المقدم
كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...
ما يعلق الحكم عليه بحيث يعدم بعدمه، ولا يلزم أن يوجد بوجوده . كالوضوء شرط صحة الصلاة .
الشَّرْطُ: الشَّيْءُ اللَّازِمُ، وَالجَمْعُ: شرُوطٌ وَشَرائِطٌ، وَالاشْتِراطُ: الالْتِزامُ، وَالشَّرْطُ أَيْضًا: الإِلْزَامُ بِالشَّيْءِ، تَقولُ: شَرَطَهُ عَلَيْهِ إِذَا أَلْزَمَهُ بِهِ، وَأَصْلُ كَلِمَةِ الشَّرْطِ مِنَ الإِشْراطِ وَهُوَ الإِعْلاَمُ وَالتَّمْيِيزُ، يُقالُ: أَشْرَطَ فُلانٌ نَفْسَهُ لِأَمْرِ كَذَا أَيْ أَعْلَمَهَا لَهُ، وَالشَّرَطُ: العَلَامَةُ، وَأَشْراطُ السَّاعَةِ: عَلاَمَاتُهَا، وَسُمِّيَ الشَّيْءُ اللَّازِمُ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةً عَلَى وُجودِ الشَّيْءِ وَحُصُولِهِ.
يَرِدُ ذِكْرُ الشَّرْطِ فِي أُصولِ الفِقه فِي أَبوابٍ عَديدةٍ كَبَابِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَبَابِ الاجْتهادِ، وَبَابِ القِياسِ وَغَيرِها. وَيُطْلقُ الشَّرْطُ عِنْدَ الفُقَهاءِ فِي مَواضِعَ مُخْتلفَةٍ كالبيعِ والنِّكاحِ بِمَعْنَى الشَّرْطِ الجَعْلِي وَهُوَ: (مَا يُوضَعُ فِي العَقْدِ مِنْ طَرَفِ العَاقِدَيْنِ لِيُلْتَزَمَ بِهِ).
شَرَطَ
ما يعلق الحكم عليه بحيث يعدم بعدمه، ولا يلزم أن يوجد بوجوده. كالوضوء شرط صحة الصلاة.
* معجم مقاييس اللغة : (ص:555)
* مختار الصحاح : (ص:354)
* تاج العروس : (404/19)
* شرح مختصر الروضة : (435/1)
* الفروق للقرافي : 62/1 - كشف الأسرار شرح أصول البزدوي : 202/4 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الشَّرْطُ بِسُكُونِ الرَّاءِ لُغَةً: إِلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ، وَيُجْمَعُ عَلَى شُرُوطٍ، وَبِمَعْنَى الشَّرْطِ الشَّرِيطَةُ وَجَمْعُهَا الشَّرَائِطُ. وَالشَّرَطُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ الْعَلاَمَةُ وَيُجْمَعُ عَلَى أَشْرَاطٍ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلاَمَاتُهَا (1) .
وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ لِذَاتِهِ (2) .
وَعَرَّفَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ بِأَنَّهُ: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ لاَ وُجُودُهُ، وَمَثَّل لَهُ بِالإِْحْصَانِ، فَإِنَّ تَأْثِيرَ الزِّنَا فِي الرَّجْمِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَ الإِْسْنَوِيُّ، وَأَمَّا نَفْسُ الزِّنَا فَلاَ؛ لأَِنَّ الْبِكْرَ قَدْ تَزْنِي (3) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الرُّكْنُ:
2 - رُكْنُ الشَّيْءِ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا لاَ وُجُودَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ إِلاَّ بِهِ، وَهُوَ الْجُزْءُ الذَّاتِيُّ الَّذِي تَتَرَكَّبُ الْمَاهِيَّةُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يَتَوَقَّفُ قِيَامُهَا عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرْطِ: هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ يَكُونُ خَارِجًا عَنِ الْمَاهِيَّةِ، وَالرُّكْنُ يَكُونُ دَاخِلاً فِيهَا فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ (4) .
ب - السَّبَبُ:
3 - السَّبَبُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ. فَالسَّبَبُ وَالشَّرْطُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِمَا الْعَدَمُ. وَلَكِنَّ السَّبَبَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ الْوُجُودُ، كَصَلاَةِ الظُّهْرِ سَبَبُهَا زَوَال الشَّمْسِ وَشَرْطُهَا الطَّهَارَةُ (5) .
ج - الْمَانِعُ:
4 - وَمَعْنَاهُ فِي الاِصْطِلاَحِ كَمَا ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ: هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ لِذَاتِهِ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى عَكْسُ الشَّرْطِ لأَِنَّ الشَّرْطَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ لِذَاتِهِ.
وَقَال ابْنُ السُّبْكِيِّ: الْمَانِعُ: هُوَ الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الْمُعَرِّفُ نَقِيضَ الْحُكْمِ كَالأُْبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ (6) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَانِعٌ) .
تَقْسِيمَاتُ الشَّرْطِ:
يَنْقَسِمُ الشَّرْطُ إِلَى مَا يَلِي:
5 - الأَْوَّل - الشَّرْطُ الْمَحْضُ: وَهُوَ مَا يَمْتَنِعُ بِتَخَلُّفِهِ وُجُودُ الْعِلَّةِ فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَتِ الْعِلَّةُ فَيَصِيرُ الْوُجُودُ مُضَافًا إِلَى الشَّرْطِ دُونَ الْوُجُوبِ، مِثَالُهُ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ وَاشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ.
