرَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ (38) .
ثَالِثًا - مَاءُ زَمْزَمَ
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ اسْتِعْمَال مَاءِ زَمْزَمَ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ أَوْ إِزَالَةِ النَّجَسِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَابْنُ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى جِوَازِ اسْتِعْمَال مَاءِ زَمْزَمَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي إِزَالَةِ الأَْحْدَاثِ، أَمَا فِي إِزَالَةِ الأَْنْجَاسِ فَيُكْرَهُ تَشْرِيفًا لَهُ وَإِكْرَامًا (39) . الثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جِوَازِ اسْتِعْمَال مَاءِ زَمْزَمَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الاِسْتِعْمَال فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ أَمْ فِي إِزَالَةِ النَّجَسِ (40) .
الْقَوْل الثَّالِثُ: ذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ مُطْلَقًا أَيْ فِي إِزَالَةِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁: لاَ أُحِلُّهَا لِمُغْتَسَلٍ يَغْتَسِل فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ لِشَارِبٍ وَمُتَوَضِّئٍ حِلٌّ وَبِلٌّ (41) .
رَابِعًا - الْمَاءُ الآْجِنُ
8 - وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي تَغَيَّرَ بِطُول مُكْثِهِ فِي الْمَكَانِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةِ شَيْء (42) ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ الْمَاءُ الآْسِنُ.
(ر: مُصْطَلَحُ آجِنٌ فِقْرَة 1، وَمُصْطَلَحُ طَهَارَةٍ فِقْرَة 10) .
وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جِوَازِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ الآْجِنِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. يَقُول صَاحِبُ مُلْتَقَى الأَْبْحُرِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبِئْرِ وَالأَْوْدِيَةِ وَالْبِحَارِ، وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ بَعْضَ أَوْصَافِهِ كَالتُّرَابِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالأُْشْنَانِ وَالصَّابُونِ أَوْ أَنْتَنَ بِالْمُكْثِ (43) .
وَيَقُول صَاحِبُ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: وَلاَ يَضُرُّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِشَيْءِ تَوَلَّدَ مِنْهُ كَالسَّمَكِ وَالَدُودِ وَالطُّحْلُبِ (بِفَتْحِ اللاَّمِ وَضَمِّهَا) ، وَكَذَا إِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِطُول مُكْثِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أُلْقِيَ فِيهِ فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ (44) .
وَيَقُول الرَّمْلِيُّ الْكَبِيرُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَلاَ يُقَال الْمُتَغَيِّرُ كَثِيرًا بِطُول الْمُكْثِ أَوْ بِمُجَاوَرٍ أَوْ بِمَا يَعْسُرُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ غَيْرَ مُطْلَقٍ، بَل هُوَ مُطْلَقٌ (45) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ، وَلأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ فَأَشْبَهَ بِمَا يُتَعَذَّرُ صَوْنُهُ عَنْهُ (46) .
وَنُقِل عَنِ ابْنِ سِيرِينَ الْقَوْل بِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ الآْجِنِ. يَقُول صَاحِبُ بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُل مَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ مِمَّا لاَ يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا أَنَّهُ لاَ يَسْلُبُهُ صِفَةَ الطَّهَارَةِ وَالتَّطْهِيرِ، إِلاَّ خِلاَفًا شَاذًّا رُوِيَ فِي الْمَاءِ الآْجِنِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ (47) .
وَيَقُول النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا الْمُتَغَيِّرُ بِالْمُكْثِ فَنَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ الاِتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لاَ كَرَاهَةَ فِيهِ، إِلاَّ ابْنَ سِيرِينَ فَكَرِهَهُ (48) .
الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُرَادِ مِنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَل وَحُكْمِهِ وَذَلِك عَلَى التَّفْصِيل الآْتِي:
الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
9 - الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: هُوَ الْمَاءُ الَّذِي أُزِيل بِهِ حَدَثٌ أَوِ اسْتُعْمِل فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، كَالْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ أَوْ لإِِسْقَاطِ فَرْضٍ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: هُوَ الْمَاءُ الَّذِي اسْتُعْمِل لإِِقَامَةِ قُرْبَةٍ.
وَعِنْدَ زُفَرَ: هُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل لإِِزَالَةِ الْحَدَثِ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنِ الْبَدَنِ (49) .
وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْخِلاَفِ عِنْدَهُمْ فِي الْمُرَادِ مِنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَل فِيمَا يَلِي:
أ - إِذَا تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ إِقَامَةِ الْقُرْبَةِ نَحْوَ الصَّلاَةِ الْمَعْهُودَةِ وَصَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَدُخُول الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهَا.
فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلاً بِلاَ خِلاَفٍ لِوُجُودِ السَّبَبَيْنِ، وَهُمَا: إِزَالَةُ الْحَدَثِ وَإِقَامَةُ الْقُرْبَةِ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْدِثٍ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلاً عِنْدَ الثَّلاَثَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وُمُحَمَّدٍ لِوُجُودِ إِقَامَةِ الْقُرْبَةِ، لِكَوْنِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ: لاَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً لاِنْعِدَامِ إِزَالَةِ الْحَدَثِ.
ب - إِذَا تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَل لِلتَّبَرُّدِ، فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلاً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ لِوُجُودِ إِزَالَةِ الْحَدَثِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لاَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً لِعَدَمِ إِقَامَةِ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا لاَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً بِالاِتِّفَاقِ.
ج - إِذَا تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ لاَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً بِالاِتِّفَاقِ لأَِنَّ التَّوَضُّؤَ بِهِ مُخَيَّرٌ جَائِزٌ، فَلَمْ يُوجَدْ إِزَالَةُ الْحَدَثِ وَلاَ إِقَامَةُ الْقُرْبَةِ.
د - إِذَا غَسَل الأَْشْيَاءَ الطَّاهِرَةَ مِنَ النَّبَاتِ وَالثِّمَارِ وَالأَْوَانِي وَالأَْحْجَارِ وَنَحْوِهِ، أَوْ غَسَلَتِ الْمَرْأَةُ يَدَهَا مِنَ الْعَجِينِ أَوِ الْحِنَّاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لاَ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلاً.
وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ بِطَهُورٍ لِحَدَثٍ بَل لِخَبَثٍ عَلَى الرَّاجِحِ الْمُعْتَمَدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِهِ (50) .
الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:
10 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَل:
هُوَ مَا اسْتُعْمِل فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ فِي إِزَالَةِ حُكْمِ خَبَثٍ، وَأَنَّ الْمُسْتَعْمَل فِي رَفْعِ حَدَثٍ: هُوَ مَا تَقَاطَرَ مِنَ الأَْعْضَاءِ أَوِ اتَّصَل بِهَا أَوِ انْفَصَل عَنْهَا - وَكَانَ الْمُنْفَصِل يَسِيرًا - أَوْ غَسَل عُضْوَهُ فِيهِ (51) .
وَحُكْمُهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ لَكِنْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوِ اغْتِسَالاَتٍ مَنْدُوبَةٍ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا، وَلاَ يُكْرَهُ عَلَى الأَْرْجَحِ اسْتِعْمَالُهُ مَرَّةً أُخْرَى فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ غَسْل إِنَاءٍ وَنَحْوِهِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: وَالْكَرَاهَةُ مُقَيَّدَةٌ بِأَمْرَيْنِ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل قَلِيلاً كَآنِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْل، وَأَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ، وَإِلاَّ فَلاَ كَرَاهَةَ، كَمَا أَنَّهُ لاَ كَرَاهَةَ إِذَا صُبَّ عَلَى الْمَاءِ الْيَسِيرِ الْمُسْتَعْمَل مَاءٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مُسْتَعْمَلٌ مِثْلُهُ حَتَّى كَثُرَ لَمْ تَنْتَفِ الْكَرَاهَةُ لأَِنَّ مَا ثَبَتَ لِلأَْجْزَاءِ يَثْبُتُ لِلْكُل، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ نَفْيَهَا (52) .
وَقَال الدَّرْدِيرُ: الْمَاءُ الْيَسِيرُ الَّذِي هُوَ قَدْرُ آنِيَةِ الْغَسْل فَأَقَل الْمُسْتَعْمَل فِي حَدَثٍ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَدَثٍ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، وَأَنْ يَكُونَ اسْتُعْمِل فِي رَفْعِ حَدَثٍ لاَ حُكْمَ خَبَثٍ، وَأَنْ يَكُونَ الاِسْتِعْمَال الثَّانِي فِي رَفْعِ حَدَثٍ (53) .
وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَل فِي حُكْمِ خَبَثٍ لاَ يُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَل فِي حَدَثٍ لاَ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حُكْمِ خَبَثٍ، وَالرَّاجِحُ فِي تَعْلِيل الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ (54) . الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:
11 - الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: هُوَ الْمَاءُ الْقَلِيل الْمُسْتَعْمَل فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ عَنْ حَدَثٍ كَالْغَسْلَةِ الأُْولَى فِيهِ، أَوْ فِي إِزَالَةِ نَجَسٍ عَنِ الْبَدَنِ أَوِ الثَّوْبِ، أَمَّا نَفْل الطَّهَارَةِ كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ فَالأَْصَحُّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ طَهُورٌ (55) .
وَيُفَرِّقُ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الْقَلِيل الَّذِي لاَ يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ، وَبَيْنَ الْكَثِيرِ الَّذِي يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ.
فَيَرَوْنَ فِي الْمَذْهَبِ الْجَدِيدِ: أَنَّ الْقَلِيل مِنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَل طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، فَلاَ يَرْفَعُ حَدَثًا وَلاَ يُزِيل نَجَسًا لأَِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا لاَ يَحْتَرِزُونَ عَنْهُ وَلاَ عَمَّا يَتَقَاطَرُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ.
فَعَنْ جَابِرٍ ﵁ قَال: جَاءَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لاَ أَعْقِل فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَعَقَلْتُ (56) .
وَلأَِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ - مَعَ قِلَّةِ مِيَاهِهِمْ - لَمْ يَجْمَعُوا الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَل لِلاِسْتِعْمَال ثَانِيًا بَل انْتَقَلُوا إِلَى التَّيَمُّمِ، كَمَا لَمْ يَجْمَعُوهُ لِلشُّرْبِ لأَِنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ. فَإِنْ جُمِعَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ عَلَى الأَْصَحِّ (57) .
وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ مَنْعِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَل، قَال الشِّرْبِينِيُّ: وَهُوَ الأَْصَحُّ: لأَِنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
فَإِنْ جُمِعَ الْمُسْتَعْمَل عَلَى الْجَدِيدِ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الأَْصَحِّ لأَِنَّ النَّجَاسَةَ أَشَدُّ مِنَ الاِسْتِعْمَال، وَالْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ لَوْ جُمِعَ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ أَيْ وَلاَ تَغَيُّرَ بِهِ صَارَ طَهُورًا قَطْعًا، فَالْمُسْتَعْمَل أَوْلَى، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ لاَ يَعُودُ طَهُورًا لأَِنَّ قَوَّتَهُ صَارَتْ مُسْتَوْفَاةً بِالاِسْتِعْمَال فَالْتَحَقَ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنُ سُرَيْجٍ (58) .
وَيَقُول الشِّيرَازِيُّ: الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل ضَرْبَانِ: مُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَمُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةِ النَّجَسِ.
فَأَمَّا الْمُسْتَعْمَل فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَيُنْظَرُ فِيهِ: فَإِنِ اسْتُعْمِل فِي رَفْعِ حَدَثٍ فَهُوَ طَاهِرٌ، لأَِنَّهُ مَاءٌ طَاهِرٌ لاَقَى مَحَلًّا طَاهِرًا، فَكَانَ طَاهِرًا، كَمَا لَوْ غُسِل بِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ.
ثُمَّ قَال: وَأَمَّا الْمُسْتَعْمَل فِي النَّجَسِ فَيُنْظَرُ فِيهِ: فَإِنِ انْفَصَل مِنَ الْمَحَل وَتَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ (59) .
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَهُوَ قَوْل أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي إِسْحَاقَ لأَِنَّهُ مَاءٌ لاَ يُمْكِنُ حِفْظُهُ مِنَ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَنْجُسْ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ كَالْمَاءِ الْكَثِيرِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَنْجُسُ، وَهُوَ قَوْل أَبِي الْقَاسِمِ الأَْنْمَاطِيِّ لأَِنَّهُ مَاءٌ قَلِيلٌ لاَقَى نَجَاسَةً، فَأَشْبَهَ مَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنِ انْفَصَل وَالْمَحَل طَاهِرٌ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنِ انْفَصَل وَالْمَحَل نَجِسٌ، فَهُوَ نَجِسٌ. وَهُوَ قَوْل أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ لأَِنَّ الْمُنْفَصِل مِنْ جُمْلَةِ الْبَاقِي فِي الْمَحَل: فَكَانَ حُكْمُهُ فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ حُكْمَهُ (60) . الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:
12 - قَال الْحَنَابِلَةُ: الْمَاءُ الَّذِي اسْتُعْمِل فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ إِزَالَةِ نَجَسٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لاَ يَرْفَعُ حَدَثًا وَلاَ يُزِيل نَجِسًا وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ.
وَعِنْدَ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ.
أَمَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَل فِي طَهَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِيهِ وَالْغُسْل لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَالْمُسْتَعْمَل فِي رَفْعِ الْحَدَثِ لأَِنَّهُ طَهَارَةٌ مَشْرُوعَةٌ أَشَبَهَ مَا لَوِ اغْتَسَل بِهِ مِنْ جَنَابَةٍ.
وَالثَّانِيَةُ: لاَ يَمْنَعُ الطُّهُورِيَّةَ لأَِنَّهُ لَمْ يَزَل مَانِعًا مِنَ الصَّلاَةِ أَشَبَهَ مَا لَوْ تَبَرَّدَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الطَّهَارَةُ مَشْرُوعَةً لَمْ يُؤَثِّرِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ فِيهَا شَيْئًا كَالْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يُؤَثِّرِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ فِيهَا شَيْئًا وَكَانَ كَمَا لَوْ تَبَرَّدَ أَوْ غَسَل بِهِ ثَوْبَهُ، وَلاَ تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّ مَا اسْتُعْمِل فِي التَّبَرُّدِ وَالتَّنْظِيفِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إِطْلاَقِهِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا.
وَأَمَّا الْمُسْتَعْمَل فِي تَعَبُّدٍ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ كَغَسْل الْيَدَيْنِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْل، فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ لَمْ يُؤَثِّرِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَاءِ، وَإِنْقُلْنَا بِوُجُوبِهِ فَقَال القْاضِي: هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ إِطْلاَقِهِ لأَِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةِ تَعَبُّدٍ أَشَبَهَ الْمُسْتَعْمَل فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ يَغْمِسَ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِ اللَّيْل يَدَهُ فِي الإِْنَاءِ قَبْل غَسْلِهَا (61) ، فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ مَنْعًا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إِطْلاَقِهِ لأَِنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا، أَشَبَهَ الْمُتَبَرَّدَ بِهِ (62) .
الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ
وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَخَّنًا بِتَأْثِيرِ الشَّمْسِ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَخَّنًا بِتَأْثِيرِ غَيْرِهَا.
أ - الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ بِتَأْثِيرِ الشَّمْسِ فِيهِ (الْمُشَمَّسُ) :
13 - يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ بِتَأْثِيرِ الشَّمْسِ فِيهِ اسْمَ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: جِوَازُ اسْتِعْمَالِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الاِسْتِعْمَال فِي الْبَدَنِ أَمْ فِي الثَّوْبِ.
وَبِهَذَا قَال الْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ كَالنَّوَوِيِّ وَالرُّويَانِيِّ (63) .
الْقَوْل الثَّانِي: كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِهِ: وَذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ (64) .
يَقُول الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيِّ: وَيُكْرَهُ شَرْعًا تَنْزِيهًا الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ أَيْ مَا سَخَّنَتْهُ الشَّمْسُ، أَيْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَدَنِ فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ: كَانَ يَكْرَهُ الاِغْتِسَال بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، وَقَال: يُورِثُ الْبَرَصَ (65) .
لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِبِلاَدٍ حَارَّةٍ أَيْ تَقْلِبُهُ الشَّمْسُ عَنْ حَالَتِهِ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى، كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنِ الأَْصْحَابِ فِي آنِيةٍ مُنْطَبِعَةٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَهِيَ كُل مَا طُرِقَ كَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهِ، وَأَنْ يُسْتَعْمَل فِي حَال حَرَارَتِهِ، لأَِنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِل مِنْهُ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ، فَإِذَا لاَقَتِ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ فَيَحْتَبِسَ الدَّمُ فَيَحْصُل الْبَرَصُ.
وَقَال الدَّرْدِيرُ: يُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ أَيِ الْمُسَخَّنُ بِالشَّمْسِ فِي الأَْقْطَارِ الْحَارَّةِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ لاَ فِي نَحْوِ مِصْرَ وَالرُّومِ.
