الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِشْتِرَاطُ لُغَةً: مَصْدَرٌ لِلْفِعْل اشْتَرَطَ، وَاشْتَرَطَ مَعْنَاهُ: شَرَطَ. تَقُول الْعَرَبُ: شَرَطَ عَلَيْهِ كَذَا أَيْ أَلْزَمَهُ بِهِ، فَالاِشْتِرَاطُ يَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى مَعْنَى الشَّرْطِ.
وَالشَّرْطُ (بِسُكُونِ الرَّاءِ) لَهُ عِدَّةُ مَعَانٍ، مِنْهَا: إِلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ. قَال فِي الْقَامُوسِ: الشَّرْطُ إِلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، كَالشَّرِيطَةِ، (1) وَيُجْمَعُ عَلَى شَرَائِطَ وَشُرُوطٍ. وَالشَّرَطُ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) مَعْنَاهُ الْعَلاَمَةُ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَشْرَاطٍ.
وَاَلَّذِي يَعْنِي بِهِ الْفُقَهَاءُ هُوَ الشَّرْطُ (بِسُكُونِ الرَّاءِ) وَهُوَ إِلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ. فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمُوَكِّل عَلَى الْوَكِيل شَرْطًا فَلاَ بُدَّ لِلْوَكِيل أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهِ.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الْتِزَامِهَا وَعَدَمِ الْخُرُوجِ عَنْهَا. (2)
أَمَّا الاِشْتِرَاطُ فِي الاِصْطِلاَحِ، فَقَدْ عَرَّفَ الأُْصُولِيُّونَ الشَّرْطَ بِأَنَّهُ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَلاَ يَشْتَمِل عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ فِي ذَاتِهِ بَل فِي غَيْرِهِ. (3)
وَالشَّرْطُ بِهَذَا الْمَعْنَى يُخَالِفُ الْمَانِعَ، إِذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ. وَيُخَالِفُ السَّبَبَ، إِذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ. وَيُخَالِفُ جُزْءَ الْعِلَّةِ، لأَِنَّهُ يَشْتَمِل عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، لأَِنَّ جُزْءَ الْمُنَاسِبِ مُنَاسِبٌ. (4) 2 - وَالشَّرْطُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ قَدْ يَكُونُ عَقْلِيًّا، أَوْ شَرْعِيًّا، أَوْ عَادِيًّا، أَوْ لُغَوِيًّا، بِاعْتِبَارِ الرَّابِطِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَمَشْرُوطِهِ، إِنْ كَانَ سَبَبُهُ الْعَقْل، أَوِ الشَّرْعَ، أَوِ الْعَادَةَ، أَوِ اللُّغَةَ. وَهُنَاكَ أَقْسَامٌ أُخْرَى لِلشَّرْطِ يَذْكُرُهَا الأُْصُولِيُّونَ فِي كُتُبِهِمْ. وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ. (5)
3 - أَمَّا الشَّرْطُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الشَّرْطُ الْحَقِيقِيُّ (الشَّرْعِيُّ) ، وَثَانِيهَا: الشَّرْطُ الْجَعْلِيُّ. وَفِيمَا يَلِي مَعْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا:
أ - الشَّرْطُ الْحَقِيقِيُّ:
4 - الشَّرْطُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، كَالْوُضُوءِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلاَةِ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ لاَ تُوجَدُ بِلاَ وُضُوءٍ، لأَِنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا. وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَإِنَّهُ يُوجَدُ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُودِهِ وُجُودُ الصَّلاَةِ، وَلَكِنْ يَتَرَتَّبُ عَلَى انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ صِحَّةِ الصَّلاَةِ.