ثُمَّ يَنْقَسِمُ الشَّرْطُ الْمَحْضُ إِلَى قِسْمَيْنِ: شُرُوطٌ شَرْعِيَّةٌ، وَشُرُوطٌ جَعْلِيَّةٌ.
فَالشُّرُوطُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الشَّارِعُ إِمَّا لِلْوُجُوبِ كَالْبُلُوغِ لِوُجُوبِ الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الأُْمُورِ التَّكْلِيفِيَّةِ، وَإِمَّا لِلصِّحَّةِ كَاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ. وَإِمَّا لِلاِنْعِقَادِ كَاشْتِرَاطِ الأَْهْلِيَّةِ لاِنْعِقَادِ التَّصَرُّفِ وَصَلاَحِيَّةِ الْمَحَل وَلِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ.
وَإِمَّا لِلُّزُومِ كَاشْتِرَاطِ عَدَمِ الْخِيَارِ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ، وَإِمَّا لِنَفَاذِ اشْتِرَاطِ الْوِلاَيَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا لِنَفَاذِ التَّصَرُّفِ.
وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَيِّ شَرْطٍ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ عَدَمُ الْحُكْمِ الْمَشْرُوطِ لَهُ فَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ لَزِمَ عَدَمُ وُجُوبِ الْفِعْل عَلَى الْمُكَلَّفِ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْفِعْل وَهَكَذَا، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الاِنْعِقَادِ بُطْلاَنُ التَّصَرُّفِ بِحَيْثُ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْ حُكْمٍ.
6 - وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْجَعْلِيَّةُ فَهِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي يَشْتَرِطُهَا الْمُكَلَّفُ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا كَالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَصِيَّةِ وَهُوَ نَوْعَانِ شَرْطٌ تَعْلِيقِيٌّ مِثْل إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (تَعْلِيقٌ) ، وَشَرْطٌ تَقْيِيدِيٌّ مِثْل وَقَفْتُ عَلَى أَوْلاَدِي مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَالِبًا لِلْعِلْمِ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الْجَعْلِيَّةُ تَنْقَسِمُ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:
(1) شَرْطٌ لاَ يُنَافِي الشَّرْعَ: بَل هُوَ مُكَمِّلٌ لِلشُّرُوطِ وَذَلِكَ كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلاً.(7) شَرْطٌ غَيْرُ مُلاَئِمٍ لِلْمَشْرُوطِ: بَل هُوَ مَنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَى الزَّوْجَةِ.
(8) شَرْطٌ لاَ يُنَافِي الشَّرْعَ مَا شُرِطَ فِيهِ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لأَِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَلَكِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَقْتَضِيهِ فَلاَ تُعْرَفُ مُلاَءَمَتُهُ أَوْ عَدَمُ مُلاَءَمَتِهِ لِلْعَقْدِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَ مَنْزِلاً عَلَى أَنْ يَسْكُنَهُ الْبَائِعُ مَثَلاً فَتْرَةً مَعْلُومَةً أَوْ يَسْكُنَهُ فُلاَنٌ الأَْجْنَبِيُّ.
وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَل خِلاَفٍ (9) . وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: شَرْطٌ هُوَ فِي حُكْمِ الْعِلَل:
7 - وَهُوَ شَرْطٌ لاَ تُعَارِضُهُ عِلَّةٌ تَصْلُحُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إِلَيْهَا فَيُضَافَ الْحُكْمُ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الشَّرْطَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ دُونَ الْوُجُوبِ فَصَارَ شَبِيهًا بِالْعِلَل، وَالْعِلَل أُصُولٌ لَكِنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ عِلَلاً بِذَوَاتِهَا اسْتَقَامَ أَنْ تَخْلُفَهَا الشُّرُوطُ، وَمِثَالُهُ حَفْرُ الْبِئْرِ، فَعِلَّةُ السُّقُوطِ هِيَ الثِّقَل لَكِنَّ الأَْرْضَ مَانِعٌ مِنَ السُّقُوطِ فَإِزَالَةُ الْمَانِعِ بِالْحَفْرِ صَارَ شَرْطًا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لاَ تَصْلُحُ لإِِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَيْهَا (وَهُوَ الضَّمَانُ) لأَِنَّ الثِّقَل أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ وَالْمَشْيُ مُبَاحٌ فَلاَ يَصْلُحَانِ لإِِضَافَةِ الضَّمَانِ إِلَيْهِمَا، فَيُضَافُ إِلَى الشَّرْطِ لأَِنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ لأَِنَّ الضَّمَانَ فِيمَا إِذَا حَفَرَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِخِلاَفِ مَا إِذَا أَوْقَعَ نَفْسَهُ (10) .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: شَرْطٌ لَهُ حُكْمُ الأَْسْبَابِ:
8 - وَهُوَ شَرْطٌ حَصَل بَعْدَ حُصُولِهِ فِعْل فَاعِلٍ مُخْتَارٍ غَيْرُ مَنْسُوبٍ ذَلِكَ الْفِعْل إِلَى الشَّرْطِ كَمَا إِذَا حَل قَيْدَ صَيْدٍ حَتَّى نَفَرَ لاَ يَضْمَنُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفًا لِمُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الْحَل لَمَّا سَبَقَ النُّفُورَ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ التَّلَفِ صَارَ كَالسَّبَبِ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى صُورَةِ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطُ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا (11) .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: شَرْطٌ اسْمًا لاَ حُكْمًا:
9 - وَهُوَ مَا يَفْتَقِرُ الْحُكْمُ إِلَى وُجُودِهِ وَلاَ يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَمِنْ حَيْثُ التَّوَقُّفُ عَلَيْهِ سُمِّيَ شَرْطًا، وَمِنْ حَيْثُ عَدَمُ وُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ لاَ يَكُونُ شَرْطًا حُكْمًا.
وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ فَخْرُ الإِْسْلاَمِ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ أَوَّل الشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ يُضَافُ إِلَى آخِرِهِمَا الْحُكْمُ فَإِنَّ كُل حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ فَإِنَّ أَوَّلَهُمَا شَرْطٌ اسْمًا لاَ حُكْمًا؛ لأَِنَّ حُكْمَ الشَّرْطِ أَنْ يُضَافَ الْوُجُودُ إِلَيْهِ وَذَلِكَ مُضَافٌ إِلَى آخِرِهِمَا فَلَمْ يَكُنِ الأَْوَّل شَرْطًا حُكْمًا بَل اسْمًا.
الْقِسْمُ الْخَامِسُ: شَرْطٌ هُوَ بِمَعْنَى الْعَلاَمَةِ الْخَالِصَةِ:
10 - وَذَلِكَ كَالإِْحْصَانِ فِي بَابِ الزِّنَا وَإِنَّمَا كَانَ الإِْحْصَانُ عَلاَمَةً لأَِنَّ حُكْمَ الشَّرْطِ أَنْ يَمْنَعَ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ إِلَى أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ وَهَذَا لاَ يَكُونُ فِي الزِّنَا بِحَالٍ.
لأَِنَّ الزِّنَا إِذَا وُجِدَ لَمْ يَتَوَقَّفْ حُكْمُهُ عَلَى إِحْصَانٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ، لَكِنَّ الإِْحْصَانَ إِذَا ثَبَتَ كَانَ مُعَرِّفًا لِحُكْمِ الزِّنَا فَأَمَّا أَنْ يُوجَدَ الزِّنَا بِصُورَتِهِ فَيَتَوَقَّفَ انْعِقَادُ عِلَّةٍ عَلَى وُجُودِ الإِْحْصَانِ فَلاَ يَثْبُتُ أَنَّهُ عَلاَمَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَمْ يَصْلُحْ عِلَّةً لِلْوُجُودِ وَلاَ لِلْوُجُوبِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَل لَهُ حُكْمُ الْعِلَل بِحَالٍ.
وَلِذَلِكَ لاَ يَضْمَنُ شُهُودُ الإِْحْصَانِ إِذَا رَجَعُوا عَلَى حَالٍ أَيْ سَوَاءٌ رَجَعُوا وَحْدَهُمْ أَمْ رَجَعُوا مَعَ شُهُودِ الزِّنَا (12) .
مَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّرْطُ الْجَعْلِيُّ بِقِسْمَيْهِ الْمُعَلَّقِ وَالْمُقَيَّدِ:
11 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ أُمُورٌ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ أَمْرًا مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ أَيْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لاَ يَكُونَ، وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا يُرْجَى الْوُقُوفُ عَلَى وُجُودِهِ، وَأَنْ لاَ يُوجَدَ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ (13) . وَأَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ أَمْرًا مُسْتَقْبَلاً بِخِلاَفِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ لاَ مَدْخَل لَهُ فِي التَّعْلِيقِ (14) . وَأَنْ لاَ يَقْصِدَ بِالتَّعْلِيقِ الْمُجَازَاةَ فَلَوْ سَبَّتْهُ بِمَا يُؤْذِيهِ فَقَال إِنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَنَجَّزَ الطَّلاَقُ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لأَِنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ إِيذَاءَهَا بِالطَّلاَقِ، وَأَنْ يُوجَدَ رَابِطٌ حَيْثُ كَانَ الْجَزَاءُ مُؤَخَّرًا وَإِلاَّ تَنَجَّزَ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْهُ التَّعْلِيقُ مَالِكًا لِلتَّنْجِيزِ أَيْ قَادِرًا عَلَى التَّنْجِيزِ وَهَذَا الأَْمْرُ فِيهِ خِلاَفٌ (15) .
يُنْظَرُ فِي (تَعْلِيقٌ ف 28 - 29 ج 12) . مَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّرْطُ الْمُقَيَّدُ:
يَخْتَصُّ الشَّرْطُ الْمُقَيَّدُ بِأَمْرَيْنِ:
12 - الأَْوَّل: كَوْنُهُ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى أَصْل التَّصَرُّفِ. فَقَدْ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ بِأَنَّ الشَّرْطَ مَا جُزِمَ فِيهِ بِالأَْصْل - أَيْ أَصْل الْفِعْل - وَشَرَطَ فِيهِ أَمْرًا آخَرَ (16) .
الثَّانِي: كَوْنُهُ أَمْرًا مُسْتَقْبَلاً وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ نُجَيْمٍ: أَنَّ الشَّرْطَ الْتِزَامُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي أَمْرٍ وُجِدَ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ (17) .
هَذَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ شَرْطِ التَّعْلِيقِ وَشَرْطِ التَّقْيِيدِ كَمَا ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ التَّعْلِيقَ مَا دَخَل عَلَى أَصْل الْفِعْل بِأَدَاتِهِ كَإِنْ وَإِذَا، وَالشَّرْطُ مَا جَزَمَ فِيهِ بِالأَْصْل وَشَرَطَ فِيهِ أَمْرًا آخَرَ (18) .
وَقَال الْحَمَوِيُّ: وَإِنْ شِئْتَ فَقُل فِي الْفَرْقِ إِنَّ التَّعْلِيقَ تَرْتِيبُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَى أَمْرٍ يُوجَدُ بِإِنْ أَوْ إِحْدَى أَخَوَاتِهَا وَالشَّرْطُ الْتِزَامُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي أَمْرٍ وُجِدَ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ (19) .
مَا يُعْرَفُ بِهِ الشَّرْطُ:
13 - يُعْرَفُ الشَّرْطُ بِصِيغَتِهِ بِأَنْ دَخَل فِي الْكَلاَمِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ فَكَانَ الْفِعْل الَّذِي دَخَل عَلَيْهِ شَرْطًا، وَصِيَغُهُ كَمَا ذَكَرَ الآْمِدِيُّ فِي الإِْحْكَامِ كَثِيرَةٌ وَهِيَ إِنِ الْخَفِيفَةُ، وَإِذَا، وَمَنْ، وَمَا، وَمَهْمَا، وَحَيْثُمَا، وَأَيْنَمَا، وَإِذْ مَا، وَأُمُّ هَذِهِ الصِّيَغِ " إِنْ " الشَّرْطِيَّةُ (20) .
وَيُعْرَفُ الشَّرْطُ أَيْضًا بِدَلاَلَتِهِ أَيْ بِالْمَعْنَى بِأَنْ يَكُونَ الأَْوَّل أَيْ مِنَ الْكَلاَمِ سَبَبًا لِلثَّانِي كَقَوْلِهِ: الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُ طَالِقٌ ثَلاَثًا، فَإِنَّهُ مُبْتَدَأٌ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنَى الشَّرْطِ. وَالأَْوَّل يَسْتَلْزِمُ الثَّانِيَ أَلْبَتَّةَ دُونَ الْعَكْسِ؛ لِوُقُوعِ الْوَصْفِ - وَهُوَ وَصْفُ التَّزَوُّجِ - فِي النَّكِرَةِ فَيَعُمُّ.
وَلَوْ وَقَعَ الْوَصْفُ فِي الْمُعَيَّنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ لَمَا صَلَحَ دَلاَلَةً عَلَى الشَّرْطِ؛ لأَِنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ فَبَقِيَ قَوْلُهُ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ فَيَلْغُو فِي الأَْجْنَبِيَّةِ، وَنَصُّ الشَّرْطِ يَجْمَعُ الْمُعَيَّنَ وَغَيْرَهُ حَتَّى لَوْ قَال إِنْ تَزَوَّجْتُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ أَوِ امْرَأَةً طَلُقَتْ إِذَا تَزَوَّجَ بِهَا. وَتَفْصِيل ذَلِكَ مَحَلُّهُ كُتُبُ الأُْصُول (21) .
الأَْثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالشَّرْطِ:
14 - يَذْكُرُ الأُْصُولِيُّونَ مَسْأَلَةً هَامَةً وَهِيَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالشَّرْطِ هَل يَمْنَعُ السَّبَبَ عَنِ السَّبَبِيَّةِ أَوْ يَمْنَعُ الْحُكْمَ عَنِ الثُّبُوتِ فَقَطْ لاَ السَّبَبَ عَنِ الاِنْعِقَادِ.
وَيُنْظَرُ الْخِلاَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مُصْطَلَحِ (تَعْلِيقٌ ف 30) .
وَلاَ يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
التَّخْصِيصُ بِالشَّرْطِ:
15 - الشَّرْطُ مِنَ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنَ الْكَلاَمِ، مَا لَوْلاَهُ لَدَخَل فِيهِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ (22) .
الاِسْتِدْلاَل بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ:
16 - تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّرْطِ بِكَلِمَةِ (إِنْ) أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (23) .
فِيهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ:
الأَْوَّل: ثُبُوتُ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ.
الثَّانِي: دَلاَلَةُ (إِنْ) عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: عَدَمُ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ.