وَعَقَّبَ الدُّسُوقِيُّ عَلَى قَوْل الدَّرْدِيرِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ " وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ " بِقَوْلِهِ: هُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ عَنْ مَالِكٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل الْمَذْهَبِ.
وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ طِبِّيَّةٌ لاَ شَرْعِيَّةٌ لأَِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ مِنْ إِكْمَال الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْل، بِخِلاَفِ مَا لَوْ كَانَتْ كَرَاهَتُهُ لِشِدَّةِ حَرَارَتِهِ فَإِنَّهَا شَرْعِيَّةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَرَاهَتَيْنِ: أَنَّ الشَّرْعِيَّةَ يُثَابُ تَارِكُهَا بِخِلاَفِ الطِّبِّيَّةِ (66) .
وَيَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: قَدَّمْنَا فِي مَنْدُوبَاتِ الْوُضُوءِ أَنَّ مِنْهَا: أَنْ لاَ يَكُونَ بِمَاءٍ مُشَمَّسٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ مُسْتَدِلًّا بِمَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِنَ النَّهْيِ عَنْهُ، وَلِذَا صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ بِكَرَاهَتِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ.
وَقَال فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ: وَتُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِالْمُشَمَّسِ، لِقَوْلِهِ ﷺ لِعَائِشَةَ ﵂ حِينَ سَخَّنَتِ الْمَاءَ بِالشَّمْسِ: لاَ تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ (67) ، وَفِي الْغَايَةِ: يُكْرَهُ بِالْمُشَمَّسِ فِي قُطْرٍ حَارٍّ فِي أَوَانٍ مُنْطَبِعَةٍ (68) .
ب - الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ بِغَيْرِ الشَّمْسِ
14 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسَخَّنَ بِالنَّارِ لاَ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ عَنْهُ وَلِذَهَابِ الزُّهُومَةِ لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا، وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ كَانَ التَّسْخِينُ بِنَجَاسَةٍ مُغَلَّظَةٍ وَإِنْ قَال بَعْضُهُمْ فِيهِ وَقْفَةٌ.
وَأَمَّا شَدِيدُ السُّخُونَةِ أَوِ الْبُرُودَةِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الطَّهَارَةِ لِمَنْعِهِ الإِْسْبَاغَ (69) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسَخَّنَ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُتَحَقَّقَ وُصُول شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ إِلَى الْمَاءِ فَيُنَجِّسَهُ إِذَا كَانَ يَسِيرًا. وَالثَّانِي: أَلاَّ يُتَحَقَّقَ وُصُول شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ إِلَى الْمَاءِ، وَالْحَائِل غَيْرُ حَصِينٍ فَالْمَاءُ عَلَى أَصْل الطَّهَارَةِ وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ.
الثَّالِثُ: إِذَا كَانَ الْحَائِل حَصِينًا فَقَال الْقَاضٍي يُكْرَهُ، وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيل أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ، لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَرَدَّدٍ فِي نَجَاسَتِهِ، بِخِلاَفِ الَّتِي قَبْلَهَا.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كَرَاهَةِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّجَاسَةِ رِوَايَتَيْنِ عَلَى الإِْطْلاَقِ (70) .
الْمَاءُ الْمُخْتَلِطُ:
وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِطًا بِطَاهِرٍ، أَوْ يَكُونَ مُخْتَلِطًا بِنَجَسٍ.
أَوَّلاً - حُكْمُ الْمَاءِ الْمُخْتَلِطِ بِطَاهِرٍ
15 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا اخْتَلَطَ بِهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ - وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ لِقِلَّتِهِ - لَمْ يَمْنَعِ الطَّهَارَةَ بِهِ، لأَِنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى إِطْلاَقِهِ.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ - كَالطُّحْلُبِ وَالْخَزِّ وَسَائِرِ مَا يَنْبُتُ فِي الْمَاءِ، وَكَذَا أَوْرَاقُ الشَّجَرِ الَّذِي يَسْقُطُ فِي الْمَاءِ أَوْ تَحْمِلُهُ الرِّيحُ فَتُلْقِيهِ فِيهِ، وَمَا تَجْذِبُهُ السُّيُول مِنَ الْعِيدَانِ وَالتِّبْنِ وَنَحْوِهِ كَالْكِبْرِيتِ وَغَيْرِهِ - فَتَغَيَّرَ بِهِ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ، لأَِنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (71) .
أَمَّا الْمَاءُ الَّذِي خَالَطَهُ طَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ - كَزَعْفَرَانٍ وَصَابُونٍ وَنَحْوِهِمَا - فَتَغَيَّرَ بِهِ أَحَدُ أَوْصَافِهِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ إِلَى فَرِيقَيْنِ:
الْفَرِيقُ الأَْوَّل: وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: يَرَوْنَ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَشْتَرِطُونَ أَنْ لاَ يَكُونَ التَّغْيِيرُ عَنْ طَبْخٍ، أَوْ عَنْ غَلَبَةِ أَجْزَاءِ الْمُخَالِطِ حَتَّى يَصِيرَ ثَخِينًا. قَال صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ، كَمَاءِ الْمَدِّ، وَالْمَاءِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِهِ اللَّبَنُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ أَوِ الصَّابُونُ أَوِ الأُْشْنَانُ. . . إِلَى أَنْ يَقُول:
وَلاَ يَجُوزُ - أَيِ التَّطَهُّرُ - بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَأَخْرَجَهُ عَنْ طَبْعِ الْمَاءِ، كَالأَْشْرِبَةِ وَالْخَل وَمَاءِ الْبَاقِلاَّ، لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى مَاءً مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ بِمَاءِ الْبَاقِلاَّ وَغَيْرِهِ: مَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِدُونِ الطَّبْخِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ (72) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَنَقَل عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ أَبُو الْحَارِثِ وَالْمَيْمُونِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ جَوَازَ الْوُضُوءِ بِهِ (73) .
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (74) . فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ ﷿ بِاسْتِعْمَال الْمَاءِ - مُنَكَّرًا - عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلاَةِ، وَلَمْ يُبِحِ التَّيَمُّمَ إِلاَّ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، فَدَل هَذَا عَلَى طَهُورِيَّتِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ مِسْكًا أَمْ عَسَلاً أَمْ نَحْوَ ذَلِكَ (75) .
وَبِمَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ ﵂ قَالَتْ: إِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ اغْتَسَل هُوَ وَمَيْمُونَةُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فِي قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ (76) .
فَهَذَا الْحَدِيثُ وَاضِحُ الدَّلاَلَةِ فِي جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ إِذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ اخْتِلاَطٌ يَمْنَعُ التَّطَهُّرَ لَمَا اغْتَسَل رَسُول اللَّهِ ﷺ بِمَاءٍ فِيهِ أَثَرُ الْعَجِينِ فَدَل هَذَا عَلَى طُهُورِيَّتِهِ (77) ، وَلأَِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ بِأَصْل خِلْقَتِهِ، وَقَدْ خَالَطَهُ طَاهِرٌ لَمْ يَسْلُبْهُ اسْمَ الْمَاءِ وَلاَ رِقَّتَهُ وَلاَ جَرَيَانَهُ، فَأَشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بِالدُّهْنِ، أَوِ الْمُخْتَلَطَ بِالطُّحْلُبِ وَشِبْهَهُ (78) .
وَالْفَرِيقُ الثَّانِي: وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٌ. قَال صَاحِبُ أَسْهَل الْمَدَارِكِ: وَالْمُتَغَيِّرُ بِالطَّاهِرِ كَاللَّبَنِ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ طَهُورٍ، يُسْتَعْمَل فِي الْعَادَاتِ كَالطَّبْخِ وَالشُّرْبِ، وَلاَ يُسْتَعْمَل فِي الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْل (79) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِالْمُتَغَيِّرِ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ وَالْمَاءُ يَسْتَغْنِي عَنْهُ هُوَ مَذْهَبُنَا (80) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَغَيَّرَ إِحْدَى صِفَاتِهِ - طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ - كَمَاءِ الْبَاقِلاَّ وَمَاءِ الْحِمَّصِ وَمَاءِ الزَّعْفَرَانِ، اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْمِ فِي الْوُضُوءِ بِهِ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ إِمَامِنَا - ﵀ - فِي ذَلِكَ. فَرُوِيَ عَنْهُ: لاَ تَحْصُل الطَّهَارَةُ بِهِ. . . قَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَهِيَ الأَْصَحُّ وَهِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الْخِلاَفِ (81) ، وَقَال الْمِرْدَاوِيُّ وَهِيَ الْمَذْهَبُ (82) . وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ مَاءٌ تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِطَهُورٍ، وَيُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ، فَلَمْ يَجُزِ الْوُضُوءُ بِهِ كَمَاءِ الْبَاقِلاَّ الْمَغْلِيِّ، وَبِأَنَّ اخْتِلاَطَ الْمَاءِ بِطَاهِرٍ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ كَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يَمْنَعُهُ الإِْطْلاَقُ، وَلِهَذَا لاَ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ الْحَالِفُ عَلَى أَلاَّ يَشْرَبَ مَاءً، وَلِقِيَاسِهِ عَلَى مَاءِ الْوَرْدِ.
