المولى
كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...
القِطُّ ويُسمَّى السِّنَّوْرُ، وهو حَيوانٌ مَعروفٌ في الدُّورِ والشَّوارعُ، والجمع: هِرَرَةٌ، والأُنثى: هِرَّةٌ، وجَمْعُها: هِرَرٌ. والهِرُّ أيضاً: سَوْقُ الغَنَمِ.
يَرِد مُصطَلح (هِرّ) في الفقه في عِدَّة مواطِن، منها: كتاب الطَّهارَة، باب: أحكام النَّجاسات عند الكلام على بَولِ القِطِّ وخُرْئِهِ، وفي كتاب البيوع، باب: ما يُنهى عنه من البيوع عند الكلام على حكم بَيْعِ الهِرَّة، وفي باب: الضَّمان عند الكلام على حُكم ضَمانِ ما يُتلِفُه القِطّ، وفي كتاب الأطعمة والأشربة، باب: ما لا يحِلُّ أكلُهُ وما يحلُّ. ويَرِد أيضاً في كتاب الإجارَةِ عند الكلام على حُكْمِ إجارَةِ القِطِّ لِقَتْلِ الفِئْرانِ. وفي كتاب الجِناياتِ عند الكلام على حُكْمِ قَتْلِ الهِرَّةِ الصّائِلَةِ وما يَتَعَلَّق بِذلِك مِن أحكامٍ أخرى.
هرر
* العين : (3/350)
* الزاهر في معاني كلمات الناس لابن الأنباري : (1/249)
* المحكم والمحيط الأعظم : (4/97)
* مختار الصحاح : (ص 325)
* لسان العرب : (5/261)
* تاج العروس : (14/420)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 272)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/637)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 494) -
التَّعْرِيف:
أ - الْهِرُّ فِي اللُّغَةِ: الْقِطُّ الذَّكَرُ، وَجَمْعُهُ هِرَرَةٌ، مِثْل قِرْدٍ وَقِرَدَةٍ، وَالأُْنْثَى: هِرَّةٌ وَجَمْعُهَا هِرَرٌ، مِثْل سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ، قَالَهُ الأَْزْهَرِيُّ.
وَقَال ابْنُ الأَْنْبَارِيِّ: الْهِرُّ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى، وَقَدْ يُدْخِلُونَ الْهَاءَ فِي الْمُؤَنَّثِ، وَتَصْغِيرُ الأُْنْثَى هُرَيْرَةٌ، وَبِهَا كُنِّيَ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ (1) .
وَالْهِرُّ: الْقِطُّ، وَهُوَ جِنْسٌ مِنَ الْفَصِيلَةِ السِّنَّوْرِيَّةِ وَرُتْبَةِ اللَّوَاحِمِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْهِرِّ مِنَ الأَْحْكَامِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْهِرِّ أَحْكَامٌ مِنْهَا: أ - طَهَارَةُ الْهِرِّ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي طَهَارَةِ الْهِرِّ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْهِرَّ طَاهِرٌ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ " (3) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَمِنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ، إِلَى أَنَّ الْهِرَّةَ نَجِسَةٌ لِنَجَاسَةِ لَحْمِهَا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْقِيَاسَ فِي الْهِرَّةِ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا؛ لأَِنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِلُعَابِهَا الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمِهَا النَّجِسِ، لَكِنْ سَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ اتِّفَاقًا بِعِلَّةِ الطَّوَافِ الْمَنْصُوصَةِ بِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ يَعْنِي أَنَّهَا تَدْخُل الْمَضَايِقَ، وَلاَزِمُهُ شِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ صَوْنُ الأَْوَانِي مِنْهَا.
وَفِي مَعْنَاهَا سِوَاكِنُ الْبُيُوتِ، لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَسَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَبَقِيَتِ الْكَرَاهَةُ، لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ (4) . ب - طَهَارَةُ سُؤْرِ الْهِرِّ:
3 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ سُؤْرَ الْهِرَّةِ وَمَا يُمَاثِلُهَا أَوْ دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ مِنْ سِوَاكِنِ الْبُيُوتِ طَاهِرٌ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ بِهِ (5) ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي قَتَادَةَ - ﵁ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَل عَلَيْهَا قَالَتْ: فَسَكَبْتُ لَهُ وَضَوْءًا، قَالَتْ: فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ فَأَصْغَى لَهَا الإِْنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَال: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَال: إِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: " إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ (6) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (سُؤْر ف 3 - 6) .
