القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّبَبُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْحَبْل، وَلِمَا يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ (1) .
وَالاِتِّحَادُ صَيْرُورَةُ الشَّيْئَيْنِ شَيْئًا وَاحِدًا (2) . وَالْوَاحِدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِالْجِنْسِ كَالْحَيَوَانِ، أَوْ وَاحِدًا بِالنَّوْعِ كَالإِْنْسَانِ، أَوْ وَاحِدًا بِالشَّخْصِ كَزَيْدٍ (3) .
وَيُعَرِّفُ الْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ السَّبَبَ بِأَنَّهُ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي أَضَافَ الشَّارِعُ إِلَيْهِ الْحُكْمَ، وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ:
2 - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَلاَقَةِ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ، فَقِيل: هُمَا مُتَرَادِفَانِ، فَالتَّعْرِيفُ السَّابِقُ صَالِحٌ لَهُمَا. وَلاَ تُشْتَرَطُ فِي أَيٍّ مِنْهُمَا الْمُنَاسَبَةُ. وَعَلَى ذَلِكَ نَجْرِي فِي هَذَا الْبَحْثِ.
وَقِيل: إِنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ، فَالسَّبَبُ مَا كَانَ مُوَصِّلاً لِلْحُكْمِ دُونَ تَأْثِيرٍ (أَيْ مُنَاسَبَةٍ) ، كَزَوَال الشَّمْسِ، هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ صَلاَةِ الظُّهْرِ، وَالْعِلَّةُ مَا أَوْصَلَتْ مَعَ التَّأْثِيرِ، كَالإِْتْلاَفِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ (4) .
وَقِيل: بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فَكُل عِلَّةٍ سَبَبٌ، وَلاَ عَكْسَ.
وَاتِّحَادُ السَّبَبِ هُوَ تَمَاثُل الأَْسْبَابِ لأَِكْثَرَ مِنْ حُكْمٍ أَوْ تَشَابُهُهَا أَوْ كَوْنُهَا وَاحِدًا (5) .
ب - الاِتِّحَادُ وَالتَّدَاخُل:
3 - التَّدَاخُل: تَرَتُّبُ أَثَرٍ وَاحِدٍ عَلَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَتَدَاخُل الْكَفَّارَاتِ وَالْعِدَدِ (6) .
فَبَيْنَ اتِّحَادِ الأَْسْبَابِ وَتَدَاخُلِهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ، يَجْتَمِعَانِ فِي نَحْوِ تَعَدُّدِ بَعْضِ الْجِنَايَاتِ الْمُتَمَاثِلَةِ، كَتَكْرَارِ السَّرِقَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَطْعِ، فَالأَْسْبَابُ وَاحِدَةٌ وَتَدَاخَلَتْ. وَيَنْفَرِدُ التَّدَاخُل فِي الأَْسْبَابِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مُسَبَّبٌ وَاحِدٌ، كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالشُّرْبِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ. وَيَنْفَرِدُ الاِتِّحَادُ فِي نَحْوِ الإِْتْلاَفَيْنِ يَجِبُ فِيهِمَا ضَمَانَانِ، وَإِنِ اتَّحَدَا سَبَبًا (7) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - إِذَا وَرَدَ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ، وَاخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا، كَمَا إِذَا قَال: أَطْعِمْ فَقِيرًا، وَاكْسُ فَقِيرًا تَمِيمِيًّا، لَمْ يُحْمَل الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. وَنَقَل الْغَزَالِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ الْحَمْل عِنْدَ اتِّحَادِ السَّبَبِ، وَمَثَّل لَهُ بِالْيَدِ، أُطْلِقَتْ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ فِي قَوْلِهِ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (8) وَقُيِّدَتْ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ بِالْغَايَةِ إِلَى الْمَرَافِقِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (9) فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّهَا تُمْسَحُ فِي التَّيَمُّمِ إِلَى الْمَرَافِقِ.
وَإِنِ اتَّحَدَ الْحُكْمُ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ، فَإِنْ كَانَا مَنْفِيَّيْنِ عُمِل بِهِمَا اتِّفَاقًا، وَلاَ يُحْمَل أَحَدُهُمَا عَلَى الآْخَرِ؛ لأَِنَّهُ لاَ تَعَارُضَ، لإِِمْكَانِ الْعَمَل بِهِمَا، كَمَا تَقُول فِي الظِّهَارِ: لاَ تُعْتِقْ مُكَاتَبًا، وَلاَ تُعْتِقْ مُكَاتَبًا كَافِرًا، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْعَمَل بِالْكَفِّ عَنْهُمَا.