ب - الشَّرْطُ الْجَعْلِيُّ:
5 - الشَّرْطُ الْجَعْلِيُّ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الشَّرْطُ التَّعْلِيقِيُّ، وَهُوَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، كَالطَّلاَقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى دُخُول الدَّارِ، كَمَا إِذَا قَال لَهَا: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّ الطَّلاَقَ مُرَتَّبٌ عَلَى دُخُولِهَا الدَّارَ، فَلاَ يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الدُّخُول انْتِفَاءُ الطَّلاَقِ، بَل قَدْ يَقَعُ الطَّلاَقُ بِسَبَبٍ آخَرَ. (6) وَثَانِيهِمَا: الشَّرْطُ الْمُقَيَّدُ، وَمَعْنَاهُ الْتِزَامُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي أَمْرٍ وُجِدَ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ. (7) وَالاِشْتِرَاطُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ فِعْل الْمُشْتَرَطِ، بِأَنْ يُعَلِّقَ أَحَدَ تَصَرُّفَاتِهِ، أَوْ يُقَيِّدَهَا بِالشَّرْطِ، فَمَعْنَى الاِشْتِرَاطِ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ فِي الشَّرْطِ الْجَعْلِيِّ. وَسَيَأْتِي التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (شَرْطٌ)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّعْلِيقُ:
6 - فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ بَيْنَ الاِشْتِرَاطِ وَالتَّعْلِيقِ، بِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَا دَخَل عَلَى أَصْل الْفِعْل بِأَدَاتِهِ، كَإِنْ وَإِذَا، وَالشَّرْطُ مَا جُزِمَ فِيهِ بِالأَْصْل، وَشُرِطَ فِيهِ أَمْرٌ آخَرُ. (8)
وَقَال الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: إِنَّ التَّعْلِيقَ تَرْتِيبُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَى أَمْرٍ يُوجَدُ، بِإِنْ أَوْ إِحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَالشَّرْطُ الْتِزَامُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي أَمْرٍ وُجِدَ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ. (9)
الاِشْتِرَاطُ الْجَعْلِيُّ وَأَثَرُهُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ
7 - الاِشْتِرَاطُ الْجَعْلِيُّ قَدْ يَكُونُ تَعْلِيقِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ تَقْيِيدِيًّا، فَالاِشْتِرَاطُ التَّعْلِيقِيُّ. هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى يَعْتَبِرُهُ الْمُكَلَّفُ، وَيُعَلِّقُ عَلَيْهِ تَصَرُّفًا مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ، كَالطَّلاَقِ، وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ التَّعْلِيقَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْتِيبِ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَى أَمْرٍ يُوجَدُ، بِإِنْ أَوْ إِحْدَى أَخَوَاتِهَا. فَالاِشْتِرَاطُ التَّعْلِيقِيُّ هُوَ فِعْل الْمُشْتَرَطِ، كَأَنْ يُعَلِّقَ أَحَدَ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى الشَّرْطِ (10) .
هَذَا، وَلِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ شُرُوطٌ يَذْكُرُهَا الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ.
مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلاَقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَقَعُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لاَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا. (11)
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ أَمْرًا مُسْتَقْبَلاً، بِخِلاَفِ الْمَاضِي، فَإِنَّهُ لاَ مَدْخَل لِلتَّعْلِيقِ فِيهِ، فَهُوَ تَنْجِيزٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فِي الصُّورَةِ. (12)
وَمِنْهَا: أَلاَّ يَفْصِل بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ بِمَا يُعْتَبَرُ فَاصِلاً فِي الْعَادَةِ، فَإِنْ فَعَل ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ. (13)
وَلِلاِشْتِرَاطِ التَّعْلِيقِيِّ أَثَرُهُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ إِذَا اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِطُ، فَإِنَّ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَقْبَل التَّعْلِيقَ، وَمِنْهَا مَا لاَ يَقْبَلُهُ. (14)
التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي لاَ تَقْبَل التَّعْلِيقَ:
8 - مِنْهَا: الْبَيْعُ، وَهُوَ مِنَ التَّمْلِيكَاتِ، لاَ يَقْبَل الاِشْتِرَاطَ التَّعْلِيقِيَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ الْبَيْعَ فِيهِ انْتِقَالٌ لِلْمِلْكِ مِنْ طَرَفٍ إِلَى طَرَفٍ، وَانْتِقَال الأَْمْلاَكِ إِنَّمَا يَعْتَمِدُ الرِّضَا، وَالرِّضَا يَعْتَمِدُ الْجَزْمَ، وَلاَ جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ (15) .