ثَانِيًا - حُكْمُ الْمَاءِ إِذَا تَغَيَّرَ بِمُجَاوَرَةِ طَاهِرٍ
16 - إِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِمُجَاوَرَةِ (83) طَاهِرٍ كَالدُّهْنِ وَالطَّاهِرَاتِ الصُّلْبَةِ كَالْعُودِ وَالْكَافُورِ، إِذَا لَمْ يَهْلِكْ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يُمْعَ فِيهِ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، لأَِنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمُجَاوَرَةِ فَلاَ يَضُرُّ، لأَِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ إِطْلاَقَ الاِسْمِ عَلَيْهِ، فَهُوَ يُشْبِهُ تَرَوُّحَ الْمَاءِ بِرِيحِ شَيْءٍ عَلَى جَانِبِهِ (84) .
وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَضُرُّ مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ طَاهِرٍ كَعُودٍ وَدُهْنٍ، مُطَيَّبَيْنِ أَوْ لاَ، أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِيهِ، لأَِنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ فِي الأَْوَّل تَرَوُّحًا، وَفِي الثَّانِي كُدُورَةً لاَ يَمْنَعُ إِطْلاَقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ (85) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ لَدَيْهِمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ: أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، قِيَاسًا عَلَى الْمُتَغَيِّرِ الْمُخْتَلَطِ (86) .
أَمَّا إِذَا هَلَكَ الْمُجَاوِرُ الطَّاهِرُ وَمَاعَ فِي الْمَاءِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّاهِرِ.
ثَالِثًا - حُكْمُ الْمَاءِ الْمُخْتَلِطِ بِنَجَسٍ
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ، وَغَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ، كَانَ نَجِسًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً أَمْ كَثِيرًا.
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيل وَالْكَثِيرَ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، فَغَيَّرَتْ لِلْمَاءِ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رَائِحَةً أَنَّهُ نَجِسٌ مَا دَامَ كَذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَاءِ إِذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّ الْمَاءَ إِذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ، فَهُوَ طَاهِرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلاً، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. يَقُول ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفُوا فِي الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ، فَقَال قَوْمٌ: هُوَ طَاهِرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلاً، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ (87) .
وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: وَأَمَّا مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ إِذَا لاَقَتْهُ النَّجَاسَةُ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْجُسُ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الْمَاءَ لاَ يَنْجُسُ إِلاَّ بِالتَّغَيُّرِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ (88) .
وَاسْتَدَل أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْل بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ (89) .
الْقَوْل الثَّانِي: يُفَرِّقُ بَيْنَ كَوْنِهِ قَلِيلاً وَبَيْنَ كَوْنِهِ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً يَنْجُسُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لاَ يَنْجُسُ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رَأْيُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (90) . 18 - لَكِنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْل اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِل بَيْنَ الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ عَلَى ثَلاَثَةِ مَذَاهِبَ:
الْمَذْهَبُ الأَْوَّل: وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ يَرَى: أَنَّ الْمَاءَ إِنْ كَانَ بِحَالٍ يَخْلُصُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فَهُوَ قَلِيلٌ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَخْلُصُ فَهُوَ كَثِيرٌ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْخُلُوصِ التَّحْرِيكُ، فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ حُرِّكَ طَرَفٌ مِنْهُ يَتَحَرَّكُ الطَّرَفُ الآْخَرُ فَهُوَ مِمَّا يَخْلُصُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَحَرَّكُ فَهُوَ مِمَّا لاَ يَخْلُصُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ التَّحْرِيكِ: فَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكُ بِالاِغْتِسَال مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكُ بِالْوُضُوءِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ اغْتِسَالٍ وَلاَ وُضُوءٍ (91) .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِْنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ (92) .
فَلَوْ كَانَ مَاءُ الإِْنَاءِ لاَ يَنْجُسُ بِالْغَمْسِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ لِوَهْمِ النَّجَاسَةِ مَعْنًى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَاءَ الإِْنَاءِ إِذَا حَرَّكَهُ آدَمِيٌّ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ سَرَتِ الْحَرَكَةُ فِيهِ إِلَى الطَّرَفِ الآْخَرِ (93) .
وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ: أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ (94) .
فَقَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ ﷺ غَسْل الإِْنَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، وَوُلُوغُ الْكَلْبِ لاَ يُغَيِّرُ لَوْنَ الْمَاءِ وَلاَ طَعْمَهُ وَلاَ رِيحَهُ، وَإِنَّمَا يُحَرِّكُهُ (95) .
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَيَرَى أَنَّهُ إِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ فَهُوَ قَلِيلٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ كَثِيرٌ (96) .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ (97) . وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ، إِلاَّ إِنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ (98) . فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ تُفِيدَانِ أَنَّ التَّغْيِيرَ وَعَدَمَهُ مُعْتَبَرٌ فِي مَعْرِفَةِ الطَّاهِرِ مِنَ النَّجِسِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حَدًّا فَاصِلاً بَيْنَ الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ، بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا وَرَدَ الْمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى طَهَارَتِهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الْمَاءَ إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَإِلاَّ فَهُوَ قَلِيلٌ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِل عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلاَةِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَال: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل الْخَبَثَ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ (99) .
فَتَحْدِيدُ الْمَاءِ بِالْقُلَّتَيْنِ وَنَفْيُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ يَدُل عَلَى أَنَّ مَا دُونَهُمَا يَنْجُسُ، إِذْ لَوِ اسْتَوَى حُكْمُ الْقُلَّتَيْنِ وَمَا دُونَهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْدِيدِ مَعْنًى (100) .
وَلأَِنَّ الأُْصُول مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا صَعُبَتْ إِزَالَتُهَا وَشَقَّ الاِحْتِرَازُ مِنْهَا عُفِيَ عَنْهَا، كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَسَلَسِ الْبَوْل وَالاِسْتِحَاضَةِ. وَإِذَا لَمْ يَشُقَّ الاِحْتِرَازُ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَغَيْرِ الدَّمِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَلِيل الْمَاءِ لاَ يَشُقُّ حِفْظُهُ، وَكَثِيرُهُ يَشُقُّ، فَعُفِيَ عَمَّا شَقَّ دُونَ غَيْرِهِ، وَضَبَطَ الشَّرْعُ حَدَّ الْقُلَّةِ بِقُلَّتَيْنِ فَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ، وَلاَ يَجُوزُ لِمَنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ الْعُدُول عَنْهُ (101) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْمُخْتَلِطِ بِنَجَسٍ فِي حَالَتَيِ الْجَرَيَانِ وَالرُّكُودِ
وَفِيمَا يَلِي أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ:
أَوَّلاً - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:
19 - فَرَّقَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَاءِ جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا:
فَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ وَكَانَ جَارِيًا وَالنَّجَاسَةُ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ، وَلَمْ تُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْمَاءِ: فَهُوَ طَاهِرٌ عِنْدَهُمْ.
يَقُول الْكَاسَانِيُّ: فَإِنْ وَقَعَ - أَيِ النَّجَسُ - فِي الْمَاءِ: فَإِنْ كَانَ جَارِيًا:
أ - فَإِنْ كَانَ النَّجَسُ غَيْرَ مَرْئِيٍّ كَالْبَوْل وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهِمَا: لاَ يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنَ الْجَانِبِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النَّجَسُ أَوْ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ. كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ.
ثُمَّ قَال: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْجَاهِل بَال فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَرَجُلٌ أَسْفَل مِنْهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ؟ قَال: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا لأَِنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ مِمَّا لاَ يَخْلُصُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، فَالْمَاءُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِهِ يُحْتَمَل أَنَّهُ نَجِسٌ، وَيُحْتَمَل أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَالْمَاءُ طَاهِرٌ فِي الأَْصْل فَلاَ نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ بِالشَّكِّ.
ب - وَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً كَالْجِيفَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الْمَاءِ يَجْرِي عَلَى الْجِيفَةِ لاَ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْ أَسْفَل الْجِيفَةِ لأَِنَّهُ نَجِسٌ بِيَقِينٍ، وَالنَّجِسُ لاَ يَطْهُرُ بِالْجَرَيَانِ.
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ يَجْرِي عَلَى الْجِيفَةِ فَكَذَلِكَ، لأَِنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ.
وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهُ يَجْرِي عَلَى الْجِيفَةِ، وَالأَْكْثَرُ يَجْرِي عَلَى الطَّاهِرِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مِنْ أَسْفَل الْجِيفَةِ، لأَِنَّ الْمَغْلُوبَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ.
وَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا النِّصْفُ، أَوْ دُونَالنِّصْفِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، لأَِنَّ الْمَاءَ كَانَ طَاهِرًا بِيَقِينٍ، فَلاَ يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ نَجِسًا بِالشَّكِّ.
وَفِي الاِسْتِحْسَانِ: لاَ يَجُوزُ احْتِيَاطًا (102) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَدِّ الْجَرَيَانِ: فَقَال بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يَجْرِيَ بِالتِّبْنِ وَالْوَرَقِ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ وَضَعَ رَجُلٌ يَدَهُ فِي الْمَاءِ عَرْضًا لَمْ يَنْقَطِعْ جَرَيَانُهُ فَهُوَ جَارٍ، وَإِلاَّ فَلاَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إِنْ كَانَ بِحَال لَوِ اغْتَرَفَ إِنْسَانٌ الْمَاءَ بِكَفَّيْهِ لَمْ يَنْحَسِرْ وَجْهُ الأَْرْضِ بِالاِغْتِرَافِ فَهُوَ جَارٍ، وَإِلاَّ فَلاَ.
وَقِيل: مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا فَهُوَ جَارٍ، وَمَا لاَ فَلاَ. قَال الْكَاسَانِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ الأَْقَاوِيل.
وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ رَاكِدًا وَكَانَ قَلِيلاً يَنْجُسُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لاَ يَنْجُسُ (103) .
ثَانِيًا - مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ:
20 - قَال الدُّسُوقِيُّ: إِنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ - وَهُوَ مَا كَانَ قَدْرَ آنِيَةِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْل فَمَا دُونَهُمَا - إِذَا حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ كَالْقَطْرَةِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ فِي حُكْمِ خَبَثٍ وَمُتَوَقِّفٌ عَلَى طُهُورٍ كَالطَّهَارَةِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ.
وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَادَاتِ فَلاَ كَرَاهَةَ فِيهِ، فَالْكَرَاهَةُ خَاصَّةٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طُهُورٍ.
ثُمَّ قَال: الْكَرَاهَةُ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ سَبْعَةٍ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ يَسِيرًا، وَأَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ الَّتِي حَلَّتْ فِيهِ قَطْرَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، وَأَنْ لاَ تُغَيِّرَهُ، وَأَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ، وَأَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ، وَأَنْ لاَ يَكُونَ جَارِيًا، وَأَنْ يُرَادَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طُهُورٍ كَرَفْعِ حَدَثٍ وَحُكْمِ خَبَثٍ وَأَوْضِيَةٍ وَاغْتِسَالاَتٍ مَنْدُوبَةٍ. فَإِنِ انْتَفَى قَيْدٌ مِنْهَا فَلاَ كَرَاهَةَ (104) .
ثَالِثًا - مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ:
21 - يَقُول الشِّيرَازِيُّ: إِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِدًا أَوْ جَارِيًا، أَوْ بَعْضُهُ رَاكِدًا وَبَعْضُهُ جَارِيًا.
أ - فَإِنْ كَانَ رَاكِدًا: نَظَرْتَ فِي النَّجَاسَةِ: فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَةً يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ مِنْ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ مَيْتَةٍ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ نَظَرْتَ: فَإِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رَائِحَةٍ فَهُوَ نَجِسٌ، لِقَوْلِهِ ﷺ: 00 الْمَاءُ لاَ يَنْجُسُ إِلاَّ مَا غَيَّرَ رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ (105) . فَنَصَّ عَلَى الطَّعْمِ وَالرِّيحِ، وَقِيسَ اللَّوْنُ عَلَيْهِمَا لأَِنَّهُ فِي مَعْنَاهُمَا (106) .
وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُهُ دُونَ الْبَعْضِ: نَجِسَ الْجَمِيعُ، لأَِنَّهُ مَاءٌ وَاحِدٌ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْجُسَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ.
وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ: نَظَرْتَ: فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا فَهُوَ طَاهِرٌ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل الْخَبَثَ (107) . وَلأَِنَّ الْقَلِيل يُمْكِنُ حِفْظُهُ مِنَ النَّجَاسَةِ فِي الظُّرُوفِ، وَالْكَثِيرُ لاَ يُمْكِنُ حِفْظُهُ مِنَ النَّجَاسَةِ، فَجَعَل الْقُلَّتَيْنِ حَدًّا فَاصِلاً بَيْنَهُمَا.
ثُمَّ قَال: فَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مِمَّا لاَ يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فَفِيهِ ثَلاَثُ طُرُقٍ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: لاَ حُكْمَ لَهَا، لأَِنَّهَا لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهَا فَهِيَ كَغُبَارِ السِّرْجِينِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ لأَِنَّهَا نَجَاسَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ فَهِيَ كَالنَّجَاسَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: فِيهِ قَوْلاَنِ.
كَمَا بَيَّنَ حُكْمَهُ إِنْ كَانَ جَارِيًا، فَقَال:
ب - وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَارِيَةٌ كَالْمَيْتَةِ، وَالْجَرْيَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ، فَالْمَاءُ الَّذِي قَبْلَهَا طَاهِرٌ لأَِنَّهُ لَمْ يَصِل إِلَى النَّجَاسَةِ، فَهُوَ كَالْمَاءِ الَّذِي يُصَبُّ عَلَى النَّجَاسَةِ مِنْ إِبْرِيقٍ، وَاَلَّذِي بَعْدَهَا طَاهِرٌ أَيْضًا لأَِنَّهُ لَمْ تَصِل إِلَيْهِ النَّجَاسَةُ، وَأَمَّا مَا يُحِيطُ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ فَوْقِهَا وَتَحْتِهَا وَيَمِينِهَا وَشِمَالِهَا فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُمَا فَهُوَ نَجِسٌ كَالرَّاكِدِ.
وَقَال أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ الْقَاصِّ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ: أَنَّهُ لاَ يَنْجُسُ الْمَاءُ الْجَارِي إِلاَّ لِتَغَيُّرٍ، لأَِنَّهُ مَاءٌ وَرَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَنْجُسْ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ، كَالْمَاءِ الْمُزَال بِهِ النَّجَاسَةُ.
وَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ وَاقِفَةً وَالْمَاءُ يَجْرِي عَلَيْهَا، فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا طَاهِرٌ، وَمَا يَجْرِي عَلَيْهَا إِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُمَا فَهُوَ نَجِسٌ، وَكَذَلِك كُل مَا يَجْرِيعَلَيْهَا بَعْدَهَا فَهُوَ نَجِسٌ، وَلاَ يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَرْكُدَ فِي مَوْضِعٍ وَيَبْلُغَ قُلَّتَيْنِ.
وَأَضَافَ الشِّيرَازِيُّ: وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ جَارِيًا وَبَعْضُهُ رَاكِدًا: بِأَنْ يَكُونَ فِي النَّهْرِ مَوْضِعٌ مُنْخَفِضٌ يَرْكُدُ فِيهِ الْمَاءُ، وَالْمَاءُ يَجْرِي بِجَنْبِهِ وَالرَّاكِدُ زَائِلٌ عَنْ سَمْتِ الْجَرْيِ، فَوَقَعَ فِي الرَّاكِدِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَرْيَةِ الَّتِي يُحَاذِيهَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ طَاهِرٌ.
وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَتَتَنَجَّسُ كُل جَرْيَةٍ بِجَنْبِهَا إِلَى أَنْ يَجْتَمِعَ فِي مَوْضِعٍ قُلَّتَانِ فَيَطْهُرُ (108) .
رَابِعًا - مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:
22 - قَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ نَجِسٌ.
وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَهُوَ يَسِيرٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: يَنْجُسُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ، وَعُمُومُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ سَوَاءٌ أَدْرَكَهَا الطَّرْفُ أَوْ لاَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لاَ يَنْجُسُ، وَهَذَا الْخِلاَفُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ.
وَأَمَّا الْجَارِي، فَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَالرَّاكِدِ إِنْ بَلَغَ جَمِيعُهُ قُلَّتَيْنِ دَفَعَ النَّجَاسَةَ إِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ، وَإِلاَّ فَلاَ وَهِيَ الْمَذْهَبُ.
قَال فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلاَ يَنْجُسُ قَلِيلٌ جَارٍ قَبْل تَغَيُّرِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْ أَحْمَدَ تُعْتَبَرُ كُل جَرْيَةٍ بِنَفْسِهَا، اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَقَال: هِيَ الْمَذْهَبُ (109) .