الرَّابِعُ: دَلاَلَةُ (إِنْ) عَلَيْهِ. فَالثَّلاَثَةُ الأُْوَل لاَ خِلاَفَ فِيهَا، وَأَمَّا الأَْمْرُ الرَّابِعُ وَهُوَ دَلاَلَةُ (إِنْ) عَلَى عَدَمِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَهُوَ مَحَل الْخِلاَفِ وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
وَالأَْمْرُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (24) يَقْتَضِي تَكَرُّرَ الْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَ تَكَرُّرِ شَرْطِهِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الأَْمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الأَْمْرَ الْمُطْلَقَ لاَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلاَ يَدْفَعُهُ فَفِي كَوْنِهِ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ هُنَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ لاَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَوْ لاَ يَقْتَضِيهِ لاَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلاَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَوْ لاَ يَقْتَضِيهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَيَقْتَضِيهِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ خِلاَفٌ وَيُنْظَرُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
أَثَرُ الشَّرْطِ الْجَعْلِيِّ التَّعْلِيقِيِّ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ:
17 - يَظْهَرُ أَثَرُ الشَّرْطِ الْجَعْلِيِّ التَّعْلِيقِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِثْل الإِْجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ وَالْقِسْمَةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُضَارَبَةِ وَالنِّكَاحِ، وَالإِْبْرَاءِ وَالْوَقْفِ، وَالْحَجْرِ وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مُصْطَلَحِ " تَعْلِيقٌ ". أَثَرُ الشَّرْطِ التَّقْيِيدِيِّ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ:
18 - إِذَا قُيِّدَ التَّصَرُّفُ بِشَرْطٍ فَلاَ يَخْلُو هَذَا الشَّرْطُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلاً.
فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ صَحِيحًا كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ فِي الْبَقَرَةِ كَوْنَهَا حَلُوبًا فَالْعَقْدُ جَائِزٌ لأَِنَّ الْمَشْرُوطَ صِفَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوِ الثَّمَنِ، وَهِيَ صِفَةٌ مَحْضَةٌ لاَ يُتَصَوَّرُ انْقِلاَبُهَا أَصْلاً وَلاَ يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ بِحَالٍ (25) . وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلاً أَوْ فَاسِدًا كَمَا لَوِ اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا.
قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَجُمْلَةُ مَا لاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَيَبْطُل بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ. الْبَيْعُ وَالْقِسْمَةُ وَالإِْجَارَةُ وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَالإِْبْرَاءُ عَنِ الدَّيْنِ وَالْحَجْرُ عَنِ الْمَأْذُونِ وَعَزْل الْوَكِيل فِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَتَعْلِيقُ إِيجَابِ الاِعْتِكَافِ بِالشُّرُوطِ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَالإِْقْرَارُ وَالْوَقْفُ فِي رِوَايَةٍ (26) .
هَذَا وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُمُ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ التَّقْيِيدِيَّ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ. صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ وَبَاطِلٌ. وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَهُمُ الَّذِينَ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُمَا وَاحِدٌ إِلَى أَنَّهُ قِسْمَانِ: صَحِيحٌ وَبَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ.
الشَّرْطُ الصَّحِيحُ:
أ - ضَابِطُهُ:
19 - ضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَل الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوْ مَا يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِهِ أَوِ اشْتِرَاطِ مَا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَامُل.
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَل الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُنَافِيهِ.
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَل الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُحَقِّقُ مَصْلَحَةً مَشْرُوعَةً لِلْعَاقِدِ أَوِ اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ.
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَل الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوْ يُؤَكِّدُ مُقْتَضَاهُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا أَجَازَ الشَّارِعُ اشْتِرَاطَهُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُحَقِّقُ مَصْلَحَةً لِلْعَاقِدِ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيل ذَلِكَ:ب - أَنْوَاعُهُ:
20 - النَّوْعُ الأَْوَّل: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَل التَّصَرُّفِ وَقْتَ صُدُورِهِ وَهَذَا النَّوْعُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، فَإِنْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ كَاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَقَرَةِ الْمُشْتَرَاةِ حَلُوبًا (27)
النَّوْعُ الثَّانِي: اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَجَوَازُهُ أَيْضًا مَحَل اتِّفَاقٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لأَِنَّهُ بِمَثَابَةِ تَأْكِيدٍ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا لَوْ اشْتَرَطَ فِي الشِّرَاءِ التَّسْلِيمَ إِلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ لأَِنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَمِنْهَا أَيْضًا اشْتِرَاطُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الْعِوَضِ فَإِنَّهَا أُمُورٌ لاَزِمَةٌ لاَ تُنَافِي الْعَقْدَ بَل هِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ ( x662 ;) .
النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ مَا يُلاَئِمُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْحَنَفِيَّةِ.
قَال صَاحِبُ الْبَدَائِعِ فَهَذَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَكِنَّهُ يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ فَهُوَ لاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَإِنَّمَا هُوَ مُقَرِّرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُؤَكِّدٌ إِيَّاهُ فَيُلْحَقُ بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ. وَعِبَارَةُ الْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُ مَا يُلاَئِمُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلاَ يُنَافِيهِ. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ إِطْلاَقُ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ يُلاَئِمُهُ وَمُحَقِّقٌ مَصْلَحَةً لِلْعَاقِدِ وَمِثَالُهُ مَا لَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلاً وَالرَّهْنُ مَعْلُومٌ وَالْكَفِيل حَاضِرٌ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (28) .
النَّوْعُ الرَّابِعُ: اشْتِرَاطُ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ بِجَوَازِهِ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: اشْتِرَاطُ مَا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَامُل بَيْنَ النَّاسِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا النَّوْعَ الْحَنَفِيَّةُ سِوَى زُفَرَ، وَهُوَ مِمَّا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ لَكِنْ لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ (29) .