وَمِنْهَا: النِّكَاحُ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي بَابِ النِّكَاحِ. (16)
التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَقْبَل الاِشْتِرَاطَ التَّعْلِيقِيَّ:
9 - مِنْهَا: الْكَفَالَةُ، فَإِنَّهَا تَقْبَل الاِشْتِرَاطَ التَّعْلِيقِيَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الأَْصَحِّ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. (17)
هَذَا، وَبِالنَّظَرِ إِلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي التَّصَرُّفَاتِ عَلَى اخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا مِنَ التَّمْلِيكَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ وَالاِلْتِزَامَاتِ وَالإِْطْلاَقَاتِ وَالإِْسْقَاطَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَالْوِلاَيَاتِ، فَإِنَّنَا نَجِدُهُمْ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ يَقْبَل الاِشْتِرَاطَ التَّعْلِيقِيَّ مُطْلَقًا، كَالتَّمْلِيكَاتِ، وَالْمُعَاوَضَاتِ، وَالأَْيْمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالإِْقْرَارِ. وَبَعْضُهَا يَقْبَل الاِشْتِرَاطَ التَّعْلِيقِيَّ مُطْلَقًا، كَالْوِلاَيَاتِ وَالاِلْتِزَامِ بِبَعْضِ الطَّاعَاتِ، كَالنَّذْرِ مَثَلاً وَالإِْطْلاَقَاتِ. وَبَعْضُهَا فِيهِ الْخِلاَفُ مِنْ حَيْثُ قَبُولِهِ الاِشْتِرَاطَ التَّعْلِيقِيَّ أَوْ عَدَمِ قَبُولِهِ لَهُ، كَالإِْسْقَاطَاتِ وَبَعْضِ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ وَغَيْرِهَا. وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحِ: (شَرْط) .
الاِشْتِرَاطُ التَّقْيِيدِيُّ وَأَثَرُهُ
10 - سَبَقَ أَنَّ الاِشْتِرَاطَ التَّقْيِيدِيَّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَعْنَاهُ: الْتِزَامُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي أَمْرٍ وُجِدَ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ. (18) أَوْ أَنَّهُ: مَا جُزِمَ فِيهِ بِالأَْصْل وَشُرِطَ فِيهِ أَمْرٌ آخَرُ (19) . فَالشَّرْطُ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الاِشْتِرَاطِ، لأَِنَّ الْتِزَامَ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي أَمْرٍ وُجِدَ، أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ آخَرَ بَعْدَ الْجَزْمِ بِالأَْصْل هُوَ الاِشْتِرَاطُ. وَلِهَذَا الشَّرْطُ أَثَرُهُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ إِذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ أَوِ الْبُطْلاَنِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ التَّصَرُّفَ إِذَا قُيِّدَ بِشَرْطٍ فَلاَ يَخْلُو هَذَا الشَّرْطُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلاً.
فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ صَحِيحًا، كَمَا لَوِ اُشْتُرِطَ فِي الْبَقَرَةِ كَوْنُهَا حَلُوبًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، لأَِنَّ الْمَشْرُوطَ صِفَةٌ لِلْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ، وَهِيَ صِفَةٌ مَحْضَةٌ لاَ يُتَصَوَّرُ انْقِلاَبُهَا أَصْلاً، وَلاَ يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ بِحَالٍ. (20)
وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلاً أَوْ فَاسِدًا، كَمَا لَوِ اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ، كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا. (21) وَكَمَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ دَارِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ، أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي لَمْ يَصِحَّ، لاِشْتِرَاطِهِ عَقْدًا آخَرَ، وَلِشَبَهِهِ بِنِكَاحِ الشِّغَارِ. (22)
وَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِل يَذْكُرُونَ لَهُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: صَحِيحٌ، وَفَاسِدٌ، وَبَاطِلٌ. وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الَّذِينَ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِل، وَيَقُولُونَ بِأَنَّهُمَا وَاحِدٌ، يَذْكُرُونَ لَهُ قِسْمَيْنِ: صَحِيحٌ، وَفَاسِدٌ أَوْ بَاطِلٌ. كَمَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَذْكُرُونَ لِلشَّرْطِ الصَّحِيحِ أَنْوَاعًا وَلِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ أَنْوَاعًا، وَإِنَّ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ مَا يُفْسِدُ التَّصَرُّفَ وَيُبْطِلُهُ، وَمِنْهَا مَا يَبْقَى التَّصَرُّفُ مَعَهُ صَحِيحًا. وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَرْط) .
ضَوَابِطُ الاِشْتِرَاطِ التَّقْيِيدِيِّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ
11 - الاِشْتِرَاطُ التَّقْيِيدِيُّ قِسْمَانِ: صَحِيحٌ، وَفَاسِدٌ أَوْ بَاطِلٌ. الْقِسْمُ الأَْوَّل: الاِشْتِرَاطُ الصَّحِيحُ:
12 - الاِشْتِرَاطُ الصَّحِيحُ ضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَل الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوْ مَا يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِهِ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَامُل بَيْنَ النَّاسِ. (23)
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَل الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُنَافِيهِ. (24)
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَل الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُحَقِّقُ مَصْلَحَةً مَشْرُوعَةً لِلْعَاقِدَيْنِ، أَوِ اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ. (25)
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَل الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوْ يُؤَكِّدُ مُقْتَضَاهُ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا أَجَازَ الشَّارِعُ اشْتِرَاطَهُ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُحَقِّقُ مَصْلَحَةً لِلْعَاقِدَيْنِ. (26)
الْقِسْمُ الثَّانِي: الاِشْتِرَاطُ الْفَاسِدُ أَوِ الْبَاطِل:
وَهَذَا النَّوْعُ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يُفْسِدُ التَّصَرُّفَ وَيُبْطِلُهُ، وَثَانِيهِمَا: مَا يَبْقَى التَّصَرُّفُ مَعَهُ صَحِيحًا. وَهَاكَ ضَابِطُ كُلٍّ مِنْهُمَا.
الضَّرْبُ الأَْوَّل: مَا يُفْسِدُ التَّصَرُّفَ وَيُبْطِلُهُ:
13 - ضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَدْرٍ غَيْرِ يَسِيرٍ، أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ مَحْظُورٍ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لأَِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِغَيْرِهِمَا، أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (إِذَا كَانَ هَذَانِ الأَْخِيرَانِ مِنْ أَهْل الاِسْتِحْقَاقِ) ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يُلاَئِمُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلاَ مِمَّا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَامُل بَيْنَ النَّاسِ، وَلاَ مِمَّا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ بِجَوَازِهِ. (27)
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ مَحْظُورٍ، أَوْ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَدْرٍ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ. (28)
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ، أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةٍ. (29)
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: اشْتِرَاطُ عَقْدَيْنِ فِي عَقْدٍ، أَوْ اشْتِرَاطُ شَرْطَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعَقْدِ (30) .
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يُبْطِل وَيَبْقَى التَّصَرُّفُ مَعَهُ صَحِيحًا:
14 - وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: كُل مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ أَوِ الْعُرْفِ دَلِيلٌ بِجَوَازِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لأَِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْل الاِسْتِحْقَاقِ. فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ بَاطِلاً. (31)
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ مِنِ الْعُيُوبِ، أَوِ اشْتِرَاطُ الْوَلاَءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ، أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ دُونَ الإِْخْلاَل بِمَقْصُودِهِ (32) . وَضَابِطُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: اشْتِرَاطُ مَا لاَ غَرَضَ فِيهِ، أَوْ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ دُونَ الإِْخْلاَل بِمَقْصُودِهِ. (1)
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةٍ، أَوْ أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ (2) .
هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ شُرُوطًا تَسْقُطُ إِذَا أَسْقَطَهَا الْمُشْتَرِطُ. وَضَابِطُهَا عِنْدَهُمْ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ، أَوْ يُخِل بِالثَّمَنِ فِيهِ، أَوْ يُؤَدِّي إِلَى غَدْرٍ فِي الْهِبَةِ (3)
__________
(1) القاموس المحيط مادة: (شرط) .
(2) لسان العرب، والصحاح مادة: (شرط) .
(3) الفروق للقرافي 1 / 59، 61 ط إحياء الكتب العربية.
(4) كشف الأسرار للبزدوي 4 / 173 ط دار الكتاب العربي، وأصول السرخسي 2 / 303 ط حيدر آباد، والتلويح على التوضيح 1 / 45.
(5) الفروق 1 / 61، 62، وانظر مصطلح (شرط) .
(6) التلويح على التوضيح 1 / 145، 146.
(7) غمز عيون البصائر للحموي 2 / 225 ط العامرة.
(8) المنثور للزركشي 1 / 371 ط وزارة أوقاف الكويت.
(9) الحموي على ابن نجيم 2 / 225 ط العامرة.
(10) راجع مصطلح (شرط) .
(11) تبيين الحقائق 2 / 243 ط دار المعرفة، وقليوبي وعميرة 3 / 342 ط الحلبي.
(12) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 376 ط الحلبي.
(13) كشاف القناع 5 / 284 ط الرياض.
(14) المنثور للزركشي 1 / 370 ط وزارة أوقاف الكويت، والفروق 1 / 228، 229 ط إحياء الكتب العربية، وجامع الفصولين 2 / 1 - 4 ط بولاق، وتبيين الحقائق 5 / 148، 149 ط دار المعرفة، والفتاوى الهندية 4 / 396 ط تركيا، وانظر مصطلح (شرط) .
(15) الفتاوى الهندية 4 / 396 ط تركيا، والفروق للقرافي 1 / 229 ط إحياء الكتب العربية، وقليوبي وعميرة 2 / 154، ومنتهى الإرادات 1 / 354 ط دار المعرفة.
(16) الفتاوى الهندية 4 / 396، ومواهب الجليل 3 / 446 ط النجاح، والمنثور 1 / 373، وكشاف القناع 5 / 98
(17) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 368، وتبيين الحقائق 5 / 148، ورد المحتار 5 / 354، والفتاوى الهندية 4 / 396، ومواهب الجليل 5 / 101، ومغني المحتاج 3 / 306 ط الحلبي، ومنتهى الإرادات 1 / 414، وراجع مصطلح (شرط، وكفالة) .
(18) الحموي على ابن نجيم 2 / 225 ط العامرة.
(19) المنثور 1 / 37.
(20) بدائع الصنائع 5 / 173، والشرح الكبير 3 / 108، ومغني المحتاج 3 / 24، وكشاف القناع 3 / 888.
(21) بدائع الصنائع 5 / 169، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 309، 310، ومغني المحتاج 3 / 33.
(22) كشاف القناع 3 / 193.
(23) بدائع الصنائع 5 / 171 - 174 ط الجمالية.
(24) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 65، 108.
(25) مغني المحتاج 2 / 33، 34، والمجموع للنووي 9 / 364 ط السلفية.
(26) كشاف القناع 3 / 188 - 190.
(27) بدائع الصنائع 5 / 168 - 170.
(28) الشرح الكبير 3 / 58، 309، 310.
(29) مغني المحتاج 2 / 30، 33، والمهذب للشيرازي 1 / 275.
(30) كشاف القناع 3 / 193 - 195.
(31) بدائع الصنائع 5 / 170.
(32) حاشية الدسوقي 3 / 65، 112، والخرشي 4 / 328 ط بولاق.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 304/ 4