تَطْهِيرُ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ:
23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَطْهِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي: قَال الْكَاسَانِيُّ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَيْفِيَّةِ تَطْهِيرِ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ فِي الأَْوَانِي وَنَحْوِهَا، فَقَال أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدَاوَنِيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ: إِذَا دَخَل الْمَاءُ الطَّاهِرُ فِي الإِْنَاءِ وَخَرَجَ بَعْضُهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بَعْدَ أَنْ لاَ تَسْتَبِينَ فِيهِ النَّجَاسَةُ، لأَِنَّهُ صَارَ مَاءً جَارِيًا، وَلَمْ يُسْتَيْقَنْ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ.
وَقَال أَبُو بَكْرٍ الأَْعْمَشِ: لاَ يَطْهُرُ حَتَّى يَدْخُل الْمَاءُ فِيهِ، وَيَخْرُجَ مِنْهُ مِثْل مَا كَانَ فِيهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِهِ ثَلاَثًا.
وَقِيل: إِذَا خَرَجَ مِنْهُ مِقْدَارُ الْمَاءِ النَّجَسِ يَطْهُرُ، كَالْبِئْرِ إِذَا تَنَجَّسَتْ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِطَهَارَتِهَا بِنَزْحِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ (110) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ يَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَمُكَاثَرَتِهِ حَتَّى يَزُول التَّغَيُّرُ. وَلَوْ زَال التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَزْحِ بَعْضِهِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ (111) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (طَهَارَةٌ ف 16) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (112) : فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمَاءُ الْمُرَادُ تَطْهِيرُهُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ وَفْقَ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ يَزِيدُ.
أ - فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ: فَتَطْهِيرُهُ يَكُونُ بِالْمُكَاثَرَةِ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُكَاثَرَةِ صَبُّ الْمَاءِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، بَل الْمُرَادُ إِيصَال الْمَاءِ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ مِنَ الْمُتَابَعَةِ، إِمَّا مِنْ سَاقِيَةٍ، وَإِمَّا دَلْوًا فَدَلْوًا، أَوْ يَسِيل إِلَيْهِ مَاءُ الْمَطَرِ.
غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: يَكُونُ التَّكْثِيرُ حَتَّى يَبْلُغَ قُلَّتَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَاءُ الَّذِي كَاثَرَهُ بِهِ طَاهِرًا أَمْ نَجِسًا، قَلِيلاً أَمْ كَثِيرًا، لِقَوْل الرَّسُول ﷺ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل الْخَبَثَ (113) . أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: يَكُونُ التَّكْثِيرُ بِقُلَّتَيْنِ طَاهِرَتَيْنِ، لأَِنَّ الْقُلَّتَيْنِ لَوْ وَرَدَ عَلَيْهِمَا مَاءٌ نَجَسٌ لَمْ يُنَجِّسْهُمَا مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ بِهِ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ وَارِدَةً، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِمَا طَهَارَةُ مَا اخْتَلَطَتَا بِهِ.
ب - وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ وَفْقَ الْقُلَّتَيْنِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بِالنَّجَاسَةِ، وَحِينَئِذٍ يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ لاَ غَيْرُ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَغَيِّرًا بِهَا فَيَطْهُرُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِالْمُكَاثَرَةِ إِذَا زَال التَّغَيُّرُ، أَوْ بِتَرْكِهِ حَتَّى يَزُول تَغَيُّرُهُ بِطُول مُكْثِهِ.
وَلاَ يَطْهُرُ بِأَخْذِ بَعْضِهِ حِينَئِذٍ وَلَوْ زَال بِهِ التَّغَيُّرُ، لأَِنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ قُلَّتَيْنِ وَفِيهِ نَجَاسَةٌ.
ج - وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَزِيدُ عَنْ قُلَّتَيْنِ فَلَهُ حَالاَنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ نَجِسًا بِغَيْرِ التَّغَيُّرِ، فَلاَ سَبِيل إِلَى تَطْهِيرِهِ بِغَيْرِ الْمُكَاثَرَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَغَيِّرًا بِالنَّجَاسَةِ فَتَطْهِيرُهُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ: بِالْمُكَاثَرَةِ، أَوْ بِزَوَال تَغَيُّرِهِ بِمُكْثِهِ، أَوْ بِالأَْخْذِ مِنْهُ مَا يَزُول بِهِ التَّغَيُّرُ وَيَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ قُلَّتَانِ فَصَاعِدًا. فَإِنْ بَقِيَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ قَبْل زَوَال تَغَيُّرِهِ لَمْ يَبْقَ التَّغَيُّرُ عِلَّةَ تَنْجِيسِهِ، لأَِنَّهُ تَنَجَّسَ بِدُونِهِ فَلاَ يَزُول التَّنْجِيسُ بِزَوَالِهِ، وَلِذَلِك طَهُرَ الْكَثِيرُ بِالنَّزْحِ وَطُولالْمُكْثِ وَلَمْ يَطْهُرِ الْقَلِيل، فَإِنَّ الْكَثِيرَ لَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ تَنْجِيسِهِ التَّغَيُّرَ زَال تَنْجِيسُهُ بِزَوَال عِلَّتِهِ كَالْخَمْرَةِ إِذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا، وَالْقَلِيل عِلَّةُ تَنْجِيسِهِ الْمُلاَقَاةُ لاَ التَّغَيُّرُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ زَوَالُهُ فِي زَوَال التَّنْجِيسِ (114) .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَطْهِيرِهِ بِالتُّرَابِ أَوِ الْجِصِّ إِنْ زَال بِهِ التَّغَيُّرُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَْوَّل: لاَ يَطْهُرُ، كَمَا لاَ يَطْهُرُ إِذَا طُرِحَ فِيهِ كَافُورٌ أَوْ مِسْكٌ فَزَالَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ، وَلأَِنَّ التُّرَابَ أَوِ الْجِصَّ لاَ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَعَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالثَّانِي: يَطْهُرُ، لأَِنَّ عِلَّةَ نَجَاسَتِهِ التَّغَيُّرُ وَقَدْ زَال، فَيَزُول التَّنْجِيسُ كَمَا لَوْ زَال بِمُكْثِهِ أَوْ بِإِضَافَةِ مَاءٍ آخَرَ، وَيُفَارِقُ الْكَافُورَ وَالْمِسْكَ لأَِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّائِحَةُ بَاقِيَةً، وَإِنَّمَا لَمْ تَظْهَرْ لِغَلَبَةِ رَائِحَةِ الْكَافُورِ وَالْمِسْكِ (115) .
تَطْهِيرُ مِيَاهِ الآْبَارِ
24 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَنَجَّسَ مَاءُ الْبِئْرِ فَإِنَّ تَطْهِيرَهُ يَكُونُ بِالتَّكْثِيرِ إِلَى أَنْ يَزُول التَّغَيُّرُ وَيَكُونَ التَّكْثِيرُ بِالتَّرْكِ حَتَّى يَزِيدَ الْمَاءُ وَيَصِل إِلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ أَوْ بِصَبِّ مَاءٍ طَاهِرٍ فِيهِ حَتَّى يَصِل هَذَا الْحَدَّ. كَمَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اعْتِبَارِ النَّزْحِ طَرِيقًا لِلتَّطْهِيرِ أَيْضًا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَنَجَّسَ مَاءُ الْبِئْرِ فَإِنَّ تَطْهِيرَهُ يَكُونُ بِالنَّزْحِ فَقَطْ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (آبَارٌ ف 21 - 32) .
اخْتِلاَطُ الأَْوَانِي وَاشْتِبَاهُ مَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ الطَّهُورِ بِالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ
25 - إِذَا اخْتَلَطَتِ الأَْوَانِي اخْتِلاَطَ مُجَاوَرَةٍ، وَكَانَ فِي بَعْضِهَا مَاءٌ طَهُورٌ، وَفِي الْبَعْضِ الآْخَرِ مَاءٌ نَجِسٌ وَاشْتَبَهَ الأَْمْرُ عَلَى الشَّخْصِ، وَلاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَى إِيجَادِ مَاءٍ آخَرَ طَهُورٍ غَيْرِ الَّذِي فِي بَعْضِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل: يَجِبُ عَلَيْهِ الاِجْتِهَادُ وَالتَّحَرِّي لِمَعْرِفَةِ الطَّهُورِ مِنْهَا، فَإِذَا اجْتَهَدَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طَهُورِيَّةُ أَحَدِهَا بِعَلاَمَةٍ تَظْهَرُ جَازَ لَهُ التَّطَهُّرُ بِهِ، وَإِلاَّ فَلاَ.
