التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
التَّعْرِيفُ:
1 - الرَّائِحَةُ وَالرِّيحُ فِي اللُّغَةِ: النَّسِيمُ طَيِّبًا كَانَ أَوْ نَتِنًا. يُقَال: وَجَدْتُ رَائِحَةَ الشَّيْءِ وَرِيحَهُ. وَالرَّائِحَةُ عَرَضٌ يُدْرَكُ بِحَاسَّةِ الشَّمِّ. وَقِيل: لاَ يُطْلَقُ اسْمُ الرِّيحِ إِلاَّ عَلَى الطَّيِّبِ (1) ، جَاءَ فِي الأَْثَرِ: أَنَّهُ ﷺ أَمَرَ بِالإِْثْمِدِ الْمُرَوَّحِ أَيِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ النَّوْمِ (2) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
تَرِدُ كَلِمَةُ " رَائِحَةٌ " فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي أَبْوَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَبِاخْتِلاَفِ الأَْبْوَابِ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا.
أ - الرَّائِحَةُ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ:
2 - الأَْصْل فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ الْخَبَثِ أَنْ يَكُونَ بِالْمَاءِ قَال تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (3) .
وَاشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ بَقَاءَ أَوْصَافِهِ الأَْصْلِيَّةِ وَهِيَ: اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ. فَإِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، كَرَائِحَتِهِ، بِشَيْءٍ خَالَطَهُ بِحَيْثُ لاَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ عُرْفًا، بَل يُضَافُ إِلَيْهِ قَيْدٌ لاَزِمٌ، كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَسْلُبُ عَنْهُ الطَّهُورِيَّةَ، فَيُصْبِحُ الْمَاءُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ إِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا، فَلاَ يَرْفَعُ حَدَثًا وَلاَ يُزِيل خَبَثًا وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا بِذَاتِهِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مَاءً مُطْلَقًا (4) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ عَنِ الْمَاءِ تَغَيُّرُ أَوْصَافِهِ إِنْ لَمْ يَزُل عَنْهُ طَبْعُ الْمَاءِ. وَطَبْعُ الْمَاءِ: كَوْنُهُ سَيَّالاً مُرَطِّبًا مُسَكِّنًا لِلْعَطَشِ (5) .
أَمَّا إِذَا حَصَل التَّغَيُّرُ بِمُجَاوِرٍ لِلْمَاءِ لَمْ يُخَالِطْهُ فَإِنَّهُ لاَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ مُجَرَّدُ تَرَوُّحٍ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (مِيَاهٌ) .
ب - رَائِحَةُ الطِّيبِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ:
3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُحْظَرُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَال مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَيُقْصَدُ بِهِ رَائِحَتُهُ كَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَنَحْوِهِمَا، أَمَّا مَا لاَ تُقْصَدُ رَائِحَتُهُ، كَالتُّفَّاحِ وَالأُْتْرُجِّ فَلاَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ طَيِّبَةً. وَانْظُرْ (إِحْرَامٌ) .
ج - الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ وَالرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ فِي الْمَسَاجِدِ:
4 - يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ الْمَسَاجِدِ، وَيُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ مِنْ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ، كَمَا يُكْرَهُ لِمَنْ أَكَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ دُخُول الْمَسَاجِدِ وَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَهُ صُنَانٌ أَوْ بَخَرٌ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ إِخْرَاجِ مَنْ بِهِ ذَلِكَ إِزَالَةً لِلأَْذَى (6) ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ أَخْرَجَ أَذًى مِنَ الْمَسْجِدِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ (7) ، وَقَال ﵊: مَنْ أَكَل ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا - أَوْ قَال: فَلْيَعْتَزِل مَسْجِدَنَا (8) . وَقَال: مَنْ أَكَل مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلاَ يَقْرَبْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَلاَ يَقْرَبْ مُصَلاَّنَا (9) .
وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِخْرَاجُ الرِّيحِ فِي الْمَسْجِدِ بِجَامِعِ الإِْيذَاءِ بِالرَّائِحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ (10) ، لِخَبَرِ: إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ (11) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِجَوَازِ ذَلِكَ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْمَسْجِدَ يُنَزَّهُ عَنِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ (12) . وَانْظُرْ: (مَسَاجِدُ) .
د - التَّلَفُ بِسَبَبِ الرَّائِحَةِ:
5 - إِذَا اتَّخَذَ مِنْ دَارِهِ - بَيْنَ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ - مَعْمَلاً لَهُ رَائِحَةٌ مُؤْذِيَةٌ، فَشَمَّهُ أَطْفَالٌ أَوْ غَيْرُهُمْ فَمَاتُوا بِذَلِكَ ضَمِنَ صَاحِبُ الدَّارِ، لِمُخَالَفَتِهِ الْعَادَةَ. وَإِنْ قَلَى أَوْ شَوَى فِي دَارِهِ مَا يُسَبِّبُ إِجْهَاضَ الْحَامِل إِنْ لَمْ تَأْكُل مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ إِلَيْهَا مَا يَدْفَعُ عَنْهَا الإِْجْهَاضَ بِعِوَضٍ إِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى الْعِوَضِ، وَإِلاَّ فَبِلاَ عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ مِنْهُ، فَإِنْ قَصَّرَ ضَمِنَ دِيَةَ الْجَنِينِ (13) . وَالتَّفْصِيل فِي بَابِ الدِّيَاتِ، وَمُصْطَلَحِ: (إِجْهَاضٌ، ف 9) .
