الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْخُفْيَةُ فِي اللُّغَةِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا أَصْلُهَا مِنْ خَفَيْتُ الشَّيْءَ أُخْفِيهِ أَيْ سَتَرْتَهُ أَوْ أَظْهَرْتَهُ فَهُوَ مِنَ الأَْضْدَادِ. وَخَفِيَ الشَّيْءُ يَخْفَى خَفَاءً إِذَا اسْتَتَرَ. وَيُقَال: فَعَلْتُهُ خُفْيَةً إِذَا سَتَرْتَهُ، قَال اللَّيْثُ: الْخُفْيَةُ مِنْ قَوْلِكَ: أَخْفَيْتُ الشَّيْءَ: أَيْ سَتَرْتَهُ، وَلَقِيتُهُ خُفْيًا أَيْ سِرًّا (1)
وَفِي التَّنْزِيل: {ادْعُوَا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (2) . وَفِي الاِصْطِلاَحِ تُطْلَقُ عَلَى السَّتْرِ وَالْكِتْمَانِ دُونَ الإِْظْهَارِ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الاِخْتِلاَسُ:
2 - الاِخْتِلاَسُ: السَّلْبُ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ، وَلِهَذَا يُقَال: الْفُرْصَةُ خِلْسَةٌ. وَخَلَسْتُ الشَّيْءَ خَلْسًا إِذَا اخْتَطَفْتَهُ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ. وَاخْتَلَسْتُهُ كَذَلِكَ. فَالْمُخْتَلِسُ يَأْخُذُ الْمَال عِيَانًا وَيَعْتَمِدُ الْهَرَبَ، بِخِلاَفِ السَّارِقِ الَّذِي يَأْخُذُهُ خُفْيَةً (4) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
أَوَّلاً: الْخُفْيَةُ فِي الدُّعَاءِ:
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الدُّعَاءَ خُفْيَةً أَفْضَل مِنْهُ جَهْرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوَا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (5) . قَال الْقُرْطُبِيُّ: تَضَرُّعًا: أَنْ تُظْهِرُوا التَّذَلُّل، وَخُفْيَةً: أَنْ تُبْطِنُوا مِثْل ذَلِكَ (6) ، فَأَمَرَ اللَّهُ ﷿ عِبَادَهُ بِالدُّعَاءِ، وَقَرَنَ بِالأَْمْرِ صِفَاتٍ يَحْسُنُ مَعَهَا الدُّعَاءُ، مِنْهَا الْخُفْيَةُ وَمَعْنَى خُفْيَةً: سِرًّا فِي النَّفْسِ لِيَبْعُدَ عَنِ الرِّيَاءِ. وَبِذَلِكَ أَثْنَى عَلَى نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ قَال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (7) وَنَحْوُهُ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ، وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي (8) .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ السِّرَّ فِيمَا لَمْ يُفْرَضْ مِنْ أَعْمَال الْبِرِّ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْجَهْرِ، وَأَنَّ إِخْفَاءَ عِبَادَاتِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنَ الْجَهْرِ بِهَا لِنَفْيِ الرِّيَاءِ عَنْهَا، بِخِلاَفِ الْوَاجِبَاتِ؛ لأَِنَّ الْفَرَائِضَ لاَ يَدْخُلُهَا الرِّيَاءُ، وَالنَّوَافِل عُرْضَةٌ لِلرِّيَاءِ (9) .
وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ أُمُورًا مِنْهَا: التَّلْبِيَةُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِهِ أَوْلَى مِنَ الْخُفْيَةِ عَلَى أَنْ لاَ يُفَرِّطَ فِي الْجَهْرِ بِهِ (10) .
ثَانِيًا: الْخُفْيَةُ فِي السَّرِقَةِ:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأَْخْذَ عَلَى سَبِيل الاِسْتِخْفَاءِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ. فَقَدْ عَرَّفُوا السَّرِقَةَ بِأَنَّهَا: أَخْذُ الْعَاقِل الْبَالِغِ نِصَابًا مُحَرَّزًا مِلْكًا لِلْغَيْرِ لاَ شُبْهَةَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ (11) .
وَمَعَ اخْتِلاَفِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ السَّرِقَةِ وَشُرُوطِهَا فَإِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الأَْخْذُ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ، وَإِلاَّ لاَ يُعْتَبَرُ الأَْخْذُ سَرِقَةً، فَلاَ قَطْعَ عَلَى مُنْتَهِبٍ، وَلاَ عَلَى مُخْتَلِسٍ وَلاَ عَلَى خَائِنٍ، كَمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ، وَلاَ مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ (1) وَالْمُخْتَلِسُ وَالْمُنْتَهِبُ يَأْخُذَانِ الْمَال عِيَانًا وَيَعْتَمِدُ الأَْوَّل الْهَرَبَ، وَالثَّانِي الْقُوَّةَ وَالْغَلَبَةَ، فَيُدْفَعَانِ بِالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ، بِخِلاَفِ السَّارِقِ لأَِخْذِهِ خُفْيَةً فَيُشْرَعُ قَطْعُهُ زَجْرًا (2) .
وَفِي تَحَقُّقِ هَذَا الرُّكْنِ مِنْ كَوْنِ الْخُفْيَةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً مَعًا، أَوِ ابْتِدَاءً فَقَطْ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الأَْرْكَانِ وَالشُّرُوطِ بَيَانٌ وَتَفْصِيلٌ، وَفِي بَعْضِ الْفُرُوعِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (سَرِقَةٌ) .
__________
(1) المصباح المنير ولسان العرب مادة: " خفي " وتفسير القرطبي 7 / 9، 223.
(2) سورة الأعراف / 55.
(3) تفسير القرطبي 7 / 223، وحاشية ابن عابدين 3 / 192، 193، والبدائع 7 / 65، والشرح الصغير 4 / 469، وحاشية الجمل 5 / 138، وكشاف القناع 6 / 129.
(4) لسان العرب مادة: " خلس " وحاشية الجمل 5 / 139، والمطلع على أبواب المقنع ص375.
(5) سورة الأعراف / 55.
(6) تفسير القرطبي 7 / 9.
(7) سورة مريم / 3.
(8) حديث: " خير الذكر الخفي، وخير الرزق. . " أخرجه أحمد (1 / 172 - ط الميمنية) من حديث سعد بن أبي وقاص، وأورده الهيثمي في المجمع (10 / 81 - ط القدسي) وقال: " رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة. وقد وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين، وبقية رجالهما رجال الصحيح ".
(9) القرطبي 3 / 332، و7 / 224.
(10) حاشية ابن عابدين 2 / 175، وجواهر الإكليل 1 / 256، والقليوبي 2 / 114.
(11) الاختيار 4 / 102، وابن عابدين 3 / 192، والشرح الصغير للدردير 4 / 469، وحاشية الجمل 5 / 139، ومغني المحتاج 4 / 158، وكشاف القناع 6 / 129، والمغني لابن قدامة 8 / 240.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 219/ 19