وَمِثَالُهُ إِذَا اشْتَرَى نَعْلاً عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ أَوْ جِرَابًا عَلَى أَنْ يَخْرُزَهُ لَهُ خُفًّا فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ جَائِزٌ لأَِنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا بِهِ فِي الْبَيْعِ كَمَا تَعَامَلُوا بِالاِسْتِصْنَاعِ فَسَقَطَ الْقِيَاسُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِتَعَامُل النَّاسِ (30) . النَّوْعُ السَّادِسُ: اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ نَفْعًا مُبَاحًا مَعْلُومًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْكُنَهَا شَهْرًا (31) .
الشَّرْطُ الْفَاسِدُ أَوِ الْبَاطِل:
21 - هُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيُبْطِلُهُ، وَثَانِيهِمَا: مَا يَبْقَى التَّصَرُّفُ مَعَهُ صَحِيحًا.
الضَّرْبُ الأَْوَّل: مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيُبْطِلُهُ.
أ - ضَابِطُهُ:
22 - ضَابِطُ هَذَا الضَّرْبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ غَيْرِ يَسِيرٍ أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ مَحْظُورٍ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لأَِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلاَ يُلاَئِمُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلاَ مِمَّا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَامُل بَيْنَ النَّاسِ وَلاَ مِمَّا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ بِجَوَازِهِ.
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ مَحْظُورٍ أَوْ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةٍ.
وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: اشْتِرَاطُ عَقْدَيْنِ فِي عَقْدٍ أَوِ اشْتِرَاطُ شَرْطَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعَقْدِ.
أَنْوَاعُهُ:
23 - لِهَذَا الضَّرْبِ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ تُؤْخَذُ مِنْ ضَوَابِطِهِ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ غَيْرِ يَسِيرٍ، وَهَذَا النَّوْعُ ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ. وَمِثَالُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا لَوِ اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ لأَِنَّهُ يَحْتَمِل الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ وَلاَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَال فَكَانَ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ.
وَمَثَّل لَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِعَسْبِ فَحْلٍ يُسْتَأْجَرُ عَلَى إِعْقَاقِ الأُْنْثَى حَتَّى تَحْمِل فَلاَ يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ وَلأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى غَبْنِ صَاحِبِ الأُْنْثَى إِنْ تَعَجَّل حَمْلَهَا وَإِلَى غَبْنِ صَاحِبِ الْفَحْل إِنْ تَأَخَّرَ الْحَمْل (32) .
النَّوْعُ الثَّانِي: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ مَحْظُورٍ (33) .
النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُخَالِفُ الشَّرْعَ (34) . النَّوْعُ الرَّابِعُ: اشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ أَوْ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَوْ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَمِثَالُهُ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْكُنَهَا مُدَّةً بَطَل الْبَيْعُ، أَوْ شَرَطَ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا. لَمْ يَصِحَّ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنْ لاَ تَحِل لَهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لاِشْتِرَاطِ مَا يُنَافِيهِ (35) .
النَّوْعُ الْخَامِسُ: اشْتِرَاطُ مَا يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةٍ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ إِلَى نِتَاجِ النِّتَاجِ فَهَذَا الْبَيْعُ لاَ يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ فِي الأَْجَل (36) .
النَّوْعُ السَّادِسُ: اشْتِرَاطُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ أَوِ اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ شَرْطًا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ الْبَيْعَ وَمِثَالُهُ كَمَا فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ مَا لَوِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ سَلَفًا أَيْ سَلَمًا أَوْ قَرْضًا بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً أَوْ شَرِكَةً أَوْ صَرْفَ الثَّمَنِ أَوْ صَرْفَ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرَ الثَّمَنِ فَاشْتِرَاطُ هَذَا الشَّرْطِ يُبْطِل الْبَيْعَ كَمَا صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ لِكَوْنِهِ مِنْ قَبِيل بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَكَقَوْلِهِ بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا أَوْ بِعْتُكَ إِنْ رَضِيَ فُلاَنٌ فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ لأَِنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَقْل الْمِلْكِ حَال التَّبَايُعِ وَالشَّرْطُ هُنَا يَمْنَعُهُ (37) .
النَّوْعُ السَّابِعُ: اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مِمَّا جَرَى بِهِ التَّعَامُل بَيْنَ النَّاسِ نَحْوُ مَا إِذَا بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَةً أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا شَهْرًا أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ أُسْبُوعًا أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي قَرْضًا أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ هِبَةً أَوْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْهُ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ أَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ قَمِيصًا أَوْ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ.
فَالْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَاسِدٌ كَمَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ لأَِنَّ زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْبَيْعِ تَكُونُ رِبًا لأَِنَّهَا زِيَادَةٌ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الرِّبَا وَالْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا أَوِ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا فَاسِدٌ (38) .
الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ:
24 - هُوَ مَا يَبْقَى التَّصَرُّفُ مَعَهُ صَحِيحًا
إِمَّا لأَِنَّ الْمُشْتَرِطَ أَسْقَطَهُ أَوْ يَبْقَى التَّصَرُّفُ مَعَهُ صَحِيحًا سَوَاءٌ أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ أَوْ لَمْ يُسْقِطْهُ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ قِسْمَانِ.
