الغفار
كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...
التَّعْرِيفُ:
1 - رُكِّبَ هَذَا الْمُصْطَلَحُ مِنْ لَفْظَيْنِ. أَوَّلُهُمَا: لَفْظُ بِسَاطٍ. وَثَانِيهِمَا: لَفْظُ الْيَمِينِ. وَأَوَّلُهُمَا مُضَافٌ إِلَى ثَانِيهِمَا. وَهُمَا يُسْتَعْمَلاَنِ فِي الْحَلِفِ. وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُمَا بِهَذِهِ الصُّورَةِ سِوَى فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ الْمُتَضَايِفَيْنِ لِلْوُصُول إِلَى تَعْرِيفِ الْمُرَكَّبِ الإِْضَافِيِّ.
مِنْ مَعَانِي الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ: الْقَسَمُ وَالْحَلِفُ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. (1)
وَفِي اصْطِلاَحِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ: تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ. (2) وَهَذَا أَدَقُّ تَعْرِيفٍ وَأَوْجَزُهُ، وَهُنَاكَ تَعَارِيفُ أُخْرَى لِلْيَمِينِ لاَ تَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.
2 - أَمَّا الْبِسَاطُ فَهُوَ: السَّبَبُ الْحَامِل عَلَى الْيَمِينِ إِذْ هُوَ مَظِنَّتُهَا فَلَيْسَ فِيهِ انْتِفَاعُ النِّيَّةِ، بَل هُوَ مُتَضَمِّنٌ لَهَا. وَضَابِطُهُ: صِحَّةُ تَقْيِيدِ يَمِينِهِ بِقَوْلِهِ: مَا دَامَ هَذَا الشَّيْءُ أَيِ الْحَامِل عَلَى الْيَمِينِ مَوْجُودًا. (3)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 - بِسَاطُ الْيَمِينِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ انْفَرَدُوا بِهَذَا التَّعْبِيرِ: هُوَ الْبَاعِثُ عَلَى الْيَمِينِ، وَالْحَامِل عَلَيْهَا.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُقَيِّدًا لِمُطْلَقِ الْيَمِينِ، أَوْ مُخَصِّصًا لِعُمُومِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ ظَالِمٌ فِي السُّوقِ فَقَال: وَاللَّهِ لاَ أَشْتَرِي لَحْمًا مِنْ هَذَا السُّوقِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَيِّدَ يَمِينَهُ بِوُجُودِ هَذَا الظَّالِمِ، فَإِذَا زَال هَذَا الظَّالِمُ جَازَ لَهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ مِنْ هَذَا السُّوقِ، وَلاَ يَكُونُ حَانِثًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ خَادِمُ الْمَسْجِدِ سَيِّئَ الْخُلُقِ، فَقَال: وَاللَّهِ لاَ أَدْخُل هَذَا الْمَسْجِدَ، ثُمَّ زَال هَذَا الْخَادِمُ، فَلَوْ دَخَل هَذَا الْمَسْجِدَ لاَ يَحْنَثُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَيِّدَ الْيَمِينَ بِقَوْلِهِ: مَا دَامَ هَذَا الْخَادِمُ مَوْجُودًا.
وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْبِسَاطِ أَلاَّ تَكُونَ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ، وَأَلاَّ يَكُونَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي هَذَا الْبَاعِثِ، وَالتَّقْيِيدُ بِهِ أَوِ التَّخْصِيصُ بِهِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ زَوَال هَذَا الْبَاعِثِ.
وَيُقَابِل بِسَاطَ الْيَمِينِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، مَا يُسَمَّى يَمِينَ الْعُذْرِ، كَمَنْ قَال لِزَوْجَتِهِ عِنْدَمَا تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ: وَاللَّهِ لاَ تَخْرُجِي، فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لاَ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ الَّذِي أَخَذَ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ الْحِنْثُ.
وَلَيْسَ هُنَاكَ دَخْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِلْبَاعِثِ عَلَى الْيَمِينِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، إِنْ عَامًّا فَعَامٌّ، أَوْ مُطْلَقًا فَمُطْلَقٌ، أَوْ خَاصًّا فَخَاصٌّ.
وَسَمَّى الْحَنَابِلَةُ بِسَاطَ الْيَمِينِ: سَبَبَ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا، وَاعْتَبَرُوا مُطْلَقَ الْيَمِينِ، إِذَا لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ شَيْئًا. (4) وَمَنْ أَرَادَ تَفْصِيل ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى مُصْطَلَحِ (أَيْمَان) .
__________
(1) الصحاح، ولسان العرب.
(2) جواهر الإكليل 1 / 224.
(3) الشرح الكبير 2 / 139، 140.
(4) فتح القدير 4 / 293، وبدائع الصنائع 3 / 13، والشرح الكبير للدردير 2 / 126ـ 140، والشرح الصغير 2 / 189ـ 228، وأسنى المطالب 4 / 250 - 252 ومطالب أولي النهى 6 / 381ـ390.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 81/ 8