وَإِنْ كَانَا مُثْبَتَيْنِ (أَيْ فِي حَال اتِّحَادِ الْحُكْمِ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ) حُمِل الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا، عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، أَيْ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ جُهِل الْحَال، وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.
وَقِيل: إِنْ وَرَدَا مَعًا حُمِل الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لأَِنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لاَ يُوجِبُ الْمُتَنَافِيَيْنِ، وَالْمَعِيَّةُ قَرِينَةُ الْبَيَانِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} (10) مَعَ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ الَّتِي اشْتُهِرَتْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَمِنْ ذَلِكَ أَخَذَ الْحَنَفِيَّةُ وُجُوبَ التَّتَابُعِ فِي صِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
وَإِنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ الْمُقَيَّدِ فَهُوَ نَاسِخٌ لِلْمُطْلَقِ نَسْخًا جُزْئِيًّا، وَقِيل: يُحْمَل الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ بِأَنْ يُلْغَى الْقَيْدُ (11) .
وُقُوعُ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ:
5 - الْمُخْتَارُ جَوَازُ وُقُوعُ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، إِثْبَاتًا، كَالسَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ، وَالْغُرْمِ حِينَ يَتْلَفُ الْمَسْرُوقُ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ. أَوْ نَفْيًا، كَالْقَتْل عِلَّةٌ لِلْحِرْمَانِ مِنَ الإِْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ.
وَقِيل: يَمْتَنِعُ تَعْلِيل حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِيهَا؛ لأَِنَّ مُنَاسَبَتَهَا لِحُكْمٍ تُحَصِّل الْمَقْصُودَ مِنْهَا، فَلَوْ نَاسَبَتْ آخَرَ لَزِمَ تَحْصِيل الْحَاصِل. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ. وَالْقَوْل الثَّالِثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيل حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ إِنْ لَمْ يَتَضَادَّا بِخِلاَفِ مَا إِذَا تَضَادَّا، كَالتَّأْبِيدِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلاَنِ الإِْجَارَةِ (12) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
6 - يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ اتِّحَادَ السَّبَبِ - أَوِ اتِّحَادَ الْعِلَّةِ - فِي الطَّهَارَةِ فِي الْوُضُوءِ (13) ، وَالْغُسْل (14) ، وَفِي الصَّوْمِ (كَفَّارَةُ الصِّيَامِ) (15) وَفِي الإِْحْرَامِ (مُحَرَّمَاتُهُ) وَفِي الإِْقْرَارِ (تَكْرَارُ الإِْقْرَارِ) (16) وَفِي الْحُدُودِ (تَكْرَارُ الْقَذْفِ، وَالزِّنَى، وَالشُّرْبِ، وَالسَّرِقَةِ) (17) وَفِي الأَْيْمَانِ (كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) (18) وَفِي الْجِنَايَاتِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا.
وَعِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ يُذْكَرُ اتِّحَادُ السَّبَبِ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (19) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) القاموس
(2) التعريفات للجرجاني
(3) مفردات الراغب الأصفهاني (وحد) ، وتاج العروس (أحد) .
(4) جمع الجوامع وحاشية البناني 1 / 94 ط مصطفى الحلبي، ومسلم الثبوت 2 / 304 ط بولاق
(5) البحر الرائق 1 / 28 المطبعة، والفروق للقرافي 2 / 29 ط عيسى الحلبي، وشرح الروض 1 / 523 ط الميمنية، وفواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1 / 362
(6) كشاف اصطلاحات الفنون (دخل) .
(7) الفروق للقرافي 2 / 29
(8) المائدة / 6
(9) المائدة / 6
(10) سورة المائدة / 89
(11) شرح مسلم الثبوت 1 / 362، 364، وشرح جمع الجوامع 2 / 49، 50
(12) شرح جمع الجوامع 3 / 247
(13) ابن عابدين 1 / 81 ط الأولى.
(14) الفروق 2 / 29
(15) المرجع السابق، والبحر الرائق 2 / 298 ط الأولى، وشرح الروض 4 / 152، 153، ومطالب أولي النهى 6 / 209 ط المكتب الإسلامي.
(16) ابن عابدين 4 / 457
(17) الفروق 2 / 30، والخرشي 8 / 91 ط بولاق، والبدائع 9 / 4201 ط الإرشاد بجدة، وشرح الروض 4 / 152، ومطالب أولي النهى 6 / 209
(18) الفروق 2 / 30
(19) فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1 / 361، 362
الموسوعة الفقهية الكويتية: 199/ 1