25 - أَحَدُهُمَا: مَا يُحْكَمُ مَعَهُ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ إِذَا أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَقْسَامِ الشَّرْطِ الْبَاطِل. وَضَابِطُهُ عِنْدَهُمُ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ أَوْ يُخِل بِالثَّمَنِ فِيهِ أَوْ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ فِي الْهِبَةِ، فَأَنْوَاعُهُ عَلَى هَذَا ثَلاَثَةٌ.
النَّوْعُ الأَْوَّل: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ كَأَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَبِيعَ أَوْ لاَ يَهَبَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ إِذَا أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ (39) .
النَّوْعُ الثَّانِي: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُخِل بِالثَّمَنِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى جَهَالَةٍ فِيهِ بِزِيَادَةٍ إِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ نَقْصٍ إِنْ كَانَ مِنَ الْبَائِعِ كَبَيْعٍ وَشَرْطِ سَلَفٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لأَِنَّ الاِنْتِفَاعَ بِالسَّلَفِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَهَذَا الشَّرْطُ إِنْ حَذَفَهُ الْمُشْتَرِطُ صَحَّ الْعَقْدُ (40) .
النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ وَمِثَالُهُ فِي الْهِبَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إِلَى آخَرَ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ سِنِينَ وَشَرَطَ الْوَاهِبُ أَنْ يُنْفِقَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَيْهِ أَيِ الْفَرَسِ فِي تِلْكَ السِّنِينَ ثُمَّ تَكُونَ الْفَرَسُ مِلْكًا لِلْمَدْفُوعِ لَهُ فَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْغَرَرِ (41) . 26 - الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يُحْكَمُ مَعَهُ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ سَوَاءٌ أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ أَوْ لَمْ يُسْقِطْهُ. وَهَذَا الْقِسْمُ يَتَنَاوَل الشُّرُوطَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي تَسْقُطُ وَيَصِحُّ مَعَهَا التَّصَرُّفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشُّرُوطَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي يَصِحُّ مَعَهَا التَّصَرُّفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي يَصِحُّ مَعَهَا التَّصَرُّفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ سَبَقَتْ ضَوَابِطُ ذَلِكَ.
وَأَنْوَاعُهُ مَا يَأْتِي:
27 - النَّوْعُ الأَْوَّل: ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ وَلَمْ يَرِدْ شَرْعٌ وَلاَ عُرْفٌ بِجَوَازِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لأَِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْل الاِسْتِحْقَاقِ.
وَمِثَالُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ شَرَطَ أَحَدُ الْمُزَارِعَيْنِ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنْ لاَ يَبِيعَ الآْخَرُ نَصِيبَهُ وَلاَ يَهَبَهُ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.
لأَِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأَِحَدٍ فَلاَ يُوجِبُ الْفَسَادَ وَهَذَا لأَِنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ فِي مِثْل هَذِهِ الشُّرُوطِ لِتَضَمُّنِهَا الرِّبَا وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْعَقْدِ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذَا الشَّرْطِ لأَِنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأَِحَدٍ إِلاَّ أَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِفَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ (42) .
النَّوْعُ الثَّانِي. ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ أَوْ مِنَ الاِسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا بَاعَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فِيهِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ وَلاَ عِبْرَةَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ (43) .
النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ أَوْ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ دُونَ الإِْخْلاَل بِمَقْصُودِهِ وَهَذَا النَّوْعُ ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا لَوِ اشْتَرَطَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودَعِ ضَمَانَهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا تَلِفَتْ فِي مَحَلٍّ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لأَِنَّ يَدَ الْمُودَعِ يَدُ أَمَانَةٍ فَلاَ يَضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي الْوَدِيعَةُ مِنَ الأَْمَانَاتِ فَلاَ يَضْمَنُ إِذَا تَلِفَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُلْغَى الشَّرْطُ وَتَصِحُّ الْوَدِيعَةُ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا لَوْ قَال: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً فَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ قَال مَعَ قَوْلِهِ: أَعْمَرْتُكَهَا فَإِذَا مِتُّ عَادَتْ إِلَيَّ أَوْ إِلَى وَارِثِي فَكَذَا هِيَ هِبَةٌ وَإِعْمَارٌ صَحِيحٌ فِي الأَْصَحِّ وَبِهِ قَطَعَ الأَْكْثَرُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَيَلْغُو ذِكْرُ الشَّرْطِ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَا لَوِ اشْتَرَطَ أَنْ لاَ خَسَارَةَ عَلَيْهِ أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ وَإِلاَّ رَدَّهُ فَهَذَا الشَّرْطُ لاَ يُبْطِل الْبَيْعَ (44) .
النَّوْعُ الرَّابِعُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةٍ أَوْ أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بَقَرَةً وَشَرَطَ أَنْ تُدِرَّ كُل يَوْمٍ صَاعًا فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ (45) .
__________
(1) الصحاح والقاموس واللسان والمصباح مادة (شرط) والتعريفات للجرجاني / 166 (ط. صبيح) .
(2) حاشية البناني على جمع الجوامع 2 / 20 (ط. حلب) .
(3) شرح البدخشي 2 / 108 - 109 (ط صبيح) .
(4) التعريفات / 149 (ط. دار الكتاب العربي) ، والكليات 2 / 395 - 396 (ط. الثانية) ، وحاشية ابن عابدين 1 / 61 - 64 ط. المصرية، وحاشية الجمل 1 / 328 ط. دار إحياء التراث.