ج - بَوْل الْهِرَّةِ وَخُرْؤُهَا:
4 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ بَوْل الْهِرَّةِ وَخُرْءَهَا نَجِسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ، وَلَوْ طُحِنَ بَعْرُ الْفَأْرَةِ مَعَ الْحِنْطَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ يُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ.
وَفِي الْخُلاَصَةِ: إِذَا بَالَتِ الْهِرَّةُ فِي الإِْنَاءِ، أَوْ عَلَى الثَّوْبِ تَنَجَّسَ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ نَجَاسَةَ بَوْل الْهِرَّةِ، وَعُمُومُ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ فِي نَجَاسَةِ جَمِيعِ الأَْبْوَال يَقْضِي بِنَجَاسَتِهِ (7) . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نَجَاسَة) .
د - بَيْعُ الْهِرِّ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْهِرَّةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الْهِرَّةِ جَائِزٌ؛ لأَِنَّهَا طَاهِرَةٌ وَمُنْتَفَعٌ بِهَا وَوُجِدَ فِيهَا جَمِيعُ شُرُوطِ الْبَيْعِ، فَجَازَ بَيْعُهَا كَالْحِمَارِ وَالْبَغْل، وَلأَِنَّ كُل مَمْلُوكٍ أُبِيحَ الاِنْتِفَاعُ بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ إِلاَّ مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِنَ الْكَلْبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْوَقْفِ؛ لأَِنَّ الْمِلْكَ لإِِطْلاَقِ التَّصَرُّفِ، وَالْمَنْفَعَةُ الْمُبَاحَةُ يُبَاحُ لِلشَّخْصِ اسْتِيفَاؤُهَا، فَجَازَ لَهُ أَخْذُ عِوَضِهَا، وَأُبِيحَ لِغَيْرِهِ بَذْل مَالِهِ فِيهَا تَوَصُّلاً إِلَيْهَا وَدَفْعًا لِحَاجَتِهِ بِهَا، كَسَائِرِ مَا أُبِيحَ بَيْعُهُ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ شُرِعَ طَرِيقًا لِلتَّوَصُّل إِلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ، لِيَصِل كُل وَاحِدٍ إِلَى الاِنْتِفَاعِ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِمَّا يُبَاحُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ (8) .
وَلِبَعْضِ الْجُمْهُورِ قُيُودٌ فِي جَوَازِ بِيْعِ الْهِرَّةِ.
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ بَيْعُ الْهِرَّةِ بِقَصْدِ أَخْذِ جِلْدِهَا لِلاِنْتِفَاعِ بِهِ، أَمَّا إِذَا بَاعَهَا لاَ لِقَصْدِ أَخْذِ جِلْدِهَا فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا، إِلاَّ أَنَّ الْبُنَانِيَّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَال: الصَّوَابُ أَنَّ بَيْعَ الْهِرَّةِ لِيُنْتَفَعَ بِهِ حَيًّا جَائِزٌ (9) . وَخَصَّ الشَّافِعِيَّةُ الْجَوَازَ بِبَيْعِ الْهِرَّةِ الأَْهْلِيَّةِ، أَمَّا الْهِرَّةُ الْوَحْشِيَّةُ فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا عِنْدَهُمْ، لِعَدَمِ الاِنْتِفَاعِ بِهَا (10) .
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ وَمُجَاهِدٌ وَطَاوُوسٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ صَحَّحَهُ الْجُزُولِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الْهِرَّةِ مَكْرُوهٌ (11) ، لِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَال: " سَأَلْتُ جَابِرًا ﵁ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ فَقَال: زَجَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ (12) ، وَلأَِنَّ أَكْلَهَا مَكْرُوهٌ فَكُرِهَ بَيْعُهَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الْهِرَّةِ لاَ يَجُوزُ (13) ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ (14) ، وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ ﵁ الْمُتَقَدِّمِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ زَجَرَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ.