وَبِهَذَا قَال جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ (116) ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ (117) . وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (118) . وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَلَمْ يَجُزِ التَّيَمُّمُ، وَوَجَبَ الاِجْتِهَادُ، وَبِأَنَّ التَّطَهُّرَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ يُمْكِنُ التَّوَصُّل إِلَيْهِ بِالاِجْتِهَادِ، فَوَجَبَ قِيَاسًا عَلَى الْقِبْلَةِ، وَعَلَى الاِجْتِهَادِ فِي الأَْحْكَامِ وَفِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ فِي الْخَطَأِ (119) .
الْقَوْل الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهِ الاِجْتِهَادُ وَالتَّحَرِّي إِذَا كَانَ عَدَدُ أَوَانِي الْمَاءِ الطَّهُورِ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ أَوَانِي النَّجِسِ، فَإِنْ كَانَ عَدَدُ أَوَانِي الْمَاءِ الطَّهُورِ مُسَاوِيًا لِعَدَدِ أَوَانِي النَّجِسِ أَوْ أَقَل لاَ يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي، بَل يَتَيَمَّمُ.
وَبِهَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ (120) ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (121) .
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ (122) . وَكَثْرَةُ النَّجِسِ تَرِيبُ، فَوَجَبَ تَرْكُهُ وَالْعُدُول إِلَى مَا لاَ رَيْبَ فِيهِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ، وَبِأَنَّ الأُْصُول مُقَرَّرَةٌ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الْحَرَامِ وَاسْتِوَاءَ الْحَلاَل وَالْحَرَامِ يُوجِبُ تَغْلِيبَ حُكْمِهِ فِي الْمَنْعِ كَأُخْتٍ أَوْ زَوْجَةٍ اخْتَلَطَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ.
وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوِ اشْتَبَهَ مَاءٌ وَبَوْلٌ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَهِدُ فِيهِ بَل يَتَيَمَّمُ (123) .
الْقَوْل الثَّالِثُ: لاَ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْمِيَاهِ الْمُخْتَلِطَةِ عِنْدَ الاِشْتِبَاهِ مُطْلَقًا، بَل يَتْرُكُ الْجَمِيعَ وَيَتَيَمَّمُ.
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (124) ، وَبِهِ قَال أَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ (125) ، وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ (126) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ إِذَا اجْتَهَدَ قَدْ يَقَعُ فِي النَّجِسِ، وَأَنَّهُ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ فَلَمْ يَجُزِ الاِجْتِهَادُ فِيهِ كَمَا لَوِ اشْتَبَهَ مَاءٌ وَبَوْلٌ (127) .
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلاَءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ: فَقَال أَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لاَ يَتَيَمَّمُ حَتَّى يُرِيقَ الْمَاءَ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَاءِ.
وَقَال سَحْنُونٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ: يَتَيَمَّمُ وَإِنْ لَمْ يُرِقْهُ لأَِنَّهُ كَالْمَعْدُومِ.
الْقَوْل الرَّابِعُ: يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إِنَاءٍ.
وَبِهَذَا قَال ابن الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِسَحْنُونٍ (128) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الشَّخْصَ فِي هَذِهِ الْحَالَة مَعَهُ مَاءٌ مُحَقَّقُ الطَّهَارَةِ وَلاَ سَبِيل إِلَى تَيَقُّنِ اسْتِعْمَالِهِ إِلاَّ بِالتَّوَضُّؤِ وَالصَّلاَةِ بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إِنَاءٍ، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ.
الْقَوْل الْخَامِسُ: يَجُوزُ التَّطَهُّرُ بِأَيِّهَا شَاءَ بِلاَ اجْتِهَادٍ وَلاَ ظَنٍّ.
وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ (129) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الأَْصْل طَهَارَةُ الْمَاءِ فِي كُل الأَْوَانِي.
سَقْيُ أَرْضِ الْفِلاَحَةِ بِمَاءٍ نَجِسٍ
26 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الزَّرْعَ الَّذِي يُسْقَى بِمَاءٍ نَجِسٍ طَاهِرٌ، فَإِنْ أَصَابَ الْمَاءُ النَّجِسُ ظَاهِرَ الزَّرْعِ تَنَجَّسَ وَوَجَبَ تَطْهِيرُهُ بِالْغَسْل.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ الَّتِي سُقِيَتْ بِالنَّجَاسَاتِ أَوْ سُمِّدَتْ بِهَا تَحْرُمُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: كُنَّا نُكْرِي أَرْضَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَنَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَدْمُلُوهَا بِعَذِرَةِ النَّاسِ (130) ، وَلأَِنَّهَا تَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَاتِ وَتَتَرَقَّى فِيهَا أَجْزَاؤُهَا، وَالاِسْتِحَالَةُ لاَ تُطَهِّرُ، فَعَلَى هَذَا تَطْهُرُ إِذَا سُقِيَتِ الطَّاهِرَاتِ، كَالْجَلاَّلَةِ إِذَا حُبِسَتْ وَأُطْعِمَتِ الطَّاهِرَاتِ (131) .
__________
(1) لسان العرب، ومختار الصحاح، والقاموس المحيط، وأساس البلاغة 4 / 299 - 300 ط دار الكتب العلمية - بيروت.
(2) حاشية الطحطاوي على الدر المختار 1 / 202 طبعة دار المعرفة - بيروت، وحاشية الرملي الكبير بهامش أسنى المطالب شرح روض الطالب 1 / 5 ط دار إحياء الكتب العربية بمصر، وحاشية القليوبي 1 / 18 ط عيسى الحلبي بمصر، والشرح الصغير على أقرب المسالك 1 / 45 ط عيسى الحلبي 1 / 30 ط دار المعارف بمصر.
(3) مختار الصحاح، والتعريفات للجرجاني.
(4) الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي 1 / 34 ط دار الفكر - بيروت، ومغني المحتاج 1 / 17.
(5) كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار 1 / 17، 18 ط الشؤون الدينية بقطر.
(6) فتح القدير 1 / 68، 69، ومواهب الجليل 1 / 43 ط دار الفكر، وكفاية الأخيار 1 / 17، والروض المربع 1 / 11 ط دار الكتب العربية، والمغني 1 / 7، والمجموع 1 / 84.
(7) سورة الفرقان / 48.
(8) سورة الأنفال / 11.
(9) المجموع 1 / 85.
(10) حديث جابر: " أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 436) ومسلم (1 / 370 - 371) واللفظ للبخاري.
(11) الذخيرة 1 / 159، والمجموع 1 / 85، والمغني 1 / 7.
(12) حديث أنس: " جعلت لي كل أرض طيبة مسجدًا وطهورًا ". أخرجه ابن الجارود في المنتقى (ص 51) ، وصحح إسناده ابن حجر في فتح الباري (1 / 438) .
(13) فتح الباري 1 / 438 ط السلفية.
(14) حديث: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ". أخرجه الترمذي (1 / 101) من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن صحيح.
(15) المجموع 1 / 85، والمغني 1 / 7.
(16) المغني 1 / 7.
(17) البحر الرائق 1 / 70، والمجموع 1 / 84
(18) سورة الإنسان / 21.
(19) البحر الرائق 1 / 70، والذخيرة 1 / 160، والمجموع 1 / 84.
(20) البحر الرائق 1 / 70، والمجموع 1 / 84 - 85.
(21) البحر الرائق 1 / 70، والكشاف للزمخشري 3 / 95 ط دار المعرفة - بيروت.
(22) سورة الأنفال / 11.
(23) حديث: " هو الطهور ماؤه. . . ". تقدم تخريجه ف 3.
(24) المغني 1 / 18.
(25) مختار الصحاح، والمعجم الوجيز.
(26) حديث أبي هريرة: " كان رسول الله ﷺ يسكت بين التكبير والقراءة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 227) .
(27) الهداية مع فتح القدير 1 / 68، 69، ومواهب الجليل 1 / 46، ومغني المحتاج 1 / 17، والكافي 1 / 3.
(28) سنن الترمذي 1 / 101 - 102.
(29) الحديث سبق تخريجه ف 3.
(30) المجموع 1 / 90 - 91.
(31) الدر المختار بهامش حاشية الطحطاوي 1 / 102 ط دار المعرفة.
(32) حاشية الدسوقي والشرح الكبير 1 / 34، ويراجع: المجموع 1 / 81، 82.
(33) المغني 1 / 18.
(34) حديث: " اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد ". تقدم تخريجه ف (5) .
(35) الدر المختار بحاشية الطحطاوي 1 / 102، والمجموع 1 / 82.
(36) حاشية الطحطاوي 1 / 102.
(37) المجموع 1 / 81، 82.
(38) المجموع 1 / 81، 82.