(5) أصول السرخسي 2 / 301، 304 (ط. دار الكتاب العربي) ، والفروق للقرافي (1 / 61 - 62 ف الثالث (ط المعرفة) ، وحاشية البناني على جمع الجوامع 1 / 94 (ط. الحلبي) .
(6) الفروق للقرافي 1 / 62 (ط. المعرفة) ، جمع الجوامع مع حاشية البناني (1 / 98 ط. الحلبي) .
(7)
(8)
(9) كشف الأسرار 4 / 202 - 203، وفتح الغفار 3 / 74، والتلويح على التوضيح 1 / 120.
(10) فتح الغفار 3 / 74 (ط. الحلبي) ، كشف الأسرار 4 / 206 - 208 (ط. دار الكتاب العربي) ، أصول السرخسي 2 / 323 - 324.
(11) فتح الغفار 3 / 74 - 75 (ط. الحلبي) ، كشف الأسرار 4 / 212 (ط. دار الكتاب العربي) .
(12) فتح الغفار 3 / 75 (ط. الحلبي) ، كشف الأسرار 4 / 219 (ط. دار الكتاب العربي) .
(13) حاشية ابن عابدين 2 / 493 ط. المصرية، والأشباه والنظائر لابن نجيم / 367 (ط. الهلال) ، تبيين الحقائق 2 / 243 (ط. بولاق) ، جواهر الإكليل 1 / 243 - 244 (ط المعرفة) ، حاشية القليوبي 3 / 342 (ط. الحلبي) ، الإنصاف 9 / 104 (ط. الأولى) .
(14) الأشباه والنظائر للسيوطي / 376 (ط. الحلبي) .
(15) ابن عابدين 2 / 494 (ط. المصرية) ، الأشباه والنظائر لابن نجيم / 367 (ط. الهلال) ، فتح القدير 3 / 127 (ط. بولاق) ، الدسوقي 2 / 370 (ط. الفكر) ، الخرشي 4 / 37 - 38 (ط. بولاق) .
(16) المنثور 1 / 370 (ط. الأولى) ، الحموي على ابن نجيم 2 / 224 (ط. العامرة) .
(17) الحموي على ابن نجيم 2 / 225 (ط. العامرة) .
(18) المنثور 1 / 370 (ط. الأولى) .
(19) الحموي على ابن نجيم 2 / 225 (ط. العامرة) .
(20) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 2 / 309 - 310 (ط. المكتب الإسلامي) .
(21) فتح الغفار 3 / 75 (ط. الحلبي) ، كشف الأسرار للبزدوي 4 / 203 - 206 (ط. دار الكتاب العربي) .
(22) مسلم الثبوت 1 / 423 - 432 (ط. بولاق) .
(23) سورة الطلاق / 6.
(24) سورة المائدة / 6.
(25) بدائع الصنائع 5 / 169 (ط. جمالية) .
(26) الفتاوى الهندية 4 / 396.
(27) بدائع الصنائع (5 / 172 ط. الجمالية) ، الدسوقي (3 / 108 ط. الفكر) ، مغني المحتاج (2 / 34 ط. حلب) ، كشاف القناع (3 / 188 ط. النصر) .
(28) البدائع 5 / 171 (ط. الجمالية) ، الدسوقي 3 / 65 (ط. الفكر) ، المجموع 9 / 364 (ط. السلفية) ، كشاف القناع 3 / 189 (ط. النصر) .
(29) البدائع (5 / 174 ط، الجمالية) .
(30) البدائع 5 / 172 (ط. الجمالية) .
(31) مغني المحتاج 2 / 33 ط. حلب، وكشاف القناع 3 / 190 ط. النصر، وفتح الباري 4 / 299 (ط. البهية) ، وصحيح مسلم (2 / 1143 ط. حلب) .
(32) البدائع 5 / 168 ط. الجمالية، الدسوقي 3 / 58 (ط. الفكر) .
(33) البدائع (5 / 169 ط. الجمالية) .
(34) مغني المحتاج 2 / 33 (ط. حلب) .
(35) الدسوقي 3 / 309 - 310 (ط. الفكر) ، المهذب 1 / 275 (ط. حلب) ، كشاف القناع (5 / 97 ط. النصر) .
(36) مغني المحتاج (2 / 20 ط. حلب) .
(37) كشاف القناع 3 / 193 (ط. النصر) .
(38) البدائع 5 / 169 - 170 (ط. جمالية) ، مغني المحتاج (2 / 33 ط. حلب) ، المغني 4 / 93 - 95.
(39) الدسوقي 3 / 59 - 66 (ط. الفكر) .
(40) الدسوقي 3 / 66 - 67 (ط. الفكر) .
(41) جواهر الإكليل 2 / 215 (ط. المعرفة) ، التاج والإكليل هامش مواهب الجليل (6 / 61 - 62 ط. النجاح) .
(42) البدائع (5 / 170 ط. جمالية) .
(43) الدسوقي 3 / 112.
(44) الخرشي 4 / 328 (ط. بولاق) ، مغني المحتاج 2 / 308 (ط. حلب) ، (كشاف القناع 3 / 193 ط. النصر) .
(45) مغني المحتاج 2 / 33 - 34.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/ 26