ص - ضَمَانُ مَا يُتْلِفُهُ الْهِرُّ:
6 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَتْلَفَتِ الْهِرَّةُ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُمَا ضَمِنَ مَالِكُهَا - أَيْ صَاحِبُهَا الَّذِي يُؤْوِيهَا - مَا أَتْلَفَتْهُ إِنْ عَهِدَ مِنْهَا ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، كَمَا يَضْمَنُ مُرْسِل الْكَلْبِ الْعَقُورِ مَا يُتْلِفُهُ، لأَِنَّ مِثْل هَذِهِ الْهِرَّةِ يَنْبَغِي أَنْ تُرْبَطَ وَيُكَفَّ شَرُّهَا، وَمِثْلُهَا كُل حَيَوَانٍ مُولَعٍ بِالتَّعَدِّي كَالْجَمَل وَالْحِمَارِ اللَّذَيْنِ عُرِفَا بِعَقْرِ الدَّوَابِّ وَإِتْلاَفِهَا. وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَضْمَنُ لَيْلاً وَلاَ نَهَارًا لأَِنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِرَبْطِ الْهِرَّةِ، وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ الْمُفْسِدُ مِمَّا يُرْبَطُ عَادَةً فَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ ضَمِنَ مَا يُتْلِفُهُ قَطْعًا. وَبِهِ صَرَّحَ الإِْصْطَخْرِيُّ، لأَِنَّهُ مُقَصِّرٌ حِينَئِذٍ بِإِرْسَالِهَا (15) .
أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْهَدْ مِنَ الْهِرَّةِ أَوْ نَحْوِهَا - وَالْمُرَادُ هُوَ تَعَهُّدُ صَاحِبِ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهِ مِنْهَا إِتْلاَفَ مَا ذُكِرَ - فَلاَ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ الإِْتْلاَفُ فِي اللَّيْل أَوْ فِي النَّهَارِ؛ لأَِنَّ الْعَادَةَ حِفْظُ الطَّعَامِ عَنْهَا، لاَ رَبْطُهَا.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ فِي اللَّيْل دُونَ مَا أَتْلَفَتْهُ فِي النَّهَارِ كَالدَّابَّةِ (16) .
وَانْظُرْ آرَاءَ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَهُ الْحَيَوَانُ فِي مُصْطَلَحِ (ضَمَان ف 107 - 109) . و - قَتْل الْهِرَّةِ الصَّائِلَةِ:
7 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَتِ الْهِرَّةُ فِي الدَّفْعِ عَنْ حَمَامٍ وَنَحْوِهِ فَهَدَرٌ؛ لِصِيَالِهَا، وَذَلِكَ إِذَا تَعَيَّنَ قَتْلُهَا طَرِيقًا لِدَفْعِهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهَا بِدُونِهِ كَالصَّائِل، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ قَتْلُهَا طَرِيقًا لِدَفْعِهَا بِأَنْ أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِضَرْبٍ أَوْ زَجْرٍ فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهَا، بَل يَدْفَعُهَا بِالأَْخَفِّ فَالأَْخَفِّ كَدَفْعِ الصَّائِل، فَلَوْ كَانَتِ الْهِرَّةُ صَغِيرَةً مَثَلاً وَلاَ يُفِيدُ مَعَهَا الدَّفْعُ بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنَ الْبَيْتِ وَيُغْلِقَهُ دُونَهَا، أَوْ بِأَنْ يُكَرِّرَ دَفْعَهَا عَنْهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهَا وَلاَ ضَرْبُهَا ضَرْبًا شَدِيدًا.
وَيَشْمَل حُكْمُ وُجُوبِ دَفْعِ الْهِرَّةِ بِالأَْخَفِّ فَالأَْخَفِّ كَالصَّائِل مَا لَوْ خَرَجَتْ أَذِيَّتُهَا عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ هَذِهِ الْعَادَةِ، فَقَال بَعْضُهُمْ: وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَال الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلاَفُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، كَمَا فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ.