هـ - ثُبُوتُ حَدِّ الشُّرْبِ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ:
6 - لاَ يَثْبُتُ حَدُّ الشُّرْبِ بِوُجُودِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ فِي فَمِ الشَّارِبِ فِي قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ، مِنْهُمْ: الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَقَالُوا: يُحْتَمَل أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِالْخَمْرِ أَوْ حَسِبَهَا مَاءً فَلَمَّا صَارَتْ فِي فَمِهِ مَجَّهَا، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا، أَوْ شَرِبَ شَرَابَ التُّفَّاحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ، وَبِوُجُودِ الاِحْتِمَال لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ؛ لأَِنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (14) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَثْبُتُ حَدُّ الشُّرْبِ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَلَدَ رَجُلاً وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ؛ وَلأَِنَّ الرَّائِحَةَ تَدُل عَلَى شُرْبِهِ لِلْخَمْرِ، فَأُجْرِيَ مَجْرَى الإِْقْرَارِ (15) .
وَالتَّفْصِيل فِي: (سُكْرٌ) . و - تَغَيُّرُ رَائِحَةِ لَحْمِ الْجَلاَّلَةِ أَوْ لَبَنِهَا:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْل لَحْمِ الْجَلاَّلَةِ وَشُرْبُ لَبَنِهَا إِذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُمَا بِالنَّجَاسَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ بِالتَّحْرِيمِ. وَانْظُرْ: (أَطْعِمَةٌ، جَلاَّلَةٌ) .
ز - مَنْعُ الزَّوْجَةِ مِنْ أَكْل مَا يَتَأَذَّى الزَّوْجُ مِنْ رَائِحَتِهِ:
8 - لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ تَنَاوُل مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ كَالثُّومِ، وَالْبَصَل وَنَحْوِهِمَا.
كَمَا لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى إِزَالَةِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ مِنْ بَدَنِهَا، وَثَوْبِهَا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ كَمَال الاِسْتِمْتَاعِ (16) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (نِكَاحٌ) .
__________
(1) لسان العرب، تاج العروس، المغرب، المصباح المنير.
(2) حديث: " أمر بالإثمد المروح عند النوم " أخرجه أبو داود (2 / 776 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث معبد بن هوذة، ثم قال: " قال لي ابن معين: هو حديث منكر ".
(3) سورة الفرقان / 48.
(4) أسنى المطالب 1 / 7 - 8، كشاف القناع 1 / 32، الزرقاني 1 / 11، الشرقاوي على التحرير 1 / 32 - 34
(5) الاختيار 1 / 14.
(6) كشاف القناع 2 / 365، وأسنى المطالب 1 / 215، وجواهر الإكليل 2 / 203، ومواهب الجليل 6 / 13.
(7) حديث: " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتًا في الجنة " أخرجه ابن ماجه 1 / 250 - ط الحلبي من حديث أبي سعيد الخدري، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 163 - ط دار الجنان) : " هذا إسناد ضعيف، ومسلم - هو ابن يسار - لم يسمع من أبي سعيد، ومحمد - يعني ابن صالح المدني - فيه لين ".
(8) حديث: " من أكل ثومًا أو بصلاً فليعتزلنا - أو قال: فليعتزل مسجدنا " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 239 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 394 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله
(9) حديث: " من أكل من هذه الشجرة الخبيثة (يعني الثوم) فلا يقربنا في المسجد ". وفي رواية: " فلا يقرب مصلانا ". أخرجه مسلم (1 / 395 - ط الحلبي) وأبو عوانة (1 / 412 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي سعيد الخدري، والرواية الأخرى لأبي عوانة.
(10) المصادر السابقة، وكشاف القناع 1 / 497.
(11) حديث: " إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم " أخرجه مسلم (1 / 395 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(12) مواهب الجليل 6 / 13.
(13) نهاية المحتاج 5 / 337، وحاشية عميرة على المحلي 3 / 90، وشرح الزرقاني 8 / 32.
(14) ابن عابدين 3 / 164، وأسنى المطالب 4 / 159، والمغني 8 / 317.
(15) شرح الزرقاني 8 / 113، ومواهب الجليل 6 / 317، والمغني لابن قدامة 8 / 309
(16) روضة الطالبين 7 / 137، وقليوبي 3 / 252، والمغني 7 / 29 - 30
الموسوعة الفقهية الكويتية: 40/ 22