(39) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 1 / 179، 180 ط مصطفى الحلبي، ومغني المحتاج 1 / 20، والمجموع 1 / 92، وحاشية العدوي 1 / 140 ط عيسى الحلبي.
(40) كفاية الطالب الرباني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني بأعلى حاشية العدوي 1 / 139 ط عيسى الحلبي.
(41) منار السبيل شرح الدليل 1 / 10 - 11 ط المكتب الإسلامي. وأثر ابن عباس: " لا أحلها لمغتسل يغتسل في المسجد. . . ". أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1 / 36.
(42) مختار الصحاح، والمغني 1 / 14.
(43) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 1 / 27، 28.
(44) أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك بأعلى الشرح الصغير 1 / 49 ط عيسى الحلبي.
(45) حاشية الرملي بهامش أسنى المطالب شرح روض الطالب 1 / 8.
(46) المجموع 1 / 91.
(47) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1 / 40، وجاء في مصنف ابن أبي شيبة 1 / 58 ط دار الفكر ما نصه: عن ابن سيرين أنه كان يكره الوضوء بالماء الآجن.
(48) المجموع 1 / 91.
(49) فتح القدير 1 / 89، 90.
(50) بدائع الصنائع 1 / 66، 67، والدر المختار ورد المحتار 1 / 134.
(51) حاشية الدسوقي 1 / 41، 42.
(52) المرجع السابق.
(53) الشرح الصغير 1 / 56.
(54) الشرح الصغير 1 / 56، وأقرب المسالك 1 / 56، وحاشية العدوي على الخرشي 1 / 74 - 76.
(55) المهذب 1 / 8.
(56) حديث جابر: " جاء رسول الله ﷺ يعودني. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 301) ، ومسلم (3 / 1235) .
(57) مغني المحتاج 1 / 21.
(58) مغني المحتاج 1 / 21.
(59) حديث: " إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه ". أخرجه ابن ماجه (1 / 174) من حديث أبي أمامة، وذكر البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 131) أن في إسناده راويًا ضعيفًا.
(60) المهذب 1 / 8.
(61) حديث: " نهيه ﷺ أن يغمس القائم من نوم الليل. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 263) ومسلم (1 / 233) من حديث أبي هريرة.
(62) المغني 1 / 18 - 21.
(63) الشرح الكبير 1 / 42، والأم 1 / 3، والمغني 1 / 17 - 20، والمجموع 1 / 87، 89، والدر المختار بأعلى رد المحتار 1 / 27.
(64) مغني المحتاج 1 / 19.
(65) أثر عمر " أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس ". أخرجه الشافعي في الأم (1 / 3) ، وذكر ابن حجر في التلخيص (1 / 22) أن في إسناده راويًا ضعيفًا جدًا.
(66) الشرح الصغير 1 / 16، وحاشية الدسوقي 1 / 44.
(67) حديث: " لا تفعلي يا حميراء، فإنه يورث البرص ". أخرجه الدارقطني (1 / 38) من حديث عائشة، وذكر أن فيه راويًا متروكًا، وقال: " غريب جدًا ".
(68) رد المحتار على الدر المختار 1 / 180.
(69) الشرح الكبير 1 / 45، ونهاية المحتاج 1 / 71، ومغني المحتاج 1 / 19 - 20.
(70) المغني 1 / 17 - 18.
(71) الهداية بأعلى فتح القدير 1 / 71، والشرح الصغير على أقرب المسالك 1 / 46، والمهذب 1 / 5، والمغني 1 / 13.
(72) الهداية بأعلى فتح القدير 1 / 62، والهداية 1 / 8.
(73) المغني 1 / 12، والمحرر 1 / 2.
(74) سورة النساء / 43.
(75) المغني 1 / 12.
(76) حديث أم هانئ: " أن رسول الله ﷺ اغتسل هو وميمونة من إناء واحد. . . ". أخرجه النسائي (1 / 131) ، والبيهقي (1 / 7) ، وأشار البيهقي إلى انقطاع في سنده بين مجاهد وأم هانئ.
(77) تبيين الحقائق 1 / 12، والمغني 1 / 15.
(78) المغني 1 / 12.
(79) أسهل المدارك 1 / 38.
(80) المجموع 1 / 104.
(81) المغني 1 / 12.
(82) الإنصاف 1 / 32.
(83) المجاور: ما يتميز في رأي العين، وقيل: ما يمكن فصله بخلاف الخليط، وقيل: المعتبر العرف (أسنى المطالب 1 / 8) .
(84) بدائع الصنائع 1 / 15، وتبيين الحقائق 1 / 20، والشرح الصغير 1 / 46، وحاشية الدسوقي 1 / 35، والمغني 1 / 13.
(85) شرح المنهاج 1 / 19.
(86) حاشية الدسوقي 1 / 35، والمهذب 1 / 5.
(87) بداية المجتهد 1 / 41.
(88) المغني 1 / 23.
(89) حديث: " إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه. . . ". تقدم تخريجه ف (11) .
(90) بدائع الصنائع 1 / 71، وبداية المجتهد 1 / 41، ومغني المحتاج 1 / 21، والمغني 1 / 23، والمجموع 1 / 112.
(91) بدائع الصنائع 1 / 71، 72.
(92) حديث: " إذا استيقظ أحدكم من نومه. . . ". أخرجه مسلم (1 / 233) .
(93) بدائع الصنائع 1 / 72.
(94) حديث: " طهور إناء أحدكم. . . ". أخرجه مسلم (1 / 234) .
(95) بدائع الصنائع 1 / 72.
(96) الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي 1 / 43.
(97) حديث: " إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه. . . " تقدم تخريجه فقرة (11) .
(98) حديث: " إن الماء طاهر إلاَّ إن تغير ريحه. . . ". أخرجه البيهقي (1 / 260) ، وقال: الحديث غير قوي.
(99) حديث ابن عمر: " أن النبي ﷺ سئل عن الماء يكون في الفلاة. . . ". أخرج الرواية الأولى الترمذي (1 / 97) ، والحاكم (1 / 132) ، والرواية الثانية للحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.
(100) المجموع 1 / 114، والمغني 1 / 25.
(101) المجموع 1 / 116.
(102) بدائع الصنائع 1 / 71 وما بعدها.
(103) بدائع الصنائع 1 / 71 المطبعة العلمية.
(104) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 43.
(105) حديث: " الماء لا ينجس. . . ". أخرجه البيهقي (1 / 260) من حديث أبي أمامة، وقال: الحديث غير قوي.
(106) قال النووي في المجموع (1 / 111) : أما قول المصنف: فنص على الطعم والريح وقسنا اللون عليهما: فكأنه قاله لأنه لم يقف على الرواية التي فيها اللون وهي موجودة في سنن ابن ماجه والبيهقي. (انظر سنن ابن ماجه 1 / 174، وسنن البيهقي 1 / 260) .
(107) حديث: " إن كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ". تقدم تخريجه فقرة (17) .
(108) المهذب 1 / 13 وما بعدها.
(109) الإنصاف 1 / 56، 57.
(110) بدائع الصنائع 1 / 87، وفتح القدير 1 / 55.
(111) حاشية الدسوقي 1 / 46، 47، وشرح الخرشي 1 / 79.
(112) المهذب 1 / 6، 7، والمجموع 1 / 132 وما بعدها، والمغني 1 / 35.
(113) حديث: " إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ". تقدم تخريجه فقرة (17) .
(114) المغني 1 / 36.
(115) المهذب 1 / 6، 7، والمجموع 1 / 132 وما بعدها، والمغني 1 / 35 وما بعدها.
(116) المجموع 1 / 180، ومغني المحتاج 1 / 26.
(117) مواهب الجليل 1 / 171، وتهذيب الفروق 1 / 228 ط عالم الكتب - بيروت.
(118) سورة المائدة / 6.
(119) المجموع 1 / 181.
(120) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 21 ط الثانية طبع المطبعة الأزهرية.
(121) المغني 1 / 60.
(122) حديث: " دع ما يريبك. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 668) ، وقال: حديث حسن صحيح.
(123) المغني 1 / 61.
(124) مواهب الجليل 1 / 171، والقوانين الفقهية ص 38.
(125) المجموع 1 / 181.
(126) المغني 1 / 61، وكشاف القناع 1 / 32، 33.
(127) المجموع 1 / 181، والمغني 1 / 61.
(128) مواهب الجليل 1 / 171، والقوانين الفقهية ص 38.
(129) المجموع 1 / 180.
(130) أثر ابن عباس: " كنا نكري. . . ". أخرجه البيهقي (6 / 139) .
(131) حاشية ابن عابدين 5 / 217، وشرح الخرشي 1 / 88، وحاشية الدسوقي 1 / 52، ومغني المحتاج 1 / 81، والمغني مع الشرح الكبير 11 / 72 - 73.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 352/ 39
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".