وَلَوْ صَارَتِ الْهِرَّةُ ضَارِيَةً مُفْسِدَةً فَهَل يَجُوزُ قَتْلُهَا فِي حَال سُكُونِهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا - وَبِهِ قَال الْقَفَّال - لاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّ ضَرَاوَتَهَا عَارِضَةٌ وَالتَّحَرُّزَ عَنْهَا سَهْلٌ، وَجَوَّزَ الْقَاضِي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَتْلَهَا مُطْلَقًا؛ أَيْ سَوَاءٌ فِي حَال صِيَالِهَا أَوْ حَال سُكُونِهَا، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ دَفْعُهَابِدُونِ الْقَتْل أَمْ لَمْ يُمْكِنْ؛ لأَِنَّهَا قَدْ تَعُودُ وَتُتْلِفُ مَا دُفِعَ عَنْهَا مَعَ التَّغَافُل عَنْهُ؛ وَلأَِنَّهَا - فِي هَذِهِ الْحَالَةِ - لاَ يُكَفُّ شَرُّهَا إِلاَّ بِالْقَتْل (17) .
وَاعْتَمَدَ هَذَا الْقَوْل ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ حَيْثُ أَفْتَى بِقَتْل الْهِرِّ إِذَا خَرَجَ أَذَاهُ عَنِ الْعَادَةِ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ وَاخْتَارَهُ الأَْذْرَعِيُّ: فِي هِرٍّ مُهْمَلٍ لاَ مَالِكَ لَهُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَأَلْحَقَهُ الْقَاضِي بِالْفَوَاسِقِ الْخَمْسَةِ.
وَالْوَجْهُ جَوَازُ الدَّفْعِ كَذَلِكَ فِي الْهِرَّةِ الْحَامِل، بَل وُجُوبُهُ وَلاَ نَظَرَ لِكَوْنِهَا حَامِلاً أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ يُعْلَمُ الْحَمْل؛ لأَِنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ حَيَاتَهُ، وَتَيَقَّنَّا إِضْرَارَهَا لَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا فَرُوعِيَ (18) .
وَسُئِل الْبُلْقِينِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وِلاَدَةِ هِرَّةٍ فِي مَحَلٍّ وَتَأْلَفُ ذَلِكَ الْمَحَل بِحَيْثُ تَذْهَبُ وَتَعُودُ إِلَيْهِ لِلإِْيوَاءِ فَهَل يَضْمَنُ مَالِكُ الْمَحَل مُتْلَفَهَا؟ وَأَجَابَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ وَإِلاَّ ضَمِنَ ذُو الْيَدِ (19) وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ ذَبْحَ الْهِرَّةِ إِذَا كَانَتْ مُؤْذِيَةً بِسِكِّينٍ حَادٍّ وَيُكْرَهُ ضَرْبُهَا وَفَرْكُ أُذُنِهَا، وَفِي الْقُنْيَةِ: يَجُوزُ ذَبْحُ الْهِرَّةِ لِنَفْعٍ مَا (20) . وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْل الْهِرِّ إِذَا خَرَجَتْ إِذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَتْ إِذَايَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ إِذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ، وَوَقَعَتِ الإِْذَايَةُ مِنْهُ فَلْتَةً فَلاَ يُقْتَل (21) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (صِيَال ف 5) .
ز - حُكْمُ أَكْل لَحْمِ الْهِرِّ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ أَكْل لَحْمِ الْهِرَّةِ.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْهِرَّةِ الْوَحْشِيَّةِ وَفِي الصَّحِيحِ بِالنِّسْبَةِ لِلْهِرَّةِ الأَْهْلِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى حُرْمَةِ أَكْل الْهِرَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَهْلِيَّةً أَوْ وَحْشِيَّةً، لِحَدِيثِ: كُل ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ (22) ؛ وَلأَِنَّهَا تَعْدُو بِنَابِهَا فَتُشْبِهُ الأَْسَدَ، وَلأَِنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: الْهِرُّ سَبُعٌ (23) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْل لَحْمِهَا.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْهِرَّةَ الْوَحْشِيَّةَ يَحِل أَكْل لَحْمِهَا، وَكَذَا الأَْهْلِيَّةُ فِي مُقَابِل الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (24) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (أَطْعِمَة ف 24 - 29) .
__________
(1) الْمِصْبَاح الْمُنِير، المعجم الْوَسِيط
(2) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 24، 78 وسبل السَّلاَم شَرْح بُلُوغ الْمَرَام 1 / 30
(3) حَدِيث: " إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطوا فَين. . . " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (1 / 60 ط حِمْص) والترمذي (1 / 154 ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَة - ﵁ - وَقَال: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَاللَّفْظ لِلتِّرْمِذِيِّ
(4) سُبُل السَّلاَمِ 1 / 30 - 31، والبدائع 1 / 65، وحاشية ابْن عَابِدِينَ 1 / 149، والشرح الصَّغِير 1 / 43 وَمَا بَعْدَهَا، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 24، وكفاية الأَْخْيَار 1 / 69، وكشاف الْقِنَاع 1 / 191 - 193
(5) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 1 / 149، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 24، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 1 / 50 - 51.
(6) حَدِيث: " إِنَّهَا لَيْسَتْ. . . " سَبَقَ تَخْرِيجَهُ ف 2.
(7) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 1 / 212، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 1 / 9، والدسوقي 1 / 58، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 78، وتحفة الْمُحْتَاج 1 / 296
(8) الْبَدَائِع 5 / 142، ومواهب الْجَلِيل 4 / 267 - 268، والمجموع لِلنَّوَوِيِّ 9 / 229 - 230، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 4 / 283 - 285.
(9) مَوَاهِب الْجَلِيل لِلْحَطَّابِ 4 / 267 - 268، وجواهر الإِْكْلِيل 2 / 5.
(10) الْمَجْمُوعِ لِلنَّوَوِيِّ 9 / 229 - 230.
(11) مَوَاهِب الْجَلِيل لِلْحَطَّابِ 4 / 267 - 268، والمجموع لِلإِْمَامِ النَّوَوِيّ 9 / 229، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 4 / 284
(12) حَدِيث أَبِي الزُّبَيْر: " سَأَلَتْ جَابِرًا ﵁ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (3 / 1199 - ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) .
(13) الْمَجْمُوعِ لِلنَّوَوِيِّ 9 / 229 - 230، وانظر كُلًّا مِنْ مَوَاهِبَ الْجَلِيل 4 / 268 والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 4 / 284 - 285.
(14) حَدِيث جَابِر: " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْر ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (3 / 752 - ط حِمْص) والترمذي (3 / 577 - ط الْحَلَبِيّ) .
(15) مُغْنِي الْمُحْتَاج 4 / 207، والقليوبي وَعَمِيرَة 4 / 213، والمغني 8 / 338.
(16) الْمُغْنِي 8 / 338، وتحفة الْمُحْتَاج مَعَ الْحَوَاشِي 9 / 209 - 210، ونهاية الْمُحْتَاج 8 / 40 - 41، ومغني الْمُحْتَاج 4 / 207 والقليوبي 4 / 213.
(17) تُحْفَة الْمُحْتَاج مَعَ الْحَوَاشِي 9 / 209 - 210، ونهاية الْمُحْتَاج 8 / 40 - 41، ومغني الْمُحْتَاج 4 / 207 وقليوبي 4 / 213.
(18) تُحْفَة الْمُحْتَاج بِشَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَعَ حَاشِيَة الشرواني 9 / 210.
(19) نِهَايَة الْمُحْتَاجِ بِشَرْحِ الْمِنْهَاجِ 8 / 41، وحاشية الشرواني مَعَ تُحْفَة الْمُحْتَاج 9 / 210
(20) الْبَحْر الرَّائِق 8 / 232، وحاشية الطحطاوي 4 / 232، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 5 / 361.
(21) الْحَطَّاب 3 / 236.
(22) حَدِيث: " كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكَلَهُ حَرَام ". أَخْرَجَهُ مُسْلِم (3 / 1534 - ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁.
(23) حَدِيث: " الْهِرّ سَبْع ". أَخْرَجَهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ (2 / 442 - ط الميمنية) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ وذكره الهيثمي فِي مَجْمَع الزَّوَائِد (4 / 45 - ط الْقُدْسِيّ) وَقَال فِيهِ عِيسَى بْن الْمُسَيِّب وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم وَضِعْفه غَيْره.
(24) الْبِنَايَة 1 / 450، ومواهب الْجَلِيل 4 / 268، والدسوقي 2 / 117، ومغني الْمُحْتَاج 4 / 300، وتحفة الْمُحْتَاج مَعَ الْحَاشِيَتَيْنِ 9 / 380، والإنصاف 10 / 355، 360 - 361.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 264/ 42
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".